تفجير المنازل... سلوك حوثي يرقى إلى مرتبة جرائم الحرب

تقارير حقوقية رصدت نسف مئات المباني بعد نهبها

بقايا أحد المنازل التي فجرتها جماعة الحوثي انتقاماً من ملاكها (إكس)
بقايا أحد المنازل التي فجرتها جماعة الحوثي انتقاماً من ملاكها (إكس)
TT

تفجير المنازل... سلوك حوثي يرقى إلى مرتبة جرائم الحرب

بقايا أحد المنازل التي فجرتها جماعة الحوثي انتقاماً من ملاكها (إكس)
بقايا أحد المنازل التي فجرتها جماعة الحوثي انتقاماً من ملاكها (إكس)

رغم أن الجماعة الحوثية عدلت من سلوكها تجاه ممتلكات خصومها، وتحولت إلى نهبها بدلا من تدميرها؛ فإنها فجرت مئات المنازل وهجرت سكانها، وبلغ عدد الذين قضوا تحت الركام 27 ضحية، في سلوك يرقى إلى مرتبة جرائم الحرب.

وأفاد تقرير حقوقي حديث بسقوط 51 ضحية جراء تفجير 713 منزلا تملكها 1123 عائلة، خلال سنوات الحرب في مختلف المحافظات اليمنية التي شملتها، منهم 27 قتيلا، بينهم 11 طفلا وخمس نساء، بينما جرح 24 آخرون، بينهم تسعة أطفال وسبع نساء، وبلغت نسبة المهجرين من ملاك هذه المنازل 89 في المائة.

طفل يتفقد آثار منزل عائلته الذي فجرته الجماعة الحوثية (إكس)

ووفقاً للتقرير الصادر عن «المركز الأميركي للعدالة»؛ فإن 65 في المائة من المهجرين نزحوا إلى مخيمات في محافظات مأرب وتعز والضالع وحجة أو إلى مساكن مهجورة، وتسببت أعمال تفجير المنازل في إجهاض 25 امرأة بسبب الخوف والاضطرار إلى الهروب، فيما تعرضت الأطفال للانتهاكات الستة الجسيمة للطفولة.

ويشمل ذلك الفترة التي يغطيها التقرير من مارس (آذار) 2011 وحتى سبتمبر (أيلول) 2023، وتعرض خلالها 513 منزلا، من إجمالي المنازل التي جرى تفجيرها لنهب جميع محتوياتها قبل تفجيرها من قبل الجماعة الحوثية.

ووفقاً للتقرير فإن أعمال تفجير المنازل شملت 15 محافظة يمنية، تصدرتها محافظة البيضاء بـ118 منزلا، تليها محافظة تعز بـ105، ثم الجوف بـ76، وصعدة بـ73، وإب بـ62، وصنعاء بـ57، ومأرب بـ53، وذمار بـ37، وحجة بـ31، والضالع بـ23، ولحج بـ22، وعمران بـ21، والحديدة بـ14، وشبوة بـ6 منازل، وأبين بـ5 منازل.

وذكر معدو التقرير أن ملاك هذه المنازل تعرضوا لعدد من الانتهاكات التي طالت حقوقهم في السكن والأمن والسلامة والحق في الاستقرار والحق في الملكية، والصحة الجسدية والنفسية، دون أن يتلقوا أي تعويضات من أي جهات حكومية أو دولية، خصوصاً الضحايا الذين أصبحوا يعيشون في مخيمات النزوح.

تتخذ الجماعة الحوثية من تفجير المنازل نهجاً لإرهاب خصومها والانتقام منهم (إكس)

ودعا المركز الذي يعمل من ولاية ميتشيغان الأميركية في تقريره الحكومة الشرعية إلى توفير مأوى مناسب لضحايا تفجيرات المنازل بشكل عاجل، وتأمين الإغاثة الطارئة لتلك الأسر، وإدراج الضحايا على قائمة التعويض العادل وجبر الضرر الكامل في أي تسوية سياسية قادمة، وتقديم الدعم النفسي الكامل للضحايا، وخاصة فئات الأطفال والنساء.

انتقام وتنكيل

وينبه السياسيون والمتابعون للشأن اليمني إلى أن نسف المنازل، نهج تتبعه الجماعة الحوثية بوصفه تقليداً لمثيلاتها من الجماعات المتشددة سواء في اليمن أو العراق أو سوريا أو ليبيا أو أفغانستان وغيرها من دول الصراع، للتعبير عن التطرف والفجور في الخصومة.

ومنذ أسبوعين أعلنت اللجنة الوطنية للتحقيق في ادّعاءات انتهاكات حقوق الإنسان أن الجماعة الحوثية فجرت خلال الفترة من بداية أغسطس (آب) 2022 وحتى نهاية يوليو (تموز) الماضي 20 منزلاً؛ انتقاماً من أصحابها المناوئين للجماعة، وهو ما ذهب إليه تقرير المركز الأميركي للعدالة، الذي وجد أن دافع الانتقام يقف خلف ممارسات الحوثيين في تفجير المنازل، دون أي ضرورة عسكرية.

وقالت اللجنة في تقريرها الدوري الحادي عشر إن تفجير المنازل هو أحد الانتهاكات التي تنفرد بها الجماعة الحوثية، واتهمتها بارتكابها في مختلف المناطق التي اجتاحتها منذ سبتمبر (أيلول) 2014.

دخان وغبار من بقايا منزل شخصية اجتماعية نسفته الجماعة الحوثية في قرية الحيمة القريبة من مدينة تعز المحاصرة (إكس)

وسبق للجنة أن رصدت وتحقّقت في تقريرها الدوري العاشر من إقدام الجماعة على تفجير 36 منزلاً في محافظات مختلفة خلال العامين الماضيين.

وفي أبريل (نيسان) الماضي اتهمت منظمة «ميون» لحقوق الإنسان الجماعة الحوثية بمواصلة تفجير منازل خصومها السياسيين والمعارضين لممارساتها القمعية والاستيلاء على ممتلكاتهم العينية، منددة بتفجير منازل 3 مواطنين في مديرية صرواح التابعة لمحافظة مأرب شمال شرقي صنعاء.

وشددت على ضرورة وقف هذه الجريمة التي تمثل انتهاكا للقانون الدولي الإنساني فورا، مشيرة إلى أن المنازل التي فجرتها الجماعة في المديرية بلغ 13 منزلا خلال شهرين.

نهج متأصل

غير أن مراقبين ومثقفين يمنيين يرون أن سلوك الجماعة الحوثية في تفجير ونسف المنازل يطابق أفعال أسلافها الأئمة الذي حكموا البلاد على مدى مئات السنين، واتسمت سياساتهم تجاه المناوئين لهم من السكان بحرق منازلهم ومزارعهم وطردهم والتنكيل بهم.

ويعدّ أستاذ الفلسفة السياسية في جامعة عدن، قاسم المحبشي، هدم المنازل على رؤوس أهلها أقصى أنواع العنف والقسوة في تاريخ الطغيان ولا تمارسه إلا القوى الشديدة الدموية والوحشية، مساويا «بين ما يفعله الاحتلال الإسرائيلي والميليشيات الحوثية التي وصف ممارساتها بالإبادة الجماعية».

ويرى المحبشي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن جريمة تفجير المنازل من وجهة نظر سوسيولوجية ونفسية ذات معنى مزدوج؛ فمن جهة هي تعبير عن وحشية مرتكبها ونزعته السادية في الإمعان في تعذيب ضحاياه، ومن جهة أخرى تعني ضعف وخوف من يرتكبها واعترافه المضمر بعدم دوام سيطرته طويلا، فتفجير منازل الرعايا (المواطنين) من قبل من يدعي أحقيته بحكمهم ورعايتهم تضعه في موقف المغتصب والمستعمر والغازي الأجنبي.

رغم توجه الجماعة الحوثية إلى نهب ممتلكات مناوئيها فإنها لم تتوقف عن تفجير المنازل (إكس)

وفي اليمن يمثل البيت والمنزل والدار، أقدس أقداس الحياة الاجتماعية، طبقا لرأي المحبشي، ولا يأتي إلى البيت إلا الموت، كما يقول المثل الشعبي اليمني، أما أن يأتي من يهدم البيوت على رؤوس أهلها فهذا جرح لن يندمل أبدا، وبالتالي فإن ما يرتكبه الحوثي سيظل وصمة عار أسود لن تُمحى أبداً.

وتطالب المنظمات والتقارير الحقوقية بتشديد العقوبات المجرمة للاعتداء على الممتلكات الخاصة في القانون اليمني، وتحريك الدعوى الجنائية لملف تفجيرات المنازل أمام القضاء الوطني، وإلزام الجماعة الحوثية باحترام الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواثيق والمعاهدات الدولية، لا سيما ما يتعلق باحترام وحماية الممتلكات الخاصة، وتطبيق القرارات الدولية الصادرة من مجلس الأمن بشأن اليمن.


مقالات ذات صلة

شبكة حوثية لتجنيد مئات اليمنيين للقتال في أوكرانيا

المشرق العربي مجموعة من الشبان اليمنيين المجندين في معسكر تدريب روسي يرفعون العلم اليمني (إكس)

شبكة حوثية لتجنيد مئات اليمنيين للقتال في أوكرانيا

تنشط شبكة حوثية لتجنيد شبان يمنيين للقتال ضمن الجيش الروسي في أوكرانيا، من خلال إغرائهم بالعمل في شركات أمن روسية برواتب مجزية وتتقاضى آلاف الدولارات عن كل شاب.

محمد ناصر (تعز)
المشرق العربي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني ونائبه خلال استقبال المبعوث الأميركي والسفير فاجن... الاثنين (سبأ)

جهود إقليمية ودولية لإطلاق عملية سياسية شاملة في اليمن برعاية أممية

شهدت العاصمة السعودية، الرياض، في اليومين الماضيين، حراكاً دبلوماسياً نشطاً بشأن الملف اليمني، ركَّز على الجهود الإقليمية والدولية لخفض التصعيد.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)

3.5 مليون يمني من دون مستندات هوية وطنية

فيما طالبت الأمم المتحدة بأكبر تمويل إنساني في اليمن للعام المقبل أفاد تقرير دولي بوجود 3.5 مليون شخص من فئة المهمشين لا يمتلكون مستندات هوية وطنية

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي أمطار غزيرة بمحافظة لحج تلحق أضراراً بالطريق الوحيدة التي تخفف الحصار عن مدينة تعز (إكس)

«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

يشهد اليمن موسماً جديداً للأمطار الغزيرة التي تتسبب في أضرار كبيرة للسكان والبنية التحتية، في حين لا تزال البلاد وسكانها يعانون تأثيرات فيضانات الصيف الماضي.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي تأهيل الطرقات وتحسين البنية التحتية التي تأثرت بالحرب والانقلاب  (موقع البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن)

البرنامج السعودي لإعمار اليمن يعزز دعم سبل العيش

تقرير حديث للبرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن حول مساهماته في بناء القدرات واستثمار طاقات الشباب اليمني لتحسين حياتهم وخدمة مجتمعهم وبناء مستقبل واعد.

«الشرق الأوسط» (عدن)

سكان العراق أكثر من 45 مليون نسمة... نصفهم من النساء وثلثهم تحت 15 عاماً

عراقيات في معرض الكتاب ببغداد (أ.ب)
عراقيات في معرض الكتاب ببغداد (أ.ب)
TT

سكان العراق أكثر من 45 مليون نسمة... نصفهم من النساء وثلثهم تحت 15 عاماً

عراقيات في معرض الكتاب ببغداد (أ.ب)
عراقيات في معرض الكتاب ببغداد (أ.ب)

يزيد عدد سكان العراق على 45 مليون نسمة، نحو نصفهم من النساء، وثلثهم تقل أعمارهم عن 15 عاماً، وفق ما أعلن رئيس الحكومة، محمد شياع السوداني، اليوم (الاثنين)، حسب الأرقام غير النهائية لتعداد شامل هو الأول منذ عقود.

وأجرى العراق الأسبوع الماضي تعداداً شاملاً للسكان والمساكن على كامل أراضيه لأول مرة منذ 1987، بعدما حالت دون ذلك حروب وخلافات سياسية شهدها البلد متعدد العرقيات والطوائف.

وقال السوداني، في مؤتمر صحافي: «بلغ عدد سكان العراق 45 مليوناً و407 آلاف و895 نسمة؛ من ضمنهم الأجانب واللاجئون».

ونوّه بأن «الأسر التي ترأسها النساء تشكّل 11.33 في المائة» بالبلد المحافظ، حيث بلغ «عدد الإناث 22 مليوناً و623 ألفاً و833 بنسبة 49.8 في المائة» وفق النتائج الأولية للتعداد.

ووفق تعداد عام 1987، كان عدد سكان العراق يناهز 18 مليون نسمة.

وشمل تعداد السنة الحالية المحافظات العراقية الـ18، بعدما استثنى تعداد أُجري في 1997، المحافظات الثلاث التي تشكل إقليم كردستان المتمتع بحكم ذاتي منذ 1991.

وأعلن الإقليم من جهته الاثنين أن عدد سكانه تخطى 6.3 مليون نسمة؛ من بينهم الأجانب، طبقاً للنتائج الأولية، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وأرجئ التعداد السكاني مرات عدة بسبب خلافات سياسية في العراق الذي شهد نزاعات وحروباً؛ بينها حرب ما بعد الغزو الأميركي في 2003، وسيطرة تنظيم «داعش» في 2014 على أجزاء واسعة منه.

ولفت السوداني إلى أن نسبة السكان «في سنّ العمل» الذين تتراوح أعمارهم بين «15 و64 سنة بلغت 60.2 في المائة»، مؤكداً «دخول العراق مرحلة الهبّة الديموغرافية».

وأشار إلى أن نسبة الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 15 عاماً تبلغ 36.1 في المائة، فيما يبلغ «متوسط حجم الأسرة في العراق 5.3 فرد».

وأكّد السوداني أن «هذه النتائج أولية، وسوف تكون هناك نتائج نهائية بعد إكمال باقي عمليات» التعداد والإحصاء النوعي لخصائص السكان.

وأظهرت نتائج التعداد أن معدّل النمو السنوي السكاني يبلغ حالياً 2.3 في المائة؛ وذلك «نتيجة لتغيّر أنماط الخصوبة في العراق»، وفق ما قال مستشار صندوق الأمم المتحدة للسكان في العراق، مهدي العلاق، خلال المؤتمر الصحافي.