توقعات أممية بتفاقم انعدام الأمن الغذائي في اليمن

المفوضية الأوروبية خصصت 96 مليون دولار للمساعدة

لم تتمكن المساعدات الإغاثية الموجهة إلى اليمن من الحد من الأزمة الإنسانية (أ.ب)
لم تتمكن المساعدات الإغاثية الموجهة إلى اليمن من الحد من الأزمة الإنسانية (أ.ب)
TT

توقعات أممية بتفاقم انعدام الأمن الغذائي في اليمن

لم تتمكن المساعدات الإغاثية الموجهة إلى اليمن من الحد من الأزمة الإنسانية (أ.ب)
لم تتمكن المساعدات الإغاثية الموجهة إلى اليمن من الحد من الأزمة الإنسانية (أ.ب)

توقع تقرير أممي حديث تفاقم أزمة انعدام الأمن الغذائي في اليمن خلال الأشهر القليلة المقبلة، نتيجة انخفاض المساعدات وتبعات أحداث البحر الأحمر، وضعف العملة المحلية، في حين أعلنت المفوضية الأوروبية عن تخصيص نحو 96 مليون دولار كتمويل للمساعدات الإنسانية في اليمن خلال العام الحالي.

وقالت المفوضية في تقرير لها إن هذا المخصص يأتي في إطار التزام الاتحاد الأوروبي لتلبية الاحتياجات المنقذة للحياة، وحماية ملايين الضعفاء، بمن في ذلك النازحون قسراً والمهاجرون، وكتمويل أولي للمساعدات الإنسانية في اليمن هذا العام، ضمن أولوياتها التشغيلية للمساعدات الإنسانية.

يمنية تنقل الماء إلى خيمتها في مخيم للنازحين بالقرب من صنعاء (غيتي)

وتراجعت مساعدات المفوضية الأوروبية المقدمة إلى اليمن هذا العام بمقدار الثلث عن العام الماضي الذي وصلت فيه إلى أكثر من 145 مليون يورو، وبذلك يكون ما قدمته المفوضية إلى اليمن منذ عام 2015 ما يقارب 1.5 مليار يورو (نحو 1.6 مليار دولار) كدعم للاستجابة للأزمة في اليمن، بينها أكثر من مليار يورو في الجانب الإنساني و487 مليون يورو في الجانب التنموي.

ويأتي انخفاض المساعدات الأوروبية المقدمة إلى اليمن هذا العام، بالرغم من زيادة ميزانية المفوضية بشأن المساعدات لمواجهة توسع الصراعات في العديد من دول العالم وتفاقم الاحتياجات الإنسانية فيها، بمقدار 248 مليون يورو لهذا العام، فبعد أن قدمت ملياراً و592 مليون يورو العام الماضي، رفعت ميزانية مساعداتها إلى مليار و840 مليوناً هذا العام.

استجابة سيئة

ووصف جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية الاستجابة الإنسانية من أجل بلاده بالسيئة، مبيناً أنها لم توفر حاجات ملايين اليمنيين من الغذاء، بعد كل هذه الأعوام، ورغم كل الأموال التي جرى تقديمها، والتي تقارب عشرين مليار دولار، مرجعاً السبب في ذلك إلى سوء إدارة هذه المساعدات، وتهميش الجانب الحكومي خلال عمليات إدارتها وتقديمها.

ويذهب بلفقيه في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى ضرورة وجود معالجات محلية عاجلة لوصول المساعدات إلى المستهدفين من جهة، ورفع التكلفة عن السكان بحلول تضع حدوداً لأسعار المواد الأساسية، خصوصاً مع توقف الكثير من المساعدات الدولية بسبب الفساد وعدم الجدوى، إلى جانب ظهور أزمات أخرى بسبب الحروب في عدد من الدول.

يمنية نازحة تعد الطعام لأطفالها بجوار خيمتها في مخيم للنازحين في محافظة لحج (إ.ب.أ)

ويتفق أحد قيادات وزارة الإدارة المحلية في الحكومة اليمنية مع رئيس لجنة الإغاثة في ضرورة وجود حلول محلية تساهم في تخفيف آثار الأزمة الإنسانية على السكان، من خلال تحمل رجال الأعمال والقطاع الخاص بعض المسؤولية مع تراجع التمويلات الدولية، على أن تتولى الحكومة اليمنية تنظيم وترتيب برامج وآليات تنظيم وتوجيه مساهمات رجال الأعمال في ذلك.

واستغرب القيادي الحكومي الذي طلب من «الشرق الأوسط» عدم ذكر اسمه، لعدم امتلاكه صلاحيات الحديث إلى وسائل الإعلام، من عدم وجود ضغوط دولية على الجماعة الحوثية لوقف حربها الاقتصادية على الحكومة اليمنية، والسماح بتصدير النفط، منتقداً التقصير في تفعيل الصادرات النفطية والسمكية، وإدارة الأزمة الاقتصادية، والاكتفاء بإلقاء اللوم على الجماعة الحوثية وأعمالها العدائية.

أزمة غذاء

وفي أحدث تقرير لها ذكرت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو)، أنه من المتوقع تفاقم انعدام الأمن الغذائي في معظم أنحاء اليمن خلال الفترة المقبلة مع احتمالية أن يصل إلى ذروته خلال شهري يونيو (حزيران) ويوليو (تموز) المقبلين، بعد انخفاض المساعدات الغذائية العامة التي يقدمها برنامج الغذاء العالمي في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية.

وأكد التقرير أن تبعات أزمة وصراع البحر الأحمر ساهمت في ذلك، إلى جانب ضعف العملة المحلية في مناطق سيطرة الحكومة، والانخفاض المتوقع في التحويلات المالية الخارجية إلى اليمن نتيجة العقوبات المفروضة على الجماعة الحوثية، وغير ذلك من العوامل الموسمية.

أطفال نازحون في اليمن وسط توقع تفاقم انعدام الأمن الغذائي خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

وأجرت المنظمة الأممية مسحاً استقصائياً أواخر فبراير (شباط) وأوائل مارس (آذار) الماضيين، شمل 2500 عائلة، في 22 محافظة، وبمعدل 110 عائلات في كل محافظة، حول انعدام الأمن الغذائي، وكشف المسح عن فجوة كبيرة بين الحاجة والاستهلاك الغذائيين لدى معظم العائلات، وبصورة غير مسبوقة خلال الأعوام الماضية.

ويظهر التقرير أن غالبية المؤشرات التي خلص إليها فريق المسح كانت أسوأ في المحافظات الخاضعة لسيطرة الجماعة الحوثية رغم أن الاستهلاك غير الكافي للغذاء كان أعلى في المناطق المحررة؛ إذ وصل عدم كفاية الاستهلاك الغذائي في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية إلى 47.3 في المائة مقابل 53.5 في المائة بالمناطق الأخرى.

وشهدت خمس محافظات ضمن سيطرة الجماعة الحوثية معدلات انتشار انعدام الأمن الغذائي بدرجات أعلى من المتوسط العام على مستوى البلاد، وهي محافظات: حجة بنسبة 84.1 في المائة، والحديدة بنسبة 80.0 في المائة، والبيضاء بـ75.9 في المائة، والجوف بـ73.7 في المائة، وريمة بـ71.5 في المائة.

الأكثر تضرراً

وتعد محافظتا الجوف وحجة الأكثر تضرراً في اليمن من توقف المساعدات الغذائية المقدمة من برنامج الغذاء العالمي، حيث ارتفعت نسبة الاستهلاك غير الكافي من الغذاء فيهما على أساس شهري، في حين وصلت إلى فوق المتوسط خلال 12 شهراً ماضياً في محافظات الضالع والحديدة وحضرموت وإبّ ولحج وتعز.

من المتوقع أن يؤدي توقف المساعدات في اليمن إلى تفاقم الأزمة الإنسانية (غيتي)

ودعت «الفاو» إلى الإسراع بتقديم المساعدات الغذائية الطارئة ودعم سبل العيش في المناطق والمحافظات الأكثر احتياجاً.

ويرى الباحث الاقتصادي اليمني عادل شمسان أن الأمم المتحدة ومختلف المنظمات التي تقدم المساعدات الإنسانية في اليمن تواجه الكثير من الإشكالات والاختلالات في كيفية التشغيل وإيصال المساعدات، إلى جانب ارتفاع التكلفة التشغيلية، وذهاب أموال المساعدات في الإنفاق على هذا الجانب، ما يعطل من القدرة على الوفاء بالاحتياجات الإنسانية وسد فجواتها الهائلة.

ويرى شمسان في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن المجتمع الدولي معنيّ بمراعاة الوضع الإنساني المعقد في اليمن، والذي يتفاقم مع استمرار الصراع وعدم وجود أفق لإنهائه، مطالباً بعودة المؤسسات العامة التي تديرها الجماعة الحوثية إلى أداء واجباتها تجاه السكان، وإعادة صرف رواتب الموظفين العموميين وتقديم خدمات الرعاية الاجتماعية.

وشدد على ضرورة تكثيف المساعدات الإنسانية إلى المتضررين، بالتزامن مع إيجاد بدائل تنموية مستدامة تساعدهم على الاستقرار ومواجهة متطلباتهم المعيشية والأساسية.


مقالات ذات صلة

البرنامج السعودي لإعمار اليمن يعزز دعم سبل العيش

العالم العربي تأهيل الطرقات وتحسين البنية التحتية التي تأثرت بالحرب والانقلاب  (موقع البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن)

البرنامج السعودي لإعمار اليمن يعزز دعم سبل العيش

تقرير حديث للبرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن حول مساهماته في بناء القدرات واستثمار طاقات الشباب اليمني لتحسين حياتهم وخدمة مجتمعهم وبناء مستقبل واعد.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي الحكومة اليمنية تراهن على قطاعي النفط والاتصالات لتحسين الإيرادات (إعلام محلي)

خطوات يمنية لمحاسبة مسؤولين متهمين بالفساد

أحال رئيس الحكومة اليمنية، أحمد بن مبارك، رئيس مؤسسة نفطية إلى النيابة للتحقيق معه، بعد أيام من إحالة مسؤولين في مصافي عدن إلى المحاكمة بتهمة الفساد.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

تتزايد مخاطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بسبب تفاقم الأزمة الاقتصادية، في حين تتصاعد الدعوات لإجراء حلول عاجلة ودائمة تمكن الحكومة من السيادة على الموارد.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي طفل يمني يزور مقبرة لقتلى الحوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

ارتكبت جماعة الحوثيين في اليمن موجةً جديدةً من الانتهاكات بحق قطاع التعليم شملت إطلاق حملات تجنيد إجبارية وإرغام المدارس على تخصيص أوقات لإحياء فعاليات تعبوية

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي الأمطار في اليمن تترك مخيمات النازحين بأوضاع سيئة (المجلس النرويجي للاجئين)

نصف سكان اليمن يواجهون تهديدات زائدة بسبب تغير المناخ

نبه البنك الدولي إلى المخاطر الزائدة التي يواجهها اليمن نتيجة لتغير المناخ وأكد أن سكاناً كثيرين يواجهون تهديدات مثل الحرارة الشديدة والجفاف والفيضانات

محمد ناصر (تعز)

انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
TT

انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)

ارتكبت جماعة الحوثيين في اليمن موجةً من الانتهاكات بحق قطاع التعليم ومنتسبيه شملت إطلاق حملات تجنيد إجبارية وإرغام المدارس على تخصيص أوقات لإحياء فعاليات تعبوية، وتنفيذ زيارات لمقابر القتلى، إلى جانب الاستيلاء على أموال صندوق دعم المعلمين.

وبالتوازي مع احتفال الجماعة بما تسميه الذكرى السنوية لقتلاها، أقرَّت قيادات حوثية تتحكم في العملية التعليمية بدء تنفيذ برنامج لإخضاع مئات الطلبة والعاملين التربويين في مدارس صنعاء ومدن أخرى للتعبئة الفكرية والعسكرية، بحسب ما ذكرته مصادر يمنية تربوية لـ«الشرق الأوسط».

طلبة خلال طابور الصباح في مدرسة بصنعاء (إ.ب.أ)

ومن بين الانتهاكات، إلزام المدارس في صنعاء وريفها ومدن أخرى بإحياء ما لا يقل عن 3 فعاليات تعبوية خلال الأسبوعين المقبلين، ضمن احتفالاتها الحالية بما يسمى «أسبوع الشهيد»، وهي مناسبة عادةً ما يحوّلها الحوثيون كل عام موسماً جبائياً لابتزاز وقمع اليمنيين ونهب أموالهم.

وطالبت جماعة الحوثيين المدارس المستهدفة بإلغاء الإذاعة الصباحية والحصة الدراسية الأولى وإقامة أنشطة وفقرات تحتفي بالمناسبة ذاتها.

وللأسبوع الثاني على التوالي استمرت الجماعة في تحشيد الكوادر التعليمية وطلبة المدارس لزيارة مقابر قتلاها، وإرغام الموظفين وطلبة الجامعات والمعاهد وسكان الأحياء على تنفيذ زيارات مماثلة إلى قبر رئيس مجلس حكمها السابق صالح الصماد بميدان السبعين بصنعاء.

وأفادت المصادر التربوية لـ«الشرق الأوسط»، بوجود ضغوط حوثية مُورِست منذ أسابيع بحق مديري المدارس لإرغامهم على تنظيم زيارات جماعية إلى مقابر القتلى.

وليست هذه المرة الأولى التي تحشد فيها الجماعة بالقوة المعلمين وطلبة المدارس وبقية الفئات لتنفيذ زيارات إلى مقابر قتلاها، فقد سبق أن نفَّذت خلال الأعياد الدينية ومناسباتها الطائفية عمليات تحشيد كبيرة إلى مقابر القتلى من قادتها ومسلحيها.

حلول جذرية

دعا المركز الأميركي للعدالة، وهو منظمة حقوقية يمنية، إلى سرعة إيجاد حلول جذرية لمعاناة المعلمين بمناطق سيطرة جماعة الحوثي، وذلك بالتزامن مع دعوات للإضراب.

وأبدى المركز، في بيان حديث، قلقه إزاء التدهور المستمر في أوضاع المعلمين في هذه المناطق، نتيجة توقف صرف رواتبهم منذ سنوات. لافتاً إلى أن الجماعة أوقفت منذ عام 2016 رواتب موظفي الدولة، بمن في ذلك المعلمون.

طفل يمني يزور مقبرة لقتلى الحوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

واستحدث الحوثيون ما يسمى «صندوق دعم المعلم» بزعم تقديم حوافز للمعلمين، بينما تواصل الجماعة - بحسب البيان - جني مزيد من المليارات شهرياً من الرسوم المفروضة على الطلبة تصل إلى 4 آلاف ريال يمني (نحو 7 دولارات)، إلى جانب ما تحصده من عائدات الجمارك، دون أن ينعكس ذلك بشكل إيجابي على المعلم.

واتهم البيان الحقوقي الحوثيين بتجاهل مطالب المعلمين المشروعة، بينما يخصصون تباعاً مبالغ ضخمة للموالين وقادتهم البارزين، وفقاً لتقارير حقوقية وإعلامية.

وأكد المركز الحقوقي أن الإضراب الحالي للمعلمين ليس الأول من نوعه، حيث شهدت العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء إضرابات سابقة عدة قوبلت بحملات قمع واتهامات بالخيانة من قِبل الجماعة.

من جهته، أكد نادي المعلمين اليمنيين أن الأموال التي تجبيها جماعة الحوثي من المواطنين والمؤسسات الخدمية باسم صندوق دعم المعلم، لا يستفيد منها المعلمون المنقطعة رواتبهم منذ نحو 8 سنوات.

وطالب النادي خلال بيان له، الجهات المحلية بعدم دفع أي مبالغ تحت مسمى دعم صندوق المعلم؛ كون المستفيد الوحيد منها هم أتباع الجماعة الحوثية.