تتسع هوة الخلاف بين مصر وإسرائيل بعد سيطرة الأخيرة على الجانب الفلسطيني من معبر «رفح»، إذ تتبع مصر «تصعيداً تدريجياً»، بدأ برفض التنسيق مع تل أبيب في إدارة المعبر، ووصل إلى اللحاق بجنوب أفريقيا في ركب محكمة «العدل الدولية».
تمسك القاهرة برفض التنسيق مع تل أبيب تزامن مع توقف جولات التفاوض بشأن الهدنة في قطاع غزة، ما يراه وزيران مصريان سابقان «ضغوطاً مصرية قوية على إسرائيل»، فيما وصف مختص بارز في الشؤون الإسرائيلية والدولية التحركات المصرية بـ«التصعيد التدريجي المنضبط».
وأعلنت الخارجية المصرية، الأحد، اعتزام القاهرة الانضمام إلى جنوب أفريقيا في دعوتها بمحكمة العدل الدولية ضد إسرائيل، مرجعة ذلك إلى «تفاقم حدة ونطاق الاعتداءات الإسرائيلية في قطاع غزة، والإمعان في الاستهداف المباشر للمدنيين وتدمير البنية التحتية في القطاع، ودفع الفلسطينيين للنزوح والتهجير خارج أرضهم».
جاء الإعلان غداة تأكيد مصدر مصري رفيع المستوى، لقناة «القاهرة الإخبارية»، أن «القاهرة رفضت التنسيق مع إسرائيل بشأن معبر رفح بسبب التصعيد الإسرائيلي غير المقبول».
وطالبت مصر، الأحد، على لسان وزير الخارجية سامح شكري إسرائيل بـ«تحمل مسؤوليتها إزاء إغلاق الجانب الفلسطيني من معبر رفح».
وزير الخارجية المصري الأسبق، نبيل فهمي، يرى أنه «لا مجال للتنسيق حالياً بين الجانبين، نظراً للتعارض بينهما في المواقف وسيطرة إسرائيل على المعبر من الجانب الفلسطيني». وأضاف فهمي لـ«الشرق الأوسط»: «لن يكون هناك قبول لأي إدارة للمعبر من جانب مصر، إلا لإدارة فلسطينية، كما كان من قبل»، مؤكداً أن «الوضع الإسرائيلي بالنسبة للمعبر حالياً غير شرعي ولن تشرعنه مصر».
وبشأن تأثير تعليق التنسيق المصري الإسرائيلي على سير مفاوضات الهدنة، يعتقد فهمي أن الحكومة الإسرائيلية بالأساس «لا تريد إنهاء الحرب، وفي أثناء المفاوضات بالقاهرة قامت بتوسيع عملياتها في رفح».
ويعدّ فهمي أن الخطوة المصرية تأتي في ظل «حكومة إسرائيلية يهمّها حالة التباطؤ لاعتبارات سياسية ذاتية، حيث تظن أن الإبقاء على مناخ التوتر يدعمها أمام الشعب الإسرائيلي وفي الخارج». ولا يستبعد فهمي أن «يتم الوصول لتهدئة، لكن لا يزال متشائماً بشأن ذلك في ظل التوجهات الإسرائيلية الحالية».
أما أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة الأميركية بمصر وجامعة القاهرة، المتخصص في الدراسات الفلسطينية والإسرائيلية، دكتور طارق فهمي، فيرى أن الموقف المصري الرافض للتنسيق بشأن المعبر «يعني أن القاهرة لا تريد أن تعطي أي شرعية لإسرائيل حيال الخطوة المنفردة».
وبالتالي، فإن القاهرة، وفق طارق فهمي، لا ترغب في «شرعنة هذا الوجود الإسرائيلي في رفح أو تعترف به، وتعلن ذلك». وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن مصر لن تتجاوب مع إسرائيل فيما فعلته، ولن تقوم بإدخال المساعدات من معابر أخرى كمعبر كرم أبو سالم، وهذه رسالة مصرية أولى، ضمن خطوات أخرى.
وفيما وصف إعلان القاهرة الانضمام لجنوب أفريقيا في قضيتها أمام «العدل الدولية» أنه «تصعيد تدريجي منضبط»، قال أيضاً إن وقف التنسيق في معبر رفح «بمثابة ضغوط تمارس ضمن مواقف عربية أخرى مماثلة، وسيكون له تأثير مباشر على المفاوضات» المتوقفة حالياً.
وبرغم إغلاق معبر رفح من الجانب الفلسطيني، واصلت القاهرة وفق ما أعلن الجيش المصري، السبت، تنفيذ عمليات جديدة لإسقاط أطنان من المساعدات الإنسانية، بالتعاون مع الأردن والإمارات، فوق قطاع غزة.
ويؤكد رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية، السفير محمد العرابي، لـ«الشرق الأوسط»، أهمية وقف التنسيق مع إسرائيل، مشيراً إلى أنه «أمر متوقع من مصر» بعد التصعيد الإسرائيلي في رفح.
ويشدد العرابي على أن «إسرائيل لن تقرر مصير المساعدات الإنسانية»، وأن مصر «حريصة على استمرار تدفق المساعدات من دون معوقات إسرائيلية». ويستبعد العرابي إمكانية أن تؤثر رسالة مصر، المتمثلة في وقف التنسيق مع إسرائيل بشأن المعبر، على المفاوضات التي تقودها القاهرة حالياً، قائلاً إن «مسار الحرب ليست له علاقة بموضوع المعبر، لكنه خاضع لتطور المفاوضات والموقف الأميركي».
ورغم المواقف التي وصفت بـ«التصعيد»، حرصت مصر على إظهار تمسكها باتفاقية السلام مع إسرائيل، وقال وزير الخارجية سامح شكري تعليقاً على توغل الجيش الإسرائيلي على حدودها، خلال مؤتمر صحافي، الأحد، إن «الاتفاقية خيار مصر الاستراتيجي منذ 40 عاماً، ولها آلياتها الخاصة التي تُفعّلها لبحث أي مخالفات، والتعامل معها إن وجدت».