في واقعة أثارت موجة من الغضب والاستياء على مواقع التواصل الاجتماعي، جددت حادثة «إهانة» مُعلمة داخل إحدى المدارس بمحافظة الإسكندرية، الجدل حول «الانضباط» في مدارس مصرية، وطرحت تساؤلات مُلحة بشأن «فوضى» العلاقة بين الطلاب والمعلمين.
تعود تفاصيل الواقعة إلى مقطع فيديو تم تداوله على نطاق واسع بين رواد «السوشيال ميديا» في مصر، مساء الجمعة، يُظهر مجموعة من الطلاب وهم يوجّهون «إهانات متعمدة إلى اختصاصية نفسية بمدرسة لغات، داخل أحد الفصول»، حيث قاموا بالرقص أمامها بطريقة استفزازية، والقيام بحركات غير لائقة، بل وصل الأمر إلى إلقاء سلة مهملات أمامها.
كما أظهر مقطع الفيديو، الذي صورته المعلمة بهاتفها، سؤال الطلاب عمّن حرضهم ضدها، ومناشدتها المسؤولين معاقبة هؤلاء الطلاب.
ومع تداول مقطع الفيديو، لم تتأخر وزارة التربية والتعليم المصرية في الرد، مُعلنة اتخاذ إجراءات فورية وصارمة، حيث قالت الوزارة، السبت، إن وزير التربية والتعليم والتعليم الفني المصري، محمد عبد اللطيف، وجّه باتخاذ إجراءات فورية وحاسمة تجاه الواقعة.
وأشارت «التعليم» إلى قرار الوزير بإحالة الواقعة كاملة إلى الشؤون القانونية؛ لاتخاذ «أقصى أنواع الجزاءات» بحق كل من يثبت تقصيره أو تورطه من إدارة المدرسة والإدارة التعليمية، موجهاً بفصل الطلاب المشاركين في الواقعة لمدة عام، مع عدم السماح بقيدهم بأي مدرسة أخرى قبل العام الدراسي 2026 - 2027.
ونقل بيان «التعليم» عن الوزير تأكيده أن «كرامة المعلّم خط أحمر»، مشدداً على أن «الوزارة لن تتهاون ولن تسمح بأي شكل من أشكال التجاوز أو الإساءة التي تمسّ هيبة المعلّم، وأن الانضباط المدرسي واحترام المعلّم هما الأساس الذي تُبنى عليه العملية التعليمية»، مشيراً إلى أن «أي محاولة للإخلال بالنظام المدرسي، أو تجاوز في حق أي معلم، سيقابل بإجراءات رادعة وفورية».

وكان المقطع قد لاقى تفاعلاً «سوشيالياً» واسعاً، وأثار موجة من الغضب العارم، بسبب سلوكيات الطلاب. وعدّ قطاع كبير من رواد منصات التواصل الاجتماعي أن ما نقله مقطع الفيديو «دليل على الفوضى وتدهور القيم والانضباط داخل المؤسسات التعليمية».
انا كنت في مدرسة ثانوي تصنف انها من اوحش و احط المدارس في اسكندريةكان معانا عيال مجرمين بجد مش هزارمجرمين بالمعنى القانوني مش مبالغةمكنش حد منهم ولا مننا يقدر يقف قدام مدرس ولا مدرسة بالمنظر ده ولا يبقى مسخ بالشكل ده https://t.co/mGphhUVJus
— De l'eau (@viva_dolo) November 28, 2025
بينما طالَب آخرون بـ«وقفة جادة لإعادة الاعتبار لدور المعلم، وأهمية تقديم كل سبل الدعم له؛ للقيام بدوره على أكمل وجه».
ووجّه البعض الآخر تساؤلات حول الأسباب الجذرية لمثل هذه «السلوكيات الفوضوية من الطلاب»، لافتين إلى أهمية التربية داخل الأسرة قبل المؤسسة التعليمية.
بعد نشر الفيديو التعليم تقرر فصل الطلاب المتورطين في واقعة إهانة مدرسة الإسكندرية نهائيًا لمدة عام وعدم السماح بقيدهم بأي مدرسة أخرى حتى العام الدراسي المقبل ياريت الأهالي يربوا عاليهم
— جيهان احمد لطفي (@gehan_ltfy2016) November 29, 2025
كما تناقل مدوّنون قرارات الوزير تجاه الواقعة، مطالبين بـ«مراجعة سياسات الانضباط المدرسي».
نعم أنها حقااا...وزارة التربية......والتعليم https://t.co/uyb1i4Egjc
— حسن السيد.....Hassan atty (@KpJyqUspb9c9bRi) November 29, 2025
إلى ذلك، نقلت وسائل إعلام محلية تعليق المُعلمة نسرين فضل، صاحبة الواقعة، على قرارات وزير التربية والتعليم المصري، حيث أوضحت أن الواقعة التي صورتها بهاتفها كانت صادمة، وأن «ما حدث يمثل تجاوزاً غير مقبول تجاه المعلمين داخل المؤسسات التعليمية»، مشيدة بإجراءات الوزارة التي تحفظ للمعلم هيبته داخل المدرسة.
أستاذ علم النفس التربوي بجامعة عين شمس، الدكتور تامر شوقي، أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن الإجراءات التي اتخذها وزير التربية والتعليم «تحمل دلالات قوية ورسائل واضحة تستهدف إعادة الانضباط وهيبة المعلم داخل المدارس المصرية»، مشدداً على أن «هذه القرارات تُعيد التأكيد على أن التربية تسبق التعليم، في رسالة واضحة مفادها أن المدرسة ليست فقط مكاناً لتلقين المعلومات، بل لتشكيل الشخصية وغرس القيم».
وأشار إلى أن سرعة اتخاذ القرار بفصل الطلاب المتجاوزين لمدة عام دراسي كامل ومنع قيدهم في أي مدرسة أخرى، تعكس رسالة ردع حاسمة، مفادها أن «الوزارة لن تتهاون مع أي تجاوز ضد المعلمين، ولن تكون هناك تحقيقات مطولة تنتهي بالتغاضي أو الحفظ، كما كان يحدث في بعض الحالات السابقة».

كما يرى شوقي أن التحقيق مع جميع الأطراف، سواء من العاملين بالمدرسة أو الإدارة التعليمية، يحمل دلالة على أن المحاسبة لن تقتصر على الطلاب فقط، بل ستطال كل من قصّر في أداء دوره، سواء في الإشراف، أو في التعامل مع شكاوى المعلمة، أو في تطبيق الإجراءات القانونية.
الخبيرة التربوية ومؤسس «ائتلاف أولياء أمور مصر»، داليا الحزاوي، قالت لـ«الشرق الأوسط» إن «تحقيق الانضباط داخل المدارس وضبط الفوضى يتطلبان تفعيل (لائحة الانضباط المدرسي) بشكل حازم وصارم»، مشددة على «أهمية وجود عدد كافٍ من المشرفين لمراقبة سلوكيات الطلاب وتقويمها بشكل سريع وفعّال بالتعاون مع الأسرة».
ووجهت الحزاوي الشكر لوزارة التربية والتعليم على تدخلها الحاسم في وقائع الفوضى داخل المدارس، معتبرة أن هذه القرارات تعكس حرص الوزارة على حماية هيبة المعلم وقدسية المدرسة، مؤكدة: «لا تعليم دون احترام وانضباط، والمعلم يجب أن يُعامل بما يليق بمكانته ورسالته».
وشددت على ضرورة تكثيف حملات التوعية الموجهة للطلاب لتقويم السلوكيات الخاطئة، ونبذ العنف والتنمر، مؤكدة أن «التربية لا تكتمل إلا بتكامل أدوار المدرسة مع الأسرة؛ لذا نحن في حاجة قوية لتكاتف الأسرة والمدرسة معاً، من أجل إنقاذ هذا الجيل، الذي باتت سلوكياته تتسم بالعنف وعدم الاحترام والانضباط».




