«الاستقلال الغذائي»... ذريعة الحوثيين للسيطرة على الأراضي الزراعية

سياسة الجماعة الانتهازية أرهقت الفلاحين وكبّدتهم خسارة محاصيلهم

حصّادة قمح كبيرة في مزرعة تابعة للانقلابيين الحوثيين (إعلام حوثي)
حصّادة قمح كبيرة في مزرعة تابعة للانقلابيين الحوثيين (إعلام حوثي)
TT

«الاستقلال الغذائي»... ذريعة الحوثيين للسيطرة على الأراضي الزراعية

حصّادة قمح كبيرة في مزرعة تابعة للانقلابيين الحوثيين (إعلام حوثي)
حصّادة قمح كبيرة في مزرعة تابعة للانقلابيين الحوثيين (إعلام حوثي)

يزعم الحوثيون في اليمن دعم وتطوير القطاع الزراعي، وإنتاج كميات محاصيل تحقق ما يسمونه «الاستقلال الغذائي والاكتفاء الذاتي»، لكن ذلك لم يكن سوى شفرة لاحتكار التقنيات الزراعية، وتحويل الوقود إلى السوق السوداء ورفع أسعاره، وإغلاق منافذ التوريد؛ للتسبب في تكدس منتجات المزارعين وكسادها، مقابل توسع وازدهار المَزارع التي تؤول إلى مؤسسات انقلابية.

مع انقضاء فصل الشتاء وبداية الربيع الحالي، وهو موسم حصاد لأغلب المنتجات الزراعية، بدأ مزارعو محافظة الجوف اليمنية إدراك المأزق الذي وقعوا فيه.

كان المزارعون تلقوا وعوداً من الانقلابيين بتقديم كامل الدعم لهم من أجل إنتاج كميات وفيرة من القمح لتحقيق مزاعم «السيادة الغذائية»، إلا أنهم عند بدء موسم الحصاد تفاجأوا بعدم توفير ماكينات حصاد كافية، وهو ما اضطر بعضهم إلى اختطاف ماكينات الحصاد المتوافرة لاستخدامها قبل تلف محصولهم.

تقول مصادر في الجوف، إن ماكينات حصاد القمح الخاصة في المحافظة محدودة العدد، وإن ملاك المزارع طلبوا من المزارعين شراء الوقود بأنفسهم من السوق السوداء لتشغيلها، وكانت الأولوية لمن استطاع تدبير كميات الوقود المطلوبة، في حين ظل البقية في انتظار شغور تلك الماكينات، أو وصول الماكينات التي وعد الانقلابيون الحوثيون بها.

لاحقاً؛ اضطر المزارعون إلى الحصاد اليدوي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من محصولهم، في حين اختطف مزارعون في مديرية اليتمة إحدى ماكينات الحصاد التابعة لقطاع الزراعة الذي يديره الانقلابيون الحوثيون، الذين لم يتمكنوا من استعادتها إلا بعد أن استغنى الخاطفون عن خدماتها، غير أن مصادر ترجح أن المزارعين الذين اختطفوا الحصادة أقدموا على ذلك بالتنسيق مع قيادي حوثي حصل منهم على مبالغ مالية كبيرة وجزء من محصولهم مقابل التغاضي عما قاموا به.

تلف وكساد

خلال فترة انتظار وصول الحصادات طوال الشهرين الماضيين؛ جاءت رياح صحراوية موسمية  لتسقط حبوب القمح عن السنابل، وتتركها في الأرض عرضة للتلف مع صعوبة في جمعها وحفظها، كما دحرجت الرياح في طريقها نباتات شوكية يابسة على شكل كرات ضخمة داهمت المزارع مسببة المزيد من الأضرار بالمزروعات.

وتضاعفت المعاناة بهطول أمطار غزيرة وتدفق سيول جارفة على غالبية المزارع التي لم تكن قد جمعت محاصيلها وتم حفظها، وفي أثناء ذلك كانت المزارع التابعة للميليشيات تكمل مهام الحصاد والتسويق بشكل منتظم. ووفقاً للمصادر؛ فإن الميليشيات وفرت حصّادة كبيرة لكل مزرعة من مزارعها، ولم توفر للمزارعين في عموم المحافظة سوى 6 حصادات.

وعانى المزارعون الذين تمكنوا من إنقاذ محصولهم من التلف من عدم امتلاكهم مخازن لحفظ القمح في ظل عجزهم عن نقله وبيعه في المحافظات الأخرى، وتعرضهم للابتزاز والتضييق من قبل الميليشيات التي تنصلت من وعودها لهم، واضطروا إلى تخزين ما أمكنهم من كميات في منازلهم، في حين تركوا الباقي في البيادر والحقول تحت أغطية قماشية أو بلاستيكية.

مزارع يضطر للحصاد اليدوي بعد أن احتكر الحوثيون الحصّادات لصالح مزارعهم (فيسبوك)

لم تقتصر الخسائر والتلف على محصول القمح؛ فالخضراوات تكدست في المزارع ومخازن المزارعين وتعرضت للتلف قبل أن يتمكنوا سوى من بيع كميات محدودة منها، رغم امتلاكهم خبرة كبيرة في زراعتها وتسويقها، على عكس القمح الذي هم حديثو العهد بزراعته؛ وكل هذا يعود إلى إجراءات الميليشيات الحوثية التي أغلقت منافذ التوريد.

تفيد المصادر بأن الميليشيات الحوثية أغرت جميع المزارعين بتوفير كافة احتياجاتهم من أجل تحقيق مزاعم الاكتفاء الذاتي والتصنيع والتصدير، فمزارعو الطماطم مثلاً سمعوا من عدد من قيادات الميليشيات الحوثية أحاديث عن التوجه لبناء مصانع للصلصة، إلى جانب بناء مخازن تبريد مركزية لحفظها من التلف، وهو ما دفعهم إلى زيادة منتجاتهم بشكل غير مسبوق.

ويعدّ القيادي الحوثي هلال الجشاري، أكثر القيادات الحوثية التي سعت إلى إغراء المزارعين، خصوصاً في محافظة الجوف، وإقناعهم بزيادة غلتهم الزراعية، مستخدماً اسم «الجبهة الزراعية» للترويج لمزاعم زعيم الميليشيات عبد الملك الحوثي في الاكتفاء الذاتي من الزراعة، إلى جانب حثهم على التبرع للمجهود الحربي، وعينته الميليشيات الحوثية منسقاً للجنة الزراعية في المحافظة.

تخطيط مسبق

تتحجج الميليشيات أمام ما يجري للمزارعين من تلف وخسائر بعد تقديم وعودها لهم، بعجزها عن مجاراة التوسع الزراعي، وتلقي باتهاماتها كالعادة على الحكومة الشرعية والتحالف بالتسبب في حدوث العجز والكساد وتلف المزروعات، في حين يرى المزارعون أن الميليشيات تسعى لاستغلالهم والسيطرة على أراضيهم ومنتجاتهم.

فوفقاً لمصادر زراعية في محافظة الجوف؛ يعتقد المزارعون أن الميليشيات الحوثية كانت تخطط منذ البداية لاستغلالهم؛ إذ دفعتهم إلى التوسع في إنتاج المحاصيل واستصلاح أراضيهم المهجورة من أجل إلحاق الخسائر بهم، بدءاً ببيع الوقود والأسمدة والبذور لهم بأسعار باهظة، ثم حصول التجار الموالين لها على المحاصيل بأثمانٍ بخسة.

وإذ قرر غالبية المزارعين عدم تكرار ما حدث الموسم الماضي؛ فإنهم يخشون أن تسعى الميليشيات إلى محاولة السيطرة على أراضيهم من أجل استثمارها لصالحها باسم الأوقاف؛ إذ يردد القادة الحوثيون في المحافظة مقولات عن ضرورة استصلاح الأراضي لمواجهة الفقر والجوع والحرب الاقتصادية المزعومة.

وتأتي خشية المزارعين من إقدام الميليشيات على ذلك؛ بعد أن استولت خلال الأعوام الماضية على أراضٍ واسعة وتحويلها إلى مزارع هائلة الإنتاج، بعد أن أنشأت مؤسسات لاستئجار الأراضي من ملاكها، ومؤسسات أخرى للاستثمار الزراعي، وتعمل هذه المؤسسات على إقناع ملاك الأراضي بتأجير ممتلكاتهم بدلاً من بذل جهود غير مجدية لزراعتها.

كما نهبت الميليشيات عشرات الآلاف من الهكتارات من الأراضي في محافظة الجوف بزعم أنها ملكية لأوقاف الدولة، أو صادرتها باعتبارها أراضي مملوكة لشخصيات سياسية واجتماعية مناهضة للنفوذ الحوثي، وهي الشخصيات التي يجري اتهامها بالخيانة والعمالة، ويعمل ما يعرف بـ«الحارس القضائي» على مصادرة ممتلكاتها.

وتتركز الأراضي التي نهبتها الميليشيات وأنشأت عليها مزارعها في مديريات اليتمة والغيل والمتون والخب والشعف، وتقدر المصادر مساحة الأراضي الزراعية التي نهبتها الميليشيات في محافظة الجوف بأكثر من 30 ألف هكتار.


مقالات ذات صلة

ماذا ينتظر اليمن في عهد ترمب؟

تحليل إخباري الجماعة الحوثية استقبلت انتخاب ترمب بوعيد باستمرار الهجمات في البحر الأحمر وضد إسرائيل (غيتي)

ماذا ينتظر اليمن في عهد ترمب؟

ينتظر اليمنيون حدوث تغييرات في السياسات الأميركية تجاه بلادهم في ولاية الرئيس المنتخب دونالد ترمب.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي رئيس الحكومة اليمنية أحمد عوض بن مبارك (سبأ)

وعود يمنية بإطلاق عملية شاملة لإعادة بناء المؤسسات الحكومية

وعد رئيس الحكومة اليمنية، أحمد عوض بن مبارك، بإطلاق عملية شاملة لإعادة بناء المؤسسات، ضمن خمسة محاور رئيسة، وفي مقدمها إصلاح نظام التقاعد.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي مسلحون حوثيون خلال حشد في صنعاء دعا إليه زعيمهم (إ.ب.أ)

الحوثيون يحولون المنازل المصادرة إلى معتقلات

أفاد معتقلون يمنيون أُفْرج عنهم أخيراً بأن الحوثيين حوَّلوا عدداً من المنازل التي صادروها في صنعاء إلى معتقلات للمعارضين.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي بوابة البنك المركزي اليمني في صنعاء الخاضع لسيطرة الجماعة الحوثية (أ.ف.ب)

تفاقم معاناة القطاع المصرفي تحت سيطرة الحوثيين

يواجه القطاع المصرفي في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية شبح الإفلاس بعد تجريده من وظائفه، وتحولت البنوك إلى مزاولة أنشطة هامشية والاتكال على فروعها في مناطق الحكومة

وضاح الجليل (عدن)
الخليج جاسم البديوي الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية (مجلس التعاون)

إدانة خليجية للاعتداء الغادر بمعسكر قوات التحالف في سيئون اليمنية

أدان جاسم البديوي، الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، الاعتداء الغادر في معسكر قوات التحالف بمدينة سيئون بالجمهورية اليمنية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

وزير خارجية الأردن: قرارات «الجنائية الدولية» يجب أن تنفذ وتحترم

أيمن الصفدي (رويترز)
أيمن الصفدي (رويترز)
TT

وزير خارجية الأردن: قرارات «الجنائية الدولية» يجب أن تنفذ وتحترم

أيمن الصفدي (رويترز)
أيمن الصفدي (رويترز)

قال وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، اليوم الخميس، إن قرارات المحكمة الجنائية الدولية يجب أن «تنفذ وتحترم»، وإن الفلسطينيين يستحقون العدالة.

ووفقاً لـ«رويترز»، فقد جاء ذلك في رد فعله على أمرَي اعتقال أصدرتهما المحكمة الجنائية الدولية بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت.