أقدم المدن التاريخية في موريتانيا تقاوم العزلة والسقوط في براثن النسيان

الزخرفة المعمارية في ولاته (الصورة من وزارة الثقافة والشباب والرياضة الموريتانية)
الزخرفة المعمارية في ولاته (الصورة من وزارة الثقافة والشباب والرياضة الموريتانية)
TT

أقدم المدن التاريخية في موريتانيا تقاوم العزلة والسقوط في براثن النسيان

الزخرفة المعمارية في ولاته (الصورة من وزارة الثقافة والشباب والرياضة الموريتانية)
الزخرفة المعمارية في ولاته (الصورة من وزارة الثقافة والشباب والرياضة الموريتانية)

تشرح فاطمة لعدد من الزوار السر وراء زخرفة بيوت مدينة ولاته الموريتانية والألوان التي يستخدمها السكان المحليون في طلاء الجدران بما يميزها عن باقي النمط المعماري في المدن الموريتانية ويكسبها هوية خاصة بها.

وفي تقرير لـ«وكالة أنباء العالم العربي»، تقول فاطمة، وهي مُعلّمة من سكان المدينة، للزوار: إن زخارف ولاته المعمارية الفريدة تأتي من الطين المتوفر بمواقع المدينة التاريخية، فأهلها لا يجلبون مواد البناء من مناطق أخرى؛ ما يجعل البيوت في المدينة لها ألوانها ونقوشها التي تميزها عن النمط العمراني في أي منطقة أخرى.

ومدينة ولاته الواقعة في جنوب شرق موريتانيا من أقدم مدن البلاد، وتأسست في القرن الأول الهجري على يد نازحي السوننكي القادمين من مملكة غانا بعد هدم عاصمتهم، بحسب مجلة تصدرها وزارة الثقافة الموريتانية.

وذكرت مجلة «الثقافية» في تعريفها بتاريخ البلدة «شعب السوننكي من أهم الشعوب التي كانت قد استقرت في ممالك أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، كما أنه من أبرز الشعوب التي تركت أثراً في منطقة غرب أفريقيا، لا سيما وأنه ينسب لهذا الشعب الأفريقي القديم تأسيس أقدم الممالك في غرب أفريقيا، أو بلاد السودان الغربي».

أسماء ولاته

وتعددت أسماء ولاته على مدار التاريخ، فقد عرفت أولاً باسم بيرو في العهد الغاني، ثم تحول الاسم بعد ذلك إلى إيلاوتن في عهد التكروري، ثم استقرت عند اسم ولاته في عهد الشناقطة في القرن الـ15 الميلادي، وفقاً لمجلة وزارة الثقافة الموريتانية.

وأضافت المجلة، أن ولاته عاشت أوج عطائها التجاري والفكري في القرون الوسطى، وشهدت حركة علمية نشطة كانت شاهدة عليها مخطوطات نادرة وأطلال من المدينة القديمة تقول: «كانت توجد يوماً ما في زمن غابر حضارة بناها الإنسان وهدمها النسيان».

ودخلت ولاته في سبات عميق وأطبقت الصحراء حصاراً عليها فعزلتها عن العالم ليهجرها معظم سكانها الأصليين، ولم يبق منهم سوى عدد قليل ممن يعانون قسوة الحياة وانعدام الخدمات الأساسية فيها.

ويتحدث شيخن ولد بكار، أحد سكان ولاته، بمرارة عما آل إليه وضع المدينة، ويقول: إن نزيف الهجرة لم يتوقف عبر السنين، حيث رحلت عنها أسر عريقة تاركة إرث أجدادها ومجدهم مرغمين لانعدام الخدمات.

وأبلغ ولد بكار «وكالة أنباء العالم العربي» (AWP): «لا أحد يرغب في الرحيل وترك مسقط رأسه، خاصة إن كان يعيش في مدينة تاريخية تمتلك إرثاً وتاريخاً ضارباً في القدم، وكل من رحل يشعر بغصة في حلقه لأنه فرط في إرث أجداده».

وسعت الحكومة الموريتانية إلى إنعاش المدن التاريخية في البلاد من خلال تنظيم مهرجان سنوي في إحدى المدن الأربع القديمة، وهي وادان وولاته وشنقيط وتيشيت. وتحتضن ولاته النسخة الـ12 من مهرجان «مدائن التراث»، الذي انطلق الأسبوع الماضي بحضور الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني.

حضن التاريخ

استقبلت مدينة ولاته، التي تحتضن المهرجان للمرة الثالثة، زائرين من مختلف أنحاء موريتانيا، وازدحمت أزقتها وبيوتها المحمرة المزخرفة التي تجمع بين العمق الأندلسي والطراز الأفريقي بالزوار، لتجمعهم في حضن التاريخ لعله يحفزهم على إنقاذ حضارتهم من براثن النسيان.

ضجيج وحركة لم يألفهما السكان الذين تربّوا في أحضان العزلة، لكنها زادت من آمالهم في أن تكسر هذه النسخة من المهرجان حالة النسيان والتيه الذي تعيشه مدينة كانت محطة ثابتة للقوافل التجارية في رحلات الذهاب والإياب من الجنوب إلى الشمال.

وتقوم فكرة المهرجان على «حماية وصيانة التراث الثقافي وتثمين مقدراته والتنويه بدوره في التنمية الاقتصادية المحلية وتطوير المنتجات السياحية الخاصة بمدائن التراث وتعزيز التواصل بينها وتحسين الظروف المعيشية لساكني هذه المدن وتعزيز الترابط الاجتماعي بين مختلف مكونات المجتمع».

وعدّ الرئيس الموريتاني ولد الشيخ الغزواني، أن ولاته تختزن تراثاً مادياً ومعنوياً «يمثل في ثرائه وتنوعه تعبيراً أصيلاً عن هويتنا الحضارية وقيمنا الدينية والثقافية، إن هذا التراث يمثل الذاكرة الأمينة التي تحفظ قيمنا وطرائق عيشنا وتخلد أيامنا المجيدة وحقبنا التاريخية المضيئة».

وأضاف ولد الغزواني خلال افتتاح المهرجان: «ولاته ظلت صامدة رغم تحديات الزمن في حفظ هويتنا الحضارية عبر مخطوطاتها النفيسة ومكتباتها الزاخرة وآثار بديع عمرانها وأنماط زخرفتها الأخاذة وصيت علمائها الذي طبق الآفاق وإنها بحق كنز تراثي فريد».

وقررت الحكومة الموريتانية إطلاق مشروع إنمائي بهدف دعم قدرة المواطنين على الصمود عن طريق توسيع استفادتهم من شبكة الأمان الاجتماعي والعمل على ترقية إنتاجهم المحلي وتوفير أنشطة مدرّة للدخل مع دعم قدراتهم في مجال صيانة المخطوطات والمحافظة على العمران الأثري.

ويعقد سكان ولاته، وغيرها من المدن الموريتانية التاريخية، الآمال على هذه المشروعات التنموية التي حملها الرئيس معه من العاصمة نواكشوط في أن تكون بداية واقع جديد يمكن أن يعيد لها بعضاً من تألقها الذي خفت بريقه على مر السنين.


مقالات ذات صلة

السعودية تبرز نهضتها الثقافية في «مهرجان جرش»

يوميات الشرق يُقدّم مجموعة حِرفيين سعوديين أعمالاً مبتكرة أمام زوار المهرجان (وزارة الثقافة)

السعودية تبرز نهضتها الثقافية في «مهرجان جرش»

تستعرض السعودية تنوعها الثقافي والفني أمام زوّار «مهرجان جرش للثقافة والفنون 2024» في المدينة التاريخية الأردنية، وذلك خلال الفترة بين 24 يوليو و3 أغسطس.

«الشرق الأوسط» (جرش)
ثقافة وفنون صورة للروائي عبد الله بن بخيت نشرها تركي آل الشيخ عبر حسابه في منصة «إكس»

بن بخيت مستشاراً ثقافياً لرئيس هيئة الترفيه السعودية

اختار المستشار تركي آل الشيخ، رئيس مجلس إدارة هيئة الترفيه السعودية، الروائي عبد الله بن بخيت مستشاراً ثقافياً له، ونائباً لرئيس «جائزة القلم الذهبي للأدب».

«الشرق الأوسط» (الرياض)
ثقافة وفنون الدكتور سعد البازعي يملك خبرة واسعة في مجالات الأدب والرواية (إثراء)

الدكتور سعد البازعي رئيساً لـ«جائزة القلم الذهبي للأدب»

قرَّر المستشار تركي آل الشيخ رئيس مجلس إدارة هيئة الترفيه السعودية تعيين الدكتور سعد البازعي رئيساً لـ«جائزة القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً».

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق يهدف التفاهم إلى جعل الباحة وجهةً ثقافية وسياحية رائدة محلياً ودولياً (واس)

السعودية: تفاهم لإثراء المشهد الثقافي في الباحة

وقّع الأمير حسام بن سعود بن عبد العزيز أمير منطقة الباحة، والأمير بدر بن عبد الله بن فرحان وزير الثقافة، مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون المشترك.

«الشرق الأوسط» (الباحة)
ثقافة وفنون اللغة العربية ستكون ضيفة شرف النسخة المقبلة من مهرجان «أفينيون»... (صورة من الموقع الرسمي للمهرجان)

اللغة العربية ضيفة الشرف في مهرجان «أفينيون» الفرنسي العام المقبل

أعلن مدير مهرجان «أفينيون» المسرحي تياغو رودريغيز، الاثنين، أن اللغة العربية ستكون في 2025 ضيفة الشرف خلال النسخة المقبلة.

«الشرق الأوسط» (باريس)

انقلابيو اليمن يخصصون أسطوانات غاز الطهي لأتباعهم

توزيع أسطوانات غاز في صنعاء على أتباع الجماعة الحوثية (إعلام حوثي)
توزيع أسطوانات غاز في صنعاء على أتباع الجماعة الحوثية (إعلام حوثي)
TT

انقلابيو اليمن يخصصون أسطوانات غاز الطهي لأتباعهم

توزيع أسطوانات غاز في صنعاء على أتباع الجماعة الحوثية (إعلام حوثي)
توزيع أسطوانات غاز في صنعاء على أتباع الجماعة الحوثية (إعلام حوثي)

في وقت يعاني فيه اليمنيون في صنعاء ومدن أخرى من انعدام غاز الطهي وارتفاع أسعاره في السوق السوداء، خصصت الجماعة الحوثية ملايين الريالات اليمنية لتوزيع أسطوانات الغاز على أتباعها دون غيرهم من السكان الذين يواجهون الصعوبات في توفير الحد الأدنى من القوت الضروري لهم ولأسرهم.

وبينما يشكو السكان من نقص تمويني في مادة الغاز، يركز قادة الجماعة على عمليات التعبئة العسكرية والحشد في القطاعات كافة، بمن فيهم الموظفون في شركة الغاز.

سوق سوداء لبيع غاز الطهي في صنعاء (فيسبوك)

وأفاد إعلام الجماعة بأن شركة الغاز بالاشتراك مع المؤسسة المعنية بقتلى الجماعة وهيئة الزكاة بدأوا برنامجاً خاصاً تضمن في مرحلته الأولى في صنعاء إنفاق نحو 55 مليون ريال يمني (الدولار يساوي 530 ريالاً) لتوزيع الآلاف من أسطوانات غاز الطهي لمصلحة أسر القتلى والجرحى والعائدين من الجبهات.

وبعيداً عن معاناة اليمنيين، تحدثت مصادر مطلعة في صنعاء عن أن الجماعة خصصت مليارات الريالات اليمنية لتنفيذ سلسلة مشروعات متنوعة يستفيد منها الأتباع في صنعاء وبقية مناطق سيطرتها.

ويتزامن هذا التوجه الانقلابي مع أوضاع إنسانية بائسة يكابدها ملايين اليمنيين، جرَّاء الصراع، وانعدام شبه كلي للخدمات، وانقطاع الرواتب، واتساع رقعة الفقر والبطالة التي دفعت السكان إلى حافة المجاعة.

أزمة مفتعلة

يتهم سكان في صنعاء ما تسمى شركة الغاز الخاضعة للحوثيين بالتسبب في أزمة مفتعلة، إذ فرضت بعد ساعات قليلة من القصف الإسرائيلي على خزانات الوقود في ميناء الحديدة، منذ نحو أسبوع، تدابير وُصفت بـ«غير المسؤولة» أدت لاندلاع أزمة في غاز طهي لمضاعفة معاناة اليمنيين.

وتستمر الشركة في إصدار بيانات مُتكررة تؤكد أن الوضع التمويني مستقر، وتزعم أن لديها كميات كبيرة من الغاز تكفي لتلبية الاحتياجات، بينما يعجز كثير من السكان عن الحصول عليها، نظراً لانعدامها بمحطات البيع وتوفرها بكثرة وبأسعار مرتفعة في السوق السوداء.

عمال وموظفو شركة الغاز في صنعاء مستهدفون بالتعبئة العسكرية (فيسبوك)

ويهاجم «عبد الله»، وهو اسم مستعار لأحد السكان في صنعاء، قادة الجماعة وشركة الغاز التابعة لهم بسبب تجاهلهم المستمر لمعاناة السكان وما يلاقونه من صعوبات أثناء رحلة البحث على أسطوانة غاز، في حين توزع الجماعة المادة مجاناً على أتباعها.

ومع شكوى السكان من استمرار انعدام مادة الغاز المنزلي، إلى جانب ارتفاع أسعارها في السوق السوداء، يركز قادة الجماعة الذين يديرون شركة الغاز على إخضاع منتسبي الشركة لتلقي برامج تعبوية وتدريبات عسكرية ضمن ما يسمونه الاستعداد لـ«معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس».

ونقل إعلام حوثي عن القيادي ياسر الواحدي المعين نائباً لوزير النفط بالحكومة غير المعترف بها، تأكيده أن تعبئة الموظفين في الشركة عسكرياً يأتي تنفيذاً لتوجيهات زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي.