الجزائر: سباق مبكر بين المعسكر الرئاسي والتيار الديمقراطي على «استحقاقات 2026»

المشهد يتأرجح بين تغيير حقيقي في قواعد اللعبة وتعديل شكلي يُبقي الوضع كما هو

من جولة لحوار الرئاسة مع الأحزاب في 21 مايو 2024 (الرئاسة)
من جولة لحوار الرئاسة مع الأحزاب في 21 مايو 2024 (الرئاسة)
TT

الجزائر: سباق مبكر بين المعسكر الرئاسي والتيار الديمقراطي على «استحقاقات 2026»

من جولة لحوار الرئاسة مع الأحزاب في 21 مايو 2024 (الرئاسة)
من جولة لحوار الرئاسة مع الأحزاب في 21 مايو 2024 (الرئاسة)

مع اقتراب موعد الانتخابات الجزائرية، المقررة في 2026، بدأت الساحة السياسية تستعيد بعض حيويتها، بعد فترة من الركود والجمود أعقبت توقيف الحراك الشعبي. ويتمحور هذا النشاط الجديد حول رؤيتين مختلفتين تماماً لأهمية ورهانات الانتخابات البرلمانية والبلدية المقبلة.

فمن جهة، تدافع التشكيلات التابعة لما تُعرف بـ«الغالبية الرئاسية» عن مقاربة ترتكز على «الاستقرار المؤسساتي»، واستمرارية عمل السلطة القائمة. ومن جهة أخرى، تحاول أحزاب التيار الديمقراطي استعادة الفضاء الانتخابي، عبر طرح شروط تراها ضمانةً لتنظيم انتخابات خالية من شبهة التزوير.

رئيس «جبهة المستقبل» مع الرئيس تبون (إعلام حزبي)

وتركز «الأحزاب الديمقراطية» النقاش على قضايا محددة، مثل معتقلي الرأي الذين يصل عددهم إلى 250، حيث تطالب بالإفراج عنهم، وعلى «انتهاك الحقوق، ووضع الحريات الفردية تحت الرقابة، والرقابة على الإعلام»، بخلاف الأحزاب الموالية للرئيس عبد المجيد تبون، التي تنفي وجود أي شكل من أشكال التجاوزات من جانب السلطات.

وعلى طرفي هذه المعادلة، يبرز «التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية»، و«حزب العمال»، و«جبهة القوى الاشتراكية» و«جيل جديد»، ضمن معسكر الديمقراطيين من جهة، و«جبهة التحرير الوطني» (الأولى في البرلمان والمجالس البلدية)، و«التجمع الوطني الديمقراطي»، و«جبهة المستقبل»، و«حركة البناء الوطني»، بالمعسكر الرئاسي.

الأمين العام لـ«التجمع الوطني الديمقراطي» (إعلام حزبي)

ويبدو هذا التباين بوضوح من خلال خطاب رئيس «جبهة المستقبل» فاتح بوطبيق، الذي يلقيه كل نهاية أسبوع بمحافظة يزورها؛ في إطار حملة انتخابية مبكرة. ففي منطقة أفلو (300 كيلومتر جنوب العاصمة)، صرح بوطبيق، الذي يشغل مقعداً برلمانياً، بأن الانتخابات المقبلة «وسيلة لترسيخ الوضع القائم لا لإعادة تقييمه».

وضمن «الغالبية الرئاسية»، دافع رئيس «جبهة المستقبل» عن رؤية ترى في الاستحقاق الانتخابي استمراراً للمسار السلطوي، والتوافق الكامل مع النظام الذي يمثله حالياً عبد المجيد تبون. ويرتكز خطابه على مفاهيم متكررة: الاستقرار، والحفاظ على المكتسبات، والسيادة الوطنية... وهي شعارات دون نقد سياسي حقيقي.

وفي هذا الإطار، تُقدَّم الانتخابات على أنها «حصن أمام عدم الاستقرار الإقليمي (الوضع في مالي والأزمة في ليبيا)، وضد خطاب تسويد الوضع الداخلي». وضمن هذه المقاربة، ينفَّذ الإصلاح تدريجاً من داخل المؤسسات القائمة، ويتجسد في سياسات عامة، مثل التقسيم الترابي الجديد، أو السعي إلى توازن إقليمي أفضل. وتُفهَم المشاركة الانتخابية على أنها «فعل مسؤولية سياسية، وامتثال للنظام المؤسساتي القائم»، وفق تقدير بوطبيق، الذي يبدو أكبر نشاطاً في الميدان مقارنة ببقية قادة «الغالبية الرئاسية».

مشاركة مشروطة بالإصلاح

في مقابل ذلك، تتبنى أحزاب التيار الديمقراطي الأربعة موقفاً يصفه المراقبون بالأكبر توازناً؛ إذ رغم حسم خيار المشاركة، فإن انخراطها الفعلي يظل رهناً بقراءة نقدية ومعمقة للواقع السياسي الراهن، ومحكوماً بمدى الاستجابة لمطالب الإصلاح.

رئيس «حركة البناء الوطني» (إعلام حزبي)

وبالنسبة إلى هذه التشكيلات، لا تكمن أهمية الاستحقاق في مجرد إعادة إنتاج التوازنات القائمة، بل في أنه فرصة لفرض تحول نوعي في الأداء المؤسساتي، وفق ما صرح به عثمان معزوز، رئيس «التجمع من أجل الديمقراطية». وتتمحور رؤية التيار الديمقراطي حول حزمة مطالب جوهرية؛ تبدأ بتوسيع هوامش الحريات السياسية والإعلامية، مروراً بتكريس استقلال فعلي للقضاء، وصولاً إلى إرساء حوار وطني جاد بشأن الخيارات الاقتصادية والاجتماعية الكبرى. ودون هذه الضمانات، يحذر قادة هذا التيار من «تحول الانتخابات إلى مجرد إجراءٍ بروتوكولي يفتقر إلى الجوهر»، وعاجز عن اختراق جدار العزوف الشعبي، أو استعادة ثقة الكتلة الناخبة التي أدمنت المقاطعة.

رئيس «حركة البناء الوطني» (إعلام حزبي)

وقد غابت هذه الأحزاب عن الانتخابات البرلمانية والبلدية المبكرة، التي نُظمت في 2021، بذريعة أن الحراك الشعبي رفضها، وأنه ما كان ممكناً، وفقهم، اتخاذ موقف مخالف لمئات آلاف المتظاهرين في الشارع المطالبين بالديمقراطية.

كما يظهر التباين بين الرؤيتين بوضوح في نقاط أخرى؛ فبينما يركز «التجمع الوطني» على «المسؤولية والانضباط السياسي واستمرارية النظام القائم»، تؤكد المعارضة الديمقراطية على مسألة الشرعية، وضرورة مشاركة المواطنين الفعلية في تسيير شؤون بلادهم.

الانتخابات لتجاوز «تغيير الوجوه»

يُقدَّم موقف «الغالبية الرئاسية» بوصفه «ترفعاً عن المزايدات السياسية، وانحيازاً إلى الخطاب المسؤول والانسجام». بينما تراه التشكيلات الديمقراطية «غطاءً لتقويض التعددية»، كما تنظر إلى الانتخابات على أنها فرصة قد تكون الأخيرة لتجاوز «الاستقرار الشكلي»، وللاستبدال به «شرعية شعبية حقيقية تولد من رحم النقاش والمنافسة السياسية الجادة»، وفق ما يقترحه يوسف أوشيش، السكرتير الأول لـ«القوى الاشتراكية»، وهو أقدم حزب معارض أسسه رجل الثورة الراحل حسين آيت أحمد.

ويتمثل الهدف الأساسي من هذه الانتخابات في القدرة على تقديم شيء يتجاوز مجرد تغيير الوجوه في المؤسسات... فالسلطة وحلفاؤها يواجهون تحدي إقناع الناس بأن الاستقرار لا يعني بقاء كل شيء على حاله. أما بالنسبة إلى المعارضة، فالرهان الحقيقي هو تحويل مشاركتها في الانتخابات إلى قوة ضاغطة ومؤثرة، بدلاً من الاكتفاء بمجرد تسجيل مواقف احتجاجية.

وبين رغبة الموالاة في «الاستمرارية»، ومطالب المعارضة بـ«القطيعة مع الممارسات القديمة»، تبدو الانتخابات المقبلة، في نظر مراقبين، أكبر من مجرد سباق بين الأحزاب؛ بل هي أولاً اختبار حقيقي لمدى صدق وجدية العمل السياسي عموماً في البلاد.

عثمان معزوز رئيس «التجمع من أجل الديمقراطية» (إعلام حزبي)

كما يرى المراقبون أن المشهد يتأرجح بين احتمالين: إما بداية فعلية لمسار ديمقراطي، وإما مجرد تمديد للنظام الحالي بأسلوب جديد. والنتيجة في النهاية ستتوقف على مدى نزاهة الانتخابات وموقف السلطة التي لا تزال تتحكم في المفاصل الأساسية للعملية السياسية. وبالنظر إلى تمسكها بنهجها الحالي، وغياب مؤشرات حقيقية على الانفتاح، يتوقع متابعون أن تجد الأحزاب الديمقراطية نفسها في مواجهة صعبة، قد تستنزف كثيراً من رصيدها وجهدها دون تحقيق مكاسب ملموسة.


مقالات ذات صلة

البرلمان الجزائري يصادق بالإجماع على قانون يُجرّم الاستعمار الفرنسي

شمال افريقيا أعضاء البرلمان الجزائري خلال تصويتهم بالإجماع على قانون يجرّم الاستعمار الفرنسي للجزائر (أ.ب)

البرلمان الجزائري يصادق بالإجماع على قانون يُجرّم الاستعمار الفرنسي

صادق البرلمان الجزائري بالإجماع، الأربعاء، على قانون يجرّم الاستعمار الفرنسي للجزائر (1830 - 1962)، ويصفه بأنه «جريمة دولة».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا وزير العدل (وسط) مع البرلماني صاحب مقترح تعديل قانون الجنسية (البرلمان)

الجزائر: مسؤول يهوّن من المخاوف بشأن «إسقاط الجنسية» عن المعارضين

هوَّن مسؤول حكومي رفيع من المخاوف المرتبطة بأحد نصين سيناقشان في البرلمان الجزائري، مؤكداً أنه «لا يستهدف أصحاب الرأي المخالف».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا رئيس البرلمان في اجتماع مع أصحاب مقترحَي تجريم الاستعمار وتعديل قانون الجنسية (البرلمان)

البرلمان الجزائري يرفع وتيرة التشريع ضد فرنسا والمعارضين

عرض البرلمان الجزائري، السبت، نصَّين مهمّين للنقاش العام؛ الأول يخصّ مقترح قانون لتجريم الاستعمار الفرنسي (1830-1962)، والثاني يتعلق بتعديل قانون الجنسية.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا اجتماع لقيادات «حمس» الإسلامية (إعلام حزبي)

الجزائر: المعارضة الإسلامية تدعو لـ «مصالحة شجاعة» وتحذر من «الانتقام»

دعا حزب «حركة مجتمع السلم» الإسلامي الجزائري المعارض الرئيس عبد المجيد تبون إلى إطلاق «حوار شامل يفضي إلى مصالحة».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا البرلمان الجزائري (متداولة)

الجزائر: سلاح تشريعي جديد لمواجهة الانفصاليين و«عملاء» الخارج

عرض نائب جزائري من «الأغلبية الرئاسية»، اليوم الأربعاء، مقترحاً على لجنة برلمانية خاصة، يتمثل في تعديل قانون الجنسية.


تركيا تعلن أن الصندوق الأسود للطائرة المنكوبة «سيُحلّل في دولة محايدة»

عناصر الوفد الليبي خلال وصولهم إلى مكان تحطم الطائرة المنكوبة (أ.ف.ب)
عناصر الوفد الليبي خلال وصولهم إلى مكان تحطم الطائرة المنكوبة (أ.ف.ب)
TT

تركيا تعلن أن الصندوق الأسود للطائرة المنكوبة «سيُحلّل في دولة محايدة»

عناصر الوفد الليبي خلال وصولهم إلى مكان تحطم الطائرة المنكوبة (أ.ف.ب)
عناصر الوفد الليبي خلال وصولهم إلى مكان تحطم الطائرة المنكوبة (أ.ف.ب)

أعلنت تركيا، الأربعاء، أن الصندوق الأسود الخاص بالطائرة، التي تحطمت مساء الثلاثاء قرب أنقرة وقتل جميع ركابها، بمن فيهم رئيس الأركان العامة للجيش الليبي وعدد من مرافقيه، سيُحلّل في دولة محايدة.

وحسب تقرير لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، فقد أكد وزير النقل التركي عبد القادر أورال أوغلو عبر منصة «إكس»، أنه «سيجري تحليل مسجل الصوت، ومسجل بيانات الرحلة لتحديد سبب تحطم الطائرة في دولة محايدة»، بعد الفحص الأولي. مؤكداً أن نتائج فحص الصندوق الأسود وجهاز التسجيل للطائرة الليبية المنكوبة «ستعلن بشفافية».

من جهته، جدد وزير الداخلية التركي، الأربعاء، التأكيد أن الطائرة أبلغت بتعرضها لـ«عطل كهربائي» بعد نحو ربع ساعة من الإقلاع، قبل أن يفُقد الاتصال في منطقة هايمانا بعد عشرين دقيقة. لكن الخبير تولغا طوسون إينان من جامعة بهتشه شهير في إسطنبول، أكد للقناة التركية الخاصة «إن تي في»، أن عطلاً كهربائياً وحده لا يؤدي إلى توقف الطائرة كلياً. وأوضح أن «هناك عوامل عدة محفزة، بالإضافة إلى الظروف الجوية، يمكن أن تتسبب في الحادث». مشيراً إلى أن البيانات المستخرجة من الصندوق الأسود ستكشف ما حدث، ومؤكداً أن تحليلها قد يستغرق أشهراً عدة.


«سد النهضة»: مصر تجدد رفضها التفريط في «أي قطرة» من مياه النيل

نهر النيل عند قناطر إسنا جنوب مصر (الشرق الأوسط)
نهر النيل عند قناطر إسنا جنوب مصر (الشرق الأوسط)
TT

«سد النهضة»: مصر تجدد رفضها التفريط في «أي قطرة» من مياه النيل

نهر النيل عند قناطر إسنا جنوب مصر (الشرق الأوسط)
نهر النيل عند قناطر إسنا جنوب مصر (الشرق الأوسط)

في ظل استمرار أزمة نزاع «سد النهضة» الإثيوبي، جددت مصر، الأربعاء، رفضها «التفريط في أي قطرة من مياه نهر النيل»، وأكدت أنها «لن تتهاون في صون حقوقها المائية».

جاء ذلك خلال ندوة نظمتها «هيئة الاستخبارات العسكرية» في القاهرة، وتحدث فيها وزير الري المصري، هاني سويلم، عن قضية مياه نهر النيل «باعتبارها أحد ملفات الأمن القومي المصري».

وقال سويلم: «إن سياسة مصر الراسخة وثوابتها ومحدداتها فيما يخص مياه نهر النيل تقوم على الالتزام بقواعد القانون الدولي للأنهار الدولية المشتركة، واعتماد الحوار والتعاون نهجاً ثابتاً لتحقيق المصالح المشتركة بين دول الحوض، مع التأكيد على أن مياه نهر النيل تمثل قضية أمن قومي لمصر في ظل اعتمادها بنسبة 98 في المائة على نهر النيل في توفير مواردها المائية المتجددة».

وتعترض مصر والسودان على مشروع «سد النهضة» الذي دشنته إثيوبيا رسمياً في سبتمبر (أيلول) الماضي، وتطالبان باتفاق قانوني ملزم ينظم عمليات تشغيل السد، بما لا يضر بمصالحهما المائية.

وزير الري المصري أكد الأربعاء اعتماد القاهرة نهجاً ثابتاً لتحقيق المصالح المشتركة بين دول حوض النيل (مجلس الوزراء المصري)

وذكرت القاهرة، في وقت سابق، أن مسار التفاوض مع الجانب الإثيوبي «انتهى ووصل إلى طريق مسدود»، وقالت إنها «تمتلك الحق في استخدام الوسائل المتاحة طبقاً للقانون الدولي للدفاع عن مصالحها المائية».

وأكد سويلم خلال الندوة أن مصر تواصل دعمها الدائم لدول حوض النيل، من خلال تنفيذ العديد من المشروعات في مجالات «تطهير المجاري المائية، وإنشاء سدود حصاد مياه الأمطار، وحفر آبار مياه جوفية تعمل بالطاقة الشمسية، وإنشاء مراسٍ نهرية ومراكز للتنبؤ بالأمطار».

«رسالة جديدة»

المستشار الأسبق لوزير الري المصري وخبير المياه، ضياء الدين القوصي، قال لـ«الشرق الأوسط»، إن تجديد مصر التأكيد على رفضها التفريط في «أي قطرة» هي رسالة جديدة لإثيوبيا، بعدما ظلت لسنوات تطالب باتفاقية تعاون ومشاركة في الإدارة وتشغيل السد وفض المنازعات، دون أن تلقى صدى في الجانب الإثيوبي».

«سد النهضة» الإثيوبي (وكالة الأنباء الإثيوبية)

وفي مطلع الأسبوع الحالي، قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال المؤتمر الوزاري الثاني لمنتدى «الشراكة الروسية - الأفريقية» بالقاهرة، إن بلاده «لا تواجه أي إشكالية مع أديس أبابا»، مضيفاً أن مطلبها الوحيد هو «عدم المساس بحقوقها في مياه النيل والتوصل إلى اتفاق قانوني وملزم بشأن السد الإثيوبي».

وشدد السيسي حينها على أن سياسة بلاده «ثابتة، وتقوم على عدم التدخل في شؤون الآخرين، وعدم زعزعة استقرارها»، مشيراً إلى أن مصر رغم خلافها مع إثيوبيا، لم توجه أبداً أي تهديد لها «إيماناً بأن الخلافات تُحل عبر الحوار والحلول السياسية».

وحسب أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، نادر نور الدين، فإن أسلوب التهدئة كان مطلوباً في هذه المرحلة من مصر، لافتاً إلى أن تصريحات الرئيس كانت نوعاً من هذه التهدئة المطلوبة.

ودعا نور الدين إلى ضرورة استئناف المفاوضات «حتى لا تُترك حرية السيطرة لإثيوبيا على النيل الأزرق».

متى تظهر المشكلة؟

كانت إثيوبيا قد بدأت بناء «سد النهضة» على نهر النيل عام 2011 في مشروع بلغت تكلفته مليارات الدولارات، وتعده مصر تهديداً لحقوقها التاريخية في مياه أطول أنهار أفريقيا.

وأعلنت مصر في ديسمبر (كانون الأول) 2023 فشل آخر جولة للمفاوضات بشأن السد، وإغلاق المسار التفاوضي بعد جولات متعددة على مدار سنوات طويلة.

جانب من فعاليات ندوة نظمتها «هيئة الاستخبارات العسكرية» بالقاهرة الأربعاء (مجلس الوزراء المصري)

وتعتمد مصر على مورد مائي واحد هو نهر النيل، وتحصل على حصة مياه سنوية تبلغ 55.5 مليار متر مكعب، وهي تقع حالياً تحت خط الفقر المائي العالمي بواقع 500 متر مكعب للفرد سنوياً، حسب بيانات سابقة لوزارة الري المصرية.

وهناك تخوفات مصرية من تأثيرات «سد النهضة»، التي تصاعدت حدتها في الآونة الأخيرة. فبعد أيام من تدشين السد رسمياً في سبتمبر الماضي، غمرت مياه فيضان نهر النيل عدداً من المدن السودانية؛ كما شهدت قرى مصرية عدة، خصوصاً في محافظتَي البحيرة والمنوفية، ارتفاعاً غير مسبوق في منسوب مياه النهر، ما أدّى إلى غمر مساحات من أراضي طرح النهر والأراضي الزراعية بالمياه، فضلاً عن تضرر عدد من المنازل. واضطرت الحكومة المصرية حينها إلى اتخاذ «إجراءات فنية» عدة للتعامل مع تأثيرات عدم انتظام تصريف المياه من «السد».

لكن على الرغم من أن القوصي لا يرى «تأثيرات كبيرة للسد الإثيوبي على مصر في الوقت الحالي»، فقد أكد أن «المشكلة الحقيقية سوف تبدأ مع وجود عام واحد من الجفاف، أو مجموعة أعوام من الجفاف الممتد».

وأضاف: «هنا ستحدث أزمة، ولا أظن أن مصر سوف تسمح بذلك».

وقال نور الدين: «مشكلتنا مع إثيوبيا في مرحلة تشغيل السد؛ وعلى أديس أبابا أن تتعهد بتشغيل جميع التوربينات وفق المعدلات الدولية، حتى تصل إلى مصر كمية المياه نفسها، التي كان يساهم بها النيل الأزرق قبل بناء سد النهضة».


مصرع الحداد... نهاية مفجعة لقائد عسكري تبنى «وحدة الجيش» الليبي

محمد الحداد في مكتبه برئاسة أركان قوات الوحدة (أرشيفية - رئاسة الأركان)
محمد الحداد في مكتبه برئاسة أركان قوات الوحدة (أرشيفية - رئاسة الأركان)
TT

مصرع الحداد... نهاية مفجعة لقائد عسكري تبنى «وحدة الجيش» الليبي

محمد الحداد في مكتبه برئاسة أركان قوات الوحدة (أرشيفية - رئاسة الأركان)
محمد الحداد في مكتبه برئاسة أركان قوات الوحدة (أرشيفية - رئاسة الأركان)

طوى تحطم طائرة في تركيا، الثلاثاء، الفصل الأخير من مسيرة رئيس أركان القوات التابعة لحكومة الوحدة الوطنية في غرب ليبيا، منهياً على نحو مفاجئ وصادم لعموم الليبيين حياة قائد خرج من صفوف الجيش النظامي، قبل أن تبدّل تحولات ما بعد فبراير (شباط) 2011 مساره ليجد نفسه في صدارة مشهد عسكري تهيمن عليه الميليشيات، في بلد منقسم بين شرق وغرب، ومثقل بفوضى السلاح وتشابكات السياسة.

ويسلّط وزير الدفاع الليبي السابق، اللواء محمد البرغثي، الضوء على دعوة الحداد الدائمة إلى توحيد الجيش الليبي في أكثر من ظهور وتحرك، معيداً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» التذكير بتصريحات سابقة للقيادي العسكري الراحل خلال اجتماع حضره رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، حيث أبدى رفضه للحرب، ورهن مستقبل البلاد لانقسامات السياسيين.

صورة وزعتها «رئاسة أركان الوحدة» لآخر اجتماع ترأسه الحداد لها

لم يكن محمد علي أحمد الحداد اسماً لامعاً في المؤسسة العسكرية الليبية قبل ثورة فبراير عام 2011، بل كان مجرد واحد من ضباط الجيش النظامي، الذين تدرجوا في الرتب داخل منظومة القوات المسلحة في عهد العقيد الراحل معمر القذافي، وفق المسار التقليدي لضباط تلك المرحلة.

وُلد الحداد عام 1966 في مدينة مصراتة غرب ليبيا، والتحق بالكلية العسكرية في طرابلس عام 1985، وتخرج منها ليبدأ مسيرته كضابط في الجيش الليبي، في فترة كانت فيها المؤسسة العسكرية خاضعة بالكامل لسلطة النظام المركزي.

وعلى مدى سنوات خدمته الأولى لم يُعرف عن الحداد تولّيه مناصب قيادية عليا، أو أدواراً سياسية بارزة، وبقي ضمن الإطار الوظيفي العسكري، شأنه شأن آلاف الضباط، الذين عملوا داخل جيش تحكمه اعتبارات الولاء أكثر من الكفاءة، ولا يتيح صعوداً مهنياً حقيقياً خارج الدائرة الضيقة للنظام.

ومع اندلاع أحداث فبراير 2011، انشق الحداد عن قوات الجيش الليبي في عصر القذافي، وانضم إلى صفوف القوى المناهضة له في مدينة مصراتة، في لحظة شكّلت نقطة التحول الكبرى في مسيرته. ومنذ تلك المرحلة، بدأ اسمه يظهر تدريجياً داخل التشكيلات المسلحة، التي تشكّلت في غرب البلاد بعد سقوط النظام.

وسرعان ما برز كقائد ميداني، حيث انخرط في إطار ميليشيات مدينة مصراتة، وارتبط اسمه بما يعرف بـ«لواء الحلبوص»، أحد أبرز التشكيلات المسلحة هناك، ضمن التشكيلات التي لعبت دوراً عسكرياً في الصراعات، التي شهدتها ليبيا خلال السنوات التالية، دون أن تكون جزءاً من جيش موحد.

بعد اتفاق مدينة الصخيرات المغربية 2015، كانت العودة للمسار العسكري النظامي، حين عُيّن الحداد قائداً للمنطقة العسكرية الوسطى بقرار من حكومة الوفاق السابقة، برئاسة فائز السراج، وهو أول منصب رسمي رفيع يتولاه في مرحلة ما بعد القذافي. لكنه تعرض لمحاولة اختطاف عقب خروجه من اجتماع عسكري، بصفته الجديدة، في مدينة مصراتة، مسقط رأسه، مطلع سبتمبر (أيلول) 2018، إثر مشادة كلامية مع بعض المجموعات.

محمد الحداد خلال حضوره حفل تخرج فوج عسكري بقلعة الخمس (رويترز)

ولاحقاً، برز اسم الحداد خلال الدفاع عن طرابلس أمام حرب العاصمة طرابلس، التي اندلعت بين قوات «الجيش الوطني»، بقيادة المشير خليفة حفتر، وبين قوات حكومة الوفاق (عامي 2019 و2020)، حيث قاد عمليات دفاعية ناجحة، وساهم في احتواء صراعات داخلية.

وفي أغسطس (آب) 2020، عيّنه السراج رئيساً للأركان العامة، مع ترقيته إلى فريق أول ركن، واستمر في المنصب بعد تشكيل حكومة الوحدة عام 2021، حيث بلغ الحداد ذروة مسيرته في هذا المنصب، الذي ظل موضع جدل واسع، نظراً لغياب جيش موحد فعلياً في غرب ليبيا، واستمرار الانقسام العسكري بين الشرق والغرب، وتغوّل الميليشيات وقادتها ونفوذهم، وغياب السيطرة المركزية على السلاح والقوات.

وجاء هذا التعيين في سياق محاولات السلطة في طرابلس فرض هياكل عسكرية شكلية، في ظل واقع تهيمن عليه التشكيلات المسلحة والانقسام الجغرافي والسياسي.

وشارك الحداد بنشاط في أعمال اللجنة العسكرية المشتركة (5+5)، برعاية الأمم المتحدة، لتثبيت وقف إطلاق النار وبناء جيش موحد، حيث نسج علاقات دولية واسعة، خاصة مع تركيا وإيطاليا، لتعزيز التعاون الأمني.

ورغم ظهوره في مناسبات رسمية داخلية وخارجية، ظل منصبه محاطاً بتساؤلات حول الصلاحيات، في ظل واقع ميداني لا يعترف بهيكل قيادة واحدة.

محمد الحداد خلال حضوره تدريباً عسكرياً قرب مدينة بئر الغانم في ضواحي طرابلس (أ.ف.ب)

رحل الحداد عن 59 عاماً، بعد أن لقي مصرعه مع عدد من كبار الضباط ومرافقيه، إثر تحطم الطائرة التي أقلّتهم بعد إقلاعها من العاصمة التركية أنقرة أثناء عودتهم من مهمة رسمية، في حادث أعاد فتح الأسئلة القديمة حول طبيعة المؤسسة العسكرية الليبية، وحدود المناصب التي نشأت في ظل الانقسام.

غير أن وزير الدفاع الليبي السابق، محمد البرغثي، يعتقد «صعوبة تعويض الفراغ الذي سيخلفه الحداد، بالنظر إلى كونه ضابطاً محترفاً خرج من رحم المؤسسة العسكرية، مقارنة بغيره من القادة الميليشياويين في غرب ليبيا»، مشيراً أيضاً إلى «انحيازه للعقيدة الوطنية التاريخية للجيش، وإيمانه بضرورة توحيده والنأي به عن تجاذبات السياسة».

مكان تحطم الطائرة التي كانت تقل محمد الحداد والوفد المرافق له (أ.ف.ب)

وبرحيل الحداد، تُطوى صفحة ضابط مثّلت مسيرته تحولات ليبيا نفسها؛ من جيش مركزي جامد، إلى فوضى السلاح، ثم إلى محاولات بناء هياكل عسكرية لم تكتمل. مسيرة لم تبدأ كنجم، ولم تنتهِ بإجماع، حيث ظل الحداد عنواناً لتناقض لم تُحسم فصوله بعد بين الرتبة والواقع، لكنها تعكس بدقة تعقيدات الدولة الليبية في مرحلة ما بعد 2011.