مياه الشرب... أزمة متفاقمة تؤرق سكان صنعاء

18 مليون يمني لا يحصلون على الماء الصحي

تفريغ صهريج مياه لمحل تجاري في صنعاء (الشرق الأوسط)
تفريغ صهريج مياه لمحل تجاري في صنعاء (الشرق الأوسط)
TT

مياه الشرب... أزمة متفاقمة تؤرق سكان صنعاء

تفريغ صهريج مياه لمحل تجاري في صنعاء (الشرق الأوسط)
تفريغ صهريج مياه لمحل تجاري في صنعاء (الشرق الأوسط)

مع استمرار معاناة ملايين اليمنيين جرّاء تعدد الأزمات الاقتصادية والإنسانية الحرجة نتيجة الصراع الممتد منذ نحو 10 سنوات، تفاقمت مشكلة أزمة المياه الصالحة للشرب في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، الأمر الذي دفع آلاف السكان في المدينة وضواحيها إلى اللجوء لوسائل مرهقة لتلبية احتياجاتهم من المياه النظيفة.

ويؤكد أبو باسم الشرعبي، وهو أحد سكان المدينة، لـ«الشرق الأوسط»، وجود أزمة وصفها بـ«الخانقة» في مياه الشرب باتت تؤرقه وكثيراً من سكان الحي الذي يقطنه بمنطقة مذبح.

يهدد الجفاف مناطق واسعة باليمن مما يتسبب في شح المياه (الصليب الأحمر)

ويضطر أبناء الشرعبي إلى التجول يومياً أثناء الصباح وحتى ساعات الظهر في الأحياء المجاورة وهم يحملون صفائح ذات سعات مختلفة؛ بحثاً عن صهاريج خيرية تقوم بتعبئة المياه بالمجان للمحتاجين.

ويشير الشرعبي، وهو عامل بالأجر اليومي، إلى أن الأمر وصل به وبأبنائه إلى انتهاز أي فرصة عند وقوف أي صهريج لتعبئة المياه في الحي الذي يقطنه، للمسارعة بالحضور مع صفائح فارغة لملئها بالماء مجاناً.

وإلى جانب أبنائه، يتجمع حشد من الأطفال والنساء عند كل صهريج للمياه بأحياء متفرقة في المدينة ينتظرون دورهم للحصول على بعض الماء.

ويوضح عمال في المؤسسة العامة للمياه بصنعاء، لـ«الشرق الأوسط»، أن المعاناة ناتجة عن انخفاض كبير في توزيع المياه عبر الشبكات العامة الخاضعة للحوثيين، حيث تصل كميات ضئيلة من المياه، مرة أو مرتين في الشهر، إلى المنازل، وذلك لا يغطي احتياجات الأسر اليومية من المياه.

وبالإضافة إلى سلسلة التعسفات والإتاوات المفروضة بشكل غير قانوني على مُلاك صهاريج وآبار المياه، مما أسفر مؤخراً عن إغلاق ثلاث آبار في أحياء متفرقة بمنطقة مذبح في صنعاء، ما تسبّب بأزمة خانقة بعد أن كان آلاف السكان يعتمدون بدرجة أساسية على جلب المياه منها.

طفلة إلى جانب آخرين يملأون غالونات مياه نظيفة من أحد الصهاريج الخيرية بصنعاء (إ.ب.أ)

تأتي تلك المعاناة وغيرها في ظل تأكيد تقارير محلية وأخرى دولية أن اليمن يعدّ واحداً من بين أربع دول تعاني شح المياه في العالم، والأفقر من حيث الموارد بين الدول العربية التي تواجه أزمة مياه خانقة، فموارد المياه العذبة تتضاءل بسبب الضخ المفرط من المياه الجوفية.

وتوضح بعض التقارير أن أزيد من ثلثي اليمنيين ممن يعيشون في جوع وفقر مدقع يعجزون عن تحمل نفقات المياه الباهظة، ما انعكس سلباً على كل مناحي حياتهم. بينما تتوقع تقارير أخرى دولية أن يجف مخزون المياه بمناطق عدة في صنعاء، بحلول العام المقبل 2025.

صعوبة شديدة

لم يكن غالبية السكان في جنوب صنعاء بمنأى عن تلك المعاناة، إذ شكا سكان كثيرون بمنطقة حزيز، لـ«الشرق الأوسط»، من صعوبة شديدة تواجههم يومياً أثناء رحلة البحث المضنية من أجل جلب المياه إلى منازلهم، وأوضحوا أن تلك المعاناة تتزامن مع أوضاع معيشية حرجة يكابدونها مع ملايين اليمنيين في صنعاء وبقية المناطق.

ونتيجة ارتفاع أسعار المياه، أصبح آلاف الأُسر في صنعاء وغيرها عاجزة تماماً عن توفير مياه الشرب، ويقول السكان إن حياتهم مهددة مع استمرار انعدام مياه الشرب بشكل شبه كلي، سواءً عبر الشبكة الحكومية، أم عبر الصهاريج المنقولة التي ارتفعت أسعارها بشكل غير مبرَّر.

وتروي أم ياسر؛ وهي زوجة موظف حكومي، تقطن في حي حزيز بصنعاء، لـ«الشرق الأوسط»، قصة معاناتها مع طرق توفير المياه، حيث تؤكد أنها تضطر، كل يوم، مع اثنتين من بناتها للذهاب، أكثر من مرة، إلى منطقة مجاورة يوجد فيها مشروع خيري للمياه لجلب كميات منها إلى منزلها.

أطفال يجلبون مياه الشرب بأحد أحياء صنعاء (الشرق الأوسط)

وتشير إلى أن مشروع المياه الحكومي، الذي يديره الحوثيون في صنعاء وضواحيها، لا يصل إلى منازلهم؛ ليس في الوقت الحالي فحسب، ولكن منذ سنوات أعقبت الانقلاب والحرب.

وتضيف أم ياسر أن ظروف العائلة المادية والمعيشية في حالة تدهور مستمر، بسبب استمرار انقطاع الرواتب وانعدام كل سبل العيش، ما جعلها وزوجها وأربعة من أبنائها عاجزين عن توفير قيمة صهريج مياه، نظراً لعدم توفر المال وارتفاع أسعارها.

وكان البنك الدولي قد أكد، في تقرير سابق له، أن اليمن يعدّ من بين أكثر بلدان العالم فقراً في المياه؛ حيث لا يحصل 18 مليون نسمة من سكانه على المياه الصالحة للشرب وخدمات الصرف الصحي الآمنة، موضحاً أن توفير مياه الشرب يعدّ من أكبر المشاكل التي تواجه اليمن خلال السنوات المقبلة.


مقالات ذات صلة

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

العالم العربي توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

تتزايد مخاطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بسبب تفاقم الأزمة الاقتصادية، في حين تتصاعد الدعوات لإجراء حلول عاجلة ودائمة تمكن الحكومة من السيادة على الموارد.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي طفل يمني يزور مقبرة لقتلى الحوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

ارتكبت جماعة الحوثيين في اليمن موجةً جديدةً من الانتهاكات بحق قطاع التعليم شملت إطلاق حملات تجنيد إجبارية وإرغام المدارس على تخصيص أوقات لإحياء فعاليات تعبوية

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي الأمطار في اليمن تترك مخيمات النازحين بأوضاع سيئة (المجلس النرويجي للاجئين)

نصف سكان اليمن يواجهون تهديدات زائدة بسبب تغير المناخ

نبه البنك الدولي إلى المخاطر الزائدة التي يواجهها اليمن نتيجة لتغير المناخ وأكد أن سكاناً كثيرين يواجهون تهديدات مثل الحرارة الشديدة والجفاف والفيضانات

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي مقر البنك المركزي اليمني في عدن (إعلام حكومي)

«المركزي اليمني» يستهجن مزاعم تهريب أموال إلى الخارج

استهجن البنك المركزي اليمني أنباء راجت على مواقع التواصل الاجتماعي تدعي قيام البنك بتهريب الأموال في أكياس عبر المنافذ الرسمية، وتحت توقيع المحافظ.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني الزبيدي يثمن دور السعودية في دعم بلاده (سبأ)

الزبيدي يثمن جهود السعودية لإحلال السلام والاستقرار في اليمن

وسط تأكيد سعودي على استمرار تقديم الدعم الإنساني والإغاثي لليمن، ثمّن عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني، عيدروس الزبيدي، سعي المملكة إلى حشد الجهود لإحلال السلام.

«الشرق الأوسط» (عدن)

انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
TT

انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)

ارتكبت جماعة الحوثيين في اليمن موجةً من الانتهاكات بحق قطاع التعليم ومنتسبيه شملت إطلاق حملات تجنيد إجبارية وإرغام المدارس على تخصيص أوقات لإحياء فعاليات تعبوية، وتنفيذ زيارات لمقابر القتلى، إلى جانب الاستيلاء على أموال صندوق دعم المعلمين.

وبالتوازي مع احتفال الجماعة بما تسميه الذكرى السنوية لقتلاها، أقرَّت قيادات حوثية تتحكم في العملية التعليمية بدء تنفيذ برنامج لإخضاع مئات الطلبة والعاملين التربويين في مدارس صنعاء ومدن أخرى للتعبئة الفكرية والعسكرية، بحسب ما ذكرته مصادر يمنية تربوية لـ«الشرق الأوسط».

طلبة خلال طابور الصباح في مدرسة بصنعاء (إ.ب.أ)

ومن بين الانتهاكات، إلزام المدارس في صنعاء وريفها ومدن أخرى بإحياء ما لا يقل عن 3 فعاليات تعبوية خلال الأسبوعين المقبلين، ضمن احتفالاتها الحالية بما يسمى «أسبوع الشهيد»، وهي مناسبة عادةً ما يحوّلها الحوثيون كل عام موسماً جبائياً لابتزاز وقمع اليمنيين ونهب أموالهم.

وطالبت جماعة الحوثيين المدارس المستهدفة بإلغاء الإذاعة الصباحية والحصة الدراسية الأولى وإقامة أنشطة وفقرات تحتفي بالمناسبة ذاتها.

وللأسبوع الثاني على التوالي استمرت الجماعة في تحشيد الكوادر التعليمية وطلبة المدارس لزيارة مقابر قتلاها، وإرغام الموظفين وطلبة الجامعات والمعاهد وسكان الأحياء على تنفيذ زيارات مماثلة إلى قبر رئيس مجلس حكمها السابق صالح الصماد بميدان السبعين بصنعاء.

وأفادت المصادر التربوية لـ«الشرق الأوسط»، بوجود ضغوط حوثية مُورِست منذ أسابيع بحق مديري المدارس لإرغامهم على تنظيم زيارات جماعية إلى مقابر القتلى.

وليست هذه المرة الأولى التي تحشد فيها الجماعة بالقوة المعلمين وطلبة المدارس وبقية الفئات لتنفيذ زيارات إلى مقابر قتلاها، فقد سبق أن نفَّذت خلال الأعياد الدينية ومناسباتها الطائفية عمليات تحشيد كبيرة إلى مقابر القتلى من قادتها ومسلحيها.

حلول جذرية

دعا المركز الأميركي للعدالة، وهو منظمة حقوقية يمنية، إلى سرعة إيجاد حلول جذرية لمعاناة المعلمين بمناطق سيطرة جماعة الحوثي، وذلك بالتزامن مع دعوات للإضراب.

وأبدى المركز، في بيان حديث، قلقه إزاء التدهور المستمر في أوضاع المعلمين في هذه المناطق، نتيجة توقف صرف رواتبهم منذ سنوات. لافتاً إلى أن الجماعة أوقفت منذ عام 2016 رواتب موظفي الدولة، بمن في ذلك المعلمون.

طفل يمني يزور مقبرة لقتلى الحوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

واستحدث الحوثيون ما يسمى «صندوق دعم المعلم» بزعم تقديم حوافز للمعلمين، بينما تواصل الجماعة - بحسب البيان - جني مزيد من المليارات شهرياً من الرسوم المفروضة على الطلبة تصل إلى 4 آلاف ريال يمني (نحو 7 دولارات)، إلى جانب ما تحصده من عائدات الجمارك، دون أن ينعكس ذلك بشكل إيجابي على المعلم.

واتهم البيان الحقوقي الحوثيين بتجاهل مطالب المعلمين المشروعة، بينما يخصصون تباعاً مبالغ ضخمة للموالين وقادتهم البارزين، وفقاً لتقارير حقوقية وإعلامية.

وأكد المركز الحقوقي أن الإضراب الحالي للمعلمين ليس الأول من نوعه، حيث شهدت العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء إضرابات سابقة عدة قوبلت بحملات قمع واتهامات بالخيانة من قِبل الجماعة.

من جهته، أكد نادي المعلمين اليمنيين أن الأموال التي تجبيها جماعة الحوثي من المواطنين والمؤسسات الخدمية باسم صندوق دعم المعلم، لا يستفيد منها المعلمون المنقطعة رواتبهم منذ نحو 8 سنوات.

وطالب النادي خلال بيان له، الجهات المحلية بعدم دفع أي مبالغ تحت مسمى دعم صندوق المعلم؛ كون المستفيد الوحيد منها هم أتباع الجماعة الحوثية.