أكد وزير الخارجية الجزائري، أحمد عطاف، أن الجزائر لا تنظر لأمنها واستقرارها من منظور «انفرادي أو أناني، بل من منظور شامل لا يستثني أشقاءها في منطقة الساحل والصحراء».
وقال عطاف، الثلاثاء، في مؤتمر صحافي بالعاصمة، إن «تعاظم التهديدات الإرهابية في مالي لمستويات غير مسبوقة، يشغل ويقلق الجزائر أكثر من غيرها، ليس فقط لوقوع مالي في جوارها المباشر، بل أيضاً انطلاقاً من التزام الجزائر التاريخي بالوقوف إلى جانب هذا البلد». في إشارة إلى هجمات التنظيمات الإرهابية الأخيرة على العاصمة باماكو.

وشدد عطاف على أن الجزائر كانت ولا تزال من «أشد المدافعين والمرافعين من أجل الحفاظ على وحدة دولة مالي، أرضاً وشعباً ومؤسسات». وتابع، أن «تعاظم الخطر الإرهابي يؤكد ما تنبأت به الجزائر وحذَّرت منه منذ ما يقرب العامين، حين أقدمت السلطات المالية على التنصل بشكل أحادي، من اتفاق السلم والمصالحة المنبثق»، الذي تم التوقيع عليه بالجزائر عام 2015 بين الحكومة المالية وتنظيمات المعارضة المسيطرة على الشمال الحدودي مع الجزائر.
وأعرب عطاف عن أمله، «في أن يستفيق القائمون على هذا البلد، ويدركوا حتمية الرجوع إلى المسار السياسي لتفادي الكوارث المحدقة بالمنطقة بأسرها». وأكد أن حل الأزمة يجب أن يأتي عبر «حوار مسؤول ومصالحة شاملة بعيداً عن أي تدخلات أجنبية»، ويقصد، ضمناً، وجود قوات «الفيلق الأفريقي» الروسية في مالي بحجة دعم السلطة الانتقالية العسكرية بقيادة العقيد عاصيمي غويتا ضد الجماعات الإرهابية.
وحسب عطاف، «الوحدة الوطنية هي وحدها الكفيلة بوضع مالي في موقع القوة لمواجهة الإرهاب». مبرزاً أن بلاده «تبقِي يدها ممدودةً لأشقائها في مالي... فللجزائر مخزون من الصبر لا ينضب للتعاطي مع جميع المعضلات».
مخاوف... عبر الحدود
وعلى الأرض، تزداد الأزمة الأمنية في مالي تصعيداً مع تقدم مقاتلي «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين» الإرهابية نحو العاصمة باماكو بقيادة الطرقي إياد أغ غالي، وقد تجاوزت حدود البلاد لتضرب منطقة الساحل وتثير قلق الجزائر وكذلك موريتانيا.

وتؤكد الجزائر، من خلال تصريحات قادتها، أن التطورات الأمنية في منطقة الساحل، رغم خطورتها، لا تُعدّ تهديداً مباشراً للأمن القومي الجزائري. غير أن الدولة تشدد في الوقت ذاته، على أن أي تدفق محتمل للاجئين قد ينطوي على مخاطر أمنية حقيقية، لا سيما احتمال استغلال بعض العناصر المسلحة لهذه التحركات البشرية للتسلل عبر الحدود.
وتفيد تقارير صحافية مالية، بأن جماعة «نصرة المسلمين» تفرض يوماً بعد يوم، حصاراً على الوقود في باماكو، إلى حد أصبحت فيه العاصمة المالية مشلولة، في حين وجد المدنيون أنفسهم عرضة لعنف متواصل. لافتة إلى أن الجيش المالي، المرهق بعد أشهر من عدم الاستقرار، يجد صعوبة في حماية السكان من هجمات الإرهابيين، وفشل المفاوضات غير الرسمية مع المجموعات الإرهابية لا يزيد الوضع إلا تدهوراً. كما أن تدخل مجموعات «الفيلق الأفريقي» الروسية لم يحدِث أي تأثير ملموس على المشهد الأمني، وفق ما أشار إليه موقع «مالي ويب» المقرَب من السلطة العسكرية الانتقالية بقيادة العقيد عاصيمي غويتا.

وأمام هذا الانهيار، شهدت المنطقة موجة نزوح غير مسبوقة نحو الدول المجاورة. ووفق تقارير دولية متوافقة، لجأ نحو ثلاثة آلاف مالي إلى موريتانيا، في حين تواجه كوت ديفوار تدفقاً استثنائياً من الفارين من العنف. هذه التحركات السكانية تفرض تحديات إنسانية كبيرة على الدول المضيفة المطالبة باستقبال اللاجئين وتأمين حدودها في الوقت نفسه. وفي موازاة ذلك، بلغ عدد عمليات خطف الأجانب في مالي، مستوى قياسياً هذا العام، مع تسجيل 26 ضحية؛ ما زاد من قلق السلطات الإقليمية.
وفي مواجهة هذا الوضع، يفيد تقرير رسمي جزائري عن الأوضاع في الحدود مع مالي، بأن حكومة البلاد «تجد نفسها أمام مفترق حساس». فمع أن الجزائر تتبنى تقليدياً موقفاً إنسانياً منفتحاً، فإن الرئيس عبد المجيد تبون شدد في تصريحات للإعلام في أبريل (نيسان) الماضي، على أن أزمات الساحل «لا تشكل تهديداً مباشراً للجزائر رغم خطورتها». لكنه نبّه في الوقت ذاته، إلى أن التدفق المحتمل للاجئين ينطوي على مخاطر أمنية فعلية، خصوصاً إذا استغلّت عناصر مسلحة هذه الحركة البشرية للتسلل إلى الأراضي الجزائرية.

وتتجاوز التحديات الجانب الإنساني لتشمل الأبعاد اللوجيستية والاقتصادية، حسبما جاء في التقرير الجزائري حول المخاطر بالحدود الجنوبية؛ إذ يتطلب استقبال أعداد كبيرة من اللاجئين موارد ضخمة، تتعلق بالصحة والإيواء والأمن.
وتشترك الجزائر مع مالي في حدود برية طويلة... وتوقف التنسيق بين البلدين فيما يخص المراقبة الحدودية، على خلفية التوترات الدبلوماسية بينهما على خلفية حادثة إسقاط الطائرة المالية من طرف سلاح الجو الجزائرية نهاية مارس (آذار) الماضي.




