يمنيون يعجزون عن تلقي العلاج في مستشفيات تديرها الميليشيات

الجماعة متهمة بارتكاب 4 آلاف انتهاك في قطاع الصحة

يمني يرتدي كمامة أمام مستشفى الكويت الخاضع للحوثيين في صنعاء (رويترز)
يمني يرتدي كمامة أمام مستشفى الكويت الخاضع للحوثيين في صنعاء (رويترز)
TT

يمنيون يعجزون عن تلقي العلاج في مستشفيات تديرها الميليشيات

يمني يرتدي كمامة أمام مستشفى الكويت الخاضع للحوثيين في صنعاء (رويترز)
يمني يرتدي كمامة أمام مستشفى الكويت الخاضع للحوثيين في صنعاء (رويترز)

أصيب والد محمد بجلطة في الدماغ بفعل حدة الضغوط النفسية، قبل أن يقوم بنقله على الفور إلى أحد المستشفيات الحكومية الخاضعة للميليشيات الحوثية في صنعاء على أمل تلقي الإسعاف الأولي المنقذ للحياة، ولكنه لم يحظ بغايته.

يقول محمد القاطن مع بقية أفراد أسرته في أحد أحياء صنعاء إنه عند وصوله مع والده المتعب إلى صالة الطوارئ في المستشفى وسط العاصمة ظل أكثر من نصف ساعة يبحث عن أطباء أو عاملين صحيين بذلك المرفق لعلاج والده، بعد سوء حالته وبلوغها مرحلة الخطر، لكن دون أن يلقى أي تجاوب.

ويتحجج بعض الأطباء والعاملين في المستشفيات الحكومية الخاضعة للجماعة عندما يرفضون استقبال المرضى المدنيين بعدم وجود أسرّة فارغة، لكون معظم تلك الأسرّة لا تزال منذ سنوات وبموجب تعليمات حوثية مخصصة للحالات الطارئة من جرحى الجماعة والمرضى من أتباعها وذوي قتلاها.

تلقيح رضع في مركز طبي بالعاصمة اليمنية صنعاء (إ.ب.أ)

وفي حين يعبّر محمد في حديثه لـ«الشرق الأوسط» عن حزنه وهو يشاهد والده يعاني الألم، ولا يستطيع تقديم المساعدة له وهو في مشفى حكومي يخضع للميليشيات في صنعاء، يؤكد أنه اضطر إلى نقل والده على وجه السرعة إلى مستشفى خاص قريب من المنطقة.

على غرار هذه الحالة، يعاني مئات المرضى المدنيين في صنعاء ومدن يمنية أخرى من منع الميليشيات الحوثية لهم من تلقي العلاج في المشافي الحكومية.

تدهور وعجز

وبالتزامن مع تحذيرات دولية من استمرار حالة الانهيار المتسارع للقطاع الصحي اليمني، وخروج أكثر من نصف مرافقه عن الخدمة، يتهم عاملون في القطاع الصحي اليمني عناصر الميليشيات وقادتها بالاستيلاء على موارد هذا القطاع، والسطو على المساعدات الإنسانية الدولية وتسخيرها للموالين، وتخصيص أغلب المستشفيات الحكومية لمصلحة جرحى الميليشيات.

ويشكو السكان في صنعاء ومدن أخرى من عدم مقدرتهم في زمن الانقلابيين على مداواة مرضاهم، كما يشكون من الخدمات الصحية المتدهورة في المستشفيات الحكومية بمناطق سيطرة الجماعة، التي قالوا إنها تشهد تحسناً طفيفاً في بعض المستشفيات الخاصة، لكن أسعارها مرتفعة، وتفوق قدرتهم المادية.

يمنيات يحملن أطفالهن في مستشفى في صنعاء (إ.ب.أ)

ويتحدث عاملون في القطاع الطبي عن وجود المئات إن لم تكن الآلاف من حالات المآسي والمعاناة يكابدها مرضى مدنيون في عشرات المشافي، تحديداً في المستشفيات الحكومية بصنعاء ومدن أخرى جراء وقوف الميليشيات حجر عثرة أمام حصولهم على الخدمات الصحية.

إضافة إلى ذلك، تتهم مصادر طبية في صنعاء الانقلابيين الذين يبسطون قبضتهم الكاملة على أغلب المستشفيات الحكومية بمواصلة الفساد والعبث وسوء الإدارة، إذ لا يهمهم سوى جباية الأموال على حساب صحة المرضى.

سياسة تدميرية

تشير المصادر الطبية اليمنية إلى حالة التدهور الحاد التي وصلت إليها المنشآت الصحية الحكومية في المناطق الخاضعة للجماعة، مرجعة أسباب ذلك إلى سياسات النهب والتجويع حيث عملت الميليشيات على إفراغ خزينة المستشفيات الحكومية من العائدات المالية، وتحويلها لصالح مجهودها الحربي.

وانتهجت الجماعة منذ انقلابها - وفق المصادر الطبية - سياسة تدميرية شاملة تجاه القطاع الصحي بمناطق سيطرتها، وعملت على إيقاف رواتب ونفقات تشغيل القطاع الصحي، وحرمت المواطنين من تلقي الخدمات الطبية للحماية من الأمراض والأوبئة التي تفتك بهم، الأمر الذي تسبب بوفاة الآلاف منهم.

كما أدت تلك الممارسات إلى انهيار كامل للقطاع الصحي في اليمن، وتدهور كبير في الخدمات الصحية بالمستشفيات الحكومية والخاصة، وتسببت في انتشار كثير من الأمراض والأوبئة القاتلة.

وكان تقرير حقوقي محلي قد كشف عن ارتكاب الميليشيات أزيد من 4 آلاف انتهاك ضد القطاع الصحي في 15 محافظة يمنية منذ منتصف عام 2017 وحتى منتصف 2022.

مرضى ومراجعون في أحد المشافي اليمنية في صنعاء (تويتر)

ووفق ما ذكره تقرير الشبكة اليمنية للحقوق والحريات فإن تلك الجرائم والانتهاكات طالت المرافق والقطاعات الصحية بما في ذلك المستشفيات والعاملون في المجال الصحي.

وشملت الانتهاكات القتل المباشر للكادر الطبي والمسعفين والإصابات وجرائم الاعتقال والإخفاء القسري التي طالت الأطباء والممرضين، بالإضافة إلى الإعدامات الميدانية والاعتداءات الجسدية وإغلاق المرافق الصحية والمستشفيات والاستهداف المباشر بقذائف «الهاون» ومدافع «الهوزر» وصواريخ «الكاتيوشا»، وتفجير وتفخيخ المنشآت الصحية، والاستيلاء على الإغاثات الطبية، ونهب المستشفيات، وبيع الأدوية في الأسواق السوداء، وحرمان المدنيين منها.


مقالات ذات صلة

شراكة البنك الدولي و«الصحة العالمية» تمنع انهيار خدمات 100 مستشفى يمني

العالم العربي خلال عام أُجريت أكثر من 200 ألف عملية جراحية في المستشفيات اليمنية (الأمم المتحدة)

شراكة البنك الدولي و«الصحة العالمية» تمنع انهيار خدمات 100 مستشفى يمني

يدعم البنك الدولي مبادرة لمنظمة الصحة العالمية، بالتعاون مع الحكومة اليمنية، لمنع المستشفيات اليمنية من الانهيار بتأثيرات الحرب.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي الحوثيون يجبرون التجار والباعة والطلاب على التبرع لدعم «حزب الله» اللبناني (إعلام حوثي)

​جبايات حوثية لصالح «حزب الله» وسط تفاقم التدهور المعيشي

تواصل الجماعة الحوثية فرض الجبايات والتبرعات الإجبارية لصالح «حزب الله» اللبناني وسط توقعات أممية بارتفاع أعداد المحتاجين لمساعدات غذائية إلى 12 مليوناً

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي مجسم طائرة بدون طيار خلال مظاهرة مناهضة لإسرائيل نظمتها الجماعة الحوثية في صنعاء منذ شهرين (إ.ب.أ)

الجيش الإسرائيلي يعترض باليستياً حوثياً

عاودت الجماعة الحوثية هجماتها الصاروخية ضد إسرائيل بصاروخ فرط صوتي بالتزامن مع استهدافها سفينة تجارية جديدة ووعيد باستمرار هذه الهجمات.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي تفجير مجموعة من الألغام التي تم نزعها خلال الأيام الماضية في تعز (مسام)

«مسام» ينتزع 840 لغماً في اليمن

يواصل مشروع «مسام» تطهير الأراضي اليمنية من الألغام، وفي موازاة ذلك يقدم مركز الملك سلمان للإغاثة أنواعاً مختلفة من الدعم الإنساني في البلاد.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي القيادات الحوثية القادمة من محافظة صعدة متهمة بمفاقمة الانفلات الأمني في إب ونهب أراضيها (إعلام حوثي)

تمييز حوثي مناطقي يحكم التعاطي مع أهالي إب اليمنية

يشتكي سكان إب اليمنية من تمييز حوثي مناطقي ضدهم، ويظهر ذلك من خلال تمييع قضايا القتل التي يرتكبها مسلحون حوثيون ضد أبناء المحافظة.

محمد ناصر (تعز)

ما فرص الوساطة الكينية - الأوغندية في إنهاء توترات «القرن الأفريقي»؟

اجتماعات مجموعة شرق أفريقيا في تنزانيا (وكالة أنباء الصومال)
اجتماعات مجموعة شرق أفريقيا في تنزانيا (وكالة أنباء الصومال)
TT

ما فرص الوساطة الكينية - الأوغندية في إنهاء توترات «القرن الأفريقي»؟

اجتماعات مجموعة شرق أفريقيا في تنزانيا (وكالة أنباء الصومال)
اجتماعات مجموعة شرق أفريقيا في تنزانيا (وكالة أنباء الصومال)

دخلت مبادرة وساطة كينية - أوغندية على خط محاولات دولية وإقليمية لتهدئة التوترات بين الصومال وإثيوبيا التي نشبت بعد مساعي الأخيرة للحصول على منفذ بحري في إقليم «أرض الصومال» الانفصالي، وسط رفض حكومة مقديشو.

وتدهورت العلاقات بين الصومال وإثيوبيا، إثر توقيع أديس أبابا مذكرة تفاهم مع إقليم «أرض الصومال» الانفصالي بداية العام الحالي، تسمح لها باستخدام سواحل المنطقة على البحر الأحمر لأغراض تجارية وعسكرية، مقابل الاعتراف باستقلال الإقليم، وهو ما رفضته الحكومة الصومالية بشدة.

وعلى هامش اجتماعات قمة رؤساء دول شرق أفريقيا بتنزانيا، أعلن الرئيس الكيني ويليام روتو، السبت، «اعتزامه التوسط بمشاركة نظيره الأوغندي يوري موسيفيني، لحل الخلافات بين الصومال وإثيوبيا». وقال في مؤتمر صحافي، إنه «سيبحث عقد قمة إقليمية تضم زعماء الدول الأربعة (كينيا وأوغندا والصومال وإثيوبيا)، لمعالجة التوترات في منطقة القرن الأفريقي».

وأشار روتو إلى أن «أمن الصومال يُسهم بشكل كبير في استقرار المنطقة». لكن خبراء تحدّثوا لـ«الشرق الأوسط» يرون أن «التدخل الكيني الأوغندي لا يمكن التعويل عليه كثيراً، في ظل عدم استجابة أطراف الخلاف لهذا المسار حتى الآن، بالإضافة إلى عدم وجود دعم إقليمي ودولي».

ومنذ توقيع مذكرة التفاهم، حشد الصومال دعماً دولياً لموقفه ضد إثيوبيا؛ حيث وقّع في فبراير (شباط) الماضي اتفاقية تعاون دفاعي مع تركيا، ووقّع مع مصر بروتوكول تعاون عسكري في أغسطس (آب) الماضي، أرسلت بموجبه القاهرة مساعدات عسكرية إلى مقديشو. كما تعتزم إرسال قوات عسكرية بداية العام المقبل بوصفه جزءاً من قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي، وهو ما أثار غضب إثيوبيا، التي اتهمت مقديشو «بالتواطؤ مع جهات خارجية لزعزعة استقرار الإقليم».

والتقى الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، مع نظيريه الكيني والأوغندي، على هامش اجتماعات مجموعة شرق أفريقيا. وعلى الرغم من أنه لم يتحدث عن وساطة محتملة، نقلت «رويترز» عن وزير الخارجية الصومالي أحمد معلم فقي، أن «القرارات السابقة التي اتخذها زعماء إقليميون لم تلق آذاناً مصغية في أديس أبابا»، مشيراً إلى أنه «يثق بأن جهود الوساطة الجارية من جانب تركيا ستكون مثمرة».

وكانت العاصمة التركية أنقرة قد استضافت جولات من الوساطة بين الصومال وإثيوبيا، لإنهاء الخلاف بين البلدين، كان آخرها في سبتمبر (أيلول) الماضي، غير أن المحادثات دون التوصل لاتفاق.

وبينما تنظر مديرة البرنامج الأفريقي في مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، أماني الطويل، إلى التدخل الكيني - الأوغندي بـ«إيجابية»، ترى أن «نجاح تلك الوساطة مرهون بأبعاد أخرى تتعلّق بأجندة تحرك الوسطاء ومواقفهم تجاه الخلاف القائم بين مقديشو وأديس أبابا».

وقالت إن «القضية مرتبطة بموقفَي كينيا وأوغندا من السلوك الإثيوبي تجاه الصومال، ومن وحدة الأراضي الصومالية، وإلى أي مدى تؤيّد أو تعارض الاعتراف الإثيوبي بإقليم (أرض الصومال)».

وتعتقد أماني الطويل أن «التحرك الكيني - الأوغندي لا يمكن التعويل عليه كثيراً في حلحلة الخلاف بين الصومال وإثيوبيا، لأن الخلاف بين الطرفين معقد»، مشيرة إلى أن «الإشكالية في نهج الدبلوماسية الإثيوبية التي تركز على أهدافها دون الوضع في الاعتبار الأمن والتعاون الإقليميين».

ورفض الصومال مشاركة إثيوبيا في البعثة الأفريقية الجديدة لحفظ السلام، وأمهل أديس أبابا حتى نهاية العام الحالي، لانسحاب قواتها من البعثة الحالية التي ستنتهي مهامها بنهاية العام الحالي، وقال وزير الخارجية الصومالي، إن «بلاده ستعد وجود قوات إثيوبيا بعد نهاية العام، احتلالاً لأراضيها».

وترى أماني الطويل أن «الوساطة التركية قد تكون أكثر تأثيراً في النزاع بين الصومال وإثيوبيا». وقالت إن «أنقرة لديها تفهم أكثر للخلاف. كما أنها ليست دولة جوار مباشر للطرفين، وبالتالي ليست لديها إشكاليات سابقة مع أي طرف».

وباعتقاد الباحث والمحلل السياسي الصومالي، نعمان حسن، أن التدخل الكيني - الأوغندي «لن يحقّق نتائج إيجابية في الخلاف الصومالي - الإثيوبي»، وقال إن «مبادرة الوساطة يمكن أن تقلّل من حدة الصراع القائم، لكن لن تصل إلى اتفاق بين الطرفين».

وأوضح حسن أن «أديس أبابا لديها إصرار على الوصول إلى ساحل البحر الأحمر، عبر الصومال، وهذا ما تعارضه مقديشو بشدة»، مشيراً إلى أن «العلاقات الكينية - الصومالية ليست في أفضل حالاتها حالياً، على عكس علاقاتها مع إثيوبيا»، ولافتاً إلى أن ذلك «سيؤثر في مسار التفاوض». واختتم قائلاً: إن «نيروبي تستهدف أن يكون لها دور إقليمي على حساب الدور الإثيوبي بمنطقة القرن الأفريقي».