«هدنة غزة»: تمديد جديد أم صفقة «الكل مقابل الكل»؟

جهود مصرية - قطرية مكثفة تستبق «اليوم الأخير»

رهائن إسرائيليون لدى «حماس» قبل تسليمهم إلى الصليب الأحمر في رفح (أ.ف.ب)
رهائن إسرائيليون لدى «حماس» قبل تسليمهم إلى الصليب الأحمر في رفح (أ.ف.ب)
TT

«هدنة غزة»: تمديد جديد أم صفقة «الكل مقابل الكل»؟

رهائن إسرائيليون لدى «حماس» قبل تسليمهم إلى الصليب الأحمر في رفح (أ.ف.ب)
رهائن إسرائيليون لدى «حماس» قبل تسليمهم إلى الصليب الأحمر في رفح (أ.ف.ب)

دخلت جهود تمديد الهدنة الإنسانية في قطاع غزة، التي تقودها مصر وقطر، بالتنسيق مع الولايات المتحدة، سباقاً مع الزمن، بشأن اشتراطات الانتقال لمستوى وصف بأنه «الأصعب» من التفاوض، المتعلق بتبادل الأسرى من العسكريين المحتجزين في قطاع غزة، وجميع الأسرى من الجانبين، وتحقيق رؤية «الكل مقابل الكل»، خاصة مع قرب الانتهاء من تبادل المحتجزين المدنيين في القطاع.

واستضافت العاصمة القطرية الدوحة على مدى اليومين الماضيين اجتماعات أمنية رفيعة المستوى، شارك فيها كل من رئيس جهاز «الموساد»، دافيد برنياع، ومدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA)، ويليام بيرنز، ورئيس المخابرات المصرية عباس كامل.

ويبحث المسؤولون الثلاثة، بالإضافة لمسؤولين قطريين، صفقة لتبادل أوسع للأسرى مع بين «حماس» وإسرائيل، والسعي لتمديد جديد للهدنة التي انطلقت الجمعة الماضية، ومُددت ليومين إضافيين ينتهيان صباح الخميس.

وأفاد مصدر مطلع لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، الأربعاء، أن حركة «حماس» «أبلغت الوسطاء بموافقة المقاومة على تمديد الهدنة لأربعة أيام»، مؤكداً أن «لدى الحركة ما يمكنها من إطلاق سراح أسرى إسرائيليين محتجزين لديها ولدى فصائل المقاومة وجهات مختلفة خلال هذه الفترة ضمن الآلية المتبعة والشروط نفسها».

صور لإسرائيليين قتلوا أو أسروا في هجوم «حماس» على موقع حفل موسيقي يوم 7 أكتوبر في غلاف غزة (أ.ف.ب)

وذكرت مصادر لشبكة «سي إن إن» أن بيرنز، طرح خلال مفاوضات الدوحة توسيع فئة الرهائن الذين سيتم إطلاق سراحهم في النهاية إلى رجال وجنود، كما جرت محادثات تتعلق بإخراج جثث الأسرى القتلى من غزة.

في المقابل، نقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن مصادر سياسية إسرائيلية، الأربعاء، القول بأنه سيكون من الصعب للغاية التوصل لاتفاق حول 10 أيام هدنة في غزة، فيما حذر الوزير المتطرف إيتمار بن غفير من انتصار «حماس».

وقالت المصادر الإسرائيلية، بحسب الصحيفة، إنه «على خلفية المناقشات في قطر حول تمديد الهدنة وإطلاق سراح مزيد من الرهائن، سيكون من الصعب للغاية، إضافة مجموعات جديدة من المختطفين في إطار 10 أيام من اتفاق وقف إطلاق النار الأصلي»، مؤكدة أن الإفراج عن أسرى جدد من قطاع غزة سيكون على الأرجح جزءاً من التفاوض على اتفاق جديد (يشمل الجنود والعسكريين).

وقالت الصحيفة إن إسرائيل أبلغت الوسطاء أنه «لا جدوى من الحديث عن اتفاق جديد قبل أن تعيد (حماس) جميع النساء والأطفال» من قطاع غزة. ووفق هيئة البث الإسرائيلية، فإن واشنطن تضغط للتوصل إلى هدنة تتجاوز 10 أيام.

المرحلة الأصعب

دبابات إسرائيلية على الحدود مع قطاع غزة خلال الهدنة الحالية (رويترز)

ويصف الدكتور سعيد عكاشة، خبير الشؤون الإسرائيلية في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، المرحلة المقبلة من التفاوض بشأن تبادل الأسرى وتمديد الهدنة تمهيدا إلى الانتقال لوقف لإطلاق النار بأنها «الأصعب»، لافتا إلى الخلافات التي تعصف بالحكومة الإسرائيلية، وتهدد بسقوط التحالف الحكومي.

وكان حزب «عوتسما يهوديت» بزعامة وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير هدد بانسحاب جميع أعضاء الكنيست الستة في الحزب من الائتلاف الحكومي في حال تم التوصل لاتفاق جديد لتمديد وقف إطلاق النار لأكثر من 10 أيام في قطاع غزة، وكتب بن غفير على حسابه على منصة «إكس» (تويتر سابقا) أن «وقف الحرب = تفكيك الحكومة».

وأوضح عكاشة لـ«الشرق الأوسط» أن أعضاء مجلس الحرب في إسرائيل «لن يقبلوا بمعايير صفقة شاليط»، التي تم خلالها تبادل جندي إسرائيلي واحد بأكثر من ألف سجين فلسطيني، إضافة إلى الإصرار الإسرائيلي على ألا يكون أي من السجناء الذين تصنفهم إسرائيل باعتبارهم «سجناء أمنيين أو تورطوا في جرائم قتل إسرائيليين»، ضمن أي اتفاق يتعلق بتبادل الأسرى، في حين أن عدداً من هؤلاء هم من تصر «حماس» على إطلاق سراحهم.

وأضاف خبير الشؤون الإسرائيلية أن هناك نحو 9 آلاف سجين ومعتقل فلسطيني لدى إسرائيل، القليل منهم فقط مصنف بأنه سجين أمني، وبالتالي «لن تكون هناك صعوبة في إطلاق سراح الآلاف مقابل معظم الأسرى الإسرائيليين في غزة»، لكنه أضاف أن الأزمة «تكمن في احتمال انهيار التفاوض، وهو ما يعني استئناف الحرب فورا»، مرجحاً أن تركز اجتماعات الدوحة على الخروج باشتراطات مقبولة من الطرفين يمكن بموجبها الاستمرار في التهدئة وتسهيل خروج معظم الأسرى من غزة.

وحول التعويل على الضغط الأميركي على الحكومة الإسرائيلية، أشار عكاشة إلى أن واشنطن تتشارك مع إسرائيل بعض المحددات المتعلقة بتصنيف السجناء الفلسطينيين، ومن ثم يصعب توقع أن تضغط الإدارة الأميركية على حكومة نتنياهو للقبول باشتراطات صعبة تعني عمليا سقوط الحكومة الإسرائيلية.

محاولة بناء الثقة

في السياق ذاته، نقلت صحيفة «وول ستريت جورنال»، عن مسؤولين مصريين قولهم إن الهدف من المباحثات في الدوحة «هو نقل المناقشات إلى ما هو أبعد من الترتيب الحالي الذي يقضي بتمديد الاتفاق الأولي الذي مدته 4 أيام بيوم واحد مقابل كل 10 رهائن تقوم (حماس) بتسليمهم».

وبحسب الصحيفة نقلا عن المسؤولين المصريين، فإن المحادثات «تتركز الآن على كيفية تحرير كبار السن والجثث والجنود بمجرد خروج جميع النساء والأطفال»، وأن الوسطاء القطريين والمصريين يضغطون من أجل المضي قدماً لوقف القتال لفترة أطول، على أمل أن يتطور إلى وقف دائم لإطلاق النار، إضافة إلى «محاولة بناء الثقة وحسن النية لفتح الباب أمام سلام طويل الأمد».

بدوره، توقع الدكتور جهاد الحرازين، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، أن تسير التهدئة في مسار إقرار هدن متتالية، في ظل تصاعد الأصوات اليمينية المتطرفة في إسرائيل التي تسعى بكل قوة لاستئناف العمليات العسكرية على غزة، وخاصة مع اتجاه بعض وزراء اليمين إلى ابتزاز نتنياهو بورقة الانسحاب من الحكومة، في مقابل حرص رئيس الوزراء الإسرائيلي على البقاء لأطول فترة ممكنة في السلطة.

وأضاف الحرازين لـ«الشرق الأوسط» أن المشاورات الجارية في الدوحة تسعى إلى تقديم مخرج من الأزمة، وتفويت فرصة تجدد القصف المدمر لغزة، إضافة إلى طرح أفكار تحقق لطرفي الصراع بعضا من أهدافهم حتى يمكن قبولها، وبالتالي الانتقال لمرحلة أبعد وهي طرح وقف ممتد لإطلاق النار، إلا أنه لم يستبعد في الوقت ذاته أن تسفر ضغوط الجناح الأكثر تطرفاً في الحكومة الإسرائيلية عن استئناف القتال والقصف في جنوب غزة، متوقعاً أن يكون أقل حدة مما شهده شمال ووسط القطاع في مرحلة ما قبل الهدنة، وأن يتخذ شكل ضربات مركزة، مراعاة للضوابط الأميركية التي أبلغتها لإسرائيل لتجنب تكرار القصف المدمر والاستهداف الوحشي للمدنيين.


مقالات ذات صلة

استنفار إسرائيلي واسع عشية ذكرى «طوفان الأقصى»

المشرق العربي إسرائيليون يزورون الأحد موقعاً لهجوم «طوفان الأقصى» الذي شنته «حماس» قبل عام (رويترز)

استنفار إسرائيلي واسع عشية ذكرى «طوفان الأقصى»

أعلنت إسرائيل حالة تأهب قياسية، الأحد، بالمواكبة مع الذكرى الأولى لأحداث «طوفان الأقصى» في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

كفاح زبون (رام الله)
خاص يوشك هجوم 7 أكتوبر على تغيير وجه الشرق الأوسط بعد عام من حرب طاحنة (د.ب.أ) play-circle 07:15

خاص «حماس» في ميزان الربح والخسارة بعد حرب طاحنة

بعد عام من حرب غزة، كيف يمكن حساب الربح والخسارة في ميزان «حماس»؟ فرغم خسارة قيادات وترسانة سلاح ودعم سياسي، ثمة من يعتقد أن الحكم بنهاية الحركة مبكرٌ جداً.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي متظاهرون إسرائيليون يطالبون بالتوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح الرهائن سبتمبر الماضي (د.ب.أ)

استطلاع: غالبية من الإسرائيليين يرون أنهم «خسروا» حرب غزة

أظهر استطلاع نشرته الإذاعة العامة الإسرائيلية الأحد أن 35 بالمائة من الإسرائيليين يعتقدون أنهم خسروا حرب غزة في حين أفاد 38 بالمائة بأنهم لا يعرفون إجابة بيقين.

«الشرق الأوسط» (تل ابيب)
العالم العربي آثار الدمار الذي سبّبته غارة إسرائيلية جنوب صيدا في لبنان (إ.ب.أ)

اللجنة الدولية للصليب الأحمر تدعو إلى تخفيف المعاناة في الشرق الأوسط

دعت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، اليوم الأحد، إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لتخفيف المعاناة في الشرق الأوسط.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
العالم العربي من مدينة حمص السورية (أرشيفية - رويترز)

غارة جوية إسرائيلية تستهدف شاحنات محملة بمواد طبية وإغاثية في حمص

استهدفت غارة إسرائيلية، الأحد، شاحنات تحمل مواد إغاثية وطبية في مصنع فارغ للسيارات الإيرانية جنوب مدينة حمص وسط سوريا.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

اللجنة الدولية للصليب الأحمر تدعو إلى تخفيف المعاناة في الشرق الأوسط

آثار الدمار الذي سبّبته غارة إسرائيلية جنوب صيدا في لبنان (إ.ب.أ)
آثار الدمار الذي سبّبته غارة إسرائيلية جنوب صيدا في لبنان (إ.ب.أ)
TT

اللجنة الدولية للصليب الأحمر تدعو إلى تخفيف المعاناة في الشرق الأوسط

آثار الدمار الذي سبّبته غارة إسرائيلية جنوب صيدا في لبنان (إ.ب.أ)
آثار الدمار الذي سبّبته غارة إسرائيلية جنوب صيدا في لبنان (إ.ب.أ)

دعت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، اليوم الأحد، إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لتخفيف المعاناة في الشرق الأوسط، عشية الذكرى السنوية الأولى للهجوم غير المسبوق الذي شنّته حركة المقاومة الإسلامية «حماس» على إسرائيل.

ووفق «وكالة الصحافة الفرنسية»، قالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، في بيان: «خلال العام الماضي، شهدت المنطقة دماراً واسع النطاق وتجريداً للأشخاص من صفتهم البشرية»، داعية جميع الأطراف إلى «احترام كرامة كل شخص متضرّر من هذا النزاع... وتحمُّل مسؤولياتهم، بموجب القانون الإنساني الذي يوفّر إطاراً للحد من المعاناة أثناء النزاع».

وأضافت: «أصبح المدنيون مجرّد أعداد، إذ طغت الخطابات المتضاربة بشأن النزاع على طابعهم الفريد، لكنّ وراء هذه الأرقام أفراداً، أطفالاً وآباء وأشقاء وأصدقاء يكافحون الآن من أجل البقاء على قيد الحياة، ويواجهون، كل يوم، الحزن والخوف وعدم اليقين بشأن مستقبلهم».

وتابعت: «شهد هذا العام قلوباً محطَّمة وأسئلة بلا إجابات»، لافتة إلى أن «شمل العائلات تشتّت، ولا يزال كثير من أحبائها محتجَزين، رغم إرادتهم. وقُتل عشرات الآلاف، ونزح الملايين في جميع أنحاء المنطقة».

ويصادف الاثنين الذكرى السنوية الأولى للهجوم غير المسبوق الذي نفذته حركة «حماس» على الأراضي الإسرائيلية، والذي أدى إلى اندلاع حرب بين الحركة والدولة العبرية في قطاع غزة امتدّت إلى لبنان، حيث تشنّ إسرائيل حرباً ضد «حزب الله».

وقالت اللجنة الدولة للصليب الأحمر: «بينما نقترب من مُضي عام على الهجمات، التي وقعت في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، والتصعيد واسع النطاق للأعمال العدائية الذي أعقب ذلك، لا يزال الناس في المنطقة يعانون وطأة الألم والمعاناة والخسارة التي لا تُطاق وتتجاوز الحدود».

وكرّرت دعوتها جميع الأطراف إلى «تحمل مسؤولياتهم، بموجب القانون الدولي الإنساني»، مؤكدة أنّه من خلال الالتزام بهذا القانون «يمكن للأطراف المتحاربين أن يخفّفوا المعاناة الإنسانية، ويمهدوا لمستقبل أكثر استقراراً وسلاماً».