السودان: النزاع يعطّل المحاصيل الزراعية ويزيد خطر المجاعة

حصاد أحد المحاصيل في ولاية الجزيرة جنوب الخرطوم يوم 11 مايو (أ.ف.ب)
حصاد أحد المحاصيل في ولاية الجزيرة جنوب الخرطوم يوم 11 مايو (أ.ف.ب)
TT

السودان: النزاع يعطّل المحاصيل الزراعية ويزيد خطر المجاعة

حصاد أحد المحاصيل في ولاية الجزيرة جنوب الخرطوم يوم 11 مايو (أ.ف.ب)
حصاد أحد المحاصيل في ولاية الجزيرة جنوب الخرطوم يوم 11 مايو (أ.ف.ب)

يفترش مئات العمال المياومين مع أدواتهم الأرض في منطقة بولاية القضارف جنوب شرقي السودان، في انتظار مزارعين يستعينون بهم، لكن هؤلاء يغيبون هذا العام على غير عادة مع بدء موسم المحاصيل الصيفية، بعدما أثّر النزاع على القطاع.

ويبدأ في منتصف مايو (أيار) موسم هطول الأمطار في ولاية القضارف القريبة من الحدود مع إثيوبيا، التي تنتج نحو 40 في المائة من محصول السودان من الحبوب. ومع الأمطار، يبدأ الموسم الزراعي الصيفي.

ويقول المياوم محمد هارون لوكالة الصحافة الفرنسية: «وصلت إلى هنا من كردفان منذ 5 أيام ولم يعرض أحد عملاً عليّ». ويضيف العامل الذي كان مستلقياً على الأرض بجانب أدواته: «في السابق كنت لا أنتظر أكثر من يوم واحد... الآن نفدت كل نقودي ولا أدري كيف أدبّر طعامي».

وتختلف بداية موسم الزراعة الصيفي، وهو الأهم في البلاد، جذرياً هذا العام عما سبقها، في ظل النزاع الذي اندلع بدءاً من 15 أبريل (نيسان)، بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو.

وبحسب المنظمة العربية للتنمية الزراعية، تسبّبت الحرب بـ«تشوهات كبيرة في البنية الإنتاجية لقطاع الزراعة بشقيه النباتي والحيواني، خصوصاً في مناطق احتدام الصراع بولاية الخرطوم، غير أن القطاع الإنتاجي في كل البلاد أصابه الشلل».

وأشارت المنظمة التي تتخذ من الخرطوم مقراً، إلى أن «انقطاع سلاسل الإمداد (أدى) إلى تحطيم كامل لمنظومات إنتاج الدواجن التي تتركز حول الخرطوم، وكذلك إنتاج الخضر والفاكهة».

مزارع سوداني يعرض مادة الصمغ العربي (أ.ف.ب)

وبدأ هطول الأمطار على أراضٍ تبقى مساحات شاسعة منها بلا أي زرع، وفق مراسل لوكالة الصحافة الفرنسية، ما ينذر بصعوبات إضافية في بلاد كان ثلث سكانها يعانون من الجوع حتى قبل بدء القتال.

تمويل متأخر

ولا تقتصر الأزمة على المياومين، بل تطال قطاعات أخرى متعلقة بالزراعة التي تمثّل 40 في المائة من الناتج المحلي للبلاد، وتوظّف 80 في المائة من اليد العاملة.

ويقول ميرغني علي، الذي يعمل في تجارة البذور والأسمدة والمبيدات الزراعية: «في الظروف العادية خلال السنوات الماضية، كنا نعاني من اكتظاظ المزارعين لطلب البذور في هذا الوقت من العام»، إلا أن «الطلب ضعيف للغاية» هذا العام.

ويرجع محمد عبد الكريم الذي يمتلك أرضاً زراعية مساحتها 10 آلاف فدان (42 مليون متر مربع) يزرع فيها الذرة والقطن وعباد الشمس، أسباب تعطّل موسم الزراعة إلى «تأخر البنوك في التمويل». ويوضح أن «القرارات (بالتمويل) تصدر من رئاسات البنوك في العاصمة، وهذه البنوك لا تعمل منذ منتصف أبريل جراء الحرب»، مضيفاً: «حتى لو جاء التمويل المتأخر، نحتاج إلى وقت للحصول على البذور، كما أن الرؤية غير واضحة بشأن توفير السماد والوقود لتشغيل المعدات».

أشجار في ولاية كردفان السودانية (أ.ف.ب)

ورغم الوعود بتوفير الأموال، ومنها ما نقلته وكالة الأنباء السودانية (سونا) عن رئيس تجمع القطاع المطري ياسر علي صعب بشأن التزام وزارة المالية والمصرف المركزي بتمويل المزارعين، فإن ذلك لا يبدّد القلق بشأن مصير الموسم.

في مثل هذه الفترة من عام 2022، عانى السودان من تكدّس المحاصيل لدى المزارعين جراء نقص الأموال الحكومية المخصصة لشرائها في ظل أزمة اقتصادية.

وبحسب بيانات منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، شهد موسم زراعة الحبوب في السودان لعام 2022، الذي تم حصده في مارس (آذار) الماضي، كميات من الذرة الرفيعة والقمح والدخن وصلت إلى 7.4 مليون طن.

وعلى الرغم من أن هذا الإنتاج مثّل زيادة بنسبة 45 في المائة على الموسم السابق، فإن المنظمة رأت أن ذلك لا يزال غير كافٍ لتلبية احتياجات البلاد.

ومنذ الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير (شباط) 2022، وتداعياته على أسعار الحبوب والوقود عالمياً، تلوح أزمات غذائية خصوصاً في بلدان تعتمد في وارداتها بشكل أساسي على هاتين الدولتين، ومنها السودان.

تعليق الاستثمار

وتؤكد الأمم المتحدة أن 25 مليون شخص، أي أكثر من نصف عدد سكان السودان، باتوا الآن بحاجة للمساعدة والحماية.

ويعدّ تحضير الأراضي قبل هطول الأمطار شرطاً أساسياً لموسم مثمر، وفق ما يؤكد المزارع حسين إبراهيم من القضارف.

ويوضح: «هناك مناطق هطلت فيها الأمطار وأصبح الوصول إليها صعباً جداً».

ويضيف: «لن يستطيع كثير من المزارعين إيصال العمال أو البذور أو الوقود إلى مشروعاتهم (الزراعية)».

ويقطع إطلاق النار الطرق، وتوقفت حركة الاستيراد والتصدير في البلاد إلى حد كبير، وسرقت مستودعات كثيرة. ويهدّد كل ذلك، وفق خبراء، بتسريع المجاعة في البلاد.

وبدأت الظروف التي تمرّ بها البلاد تنعكس بشكل مباشر على الاستثمار، إذ أعلنت مجموعة «الحجّار» الاستثمارية الكبرى في البلاد، التي تعمل مع آلاف المزارعين، «تعليق كل الأعمال الاستثمارية في السودان بدءاً من أول مايو (أيار)»، وذلك إلى أن «تسمح الظروف بعودة الأمور والأعمال إلى وضعها الطبيعي».

وأضافت المجموعة التي يعود تأسيسها إلى زهاء 120 عاماً، في بيان: «قررنا إعفاء كل العاملين من أي أعباء أو التزامات وظيفية بعد 30 يونيو (حزيران)».

حقائق

25 مليون شخص

أي أكثر من نصف عدد سكان السودان، باتوا الآن بحاجة للمساعدة والحماية (الأمم المتحدة)


مقالات ذات صلة

مسيرة نسائية في دارفور تناشد ترمب وقف الحرب

شمال افريقيا جانب من المسيرة النسائية في مدينة نيالا لوقف حرب السودان (موقع تحالف «تأسيس» على «إكس»)

مسيرة نسائية في دارفور تناشد ترمب وقف الحرب

خرجت المئات من السودانيات في شوارع مدينة نيالا، عاصمة ولاية جنوب دارفور، غرب البلاد، في مظاهرة رددن فيها هتافات تناشد الرئيس الأميركي التدخل لوقف الحرب.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا لقاء الرئيس المصري ورئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني في العلمين الجديدة بمصر (أرشيفية - الرئاسة المصرية)

تنسيق بين مصر وليبيا والسودان لضبط منطقة «المثلث الحدودي»

استضافت العاصمة المصرية، القاهرة، مساء الأربعاء، اجتماعاً رفيع المستوى لمسؤولين من مصر وليبيا والسودان لتبادل الرؤى بشأن التحديات والتطورات الأمنية في المنطقة.

هشام المياني (القاهرة)
شمال افريقيا أشخاص يسيرون في شارع يحمل آثار الدمار نتيجة صراع دموي على السلطة في السودان (د.ب.أ) play-circle

السودان: 8 قتلى في قصف لـ«الدعم السريع» على ملجأ بدارفور

قُتل 8 أشخاص في قصف لـ«قوات الدعم السريع» استهدف ملجأ يحتمي به الأهالي بمدينة الفاشر بشمال إقليم دارفور بغرب السودان

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا الفريق عبد الفتاح البرهان (أ.ف.ب)

البرهان يتدخل ويبقي على أنصبة «الحركات المسلحة» في الحكومة

أطراف «مسار دارفور» في اتفاق جوبا للسلام تتمسك بالحقائب الوزارية التي كانت تشغلها في «الحكومة المحلولة» دون تغيير.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا السودان يقول إنه دمر 50 ألف «جسم متفجر» من مخلفات الحرب  (أ.ف.ب)

السودان... السلاح في يد الجميع فمن يحمي المدنيين؟

يهدد انتشار السلاح في السودان بكثافة الأمن خارج مناطق الحرب، ورغم تقليل الخبراء من خطورته، فإن خلو البلاد منه يعد أمراً معقداً.

وجدان طلحة (بورتسودان)

المبعوث الأممي لليمن يحثّ «الحوثي» على وقف الهجمات على السفن

السفينة اليونانية «ماجيك سيز» لحظة تفجيرها من قِبَل الحوثيين في البحر الأحمر (إ.ب.أ)
السفينة اليونانية «ماجيك سيز» لحظة تفجيرها من قِبَل الحوثيين في البحر الأحمر (إ.ب.أ)
TT

المبعوث الأممي لليمن يحثّ «الحوثي» على وقف الهجمات على السفن

السفينة اليونانية «ماجيك سيز» لحظة تفجيرها من قِبَل الحوثيين في البحر الأحمر (إ.ب.أ)
السفينة اليونانية «ماجيك سيز» لحظة تفجيرها من قِبَل الحوثيين في البحر الأحمر (إ.ب.أ)

حثّ مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى اليمن هانس غروندبرغ، اليوم (الخميس)، جماعة «الحوثي»، التي تسيطر على مناطق من اليمن، على وقف الهجمات على السفن في البحر الأحمر لتجنب تصعيد التوترات في اليمن وما حوله.

ودعا غروندبرغ، في بيان، للبناء على اتفاق وقف الأعمال العدائية في البحر الأحمر الذي توصلت إليه جماعة «الحوثي» مع الولايات المتحدة في مايو (أيار) الماضي.

وأعلن متحدث عسكري باسم جماعة «الحوثي» اليمنية، أمس (الأربعاء)، مسؤولية الجماعة عن استهداف السفينة «إترنيتي سي» في البحر الأحمر، وقال إنه جرى إنقاذ عدد من طاقم السفينة ونقلهم إلى مكان آمن.

كما أعلن «الحوثيون»، يوم الاثنين الماضي، مسؤوليتهم عن استهداف السفينة «ماجيك سيز» وإغراقها في البحر الأحمر قبالة الحديدة.

ويشنّ «الحوثيون» هجمات على إسرائيل وحركة الملاحة في البحر الأحمر منذ بداية الحرب بين إسرائيل وحركة «حماس» الفلسطينية في قطاع غزة في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وذلك دعماً للفلسطينيين في قطاع غزة.