اتفاق «أرض الصومال» يفاقم الخلاف بين الجامعة العربية وإثيوبيا

أديس أبابا عدّت البيان الوزاري «تدخلاً في شؤونها»

أبو الغيط خلال الاجتماع الوزاري العربي بشأن الصومال عبر الإنترنت (الجامعة العربية)
أبو الغيط خلال الاجتماع الوزاري العربي بشأن الصومال عبر الإنترنت (الجامعة العربية)
TT

اتفاق «أرض الصومال» يفاقم الخلاف بين الجامعة العربية وإثيوبيا

أبو الغيط خلال الاجتماع الوزاري العربي بشأن الصومال عبر الإنترنت (الجامعة العربية)
أبو الغيط خلال الاجتماع الوزاري العربي بشأن الصومال عبر الإنترنت (الجامعة العربية)

يبدو أن أزمة مذكرة التفاهم التي وقَّعتها إثيوبيا مع إقليم «أرض الصومال» فاقمت الخلاف بين أديس أبابا وجامعة الدول العربية. فبينما رفضت الأولى بيان وزراء الخارجية العرب بشأن المذكرة وعدّته «تدخلاً في شؤونها الداخلية»، وصف المتحدث باسم الأمين العام لجامعة الدول العربية المستشار جمال رشدي، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، التصريحات الإثيوبية بأنها «غير لائقة دبلوماسياً».

ووقّعت أديس أبابا في الأول من يناير (كانون الثاني) الجاري، «مذكرة تفاهم» مع إقليم «أرض الصومال» -غير المعترف به دولياً- تحصل بموجبه إثيوبيا، الدولة الحبيسة، على حق إنشاء ميناء تجاري وقاعدة عسكرية في مدخل البحر الأحمر، بطول 20 كيلومتراً بالإيجار لمدة 50 عاماً، مقابل الاعتراف باستقلال الإقليم.

ورفض الصومال مذكرة التفاهم، ووقَّع الرئيس حسن شيخ محمود قانوناً يُلغي ما جاء فيها. وهو القانون الذي تضامنت معه جامعة الدول العربية في حينه، وعدّت مذكرة التفاهم «باطلة ولاغية وغير مقبولة».

ولمساندة موقف الصومال عقدت جامعة الدول العربية، الأربعاء، اجتماعاً طارئاً على مستوى وزراء الخارجية، خلص إلى «إدانة ورفض مذكرة التفاهم». ووجّه الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، في كلمته خلال الاجتماع، رسالة تضامن ومساندة لجمهورية الصومال، مؤكداً «سيادة الدولة الصومالية وحكومتها الفيدرالية على أراضيها كافة».

وندّد الأمين العام لجامعة الدول العربية بالاتفاق الموقَّع بين إثيوبيا وإقليم أرض الصومال، ووصفه بأنه «انقلاب صارخ» على الثوابت العربية والأفريقية، و«مخالفة واضحة» للقانون الدولي والاتفاقيات الدولية النافذة. وشدّد في كلمته على رفض «أي اتفاقيات أو مذكرات تفاهم تُخلّ أو تنتهك سيادة الدولة الصومالية».

ورداً على موقف وزراء الخارجية العرب، قال زير الدولة الإثيوبي للشؤون الخارجية، مسغانو أرغا، الخميس، عبر حسابه الرسمي بمنصة «إكس»، إن بلاده «ترفض رفضاً تاماً بيان جامعة الدول العربية. هذه محاولة تدخل في شؤون إثيوبيا الداخلية وفي سيادتها». وأضاف: «إثيوبيا تتمتع بعلاقات ثنائية رفيعة مع الكثير من الدول العربية، لكن الجامعة تخدم مصالح قلة منها».

بدوره، قال المتحدث باسم الأمين العام لجامعة الدول العربية، لـ«الشرق الأوسط»، إن الجامعة ترى أن «تصريحات المسؤولين الإثيوبيين تفتقر إلى اللياقة الدبلوماسية، وتعكس موقفاً ضعيفاً من الناحية القانونية والسياسية»، مشيراً إلى أن «بعض التصريحات حاولت الصيد في الماء العكر والتلميح بأن مواقف الجامعة العربية تعكس مصالح بعض الدول».

وأكد رشدي أن «الجامعة عندما تتناول موضوعات تخص الأمن القومي العربي تتحدث بلسان واحد يعبّر عن المصالح العربية في مجموعها». ولفت إلى أن «هذه ليست المرة الأولى التي تتعمد إثيوبيا إطلاق تصريحات استفزازية للتعقيب على قرارات عربية، إذ كانت هناك انتقادات سابقة لمواقف اتخذتها الجامعة بشأن أزمة سد النهضة».

وانتقدت إثيوبيا، في أكثر من مناسبة، طرح مصر النزاع بشأن «سد النهضة» على جامعة الدول العربية، رافضةً خروج القضية عن مسارها الأفريقي، رغم أن هذا وغيره من المسارات لم يفلح في حل النزاع بشأن السد الذي تبنيه أديس أبابا على الرافد الرئيسي لنهر النيل، وتخشى مصر أن يهدد أمنها المائي.

وفي مايو (أيار) الماضي، رفضت أديس أبابا بيان القمة العربية الداعم لـ«الأمن المائي» لدولتي المصب مصر والسودان، وعدَّته أيضاً «تدخلاً غير مبرر وغير مقبول في شؤونها الداخلية». وجددت في يونيو (حزيران) الماضي رفضها «تدخل» الجامعة العربية في أزمة السد.

وسبق وتبنت الجامعة العربية قراراً في مارس (آذار) 2020 يدعو إثيوبيا للالتزام بمبادئ القانون الدولي واجبة التطبيق وعدم الإقدام على أي إجراءات أحادية من شأنها «الإضرار بحقوق مصر ومصالحها المائية». الأمر الذي رفضته أديس أبابا في حينه.

وقال المتحدث باسم الأمين العام لجامعة الدول العربية إن «المواقف الإثيوبية تتغافل عن الحقيقة، وهي أن أديس أبابا تتبع سياسات تعد مناقضة لمصالح عربية أساسية في بعض الملفات المهمة فضلاً عن أنها تخالف الثوابت القانونية، والمواقف الأفريقية، كما هو الحال مع (مذكرة التفاهم) الأخيرة مع أرض الصومال».

وانتقد رشدي التصريحات الإثيوبية، وعدَّها «محاولة للتغطية على الحقيقة وليس لها أساس موضوعي». وأكد أن «الجامعة في كل الأحوال تستهدف إقامة علاقات متوازنة مع دول الجوار كافة»، مستدركاً: «هذه العلاقات ينبغي أن تتأسس على مبدأ احترام السيادة والاحترام المتبادل ومراعاة مبادئ حسن الجوار».

وشدد على «موقف الجامعة الداعم للصومال، والذي بدأ واضحاً في اجتماع وزراء الخارجية العرب، لا سيما أن الاتفاق الموقَّع بين إثيوبيا وأرض الصومال يناقض مبادئ السيادة ويضر بمبادئ عدم التدخل في سيادة الدول، ويهدد وحدة وسيادة جمهورية الصومال الفيدرالي ويزيد من حدة التوترات في القرن الأفريقي والبحر الأحمر». وقال: إن «الجامعة تعده تصعيداً غير مبرر، وهو ما عبّر عنه وزراء الخارجية بصوت واحد يعكس المصالح العربية».

بدوره، أكد نائب رئيس المجلس المصري للشؤون الأفريقية، صلاح حليمة، أن «حديث أديس أبابا عن أن الاتفاق مع أرض الصومال شأن داخلي يعد مفهوماً مغلوطاً في تفسير مبادئ القانون الدولي، وهو منطق غير مقبول ويخالف المواثيق الدولية».

وقال حليمة، لـ«الشرق الأوسط»، إن «إثيوبيا لديها نهج التصرف الأحادي وفرض الأمر الواقع»، وعدّ مذكرة التفاهم مع إقليم أرض الصومال «خروجاً على القانون الدولي واعتداءً على سيادة الصومال، يثير حالة من التوتر وعدم الاستقرار في منطقة البحر الأحمر التي تشهد توتراً حالياً بسبب الحرب في غزة».

وأرض الصومال هي محمية بريطانية سابقة، أعلنت استقلالها عن الصومال عام 1991، لكن لم يعترف بها المجتمع الدولي.

وتهدف إثيوبيا الحبيسة، عبر الاتفاق، إلى الحصول على منفذ بحريّ، بعد أن فقدت منفذها إثر استقلال إريتريا عام 1993، لكن الاتفاق واجه رفضاً دولياً، إذ دعت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة والاتحاد الأفريقي والجامعة العربية ومصر وتركيا إلى احترام سيادة الصومال.


مقالات ذات صلة

تركيا: استهداف إسرائيل لـ«حماس» و«حزب الله» غايته إجبار الفلسطينيين على الهجرة

شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان (الخارجية التركية)

تركيا: استهداف إسرائيل لـ«حماس» و«حزب الله» غايته إجبار الفلسطينيين على الهجرة

أكدت تركيا أن هدف إسرائيل الرئيسي من ضرب حركة «حماس» في غزة و«حزب الله» في لبنان هو جعل الفلسطينيين غير قادرين على العيش في أرضهم وإجبارهم على الهجرة.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية (الجامعة)

أبو الغيط: الموقف الأميركي «ضوء أخضر» لاستمرار «الحملة الدموية» الإسرائيلية

استنكر أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، الخميس، استخدام الولايات المتحدة «الفيتو» لعرقلة قرار بمجلس الأمن يطالب بوقف إطلاق النار في غزة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
العالم العربي الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط (أ.ف.ب)

أبو الغيط يحذر من مغبة القانون الإسرائيلي بحظر «الأونروا»

وجَّه الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، اليوم (الخميس)، رسالتين يحذر فيهما من مغبة القانون الإسرائيلي بشأن حظر نشاط «الأونروا».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الخليج الأمير عبد العزيز بن سعود خلال إلقائه كلمته في الحفل السنوي لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية (واس)

اتفاقية تعاون سعودية ـ مغربية متعددة المجالات

أبرمت السعودية والمغرب اتفاقية للتعاون في عدد من المجالات التي تجمع وزارتي «الداخلية السعودية» و«العدل المغربية».

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الخليج القادة أمام القمة: مستقبل المنطقة والعالم على مفترق طرق

القادة أمام القمة: مستقبل المنطقة والعالم على مفترق طرق

أجمع عدد من قادة الدول العربية والإسلامية على رفض حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، واستمرار العدوان على لبنان.

عبد الهادي حبتور (الرياض )

«حماس» تُرحّب بمذكرتي توقيف نتنياهو وغالانت وتصفهما بخطوة «تاريخية»

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت (أرشيفية - رويترز)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت (أرشيفية - رويترز)
TT

«حماس» تُرحّب بمذكرتي توقيف نتنياهو وغالانت وتصفهما بخطوة «تاريخية»

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت (أرشيفية - رويترز)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت (أرشيفية - رويترز)

رحبت حركة «حماس»، اليوم (الخميس)، بإصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت، معتبرة أنه خطوة «تاريخية مهمة».

وقالت الحركة في بيان إنها «خطوة ... تشكل سابقة تاريخيّة مهمة، وتصحيحاً لمسار طويل من الظلم التاريخي لشعبنا»، من دون الإشارة إلى مذكرة الاعتقال التي أصدرتها المحكمة بحق محمد الضيف، قائد الجناح المسلح لـ«حماس».

ودعت الحركة في بيان «محكمة الجنايات الدولية إلى توسيع دائرة استهدافها بالمحاسبة، لكل قادة الاحتلال».

وعدّت «حماس» القرار «سابقة تاريخية مهمة»، وقالت إن هذه الخطوة تمثل «تصحيحاً لمسار طويل من الظلم التاريخي لشعبنا، وحالة التغاضي المريب عن انتهاكات بشعة يتعرض لها طيلة 46 عاماً من الاحتلال».

كما حثت الحركة الفلسطينية كل دول العالم على التعاون مع المحكمة الجنائية في جلب نتنياهو وغالانت، «والعمل فوراً لوقف جرائم الإبادة بحق المدنيين العزل في قطاع غزة».

وفي وقت سابق اليوم، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت؛ لتورطهما في «جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب»، منذ الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

وقال القيادي بحركة «حماس»، عزت الرشق، لوكالة «رويترز» للأنباء، إن أمر الجنائية الدولية يصب في المصلحة الفلسطينية.

وعدّ أن أمر «الجنائية الدولية» باعتقال نتنياهو وغالانت يكشف عن «أن العدالة الدولية معنا، وأنها ضد الكيان الصهيوني».

من الجانب الإسرائيلي، قال رئيس الوزراء السابق، نفتالي بينيت، إن قرار المحكمة بإصدار أمري اعتقال بحق نتنياهو وغالانت «وصمة عار» للمحكمة. وندد زعيم المعارضة في إسرائيل، يائير لابيد، أيضاً بخطوة المحكمة، ووصفها بأنها «مكافأة للإرهاب».

ونفى المسؤولان الإسرائيليان الاتهامات بارتكاب جرائم حرب. ولا تمتلك المحكمة قوة شرطة خاصة بها لتنفيذ أوامر الاعتقال، وتعتمد في ذلك على الدول الأعضاء بها.