استعرض البنك الدولي، في تقرير حديث، الجانب الإنساني من الصراع في اليمن منذ اندلاع الحرب الأهلية قبل 8 سنوات، مشيراً إلى أن الأسر لجأت إلى تخفيض عدد الوجبات، في ظل تدهور قطاعي التعليم والصحة، حيث يخوض الجميع صراعاً مريراً من أجل البقاء.
وأوضح البنك في تقريره، أنه وعلى مدار 4 سنوات أجرى مقابلات متعمقة مع 156 شخصاً من مختلف المحافظات لتوثيق مجموعة من التجارب التي توضح الصعوبات التي يتحملها السكان، وأكد أن أحد الموضوعات التي برزت من هذه المقابلات هو انتشار انعدام الأمن الغذائي.
ويذكر في تقريره أنه، وفي محاولة للاستفادة من الموارد المحدودة، اضطرت الأسر إلى اللجوء إلى آليات التكيف الشديدة، بما في ذلك تقليل وتيرة الوجبات، والحد من تنوع الطعام الذي تستهلكه، وتحديد أولويات أفراد الأسرة الذين يتناولون الطعام.
ونقل عن أحد المشاركين، وهو من محافظة المحويت، القول إنه اضطر لإجراء المقايضات المؤلمة، ففي بعض الأحيان كان وزوجته ينامان دون عشاء، وأنه عندما يكون لديه بعض المال لتوفير العشاء، تخبره زوجته بأن الأطفال يحتاجون إلى الحليب، لذلك يشتري لهم الحليب وينامان دون أن يتناولا العشاء، «فالأطفال أكثر أهمية».
تدهور التعليم والصحة
يشير التقرير إلى أن الأطفال تضرروا بشدة في رحلاتهم التعليمية، حيث تعاني المدارس من نقص التمويل، وندرة المعلمين، ولا تستطيع عديد من الأسر تحمل تكاليف إرسال أطفالها إلى المدرسة على الإطلاق.
ونقل عن أحد مديري المدارس في محافظة حجة القول إن في مدرسته أكثر من ألف طالب، وإن المدرسة عبارة عن 6 غرف فقط، واحدة منها تستخدم سكناً للمدرسين، وواحدة لمكتب المدير، والأربع غرف المتبقية لجميع الصفوف، ولهذا اضطر للعمل 3 فترات في اليوم.
وينبه البنك الدولي إلى أن الوصول إلى الرعاية الصحية معرض للخطر أيضاً، حيث يتخلى عديد من الأفراد عن الرعاية الطبية إلا في حالات الطوارئ الشديدة؛ بسبب ارتفاع التكاليف ومحدودية توافر الخدمات.
ونقل عن أحد العاملين في القطاع الصحي من محافظة الحديدة القول إنهم كانوا يقدمون الخدمات الطبية والأدوية مجاناً، لكنهم الآن مجبرون على فرض رسوم على المرضى وإلزامهم بشراء الأدوية من الصيدليات، ولهذا توقف الناس عن القدوم، وأصبحوا يخجلون حيث لا يمكنهم تحمل كل ذلك، نظراً لصعوبة التنقل حتى بالنسبة للموظفين، الذين ينفقون نصف رواتبهم على المواصلات.
مشقة العيش
وبحسب البنك الدولي، فإن النازحين داخلياً في اليمن يواجهون طبقة إضافية من المشقة، فبينما يخوضون رحلة محفوفة بالمخاطر نحو الأمان ويكافحون من أجل تأمين الضروريات الأساسية للبقاء على قيد الحياة، فإنهم يواجهون خطر النزوح، وتآكل سبل عيشهم، وشبح ارتفاع تكاليف المعيشة.
وأكد البنك أن الصراع أدى إلى تعطيل الاقتصاد المحلي، مما أثر في جميع القطاعات من التعليم إلى الرعاية الصحية، في حين يؤدي النزوح إلى تفاقم هذه التحديات، ويؤثر في توافر الغذاء، والوصول إلى التعليم، وتوفير الرعاية الصحية، واستقرار سبل العيش.
ورأى البنك الدولي، في تقريره، أن الشهادات التي جمعها لا تعكس فقط حجم المعاناة، ولكنها تبين كيف أن الشعب اليمني ليس لديه في كثير من الأحيان خيار آخر سوى التحمل والتحول إلى استراتيجيات التكيف المدمرة.
وأكد البنك، في تقريره، الحاجة الملحة لإيجاد حلول شاملة ومستدامة للتخفيف من الصعوبات الهائلة التي يواجهها اليمنيون، وطلب من صانعي السياسات والجهات الفاعلة الإنسانية والمجتمع الدولي الانتقال إلى ما هو أبعد من المساعدات قصيرة الأجل، إلى التدخلات التي تستعيد سبل العيش الأكثر استدامة، وتعالج الأسباب الجذرية للأزمة، وتبني الأساس لمجتمع أكثر استقراراً.