إجراءات مشددة بصنعاء للتحكم في توزيع المساعدات الخيرية

أكثر من 17 مليون يمني يعانون خطر المجاعة

متطوعون ينظمون توزيع مساعدات غذائية في صنعاء (إ.ب.أ)
متطوعون ينظمون توزيع مساعدات غذائية في صنعاء (إ.ب.أ)
TT

إجراءات مشددة بصنعاء للتحكم في توزيع المساعدات الخيرية

متطوعون ينظمون توزيع مساعدات غذائية في صنعاء (إ.ب.أ)
متطوعون ينظمون توزيع مساعدات غذائية في صنعاء (إ.ب.أ)

بينما كان ياسر وزملاؤه يتأهبون للبدء بتوزيع مساعدات غذائية وأخرى نقدية هي حصيلة ما تم جمعه من رجال أعمال وفاعلي خير، على أسر تعاني الفاقة وشدة الفقر في حي شعبي جنوب العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، سارع مسلحون حوثيون بعد تلقيهم بلاغاً من أحد مخبريهم بالحي، إلى مباغتتهم ومحاولة القبض عليهم.

ويقول ياسر، وهو اسم مستعار لمسؤول فريق تطوعي في صنعاء، لـ«الشرق الأوسط»، إن مشرفاً حوثياً برفقة مسلحين هاجم الفريق، في حارة تتبع حي «بيت بوس»؛ لمنعه وأعضاء من توزيع مواد غذائية ونقدية لأكثر من 35 أسرة متعففة وفقيرة.

متطوعون يعدون الطعام لتوزيعه مجاناً ليكون وجبة إفطار في صنعاء خلال رمضان (أ.ف.ب)

وتوعد مشرف الجماعة الحوثية الفريق التطوعي بالاعتقال والسجن وفرض العقوبات حال قيامهم بالتوزيع، في حين باشر والمسلحون معه فور وصولهم بمصادرة المواد الغذائية التي كانت مخصصة للفقراء، ونقلها إلى أحد المخازن بزعم أنها من اختصاص ما تسمى هيئة الزكاة.

إجراءات المنع الحوثية تلك لم تكن مقتصرة هذه المرة على فريق ياسر التطوعي، بل شملت أيضاً رجال أعمال، ومبادرات شبابية لمنعهم من توزيع المساعدات المختلفة التي جرت العادة على توزيعها كل عام خلال شهر رمضان على الأسر الفقيرة. وفق ما أكدته مصادر إغاثية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط».

تضييق مستمر

ويرى بشير، وهو عامل إغاثي في صنعاء، أن الاستهداف الحوثي ضد المبادرات التي تقدم الصدقات للأسر الفقيرة يندرج ضمن التضييق المستمر على العمل التطوعي والإنساني، كما يتزامن مع تحذيرات أطلقتها غير مرة منظمات دولية وأخرى محلية تفيد بأن ملايين اليمنيين لا يزالون يعانون من خطر الجوع الكارثي، حيث يعاني أكثر من 17 مليون شخص من مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي، 75 في المائة منهم من النساء والأطفال.

وأبدت مصادر إغاثية في صنعاء أسفها حيال عدم تحقيق هدفها المرجو من تلك المبادرات الإنسانية التي بذل فيها المتطوعون جهوداً كبيرة لإقناع تجار وفاعلي خير بطرق خفية من أجل تقديم المساعدة للأسر المحتاجة.

طفلة يمنية قُرب إحدى الجمعيات الخيرية التي توزع الغذاء في صنعاء (إ.ب.أ)

ويقول باسم، المشارك في فريق تطوعي: «من الجُرم ومن المعيب أن يتم جمع مساعدات مختلفة لمصلحة فقراء يعانون أشد المرارة من ويلات الانقلاب والحرب وقساوة الظروف العصيبة، ثم تذهب في الأخير إلى مخازن فاسدين ومتاجرين بأوجاع اليمنيين».

ويشير المتطوعون في فريق باسم إلى أن الحوثيين برروا ممارساتهم تلك التي تأتي في سياق التضييق المستمر للأعمال الإنسانية والخيرية بأن تلك المساعدات غير مرخص لها، ولا تخضع لأي إشراف أو رقابة من قِبل مؤسسات الجماعة المستحدثة.

ويعتقد المتطوعون في فريق الإغاثة أن الجماعة لو تترك ما تبقى من التجار والمجموعات التطوعية يعملون بكل حرية ويُسر بمناطق سطوتها، لكان قد تم التخفيف ولو قليلاً من معاناة آلاف الأسر الفقيرة.

ويؤكدون في حديثهم لـ«الشرق الأوسط» أنهم كانوا يطمحون مع حلول رمضان هذا العام إلى تنفيذ حملة تطوعية واسعة لتوفير مواد غذائية ومساعدات نقدية وغيرها لأُسر فقيرة عدة يعج بالآلاف منها أغلب أحياء وحارات صنعاء ومدن أخرى.

قيود قاسية

وفي حين يواجه الملايين في صنعاء ومدن أخرى أوضاعاً حرجة نتيجة ندرة العمل، وتوقف الرواتب، وارتفاع تكلفة المعيشة جراء الانقلاب والحرب، شكا سكان في المدينة من عودة الجماعة الحوثية إلى حرمانهم هذا العام مثل سابقيه من الحصول على أي معونات.

ويؤكد حسان، وهو موظف حكومي في صنعاء، وأب لخمسة أولاد، لـ«الشرق الأوسط»، أن عودة فرض القيود المشددة على التجار وغيرهم حرمهم وآلاف الأسر في صنعاء هذه المرة مثل سابقاتها خلال السنوات الماضية من المساعدات.

يمنيون يصطفون على رصيف شارع بصنعاء بحثاً عن عمل (الشرق الأوسط)

ولفت الرجل إلى وجود عائلات كثيرة في حي شملان الذي يقطنه ظلت طيلة شهر شعبان تنتظر بفارغ الصبر ما يجود به رجال الأعمال والمبادرات عليهم من مساعدات. مؤكداً أن غالبيتهم لم يتحصلوا هذا العام على أي نوع من المساعدة، سواء غذائية أم مالية، كما كان معهوداً في السابق، حيث كانوا يحصلون خلالها على سلال غذائية، ومبالغ نقدية يُخصصها فاعلو خير لصالح المحتاجين.

وتُلقي أم عصام هي الأخرى، وهي ربة منزل، تسكن في حي المقالح جنوب صنعاء، باللوم وكامل المسؤولية على سلطة الحوثيين حيال استمرار حرمانها من الحصول على المعونات، سواء تلك التي تقدمها المنظمات الدولية أو الجمعيات المحلية وفاعلو خير.

وشكت المرأة التي تعول أربعة من أبنائها منذ فقدان معيلها قبل عدة سنوات بحادث مروري أليم في صنعاء من ظروف معيشية بالغة القسوة لا تزال تواجهها وأفراد عائلتها.

وخلال مطلع رمضان من كل عام تفرض الجماعة الحوثية قيوداً مشددة؛ لمنع رجال الأعمال والمنظمات التطوعية وغير ذلك من توزيع المساعدات على الفقراء، في صنعاء ومناطق أخرى تحت سيطرتها.

وشكا تجار كُثر في العاصمة صنعاء ومدة أخرى في أوقات سابقة لـ«الشرق الأوسط»، من استمرار استهدافهم ونهب أموالهم والمساعدات الغذائية التي يخصصونها كل عام لصالح المعوزين.


مقالات ذات صلة

غارات تستهدف الحوثيين... وغروندبرغ يطالبهم بإطلاق الموظفين الأمميين

العالم العربي واشنطن تقود تحالفاً لإضعاف قدرات الحوثيين على مهاجمة السفن (الجيش الأميركي)

غارات تستهدف الحوثيين... وغروندبرغ يطالبهم بإطلاق الموظفين الأمميين

بينما جدد المبعوث الأممي هانس غروندبرغ مطالبته للحوثيين بإطلاق سراح الموظفين الأمميين فوراً، تواصلت، الثلاثاء، الضربات الغربية لليوم الرابع على مواقع الجماعة.

علي ربيع (عدن)
العالم العربي الحوثيون متهمون بتصعيد انتهاكاتهم ضد اليمنيين (إ.ب.أ)

انقلابيو اليمن متهمون بارتكاب انتهاكات ضد أقارب المغتربين

صعّدت جماعة الحوثيين في اليمن من وتيرة انتهاكاتها بحق أقارب المغتربين لا سيما المنتمون منهم إلى محافظتي إب والضالع، وذلك ضمن استهداف الجماعة الممنهج للسكان.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي الجماعة الحوثية وجدت في حرب غزة وسيلة إضافية لترهيب المعارضين لها (رويترز)

الحوثيون يرفضون إطلاق قيادات من «المؤتمر الشعبي»

بالتزامن مع الكشف عن وسائل تعذيب موحشة يتعرض لها المعتقلون بسجون مخابرات الجماعة الحوثية أكدت مصادر حقوقية استمرار الجماعة في رفض إطلاق قيادات «المؤتمر الشعبي»

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي دخان كثيف إثر استهداف مدينة الحديدة بغارات إسرائيلية رداً على هجوم صاروخي حوثي (إكس)

سفينة تبلغ عن انفجارات في محيطها قبالة الحديدة باليمن

قالت هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية إن سفينة على بعد 70 ميلاً بحرياً جنوب غربي الحديدة باليمن أبلغت عن عدة انفجارات في محيطها.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم العربي ممرضة في مدينة المخا تقيس محيط أعلى ذراع طفل للتحقق من تحسن حالته الصحية بعد تلقيه علاجاً لسوء التغذية (الأمم المتحدة)

سوء التغذية والشتاء يتربصان بأطفال اليمن والنازحين

يشهد اليمن زيادة في أعداد الأطفال المصابين بسوء التغذية الحاد الوخيم، في حين ينتظر النازحون، بسبب الحرب وتطرفات المناخ، شتاء قاسياً في ظل التردي الاقتصادي.

وضاح الجليل (عدن)

غارات تستهدف الحوثيين... وغروندبرغ يطالبهم بإطلاق الموظفين الأمميين

عنصر حوثي خلال تجمُّع في صنعاء يحمل مجسماً يحاكي طائرة من دون طيار (إ.ب.أ)
عنصر حوثي خلال تجمُّع في صنعاء يحمل مجسماً يحاكي طائرة من دون طيار (إ.ب.أ)
TT

غارات تستهدف الحوثيين... وغروندبرغ يطالبهم بإطلاق الموظفين الأمميين

عنصر حوثي خلال تجمُّع في صنعاء يحمل مجسماً يحاكي طائرة من دون طيار (إ.ب.أ)
عنصر حوثي خلال تجمُّع في صنعاء يحمل مجسماً يحاكي طائرة من دون طيار (إ.ب.أ)

في الوقت الذي جدد فيه المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ مطالبته للحوثيين بإطلاق سراح الموظفين الأمميين فوراً، تواصلت، الثلاثاء، الضربات الغربية لليوم الرابع على مواقع الجماعة المدعومة من إيران مستهدفة محافظتي الحديدة والبيضاء.

جاءت هذه التطورات في وقت أفادت فيه هيئة بريطانية مختصة بالأمن البحري بأن سفينة أبلغت عن تعرُّضها لهجمات لم تصبها أثناء وجودها في جنوب البحر الأحمر، حيث يشن الحوثيون هجماتهم ضد السفن منذ نحو عام تحت مزاعم نصرة الفلسطينيين في غزة.

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

في هذا السياق، أفاد مكتب غروندبرغ في بيان، الثلاثاء، بأنه التقى في مسقط بكبار المسؤولين العُمانيين والمتحدث باسم الجماعة الحوثية وكبير مفاوضيها محمد عبد السلام.

وبحسب البيان، ناقش المبعوث الأممي التدابير اللازمة لمعالجة الأزمة الاقتصادية في اليمن، وتحسين الظروف المعيشية، والاستجابة للتطورات الإقليمية. كما استكشفت المناقشات سبل تعزيز الالتزامات نحو عملية سياسية يمنية شاملة.

وفي اجتماع غروندبرغ مع المتحدث باسم الحوثيين، ذكر البيان أنه طالب أيضاً بالإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع موظفي الأمم المتحدة وغيرهم من المعتقلين تعسفياً.

ويأمل المبعوث الأممي أن تقود جهوده إلى تحقيق اختراق في جدار الأزمة اليمنية التي ازدادت تعقيداً مع هجمات الحوثيين البحرية ضد السفن وتصعيدهم إقليمياً، وهو ما أدى إلى تجمد التوصل إلى اتفاق للسلام.

غارات غربية

ضمن العمليات التي تقودها واشنطن في اليمن منذ 12 يناير (كانون الثاني) الماضي لإضعاف قدرات الحوثيين على مهاجمة السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، أقرت الجماعة المدعومة من إيران بتلقيها، الثلاثاء، غارات لليوم الرابع على التوالي، وصفتها بـ«الأميركية البريطانية».

ونقل إعلام الحوثيين أن 3 غارات استهدفت منطقة الفازة التابعة لمديرية التحيتا الواقعة في جنوب محافظة الحديدة الساحلية التي تتخذ منها الجماعة منطلقاً لشن الهجمات البحرية، واستقبال الأسلحة الإيرانية المهربة.

واشنطن تقود تحالفاً لإضعاف قدرات الحوثيين على مهاجمة السفن (الجيش الأميركي)

وإذ لم تشر الجماعة إلى الأضرار الناجمة عن هذه الغارات، قالت إن غارة استهدفت سيارة في مديرية الصومعة في محافظة البيضاء، كما استهدفت غارتان نفذتهما طائرة أميركية من دون طيار أهدافاً في مديرية ذي ناعم والصومعة في المحافظة نفسها الواقعة إلى الجنوب الشرقي من صنعاء.

وكانت الجماعة اعترفت أنها تلقت، الاثنين، 7 غارات، وصفتها بـ«الأميركية والبريطانية»، استهدفت منطقة حرف سفيان شمال محافظة عمران، إلى جانب غارتين استهدفتا منطقة الرحبة في مديرية الصفراء التابعة لمحافظة صعدة حيث المعقل الرئيسي للجماعة.

كما أقرت بتلقي 4 غارات استهدفت منطقة جربان في الضواحي الجنوبية لصنعاء، إلى جانب غارة استهدفت معسكر «الحفا» في صنعاء نفسها، وغارتين ضربتا منطقة حرف سفيان في محافظة عمران، يوم الأحد.

وبدأت الموجة الجديدة من الضربات الغربية المتتابعة، مساء السبت الماضي؛ إذ استهدفت 3 غارات معسكرات الجماعة ومستودعات أسلحتها في منطقتي النهدين والحفا في صنعاء.

صاروخ استعرضته الجماعة الحوثية في صنعاء (رويترز)

وفي حين بلغت الغارات الغربية التي استقبلها الحوثيون نحو 800 غارة، بدءاً من 12 يناير الماضي؛ لجأت واشنطن إلى استخدام القاذفات الشبحية لأول مرة، في 17 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، في استهداف المواقع المحصّنة للجماعة في صنعاء وصعدة، في رسالة استعراضية فُهمت على أنها موجَّهة إلى إيران بالدرجة الأولى.

وتقول الحكومة اليمنية إن الضربات الغربية ضد الجماعة غير مجدية، وإن الحل الأنجع هو دعم القوات الشرعية لاستعادة الحديدة وموانئها، وصولاً إلى إنهاء الانقلاب الحوثي، واستعادة العاصمة المختطفة صنعاء.

هجوم دون أضرار

في سياق التصعيد الحوثي ضد السفن، قالت هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية إن سفينة على مسافة 70 ميلاً بحرياً جنوب غربي الحديدة باليمن أبلغت، الثلاثاء، عن انفجارات عدة في محيطها.

وبينما أضافت الهيئة أنه لم يتم الإبلاغ عن أي أضرار بالسفينة، وأن الطاقم بخير، لم تتبنَّ الجماعة الحوثية من جهتها المسؤولية عن هذه الهجمات على الفور.

يشار إلى أنه منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، تبنّت الجماعة الحوثية قصف أكثر من 200 سفينة، وأدت الهجمات في البحر الأحمر إلى غرق سفينتين وقرصنة ثالثة، ومقتل 3 بحارة، وإصابة آخرين في هجوم ضد سفينة ليبيرية.

ويتهم مراقبون يمنيون الجماعة الحوثية بأنها وجدت في الحرب الإسرائيلية على غزة فرصة للهروب من استحقاقات السلام مع الحكومة اليمنية؛ إذ كان الطرفان قد وافقا، أواخر العام الماضي، على خريطة سلام توسطت فيها السعودية وعُمان، قبل أن تنخرط الجماعة في هجماتها ضد السفن، وتعلن انحيازها إلى المحور الإيراني.

وخلال الأشهر الماضية تبنّت الجماعة إطلاق مئات الصواريخ والطائرات المسيّرة باتجاه إسرائيل، لكن لم يكن لها أي تأثير هجومي، باستثناء مسيّرة قتلت شخصاً بعد انفجارها بشقة في تل أبيب يوم 19 يوليو (تموز) الماضي.

من آثار الضربات الإسرائيلية على مدينة الحديدة اليمنية الخاضعة للحوثيين (أ.ف.ب)

واستدعت هذه الهجمات من إسرائيل الرد في 20 يوليو الماضي، مستهدفة مستودعات للوقود في ميناء الحديدة؛ وهو ما أدى إلى مقتل 6 أشخاص، وإصابة نحو 80 آخرين.

وتكرّرت الضربات الإسرائيلية في 29 سبتمبر (أيلول) الماضي ضد مستودعات للوقود في كل من الحديدة ورأس عيسى. كما استهدفت محطتي توليد كهرباء في الحديدة، بالإضافة إلى مطار المدينة الخارج عن الخدمة منذ سنوات. وأسفرت هذه الغارات عن مقتل 4 أشخاص، وإصابة نحو 30 شخصاً، وفق ما أقر به الحوثيون.