عاش الكثير من العراقيين في مختلف مناطق البلاد ليلة صاخبة وهم يتابعون بقلق ويشاهدون باهتمام أصوات وأضواء الصواريخ الإيرانية وهي تعبر أجواء بلادهم في طريقها إلى إسرائيل. وكانت الخشية كبيرة من أن تتسبب أعطال فنية محتملة بسقوط بعض تلك الصواريخ على رؤوس الناس لكن شيئاً من ذلك لم يحدث، رغم بعض الأنباء التي ترددت عن سماع دوي انفجارات وصافرات إنذار في محافظة أربيل بإقليم كردستان وفي محافظة ديالى (شرق). وتحدثت أنباء أخرى عن سقوط جسم غريب في محافظة بابل (وسط)، لكن لم يصدر أي بيان رسمي يؤكد ذلك، كما نفت بعض المصادر الأمنية سقوط أي مسيرة أو صاروخ إيراني داخل الأراضي العراقية.
وباستثناء لقاء رئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد بمستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي، الأحد، على خلفية القصف الإيراني، كان لافتاً حال من الهدوء التام الذي سبق مرور صواريخ طهران عبر الأراضي العراقية.
وقال بيان صادر عن رئاسة الجمهورية، إن الرئيس والمستشار القومي ناقشا «أمن الحدود وضرورة التنسيق والتعاون البنّاء في مجال ترسيخ الأمن والاستقرار مع دول الجوار بما يعود بالمنفعة على الجميع».
وشدد الرئيس رشيد على «ضرورة تخفيف التوترات وعدم الانجرار إلى اتساع دائرة الصراع، مؤكداً أن الحروب لن تجلب الحلول للشعوب وستعمق المشاكل بين البلدان».
وباستثناء لقاء الرئيس مع الأعرجي، لم يصدر عن الحكومة العراقية التي يزور رئيسها محمد السوداني العاصمة الأميركية واشنطن، أي بيان رسمي (حتى وقت الكتابة) ولم يصدر كذلك أي تعليق أو بيان رسمي عن الجماعات والفصائل المسلحة الموالية لإيران، باستثناء تغريدات طفيفة صدرت عن بعض الشخصيات. لكن تغريدة لوزير التعليم العالي نعيم العبودي العضو في «عصائب أهل الحق» هي عبارة عن آية قرآنية مؤيدة للهجوم الإيراني، لفتت انتباه كثيرين وجدوا أنه من غير المناسب صدورها عن وزير يمثل الحكومة العراقية، فيما لم يصدر عن الحكومة أي موقف بالسلب أو الإيجاب من الهجوم الإيراني. وفي مقابل الصمت الرسمي، انشغل رواد مواقع التواصل الاجتماعي بنقاشات حادة بين منتقد لصمت الحكومة عن انتهاك مجالها الجوي، وآخرين مؤيدين للهجوم الإيراني.
حالة الهدوء العراقية، انعكست على شكل معاودة فتح أجواء الملاحة، صباح الأحد، بعد توقفها لساعات طويلة عقب الهجوم الإيراني، وأعلنت الخطوط الجوية العراقية أنها «استأنفت رحلاتها المباشرة، بعد إعادة فتح الأجواء العراقية أمام جميع الطائرات القادمة والمغادرة والعابرة لأجواء البلاد من قبل سلطة الطيران المدني».
ورأى رئيس «مركز التفكير السياسي» إحسان الشمري، أن «صمت العراق عن خرق أجوائه مسألة غير مقبولة لأنها تتعلق بانتهاك السيادة».
وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» فسّر الشمري حالة الصمت السائدة بـ«عدم قدرة العراق على اتخاذ موقف تجاه ما جرى ويجري، خصوصاً فيما يتعلق بإمكاناته العسكرية والدبلوماسية».
ويضيف أن «طبيعة التركيبة الحاكمة في العراق هي متعاطفة ومؤيدة للهجمات الإيرانية، ولذلك فضلوا عدم الإعلان الرسمي واكتفوا بالصمت الإيجابي حيال الهجمات، ولا ننسى أن الحكومة العراقية تدرك حساسية المواقف التي يمكن أن تصدر عنها تجاه صراع إيران وإسرائيل خاصة مع وجود رئيس الوزراء في واشنطن».
ويخلص الشمري إلى القول بأن «الصمت الرسمي العراقي يمثل حالة فشل في التحليل، خاصة مع التوتر الشديد في المنطقة والعراق في عين العاصفة. كان بإمكان عقد اجتماعات على مستوى قيادة الأمن العليا وأن يصدر بيان في هذا الاتجاه بأضعف الإيمان».