تقديرات أممية: تغير المناخ قد يقتل 120 ألف يمني خلال 3 عقود

3.8 مليون شخص سيعانون من سوء التغذية... وتوقعات الخسائر تبلغ 93 مليار دولار

خلفت الفيضانات التي ضربت شرق اليمن أضراراً بالغة في البنية التحتية (إعلام حكومي)
خلفت الفيضانات التي ضربت شرق اليمن أضراراً بالغة في البنية التحتية (إعلام حكومي)
TT

تقديرات أممية: تغير المناخ قد يقتل 120 ألف يمني خلال 3 عقود

خلفت الفيضانات التي ضربت شرق اليمن أضراراً بالغة في البنية التحتية (إعلام حكومي)
خلفت الفيضانات التي ضربت شرق اليمن أضراراً بالغة في البنية التحتية (إعلام حكومي)

رسم تقرير أعده برنامج الأمم المتحدة الإنمائي صورة قاتمة عن تأثير تغير المناخ في اليمن خلال العقود الثلاثة القادمة، وذكر أن البلد سيخسر 93 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي، وأن 3.8 مليون شخص سيعانون من سوء التغذية، متوقعاً أن تتسبب التغيرات في وفاة 121 ألف شخص.

التقرير الأممي كرس للتوقعات المناخية في اليمن، وكيف يمكن أن يؤثر ذلك على التنمية الاقتصادية والبشرية على المدى الطويل، وأكد أن هذا البلد الذي يعاني من آثار الحرب التي أشعلها الحوثيون منذ ما يزيد على ثمانية أعوام يعد من بين البلدان الأكثر عرضة لتغير المناخ، وهو يواجه أزمة متفاقمة في المياه منذ عقود.

يعاني اليمن من تقلبات المناخ بين الجفاف الشديد والفيضانات (رويترز)

يشير التقرير إلى أن اليمن مثل معظم البلدان ذات الدخل المنخفض، مساهمته في أزمة المناخ قليلة جداً، وأورد تحليلاً عن تأثير تغير المناخ على التنمية البشرية والبيانات التاريخية عن درجات الحرارة وهطول الأمطار عبر المناطق وتغير الفصول، ويستخدم تقنيات إحصائية للتنبؤ بمستقبل المناخ.

كما يقارن التقرير سيناريو محتملاً لتغير المناخ بسيناريو مخالف للواقع لا يحدث فيه تغير للمناخ، وفي السيناريو الثالث (المتوقع)، ينظر في التدخلات الإنمائية الرئيسية التي تركز على بناء القدرة على الصمود في مواجهة التهديدات التي يشكلها تغير المناخ، مما يسرع التقدم نحو تنمية بشرية أفضل.

الأسوأ لم يأتِ

توقع البرنامج الأممي في تقريره زيادة في سوء التغذية والفقر في اليمن «إذا لم يتم اتخاذ إجراءات مناخية لبناء القدرة على الصمود»، وقال إنه مع تغير المناخ وبحلول عام 2060، من المتوقع أن تفقد البلاد 93 مليار دولار تراكمياً في الناتج المحلي الإجمالي، وأن يعاني 3.8 مليون شخص إضافي من سوء التغذية.

وأكد التقرير أن «الأسوأ لم يأتِ بعد»، مبيناً أن البلاد تشهد تغير أنماط الطقس. وجزم أنه مع عدم اتخاذ أي إجراء، من المتوقع أن يكون تغير المناخ سبباً في أكثر من 121 ألف حالة وفاة في البلاد خلال 36 سنة.

استراتيجية بناء القدرة بحسب التقرير يمكن أن تساعد على الصمود والتخفيف من الآثار المتوقعة لتغير المناخ في البلاد، وتأمين مستقبل لائق للجيل القادم «في سياق يعاني من الهشاشة».

كانت المزارع ومصادر الغذاء عرضة للأضرار الناتجة عن التغير المناخي (إعلام حكومي)

ووفق مكتب البرنامج الأممي في اليمن، فإن الإنتاج والاستهلاك المحلي أمران حيويان لتنمية اقتصاد أخضر في بلد تأثر بشدة من تبعات الصراع؛ إذ يعاني أكثر من 24 مليون شخص (83 في المائة من السكان) من انعدام الأمن الغذائي، كما يحتاج أكثر من نصف الأطفال الصغار (51 في المائة) إلى علاج سوء التغذية الحاد.

وأشار إلى أن زيادة الإنتاج الغذائي المحلي من بين الاحتياجات الأكثر إلحاحاً؛ إذ تلعب التغيرات المناخية دوراً متزايداً في تفاقم أزمة ندرة الغذاء، فقد أدت هذه التغيرات إلى انجراف الأراضي وصولاً إلى ظاهرة التصحر والفيضانات وتأخر فصول الزراعة، وهو ما سيؤدي إلى انخفاض زراعة المحاصيل الرئيسية ذات القيمة الغذائية العالية لسكان اليمن.

حماية الأراضي الزراعية

للتخفيف من آثار الأزمة الغذائية والتبعات السلبية لتغير المناخ على القطاع الزراعي في اليمن، ذكر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أنه يعمل بالتعاون مع مشروع الأشغال العامة، وبتمويل من البنك الدولي، على حماية الأراضي الزراعية في وادي البركاني بمديرية المعافر في محافظة تعز؛ إذ يعد هذا التدخل جزءاً من مشروع الاستجابة لتعزيز الأمن الغذائي في البلاد.

يمول البنك الدولي مشروع بناء مصدات للسيول في اليمن لحماية الأراضي الزراعية من الانجراف (فيسبوك)

ويقوم المشروع على دعم المزارعين في منطقة «الزقوم»، التي تمثل نقطة التقاء لمجرى السيول القادمة من منطقتين مجاورتين للوادي، بعد أن تعرضوا لخسائر فادحة في السابق، وظلوا مترددين في القيام بأي أنشطة زراعية بسبب قلقهم من السيول التي قد تجرف محاصيلهم وأراضيهم.

ويذكر الحسين عبد الولي، ممثل مشروع الأشغال العامة، أن أهداف هذا التدخل هي استعادة هكتارين من الأراضي الزراعية التي فقدها المزارعون في السنوات السابقة، بسبب انجراف التربة، وبالتالي الحفاظ على الأمن الغذائي للأسر التي تعتمد بشكل أساسي على الزراعة لكسب قوتها، ومساعدتها للحصول على دخل يمكنها من تلبية احتياجاتها اليومية.


مقالات ذات صلة

استراتيجية يمنية لتمويل المناخ وبرنامج أممي يحمي الأسماك

المشرق العربي التطرفات المناخية باليمن أسهمت إلى جانب الانقلاب والحرب في مضاعفة معاناة اليمنيين (أ.ف.ب)

استراتيجية يمنية لتمويل المناخ وبرنامج أممي يحمي الأسماك

تعتزم الحكومة اليمنية بدء حملة للحصول على تمويلات تساعدها في مواجهة تطرفات المناخ بينما ينفذ برنامج أممي مشروعاً لحماية البيئة والثروة السمكية.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي طفلة تعاني من سوء التغذية وتنتظر العلاج في أحد مستشفيات العاصمة صنعاء (رويترز)

الكوليرا والحصبة تفتكان بمئات آلاف اليمنيين

تتزايد أعداد المصابين بالكوليرا والحصبة وأمراض أخرى في اليمن، بموازاة تفاقم سوء التغذية الذي تعتزم الحكومة مواجهته بالتعاون مع الأمم المتحدة بمناطق غرب البلاد.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي مركز الملك سلمان وقع اتفاقية تعاون لتنفيذ مشروع العودة إلى المدارس في اليمن (واس)

«مركز الملك سلمان» يوقع اتفاقيات لتعزيز التعليم والصحة في اليمن

وقع «مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية»، اتفاقيات متنوعة لتعزيز القطاع التعليمي والطبي في محافظات يمنية عدة يستفيد منها ما يزيد على 13 ألف فرد.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
المشرق العربي مجموعة من الشبان اليمنيين المجندين في معسكر تدريب روسي يرفعون العلم اليمني (إكس)

شبكة حوثية لتجنيد مئات اليمنيين للقتال في أوكرانيا

تنشط شبكة حوثية لتجنيد شبان يمنيين للقتال ضمن الجيش الروسي في أوكرانيا، من خلال إغرائهم بالعمل في شركات أمن روسية برواتب مجزية وتتقاضى آلاف الدولارات عن كل شاب.

محمد ناصر (تعز)
المشرق العربي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني ونائبه خلال استقبال المبعوث الأميركي والسفير فاجن... الاثنين (سبأ)

جهود إقليمية ودولية لإطلاق عملية سياسية شاملة في اليمن برعاية أممية

شهدت العاصمة السعودية، الرياض، في اليومين الماضيين، حراكاً دبلوماسياً نشطاً بشأن الملف اليمني، ركَّز على الجهود الإقليمية والدولية لخفض التصعيد.

عبد الهادي حبتور (الرياض)

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».