فيروس «الكزاز الوليدي» ينتشر شمال اليمن لغياب اللقاحات

إهمال الانقلابيين أدّى إلى تفشي الأوبئة

عاملون صحيون يمنيون يقومون بحملات تطعيم ضد الأمراض (الأمم المتحدة)
عاملون صحيون يمنيون يقومون بحملات تطعيم ضد الأمراض (الأمم المتحدة)
TT

فيروس «الكزاز الوليدي» ينتشر شمال اليمن لغياب اللقاحات

عاملون صحيون يمنيون يقومون بحملات تطعيم ضد الأمراض (الأمم المتحدة)
عاملون صحيون يمنيون يقومون بحملات تطعيم ضد الأمراض (الأمم المتحدة)

أبدت مصادر يمنية طبية مخاوفها من تصاعد انتشار فيروس «الكزاز الوليدي»، خصوصاً في العاصمة المختطفة صنعاء وريفها ومدن أخرى تخضع لسيطرة الجماعة الحوثية، وذلك بالتوازي مع تأكيد منظمة أممية أن نسبة 64 في المائة من حالات «الكزاز» في الشرق الأوسط توجد في اليمن، بسبب انخفاض وصول النساء إلى التلقيح.

وبينما يُحذّر عاملون صحيون في صنعاء من كارثة صحية تواجهها معظم المناطق تحت سيطرة الانقلابيين، في ظل الحرب المستمرة ضد لقاحات الأمراض القاتلة، كشفت المصادر ذاتها لـ«الشرق الأوسط»، عن ظهور بلاغات وتقارير عدة تشير إلى وجود مئات من حالات الإصابات الجديدة بـ«الكزاز الوليدي» تم تسجيلها في قرى ومناطق متفرقة منذ مطلع العام الحالي.

ممرضتان بـ«الصحة العالمية» تقدمان الرعاية لطفل يمني حديث الولادة (الأمم المتحدة)

وأوضح العاملون الصحيون أن الحرب المستمرة وغياب اللقاحات واستمرار الإهمال المتعمد والفساد الذي تنتهجه الجماعة الحوثية بحق القطاع الصحي، ساعدت إلى درجة كبيرة في انتشار حالات الإصابة بـ«الكزاز» وأوبئة أخرى.

في غضون ذلك، أفادت «منظمة الصحة العالمية» بأن 64 في المائة من حالات «الكزاز الوليدي» في الشرق الأوسط توجد في اليمن، في ظل انخفاض وصول النساء اليمنيات إلى التلقيح.

وكشفت المنظمة الأممية، بتغريدة على منصة «إكس »، أن مرض «الكزاز» لا يزال يُشكل مصدر قلقٍ صحيٍّ كبيرٍ في اليمن، مشيرة إلى أن أكثر من 64 في المائة من جميع حالات «الكزاز» في إقليم شرق البحر الأبيض المتوسط توجد في اليمن.

وأرجعت «الصحة العالمية» أسباب ذلك الارتفاع إلى انخفاض حملات التحصين ضد المرض في البلاد. وذكرت أنه، وعلى الرغم من الجهود المبذولة، لا تزال التغطية بلقاح «الكزاز» منخفضة بنسبة تتراوح بين 17 و21 في المائة للنساء في سن الإنجاب.

يمنية تحمل طفلتها المريضة بمستشفى «السبعين» في صنعاء (أ.ف.ب)

وشددت المنظمة على الأهمية القصوى للتحصين ضد هذا المرض، مشيرة إلى أن التحديات التي تواجه حملات التحصين ضد ذلك الفيروس كبيرة، وأن هناك جهوداً جارية لتعزيز التغطية باللقاح، والحد من الوفيات بين حديثي الولادة.

وينتقل «الكزاز الوليدي» عن طريق العدوى ببكتيريا «كوليستريديم تيتاني» التي تدخل الجسم عن طريق قطع أو جرح مفتوح، خصوصاً في الحبل السري عند قصه بآلة غير معقمة، وتؤدي الإصابة بالبكتيريا إلى تشنجات في العضلات، خصوصاً في عضلات الفك، وفق ما ذكرته «الصحة العالمية».

جهود حكومية

ومع توالي كثير من الاتهامات لقادة الجماعة الحوثية التي تحكم قبضتها الكاملة على القطاع الطبي بمناطق سيطرتها، بمواصلة منع حملات اللقاحات الشاملة، خصوصاً حملة التحصين ضد فيروس «الكزاز الوليدي»، أطلقت الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً مطلع مارس (آذار) 2022، الجولة الثالثة من حملة تحصين النساء ضد ذلك المرض، استهدفت 408 آلاف امرأة من سن 15 إلى 49 عاماً في محافظات عدن، ولحج، وأبين، وشبوة، والمكلا، وسقطرى، والمهرة. بمشاركة نحو 856 فرقة صحية ثابتة ومتحركة.

وتعاني أغلبية المناطق، بينها تلك الخاضعة تحت سيطرة الجماعة الحوثية منذ عدة سنوات أعقبت الانقلاب والحرب، من أعلى معدلات سوء التغذية، كما يواجه نصف الأطفال دون سن الخامسة التقزّم المتوسط إلى الشديد، بينما يحتاج أزيد من 20 مليون يمني إلى المساعدة الصحية، بمن في ذلك 13 مليوناً من ذوي الاحتياجات الحادة.

ملايين الأطفال في اليمن يعانون سوء التغذية والحرمان من اللقاحات (رويترز)

وفي أحدث تقاريرها، حذّرت «الأمم المتحدة» من أن الأطفال والنساء في اليمن لا يزالون معرضين للخطر بسبب انتشار كثير من الأمراض الوبائية.

وأكدت أن اليمن يواجه في الوقت الحاضر تدهوراً كبيراً في الصحة العامة وازدياد هجمات تفشي الأمراض، مثل الحصبة والكوليرا والملاريا وحمى الضنك، مبينة أنه لا يزال هناك 18.2 مليون شخص يمني بحاجة ماسة إلى دعم، ومن المتوقع أن يواجه 17.6 مليون شخص نقصاً حاداً في الأمن الغذائي في 2024.


مقالات ذات صلة

سكان مباني الأوقاف في صنعاء مهددون بالتشرد

العالم العربي برج سكني تعود ملكيته للأوقاف في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء (فيسبوك)

سكان مباني الأوقاف في صنعاء مهددون بالتشرد

تعتزم الجماعة الحوثية تشريد سكان مباني الأوقاف الكائنة في منطقة عصر غرب العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء بعد عجزهم عن تسديد الإيجارات المفروضة عليهم.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي الحوثيون يزعمون مناصرة الفلسطينيين في غزة وأعينهم على المناطق اليمنية المحرَّرة (رويترز)

مخاوف يمنية من تدفق الميليشيات الموالية لإيران إلى صنعاء

أظهرت الحكومة اليمنية مخاوف من تدفق الميليشيات الإيرانية العابرة للحدود إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، خاصة بعد ظهور عناصر باكستانية في صنعاء.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي الأزمة الإنسانية في اليمن تتصاعد بسبب الصراع ونقص التمويل الإغاثي (إ.ب.أ)

1.3 مليون يمني يستفيدون من المساعدات الأميركية

ذكرت الوكالة الأميركية للتنمية أنها قدمت عبر الشركاء المساعدات لأكثر من 1.3 مليون يمني بما في ذلك المناطق الخاضعة للحوثيين

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي صورة وزّعها الحوثيون للطائرة المسيّرة التي استهدفت تل أبيب (أ.ف.ب)

خفوت هجمات الحوثيين خلال أسبوع من الضربات الإسرائيلية

خفتت هجمات الجماعة الحوثية ضد السفن، خلال أسبوع من الضربات الإسرائيلية على ميناء الحديدة، فيما واصل الجيش الأميركي عملياته الاستباقية الدفاعية ضد الجماعة.

علي ربيع (عدن)
العالم العربي منشأة نفطية يمنية حيث يعد إنتاج وتصدير النفط أحد أهم موارد الاقتصاد الهش (أرشيفية - غيتي)

اليمن بين إمكانية التعافي واستمرار اقتصاد الحرب

يرجح غالبية المراقبين أن استمرار الصراع في اليمن سيظل عائقاً أمام إمكانية السماح بالتعافي واستعادة نمو الأنشطة الاقتصادية واستقرار الأسعار وثبات سعر صرف العملة.

وضاح الجليل (عدن)

اليمن بين إمكانية التعافي واستمرار اقتصاد الحرب

استئناف تصدير النفط سيسمح بمعالجة الكثير من الأزمات الاقتصادية في اليمن (رويترز)
استئناف تصدير النفط سيسمح بمعالجة الكثير من الأزمات الاقتصادية في اليمن (رويترز)
TT

اليمن بين إمكانية التعافي واستمرار اقتصاد الحرب

استئناف تصدير النفط سيسمح بمعالجة الكثير من الأزمات الاقتصادية في اليمن (رويترز)
استئناف تصدير النفط سيسمح بمعالجة الكثير من الأزمات الاقتصادية في اليمن (رويترز)

تتوالى التأثيرات السلبية على الاقتصاد اليمني، إذ يرجح غالبية المراقبين أن استمرار الصراع سيظل عائقاً أمام إمكانية السماح بالتعافي واستعادة نمو الأنشطة الاقتصادية واستقرار الأسعار وثبات سعر صرف العملة المحلية وتحسين مستوى معيشة السكان.

وتشهد العملة المحلية (الريال اليمني) انهياراً غير مسبوق بعد أن وصل سعر الدولار الواحد خلال الأيام الأخيرة إلى 1890 ريالاً في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، في حين لا تزال أسعار العملات الأجنبية ثابتة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية بقرار انقلابي، كما يقول خبراء الاقتصاد الذين يصفون تلك الأسعار بالوهمية.

الانقسام المصرفي في اليمن يفاقم الأعباء الاقتصادية على المجتمع (رويترز)

وتتواصل معاناة اليمنيين في مختلف المناطق من أزمات معيشية متتالية؛ حيث ترتفع أسعار المواد الأساسية، وتهدد التطورات العسكرية والسياسية، وآخرها الضربات الإسرائيلية لميناء الحديدة، بالمزيد من تفاقم الأوضاع، في حين يتم التعويل على أن يؤدي خفض التصعيد الاقتصادي، الذي جرى الاتفاق حوله أخيراً، إلى التخفيف من تلك المعاناة وتحسين المعيشة.

ويعدّد يوسف المقطري، الأكاديمي والباحث في اقتصاد الحرب، أربعة أسباب أدت إلى اندلاع الحرب في اليمن من منظور اقتصادي، وهي ضعف مستوى دخل الفرد، وضعف هيكل نمو دخل الفرد، وهشاشة الدولة وعدم احتكارها العنف، وعندما تفقد الدولة القدرة على الردع، تبدأ الأطراف المسلحة بالصعود للحصول على الموارد الاقتصادية.

ويوضح المقطري لـ«الشرق الأوسط» أنه عندما لا يتم تداول السلطة من جميع القوى الاجتماعية والسياسية في البلد، تنشأ جهات انقلابية ومتمردة للحصول على السلطة والثروة والحماية، وإذا غابت الدولة المؤسساتية الواضحة، ينشأ الصراع على السلطة والثروة، والحرب تنشأ عادة في الدول الفقيرة.

طلاب يمنيون يتلقون التعليم في مدرسة دمرتها الحرب (البنك الدولي)

ويضيف أن اقتصاد الحرب يتمثل باستمرار الاقتصاد بوسائل بديلة لوسائل الدولة، وهو اقتصاد يتم باستخدام العنف في تسيير الاقتصاد وتعبئة الموارد وتخصيصها لصالح المجهود الحربي الذي يعني غياب التوزيع الذي تستمر الدولة في الحفاظ على استمراريته، بينما يعتاش المتمردون على إيقافه.

إمكانات بلا استقرار

أجمع باحثون اقتصاديون يمنيون في ندوة انعقدت أخيراً على أن استمرار الصراع وعدم التوصل إلى اتفاق سلام أو تحييد المؤسسات والأنشطة الاقتصادية سيجر الاقتصاد إلى مآلات خطيرة على معيشة السكان واستقرار البلاد.

وفي الندوة التي عقدها المركز اليمني المستقل للدراسات الاستراتيجية، عدّت الباحثة الاقتصادية رائدة الذبحاني اليمن بلداً يتمتع بالكثير من الإمكانات والمقدرات الاقتصادية التي تتمثل بالثروات النفطية والغاز والمعادن الثمينة والأحياء البحرية والزراعة وموقعها الاستراتيجي على ممرات طرق الملاحة الدولية، غير أن إمكانية حدوث الاستقرار مرهون بعوامل عدة، على رأسها الاستقرار السياسي والاجتماعي والأمني.

وترى الذبحاني ضرورة تكثيف الاستثمارات الاقتصادية وتشجيع القطاع الخاص بالدعم والتسهيلات لتشجيعه على الاستثمار في مشاريع صديقة للبيئة، مشددة على مشاركة المرأة في السياسات الاقتصادية لتحقيق التنمية الاقتصادية، وعدم إهدار طاقاتها الفاعلة في صنع القرار وإيجاد الحلول المبتكرة، وزيادة أعداد القوى العاملة، إذ يمكن أن تضيف المرأة ما نسبته 26 في المائة من الإنتاج المحلي.

سوق شعبية قديمة وبوابة أثرية في مدينة تعز اليمنية المحاصرة من الحوثيين طوال سنوات الحرب (رويترز)

وفي جانب الإصلاح المصرفي يشترط الباحث رشيد الآنسي إعادة هيكلة البنك المركزي ودعم إدارة السياسة النقدية، وتطوير أنظمة المدفوعات وأنظمة البنك المركزي والربط الشبكي بين البنوك باستثمارات بنكية وتحديث القوانين واللوائح والتعليمات المصرفية، وفقاً لمتطلبات المرحلة، وتقليص أعداد منشآت وشركات الصرافة وتشجيع تحويلها إلى بنوك عبر دمجها.

وركز الآنسي، في ورقته حول إعادة ھندسة البیئة المصرفیة الیمنیة بوصفها ركيزة حیویة لبناء اقتصاد حديث، على ضرورة إلزام شركات الصرافة بإيداع كامل أموال المودعين لديها والحوالات غير المطالب بها كوسيلة للتحكم بالعرض النقدي، ورفع الحد الأدنى من رأسمال البنوك إلى مستويات عالية بما لا يقل عن 100 مليون دولار، وعلى فترات قصيرة لتشجيع وإجبار البنوك على الدمج.

كما دعا إلى إلزام البنوك بتخصيص جزء من أسهمها للاكتتاب العام وإنشاء سوق أوراق مالية خاصة لبيع وشراء أسهم البنوك والحوكمة الحقيقية لها.

انكماش شامل

توقّع البنك الدولي، أواخر الشهر الماضي، انكماش إجمالي الناتج المحلي في اليمن بنسبة واحد في المائة خلال العام الحالي 2024، بعد أن شهد انكماشاً بنسبة 2 في المائة في العام الماضي، ونمواً متواضعاً بواقع 1.5 في المائة في العام الذي يسبقه.

يمنيون ينقلون المياه على ظهور الحمير إذ أدى الصراع إلى تدهور سبل المعيشة (أ.ف.ب)

وبيّن البنك أنه في الفترة ما بين عامي 2015 و2023، شهد اليمن انخفاضاً بنسبة 54 في المائة في نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي الحقيقي، ما يترك أغلب اليمنيين في دائرة الفقر، بينما يؤثر انعدام الأمن الغذائي على نصف السكان.

ويذهب الباحث الاقتصادي عبد الحميد المساجدي إلى أن السياسة والفعل السياسي لم يخدما الاقتصاد اليمني أو يعملا على تحييده لتجنيب السكان الكوارث الإنسانية، بل بالعكس من ذلك، سعى الحوثيون إلى ترسيخ نظام اقتصادي قائم على الاختلال في توزيع الثروة وتركزها بيد قلة من قياداتهم، مقابل تجويع القاعدة العريضة من المجتمع.

وأشار المساجدي، في مداخلته خلال الندوة، إلى أن هناك ملفات أخرى تؤكد استغلال الحوثيين الملف الاقتصادي لتحقيق مكاسب عسكرية وسياسية، كإنشاء منافذ جمركية مستحدثة، ووقف استيراد الغاز من المناطق المحررة، وإجبار التجار على استيراد بضائعهم عبر ميناء الحديدة، وغير ذلك الكثير.

منشأة نفطية يمنية حيث يعد إنتاج وتصدير النفط أحد أهم موارد الاقتصاد الهش (أرشيفية - غيتي)

وتحدث الباحث الاقتصادي فارس النجار حول القطاع الخدمي الذي يعاني بسبب الحرب وآثارها، مشيراً إلى تضرر شبكة الطرق والنقل، وتراجع إجمالي المسافة التي تنبسط عليها من أكثر من 70 ألف كيلومتر قبل الانقلاب، إلى أقل من 40 ألف كيلومتر حالياً، بعد تعرض الكثير منها للإغلاق والتخريب، وتحولها إلى مواقع عسكرية.

وتعرض النجار إلى ما أصاب قطاع النقل من أضرار كبيرة بفعل الحرب، تضاعفت أخيراً بسبب الهجمات الحوثية في البحر الأحمر، وهو ما ألحق أضراراً بالغة بمعيشة السكان، في حين وضعت الجماعة الحوثية يدها، عبر ما يعرف بالحارس القضائي، على شركات الاتصالات، لتتسبب في تراجع أعداد مستخدمي الهواتف المحمولة من 14 مليوناً إلى 8 ملايين، بحسب إحصائيات البنك الدولي.