لماذا تأخرت «الهدنة المعتادة» في الحرب الحالية؟

خبراء: حجم خسائر إسرائيل والدعم الغربي يعرقلان التهدئة

دمرت إسرائيل آلاف المباني بقطاع غزة (وزارة الخارجية الفلسطينية)
دمرت إسرائيل آلاف المباني بقطاع غزة (وزارة الخارجية الفلسطينية)
TT

لماذا تأخرت «الهدنة المعتادة» في الحرب الحالية؟

دمرت إسرائيل آلاف المباني بقطاع غزة (وزارة الخارجية الفلسطينية)
دمرت إسرائيل آلاف المباني بقطاع غزة (وزارة الخارجية الفلسطينية)

بخلاف الجولات السابقة من الاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة، والتي عادة ما كانت تنتهي بعد أيام بالتوصل إلى قرار وقف إطلاق النار، سواء من جانب واحد على غرار ما حدث في 2008 من جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إيهود أولمرت، أو بتهدئة عبر وساطة مصرية - أميركية كما حدث عام 2012، فإن الجولة الحالية تتعثر معها - حتى الآن - كل الوساطات للهدنة.

ونجحت مصر بالشراكة مع الولايات المتحدة في الإعلان عن التوصل إلى هدنة في 2012، أُعلن عنه في مؤتمر صحافي جمع وزير الخارجية المصري آنذاك محمد كامل عمرو، ونظيرته الأميركية حينها هيلاري كلينتون، في القاهرة. بينما توقفت اعتداءات 2014 بعد مفاوضات غير مباشرة في القاهرة استمرت 22 يوماً. وفي اعتداءات 2021 أعلن عن هدنة متبادلة عقب تحركات ووساطات دولية. بينما نجحت مصر في احتواء تصعيد استهدف حركة «الجهاد» خلال عامي 2022 و2023، عبر التوصل لوقف إطلاق النار برعاية أميركية.

و«تختلف الاعتداءات السابقة بشكل كامل عن العدوان الحالي» وفق الدكتور جهاد الحرازين أستاذ القانون والنظم السياسية بجامعة القدس، والذي يقول لـ«الشرق الأوسط» إن هذه المرة جاءت رد فعل على عملية «طوفان الأقصى» التي فاجأت الاحتلال وصدمته.

ويتفق الدكتور أسامة شعث، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، بأنه في الاعتداءات السابقة لم تتعرض قوات الاحتلال لهذه الخسائر الكبيرة في الأرواح والمعدات العسكرية، ويضيف لـ«الشرق الأوسط» أن «جيش الاحتلال تعرض لهزيمة وتدمير نفسي لم يحدث من قبل لدرجة أنه وصل لمرحلة من العجز والتردد جعلته لا يستطيع رغم كل ما يمتلكه من أسلحة متقدمة الاقتراب من القطاع وبدء التوغل فيه إلا بعد الاستعانة بمستشارين عسكريين من الخارج لديهم خبرة ميدانية في حروب المدن».

ويعتقد الدكتور إكرام بدر الدين، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أنه لا يمكن أن تتوقف الحرب «إلا إذ كانت هناك إرادة حقيقية من الولايات المتحدة والدول الغربية الداعمة لإسرائيل»، ويؤكد لـ«الشرق الأوسط»، أن «ممارسة ضغوط على إسرائيل ستكون السبيل الوحيدة للإسراع بإيقاف إطلاق النار، خصوصاً في ظل الرفض العربي والإسلامي لمحاولات تهجير سكان قطاع غزة».

وأرجع الأكاديمي المصري تعثر جهود الوساطة حتى الآن إلى «عدم وجود ضغوط من حلفاء إسرائيل عليها لإيقاف الحرب»، بالإضافة إلى «الرفض المصري الواضح من البداية للتصورات الإسرائيلي بنزوح أهالي قطاع غزة لسيناء»، مؤكداً أن «العرقلة الإسرائيلية لجهود الوساطة تعكس رغبة في استمرار الحرب من جانب تل أبيب».

وقُتل أكثر من 11 ألف شخص في قطاع غزة في القصف الإسرائيلي منذ بدء الحرب في السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، من بينهم أكثر من 4 آلاف طفل، وفق السلطات الصحية في قطاع غزة. بينما أوقع هجوم «حماس» نحو 1200 قتيل في الجانب الإسرائيلي، وفق أحدث أرقام للسلطات الإسرائيلية. كما قُتل 42 جندياً في قطاع غزة منذ بدء العمليات العسكرية الإسرائيلية.

ويرى الحرازين أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو «يحدد كل يوم هدفاً جديداً يسعى لتحقيقه لبحثه عن انتصار وهمي يأمل في أن يعيد إليه ثقة الشارع الإسرائيلي التي تهاوت بعد عملية (طوفان الأقصى)»، مؤكداً أن «تغير الأهداف سيجعل المواجهة العسكرية مفتوحة».

وتراجعت شعبية نتنياهو لرئاسة الحكومة إلى 26 في المائة وفق استطلاع للرأي العام الإسرائيلي نشرته صحيفة «معاريف»، الجمعة الماضي، وهي النتيجة التي تتسق مع استطلاعات أخرى نُشرت منذ بداية الحرب أظهرت تراجعاً كبيراً في شعبيته.


مقالات ذات صلة

إسرائيل تعزّز قواتها في الضفة لأغراض «تشغيلية ودفاعية»

المشرق العربي عناصر من الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية 11 سبتمبر 2024 (أ.ف.ب)

إسرائيل تعزّز قواتها في الضفة لأغراض «تشغيلية ودفاعية»

دفع الجيش الإسرائيلي 3 كتائب احتياط إلى الضفة الغربية استعداداً لتصعيد إقليمي محتمل، بغرض تعزيز الوجود الأمني في الضفة عشية الأعياد اليهودية الشهر المقبل.

«الشرق الأوسط» (رام الله)
شؤون إقليمية طفل فلسطيني يسير أمام أنقاض المباني في مدينة غزة (أ.ف.ب)

مصر تشدد على وقف إطلاق النار في غزة ولبنان لتفادي «الحرب المفتوحة»

ندد وزير الخارجية والهجرة المصري، بدر عبد العاطي بـ«إمعان إسرائيل في توسيع رقعة الصراع»، مجدداً مطالبة تل أبيب بالانسحاب من معبر رفح و«محور فيلادلفيا».

فتحية الدخاخني (القاهرة)
تحليل إخباري صور لنصر الله وقاسم سليماني بالعاصمة اليمنية صنعاء في 28 سبتمبر (إ.ب.أ)

تحليل إخباري مشروع إيران مهدد بعد «نكسة» نصر الله وتفكيك «وحدة الساحات»

وجّهت إسرائيل بقتل أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله ضربة قوية إلى جوهرة التاج في المشروع الإيراني الإقليميّ. فكيف سيكون رد طهران؟

المحلل العسكري
المشرق العربي تجمع الناس ورجال الإنقاذ بالقرب من الأنقاض المشتعلة لمبنى دمر في غارة جوية إسرائيلية على مقر قيادة حزب الله (أ.ف.ب)

بعد مقتل نصر الله... مَن أبرز قادة «حزب الله» و«حماس» الذين اغتالتهم إسرائيل؟

مني «حزب الله» في لبنان وحركة «حماس» في غزة منذ اندلاع حرب غزة في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) بضربات قاسية استهدفت أبرز قياداتهما.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

كيف سيتصرف «حزب الله» وهل يتفلّت نتنياهو من الضغط الأميركي؟

لدى نصر الله ونتنياهو حسابات معقدة تحول دون تراجعهما (أ.ف.ب - رويترز)
لدى نصر الله ونتنياهو حسابات معقدة تحول دون تراجعهما (أ.ف.ب - رويترز)
TT

كيف سيتصرف «حزب الله» وهل يتفلّت نتنياهو من الضغط الأميركي؟

لدى نصر الله ونتنياهو حسابات معقدة تحول دون تراجعهما (أ.ف.ب - رويترز)
لدى نصر الله ونتنياهو حسابات معقدة تحول دون تراجعهما (أ.ف.ب - رويترز)

يتوقف بدء سريان المفاعيل السياسية للنداء الأميركي - الفرنسي، المدعوم أوروبياً وعربياً، للحكومتين اللبنانية والإسرائيلية، على الضغط الذي تمارسه الولايات المتحدة الأميركية على رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، لمنعه من التفلُّت من مسؤوليته بتوفير الأجواء السياسية المواتية لتطبيق مضمون هذا النداء، بعد أن كان قد التزم بمضامينه، لينقلب عليه لاحقاً بذريعة أن مجرد التلازم في وقف إطلاق النار ليشمل جبهتي جنوب لبنان وغزة يتيح لـ«حزب الله» تبرير مساندته لـ«حماس»، على نحو يرتد عليه سلباً، ويتسبّب له بإشكالات داخل حكومته المناوئة بأكثريتها للربط بين الجبهتين، فيما يلقى فصل الجبهتين معارضة من «حزب الله»، كونه يشكل له إحراجاً أمام بيئته بعدم الجدوى من انخراطه في إسناد غزة، وما ترتب عليه من أكلاف باهظة كان في غنى عنها.

«فيتوات» متبادلة بين إسرائيل والحزب

لكن صدور النداء الأميركي - الفرنسي بصيغته الراهنة قوبل بتبادل «الفيتوات» بين إسرائيل و«حزب الله»، الذي يتمسك بتطبيق التلازم بوقف إطلاق النار على جبهتي غزة والجنوب، بخلاف نتنياهو المعترض عليه، وهذا ينسجم مع ما طرحه الوسيط الأميركي، أموس هوكستين، في مفاوضاته مع رئيس المجلس النيابي، نبيه بري، بتفويض من قيادة «حزب الله» لتهدئة الوضع جنوباً ونزع فتيل التفجير ومنع توسعة الحرب.

وكان الرئيس بري يعد العدّة لاستئناف التفاوض مع هوكستين لاستكمال البحث بينهما في الورقة التي أعدها الأخير لتهدئة الوضع جنوباً، للبدء بالتفاوض غير المباشر والتوصل إلى وقف إطلاق النار على قاعدة تهيئة الأجواء لتطبيق القرار رقم (1701) كونه الناظم الدولي لتحديد الحدود بين لبنان وإسرائيل.

لكن الرئيس بري، الذي كان قد تواصل مع هوكستين فور صدور النداء، فوجئ، كما يقول مصدر نيابي بارز لـ«الشرق الأوسط»، بمبادرة نتنياهو إلى سحب تأييده له باعتراضه على التلازم بتطبيق وقف إطلاق النار على الجبهتين الغزاوية والجنوبية، ومطالبته بعدم الربط بينهما بذريعة أنه يشكل انحيازاً لوجهة نظر «حزب الله» بإسناده لـ«حماس».

انقلب نتنياهو فألغى هوكستين زيارته

ويؤكد المصدر النيابي أن هوكستين كان يتحضر للعودة إلى بيروت لمواصلة البحث في الورقة التي أعدها لتطبيق القرار رقم (1701)، وسبق لبري أن سجّل ملاحظاته على بعض بنودها، لكنه عدل عن المجيء، بعد أن انقلب نتنياهو على موافقته المبدئية على ما ورد في النداء الذي يحظى أيضاً بتأييد إيران، انسجاماً مع توافقها والولايات المتحدة على استيعاب التأزم لمنع توسعة الحرب في الإقليم.

وينفي المصدر نفسه كل ما أُشيع عن أن هوكستين بحث في اتصاله ببري وجوب انسحاب الحزب إلى ما وراء جنوب الليطاني، ويقول إن الاتصال بينهما بقي في العموميات، ولم يتطرقا إلى أي تفصيل يتعلق بالورقة، طالما أن للبحث بينهما صلة.

ويبقى السؤال: هل ينجح الرئيس الأميركي جو بايدن في إقناع نتنياهو بتعديل موقفه بما يسمح بتعبيد الطريق لتنفيذ ما ورد في النداء؟ أم أن محاولته، وقد تكون الأخيرة، لن تلقى التجاوب المطلوب؟ وهذا ما يفتح الباب لسؤال آخر: كيف سيتصرف «حزب الله» في حال أصر نتنياهو على المضي في اجتياحه الجوي للبلدات الجنوبية والبقاعية، وفي اغتياله لأبرز قياداته وكوادره العسكرية؟

فلدى الحزب، كما تقول أوساط مقربة منه، القدرات العسكرية والقتالية للتعويض عن تراجع حدة المواجهة في القطاع، كما يشيعه بعضهم، وتقول إنه جاهز لمواجهة كل الاحتمالات، وسيمضي في دفاعه عن النفس ضد العدوان الإسرائيلي، ولن يرضخ لضغوط نتنياهو النارية باستهدافه المدنيين من دون أن يستدرج لتوسيع الحرب، مع احتفاظه بحق الرد على تجاوز نتنياهو الخطوط الحمر باغتياله لأبرز قيادات الحزب العسكرية والميدانية.

مخزون «حزب الله» الصاروخي

لكن الأوساط نفسها لا تعلق على ما يتردد بأن القتال في غزة بدأ ينحسر، وأن القطاع تحوّل إلى جبهة مساندة، ما يجعل الحزب منفرداً في حربه مع إسرائيل، وأنه أصبح يختصر بنفسه وحدة الساحات بتراجع منسوب الانشغال الذي تتولاه أذرع محور الممانعة في المنطقة، كما تفضّل عدم التعليق على تحليلات سياسية تتحدث عن التفاوض بين طهران وواشنطن، وتتهم إيران بترك الحزب وحيداً، وتحمله القسط الأكبر في المواجهة، بذريعة أن لديها حسابات وأوراق سياسية لا تريد التصرف بها في غير أوانها، وتحتفظ بها لتحسين شروطها في المفاوضات.

وتؤكد هذه الأوساط لـ«الشرق الأوسط» أن لدى الحزب مخزوناً صاروخياً، يعود له وحده استخدام الصواريخ الدقيقة منه في الوقت المناسب، وتقول إن استخدامه لصاروخ من نوع «قادر-1» لن يكون الأول والأخير، وأريد منه تمرير رسالة يجب أن يأخذها العدو على محمل الجد، بأن الحزب قادر على تجاوز ما بعد حيفا باستهدافه مواقع إسرائيل العسكرية والمخابراتية، وهذا ما أصاب إحدى قياداته الواقعة على تخوم تل أبيب.

متى تتدخل إيران؟

لذلك، هل يبقى الحزب وحيداً في المواجهة لتراجع وحدة الساحات كما يقول خصومه في الداخل والخارج؟ أم أنه لا يزال يراهن، تبعاً لحساباته، على تدخل إيران في الوقت المناسب في حال تمادت إسرائيل في عدوانها بما ينذر باندلاع حرب شاملة؟ وهذا ما أكده وزير خارجيتها عباس عرقجي بقوله إن بلاده لن تبقى مكتوفة الأيدي في حال قيام إسرائيل بتوسيع الحرب لتشمل الإقليم، مع أن طهران تتمهل لأسباب خاصة بها في الرد على اغتيال رئيس المكتب السياسي لـ«حماس» إسماعيل هنية، في عقر دار الحرس الثوري.

في المقابل فإن تل أبيب تواصل اجتياحها الجوي لتفريغ البلدات الجنوبية والبقاعية والضاحية الجنوبية لبيروت من سكانها، كونها مدرجة على بنك أهدافها، بغية تكبير أزمة النزوح بما يشكل إحراجاً للحزب أمام بيئته الحاضنة، والتحريض عليه بذريعة عدم قدرته على توفير الاحتياجات الضرورية لمئات الألوف من النازحين، في ظل عدم استطاعة الدولة على تلبيتها كما يجب، وهذا ما يفسر إصرار إسرائيل على تحييد الطرقات الدولية والفرعية المؤدية إلى هذه القرى لتسهيل عملية النزوح منها.