العراق: لجان لاحتواء أزمة كركوك تمهيداً للانتخابات المحلية

السوداني يطلع على الاستعدادات الجارية لإجراء انتخابات مجالس المحافظات

صورة وزّعها مكتب رئيس الوزراء العراقي للاجتماع في القصر الحكومي
صورة وزّعها مكتب رئيس الوزراء العراقي للاجتماع في القصر الحكومي
TT

العراق: لجان لاحتواء أزمة كركوك تمهيداً للانتخابات المحلية

صورة وزّعها مكتب رئيس الوزراء العراقي للاجتماع في القصر الحكومي
صورة وزّعها مكتب رئيس الوزراء العراقي للاجتماع في القصر الحكومي

بعد نحو أسبوع من الشد والجذب والتصعيد المتبادل، تتجه أزمة مدينة كركوك (250 كم شمال العراق) إلى الحلول الوسطى التي لا يعلَن فيها منتصر أو خاسر.

فـ«ائتلاف إدارة الدولة»؛ وهو التحالف السياسي الذي يدعم الحكومة الحالية، برئاسة محمد شياع السوداني، اتخذ، بعد اجتماع له في القصر الحكومي، عدة قرارات تهدف إلى احتواء الأزمة، التي حصلت، الأسبوع الماضي.

وعلى الرغم من أن ما حصل في هذه المحافظة، المختلَف عليها والمصنَّفة طبقاً للدستور العراقي وفي المادة 140 منه ضمن ما يسمى «المناطق المتنازع عليها»، أدى إلى وقوع قتلى وجرحى، بعد اندلاع تظاهرات غاضبة على أثر قرار للحكومة العراقية بإعادة أحد المقارّ الحزبية في المدينة لـ«الحزب الديمقراطي الكردستاني» بزعامة مسعود بارزاني، لكن عدم قدرة أي طرف على تسجيل هدف لصالحه في مرمى الآخر جعل الجميع يبحثون عن تهدئة تمهيداً للبحث عن حل يُرضي، ولو جزئياً، الطرف الذي يرى نفسه متضرراً مما حصل.

الطرف الذي يرى أنه وقع عليه الضرر هو «الحزب الديمقراطي الكردستاني»، الذي يتنازع في كركوك مع 3 أطراف معاً؛ الطرف الأول هو غريمه «الاتحاد الوطني الكردستاني» برئاسة بافل طالباني، والطرف الثاني هم عرب كركوك، والطرف الثالث هم تركمان كركوك.

ومع أن صراع «الديمقراطي» مع «الاتحاد» يقتصر على النفوذ الحزبي لكليهما، عبر حصد أكبر عدد من المقاعد، من خلال الانتخابات البرلمانية المقبلة التي لم يتحدد موعدها بعد، والانتخابات المحلية التي من المقرَّر إجراؤها نهاية العام الحالي، فإن كلا الحزبين يتفقان على أن كركوك هي «قدس الأقداس» بالنسبة للكرد، وأنهما يطالبان بتطبيق المادة 140 من الدستور.

لكن الصراع المتداخل لكلا الحزبين مع العرب والتركمان في كركوك هو الذي أدى إلى خلط الأوراق في المواجهة الأخيرة، والتي ترجع جذورها إلى عام 2017 حين تبادل كلاهما تُهماً بالخيانة، بعد دخول القوات العراقية كركوك، وإخراج قوات البيشمركة الكردية منها، في وقت كانت فيه سيطرة الحكومة المركزية على كركوك لمصلحة العرب والتركمان.

لجان قيادية

من جهته تمكّن «ائتلاف إدارة الدولة» (280 نائباً)، الذي كانت الأنظار تتجه إليه، طوال الفترة الماضية التي أعقبت أحداث كركوك، أخيراً من عقد اجتماع رسمي في مكتب رئيس الوزراء، بحضور كل قيادات الائتلاف، من بينهم ممثلون عن «الحزب الديمقراطي الكردستاني».

ويمثل حضور ممثلي «الديمقراطي الكردستاني» الاجتماع أول عناصر نجاحه في احتواء الأزمة، بعد أن ترددت أنباء أن «الديمقراطي الكردستاني» الذي سبق أن وجّه رسائل شديدة اللهجة إلى الشريك الشيعي (قوى الإطار التنسيقي) بشأن مفهوم الشراكة بين الاثنين.

كما أرسل، بالتزامن مع الرسائل السياسية، رسائل إلى الحكومة الاتحادية بشأن استحقاق إقليم كردستان من الموازنة المالية ومسؤولية بغداد في عدم إرسال الرواتب لموظفي الإقليم لعدة شهور.

وطبقاً للقرارات التي اتخذها الائتلاف، فإنه، بالإضافة إلى تأييده قرار البرلمان العراقي بتشكيل لجنة نيابية لتقصي الحقائق في كركوك، قال بيان للمكتب الإعلامي للسوداني إن «الائتلاف دعّم قرار مجلس النوّاب المتمثل بتشكيل لجنة نيابية لتقصّي الحقائق في كركوك، وتأكيد ضرورة كشف نتائج التحقيق للرأي العام، ومحاسبة كل من يثبت تورّطه بالأحداث، أياً كان عنوانه وانتماؤه».

وبينما دعا المجتمعون إلى «إيقاف التصعيد الإعلامي ومناقشة الاختلافات في وجهات النظر داخل ائتلاف إدارة الدولة»، فإنه قرر «الالتزام بإجراء انتخابات مجالس المحافظات في موعدها المقرَّر، وإجراءها في محافظة كركوك أيضاً».

ومن بين القرارات، التي جرى الاتفاق عليها، «التزام أطراف ائتلاف إدارة الدولة بالاتفاق السياسي المثبَت في المنهاج الوزاري، الذي ينسجم مع الدستور والقانون، وجرى التصويت عليه في مجلس النواب»، كما جرى الاتفاق على «إجراء تعديلات إدارية في كركوك، بما يحفظ التوازن بين جميع مكوناتها».

إلى ذلك استقبل السوداني، اليوم الأحد، رئيس مجلس المفوضين في «المفوضية العليا المستقلة للانتخابات»، ورئيس الدائرة الانتخابية وأعضاء مجلس المفوضين، واطلع، خلال اللقاء، على الاستعدادات الجارية الخاصة بإقامة انتخابات مجالس المحافظات في موعدها المقرَّر في ديسمبر (كانون الأول) المقبل، مؤكداً دعم الحكومة اللامحدود لعمل مفوضية الانتخابات؛ من أجل ضمان إجراء انتخابات محلية تتسم بالنزاهة والشفافية، وتأكيد أهمية المشاركة الشعبية الواسعة فيها، وبذل قصارى الجهود لنجاح هذه الممارسة الديمقراطية، ومن أجل أن تكون نتائجها المعبِّر الحقيقي عن إرادة الشعب العراقي.

من جهته أشار رئيس مجلس المفوضين إلى تصاعد وتيرة العمل من قِبل مفوضية الانتخابات، وتنفيذ متطلبات نجاح العملية الانتخابية في جميع محافظات العراق، بما فيها محافظة كركوك، في حين أكد رئيس الدائرة الانتخابية إنجاز أكثر من 90 في المائة من الجدول الزمني العملياتي، مما يعني جهوزية المفوضية لإجراء الانتخابات في موعدها المحدد.



اليمن بين إمكانية التعافي واستمرار اقتصاد الحرب

استئناف تصدير النفط سيسمح بمعالجة الكثير من الأزمات الاقتصادية في اليمن (رويترز)
استئناف تصدير النفط سيسمح بمعالجة الكثير من الأزمات الاقتصادية في اليمن (رويترز)
TT

اليمن بين إمكانية التعافي واستمرار اقتصاد الحرب

استئناف تصدير النفط سيسمح بمعالجة الكثير من الأزمات الاقتصادية في اليمن (رويترز)
استئناف تصدير النفط سيسمح بمعالجة الكثير من الأزمات الاقتصادية في اليمن (رويترز)

تتوالى التأثيرات السلبية على الاقتصاد اليمني، إذ يرجح غالبية المراقبين أن استمرار الصراع سيظل عائقاً أمام إمكانية السماح بالتعافي واستعادة نمو الأنشطة الاقتصادية واستقرار الأسعار وثبات سعر صرف العملة المحلية وتحسين مستوى معيشة السكان.

وتشهد العملة المحلية (الريال اليمني) انهياراً غير مسبوق بعد أن وصل سعر الدولار الواحد خلال الأيام الأخيرة إلى 1890 ريالاً في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، في حين لا تزال أسعار العملات الأجنبية ثابتة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية بقرار انقلابي، كما يقول خبراء الاقتصاد الذين يصفون تلك الأسعار بالوهمية.

الانقسام المصرفي في اليمن يفاقم الأعباء الاقتصادية على المجتمع (رويترز)

وتتواصل معاناة اليمنيين في مختلف المناطق من أزمات معيشية متتالية؛ حيث ترتفع أسعار المواد الأساسية، وتهدد التطورات العسكرية والسياسية، وآخرها الضربات الإسرائيلية لميناء الحديدة، بالمزيد من تفاقم الأوضاع، في حين يتم التعويل على أن يؤدي خفض التصعيد الاقتصادي، الذي جرى الاتفاق حوله أخيراً، إلى التخفيف من تلك المعاناة وتحسين المعيشة.

ويعدّد يوسف المقطري، الأكاديمي والباحث في اقتصاد الحرب، أربعة أسباب أدت إلى اندلاع الحرب في اليمن من منظور اقتصادي، وهي ضعف مستوى دخل الفرد، وضعف هيكل نمو دخل الفرد، وهشاشة الدولة وعدم احتكارها العنف، وعندما تفقد الدولة القدرة على الردع، تبدأ الأطراف المسلحة بالصعود للحصول على الموارد الاقتصادية.

ويوضح المقطري لـ«الشرق الأوسط» أنه عندما لا يتم تداول السلطة من جميع القوى الاجتماعية والسياسية في البلد، تنشأ جهات انقلابية ومتمردة للحصول على السلطة والثروة والحماية، وإذا غابت الدولة المؤسساتية الواضحة، ينشأ الصراع على السلطة والثروة، والحرب تنشأ عادة في الدول الفقيرة.

طلاب يمنيون يتلقون التعليم في مدرسة دمرتها الحرب (البنك الدولي)

ويضيف أن اقتصاد الحرب يتمثل باستمرار الاقتصاد بوسائل بديلة لوسائل الدولة، وهو اقتصاد يتم باستخدام العنف في تسيير الاقتصاد وتعبئة الموارد وتخصيصها لصالح المجهود الحربي الذي يعني غياب التوزيع الذي تستمر الدولة في الحفاظ على استمراريته، بينما يعتاش المتمردون على إيقافه.

إمكانات بلا استقرار

أجمع باحثون اقتصاديون يمنيون في ندوة انعقدت أخيراً على أن استمرار الصراع وعدم التوصل إلى اتفاق سلام أو تحييد المؤسسات والأنشطة الاقتصادية سيجر الاقتصاد إلى مآلات خطيرة على معيشة السكان واستقرار البلاد.

وفي الندوة التي عقدها المركز اليمني المستقل للدراسات الاستراتيجية، عدّت الباحثة الاقتصادية رائدة الذبحاني اليمن بلداً يتمتع بالكثير من الإمكانات والمقدرات الاقتصادية التي تتمثل بالثروات النفطية والغاز والمعادن الثمينة والأحياء البحرية والزراعة وموقعها الاستراتيجي على ممرات طرق الملاحة الدولية، غير أن إمكانية حدوث الاستقرار مرهون بعوامل عدة، على رأسها الاستقرار السياسي والاجتماعي والأمني.

وترى الذبحاني ضرورة تكثيف الاستثمارات الاقتصادية وتشجيع القطاع الخاص بالدعم والتسهيلات لتشجيعه على الاستثمار في مشاريع صديقة للبيئة، مشددة على مشاركة المرأة في السياسات الاقتصادية لتحقيق التنمية الاقتصادية، وعدم إهدار طاقاتها الفاعلة في صنع القرار وإيجاد الحلول المبتكرة، وزيادة أعداد القوى العاملة، إذ يمكن أن تضيف المرأة ما نسبته 26 في المائة من الإنتاج المحلي.

سوق شعبية قديمة وبوابة أثرية في مدينة تعز اليمنية المحاصرة من الحوثيين طوال سنوات الحرب (رويترز)

وفي جانب الإصلاح المصرفي يشترط الباحث رشيد الآنسي إعادة هيكلة البنك المركزي ودعم إدارة السياسة النقدية، وتطوير أنظمة المدفوعات وأنظمة البنك المركزي والربط الشبكي بين البنوك باستثمارات بنكية وتحديث القوانين واللوائح والتعليمات المصرفية، وفقاً لمتطلبات المرحلة، وتقليص أعداد منشآت وشركات الصرافة وتشجيع تحويلها إلى بنوك عبر دمجها.

وركز الآنسي، في ورقته حول إعادة ھندسة البیئة المصرفیة الیمنیة بوصفها ركيزة حیویة لبناء اقتصاد حديث، على ضرورة إلزام شركات الصرافة بإيداع كامل أموال المودعين لديها والحوالات غير المطالب بها كوسيلة للتحكم بالعرض النقدي، ورفع الحد الأدنى من رأسمال البنوك إلى مستويات عالية بما لا يقل عن 100 مليون دولار، وعلى فترات قصيرة لتشجيع وإجبار البنوك على الدمج.

كما دعا إلى إلزام البنوك بتخصيص جزء من أسهمها للاكتتاب العام وإنشاء سوق أوراق مالية خاصة لبيع وشراء أسهم البنوك والحوكمة الحقيقية لها.

انكماش شامل

توقّع البنك الدولي، أواخر الشهر الماضي، انكماش إجمالي الناتج المحلي في اليمن بنسبة واحد في المائة خلال العام الحالي 2024، بعد أن شهد انكماشاً بنسبة 2 في المائة في العام الماضي، ونمواً متواضعاً بواقع 1.5 في المائة في العام الذي يسبقه.

يمنيون ينقلون المياه على ظهور الحمير إذ أدى الصراع إلى تدهور سبل المعيشة (أ.ف.ب)

وبيّن البنك أنه في الفترة ما بين عامي 2015 و2023، شهد اليمن انخفاضاً بنسبة 54 في المائة في نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي الحقيقي، ما يترك أغلب اليمنيين في دائرة الفقر، بينما يؤثر انعدام الأمن الغذائي على نصف السكان.

ويذهب الباحث الاقتصادي عبد الحميد المساجدي إلى أن السياسة والفعل السياسي لم يخدما الاقتصاد اليمني أو يعملا على تحييده لتجنيب السكان الكوارث الإنسانية، بل بالعكس من ذلك، سعى الحوثيون إلى ترسيخ نظام اقتصادي قائم على الاختلال في توزيع الثروة وتركزها بيد قلة من قياداتهم، مقابل تجويع القاعدة العريضة من المجتمع.

وأشار المساجدي، في مداخلته خلال الندوة، إلى أن هناك ملفات أخرى تؤكد استغلال الحوثيين الملف الاقتصادي لتحقيق مكاسب عسكرية وسياسية، كإنشاء منافذ جمركية مستحدثة، ووقف استيراد الغاز من المناطق المحررة، وإجبار التجار على استيراد بضائعهم عبر ميناء الحديدة، وغير ذلك الكثير.

منشأة نفطية يمنية حيث يعد إنتاج وتصدير النفط أحد أهم موارد الاقتصاد الهش (أرشيفية - غيتي)

وتحدث الباحث الاقتصادي فارس النجار حول القطاع الخدمي الذي يعاني بسبب الحرب وآثارها، مشيراً إلى تضرر شبكة الطرق والنقل، وتراجع إجمالي المسافة التي تنبسط عليها من أكثر من 70 ألف كيلومتر قبل الانقلاب، إلى أقل من 40 ألف كيلومتر حالياً، بعد تعرض الكثير منها للإغلاق والتخريب، وتحولها إلى مواقع عسكرية.

وتعرض النجار إلى ما أصاب قطاع النقل من أضرار كبيرة بفعل الحرب، تضاعفت أخيراً بسبب الهجمات الحوثية في البحر الأحمر، وهو ما ألحق أضراراً بالغة بمعيشة السكان، في حين وضعت الجماعة الحوثية يدها، عبر ما يعرف بالحارس القضائي، على شركات الاتصالات، لتتسبب في تراجع أعداد مستخدمي الهواتف المحمولة من 14 مليوناً إلى 8 ملايين، بحسب إحصائيات البنك الدولي.