السودان يطالب بتصنيف «الدعم السريع» منظمة إرهابية ويتهم العالم بالتواطؤ

تواصل الردود الغاضبة على المجازر... ومنظمة الصحة تعد أكثر من 460 قتيلاً في مستشفى سعودي بالفاشر

TT

السودان يطالب بتصنيف «الدعم السريع» منظمة إرهابية ويتهم العالم بالتواطؤ

نازحون فروا من الفاشر بعد سقوطها في أيدي «قوات الدعم السريع» إلى بلدة طويلة القريبة 28 أكتوبر (أ.ف.ب)
نازحون فروا من الفاشر بعد سقوطها في أيدي «قوات الدعم السريع» إلى بلدة طويلة القريبة 28 أكتوبر (أ.ف.ب)

طالبت الحكومة السودانية المجتمع الدولي باتخاذ تدابير عاجلة لردع «قوات الدعم السريع»، وتصنيفها منظمة إرهابية، على خلفية ما وصفته بالانتهاكات الجسيمة والمجازر التي ارتكبتها في مدينتي الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، وبارا بولاية شمال كردفان، بعد أن استعادت السيطرة عليهما إثر معارك طويلة مع الجيش والقوات المتحالفة معه، بيد أن «قوات الدعم السريع» تبرأت من الاتهامات واعتبرتها دعاية مضللة نفذها الجيش والقوات الحليفة معه لتشويه سمعتها. في وقت أعلنت فيه منظمة الصحة العالمية أن أكثر من 460 قتيلاً في مستشفى سعودي في الفاشر.

نازحون فروا من الفاشر بعد سقوطها في أيدي «قوات الدعم السريع» إلى بلدة طويلة القريبة 28 أكتوبر (أ.ف.ب)

ووصف وكيل وزارة الخارجية السودانية، حسين الأمين، في مؤتمر صحافي بالعاصمة المؤقتة بورتسودان، الخميس، ما جرى في الفاشر بأنه «نموذج واضح للإفلات من العقاب»، ودعا المجتمع الدولي لردع الدول الداعمة لـ«قوات الدعم السريع» التي - بحسب قوله - «تغذي الفوضى وتمكن الميليشيا من ارتكاب مزيد من الجرائم». وأضاف: «نؤكد رغبتنا الصادقة في تحقيق السلام في جميع أنحاء البلاد، بما يلبي تطلعات الشعب السوداني، غير أن استمرار المجتمع الدولي في الصمت شجع هذه الميليشيا على مواصلة القتل والتدمير».

واتهمت الحكومة السودانية «قوات الدعم السريع» بارتكاب جرائم قتل على أساس عنصري، وترويع ممنهج للمدنيين العزل في كل من مدينتي الفاشر وبارا اللتين استعادت السيطرة عليهما أخيراً، وأشارت إلى ما أسمته «تجاهل تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم (2736) لعام 2024»، واعتبرته تمكيناً لتلك القوات للتمادي في ارتكاب الانتهاكات.

وتوعدت وزارة الخارجية في المؤتمر الصحافي بألا تقف الحكومة مكتوفة الأيدي إزاء ما أطلقت عليه «جرائم الإبادة والتطهير العرقي»، وطالبت بفرض عقوبات صارمة للجهات الداعمة لـ«قوات الدعم السريع».

وزير الثقافة والإعلام المتحدث باسم الحكومة خالد الإعيسر خلال مؤتمر صحافي سابق (أ.ف.ب)

وفي ذات المؤتمر الصحافي، اتهم وزير الثقافة والإعلام والسياحة خالد الإعيسر القوى السياسية المتحالفة مع «الدعم السريع» بأنها «شريكة في الجرائم المرتكبة في دارفور»، ودعا لمحاسبة الدول الداعمة لـ«الميليشيا»، بقوله: «ما ارتكبته هذه القوات من فظائع، خلال الأيام الأخيرة في الفاشر كفيل بتصنيفها تنظيماً إرهابياً بكل المقاييس».

وانتقد الإعيسر ما وصفه بـ«صمت المؤسسات الدولية وسياسة الكيل بمكيالين» في التعامل مع الأزمة السودانية، وأكد أن حكومته، ترفض تشكيل لجنة تحقيق دولية في الأحداث، متمسكة بإجراء تحقيق وطني، على أن تشارك فيه منظمات محلية مستقلة.

«الدعم» تنفي وتتهم الجيش

في المقابل، نفت «قوات الدعم السريع» تلك الاتهامات، وقالت إن قائد ثاني «قوات الدعم السريع» عبد الرحيم دقلو، اطمأن على أوضاع النازحين من الفاشر، وأن قواته شرعت في تقديم المساعدات الإنسانية لهم. ووصف مستشار قائد «الدعم السريع» «إبراهيم مخير» ما جرى في الفاشر بأنه «تحرير للمدينة من قبضة العنف والفوضى»، وقال في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن قواته تلتزم التزاماً كاملاً بالقانون الدولي الإنساني، وتعمل على تأمين المدنيين، وفتح الممرات الآمنة لتوصيل المساعدات الإنسانية، وتؤيد تشكيل لجنة تحقيق دولية لتقصي الحقائق.

الدكتور إبراهيم مخير عضو المكتب الاستشاري لقائد «قوات الدعم السريع» (الشرق الأوسط)

ورفض مخير اتهام قواته بارتكاب انتهاكات واسعة ضد المدنيين الموجهة لقواته، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «هذه اتهامات باطلة ومضللة، تندرج في إطار حملة الدعاية الممنهجة التي يقودها أنصار النظام السابق وحلفاؤه من جماعة الإخوان المسلمين لتشوية (قوات الدعم السريع)». وأوضح مخير أن «قوات الدعم السريع» أطلقت سراح عشرات الأسرى من الجيش والحركات المسلحة، وقال إنها شرعت في عمليات نزع للألغام وتأمين الطرق والمقار الخدمية تمهيداً لعودة الحياة إلى طبيعتها في المدينة.

وأشار في تصريحه لـ«الشرق الأوسط» إلى أن الجيش والقوات المتحالفة معه من حركات الكفاح المسلح، هم من «خرق اتفاق الحياد» الذي تم التوصل إليه سابقاً لإدارة الفاشر عبر قوات مشتركة من الجيش و«الدعم السريع» والحركات، وتابع: «ذلك الخرق أجبرنا على التدخل لحماية المدنيين، ومنع انزلاق المدينة نحو الفوضى».

صورة فضائية لأحد أحياء مدينة الفاشر 27 أكتوبر (أ.ب)

وبحسب تقديرات عسكرية موالية للجيش السوداني، خاض الطرفان نحو 268 معركة حول مدينة الفاشر خلال أكثر من 500 يوم من الحصار، انتهت بسيطرة «قوات الدعم السريع» على المدينة، وبذلك أصبحت ولايات دارفور الخمس ومعظم مناطق كردفان تحت سيطرتها.

وفي أول تعليق له بعد سقوط الفاشر، كان رئيس مجلس السيادة والقائد العام للجيش عبد الفتاح البرهان، قد أكد في كلمة بثها التلفزيون الرسمي، يوم الاثنين، أن القيادة العسكرية في المدينة قررت الانسحاب «لتجنيب المدنيين الدمار»، وأكد أن الجيش «قادر على قلب الطاولة واستعادة كل شبر من أرض الوطن».

مجزرة بمستشفى الفاشر

وطالبت منظمة الصحة العالمية، الأربعاء، بوقف فوري لإطلاق النار في السودان، بعد معلومات تحدثت عن مقتل أكثر من 460 شخصاً في مستشفى في مدينة الفاشر. وقالت المنظمة عبر منصة «إكس»، إنها «مستاءة ومصدومة بشدة لمعلومات تحدثت عن مقتل أكثر من 460 مريضاً وأشخاص يرافقونهم في المستشفى السعودي للتوليد في الفاشر بالسودان، إثر الهجمات الأخيرة وخطف عاملين في مجال الصحة». وقال مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، إنه تلقى تقارير متعددة ومقلقة تفيد بأن «قوات الدعم السريع» ارتكبت فظائع تشمل عمليات إعدام بإجراءات موجزة، في مدينة الفاشر وبارا بولاية شمال كردفان التي استعادت السيطرة عليها الأيام الأخيرة.

وفي ردود الفعل العالمية والإقليمية، جددت منظمة التعاون الإسلامي، الأربعاء، مناشدتها إلى الفرقاء السودانيين بأهمية الحوار بهدف التوصل إلى هدنة لوقف دائم لإطلاق النار.

وأعربت المنظمة، التي تتخذ من جدة غرب السعودية مقراً لها، في بيان، عن بالغ قلقها إزاء التطورات الأخيرة في السودان، واستنكرت بشدة الانتهاكات الإنسانية الخطيرة التي ارتكبت خلال الهجمات التي شنتها «قوات الدعم السريع» على مدينة الفاشر.

ودعت المنظمة، التي تضم في عضويتها 57 دولة مسلمة، إلى الالتزام الصارم بالقانون الإنساني الدولي، وضمان حماية المدنيين، وتأمين وصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين دون عوائق، وشددت على أهمية احترام أحكام إعلان جدة الموقع في 11 مايو (أيار) 2023.


مقالات ذات صلة

«اليونيسف» تحذر من مستوى غير مسبوق من سوء التغذية بين الأطفال في شمال دارفور بالسودان

شمال افريقيا مستويات غير مسبوقة من سوء التغذية بين الأطفال بولاية شمال دارفور (أ.ب)

«اليونيسف» تحذر من مستوى غير مسبوق من سوء التغذية بين الأطفال في شمال دارفور بالسودان

حذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسف»، اليوم الثلاثاء، من وجود «مستويات غير مسبوقة وخطيرة» من سوء التغذية بين الأطفال بولاية شمال دارفور في غرب السودان.

«الشرق الأوسط» (دارفور)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي دونالد ترمب (أ.ب)

قاضية أميركية توقف إنهاء الحماية من الترحيل للمهاجرين من جنوب السودان

​أوقفت قاضية اتحادية تنفيذ خطط إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب ‌لإنهاء ‌وضع ‌الحماية ⁠المؤقتة ​من ‌الترحيل الممنوح لمئات من مواطني جنوب السودان.

«الشرق الأوسط» (بوسطن)
شمال افريقيا سودانيون عائدون إلى وطنهم ضمن الرحلة 43 من محطة رمسيس بالقاهرة (مجلس الوزراء المصري)

مصر: قوائم انتظار طويلة لسودانيين يرغبون في العودة

مكّن مشروع «العودة الطوعية للسودان» آلاف السودانيين المقيمين بمصر من العودة المجانية لبلادهم منذ انطلاقه في يوليو الماضي.

رحاب عليوة (القاهرة)
الولايات المتحدة​ طفلة فلسطينية تنتظر الحصول على طعام من مطبخ خيري في خان يونس (رويترز)

«يونيسف»: 2025 كان الأسوأ لملايين الأطفال بسبب الجوع والحروب

أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة «يونيسف» أن الجوع والحروب والأمراض شكلت حياة ملايين الأطفال خلال عام 2025.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا  نازحون سودانيون بالعراء بعدما فروا من بلدة هجليج التي سيطر عليها «الدعم السريع» بغرب السودان إلى مدينة القضارف في الشرق 26 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)

أكثر من 800 ألف نازح في جنوب كردفان و16 ألفاً دون مأوى في الخرطوم

أعلنت منظمات مدنية نزوح أكثر من 800 ألف سوداني من مدن ولاية جنوب كردفان المحاصرة إلى مناطق سيطرة «الحركة الشعبية لتحرير السودان» وأن 16 ألفاً دون مأوى بالخرطوم.

أحمد يونس (كمبالا)

«اليونيسف» تحذر من مستوى غير مسبوق من سوء التغذية بين الأطفال في شمال دارفور بالسودان

مستويات غير مسبوقة من سوء التغذية بين الأطفال بولاية شمال دارفور (أ.ب)
مستويات غير مسبوقة من سوء التغذية بين الأطفال بولاية شمال دارفور (أ.ب)
TT

«اليونيسف» تحذر من مستوى غير مسبوق من سوء التغذية بين الأطفال في شمال دارفور بالسودان

مستويات غير مسبوقة من سوء التغذية بين الأطفال بولاية شمال دارفور (أ.ب)
مستويات غير مسبوقة من سوء التغذية بين الأطفال بولاية شمال دارفور (أ.ب)

حذّرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسف»، اليوم الثلاثاء، من وجود «مستويات غير مسبوقة وخطيرة» من سوء التغذية بين الأطفال بولاية شمال دارفور في غرب السودان.

وقالت المنظمة، في بيانٍ نشره موقع أخبار الأمم المتحدة، إن مسحاً حديثاً أظهر أن أكثر من نصف الأطفال الذين جرى تقييمهم في محلية أم برو بالولاية يعانون سوء التغذية الحادّ، «في ظل استمرار القتال وقيود شديدة على وصول المساعدات الإنسانية المُنقذة للحياة».

ووفقاً للمسح، الذي أجرته «اليونيسف»، في الفترة بين 19 و23 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، يعاني واحد من بين كل ستة أطفال من «سوء التغذية الحاد الوخيم»، وهي حالة تهدد الحياة ويمكن أن تُودي بحياة الطفل في غضون أسابيع إذا لم يجرِ علاجها.

وقالت المديرة التنفيذية للمنظمة كاثرين راسل إن «كل يوم يمر دون وصول آمن ودون عوائق يزيد خطر ضعف الأطفال ومزيد من الوفيات والمعاناة من أسباب يمكن الوقاية منها تماماً».

ودعت «اليونيسف» كل الأطراف إلى السماح بوصول المساعدات بشكل فوري وآمن ودون عوائق، وحضّت المجتمع الدولي - بما يشمل الدول التي لها نفوذ على أطراف الصراع - على تكثيف الضغط الدبلوماسي والسياسي، بشكل عاجل، لضمان الاتفاق على هدنة إنسانية واحترامها.

وتابعت المنظمة: «دون هدنة إنسانية يمكن التنبؤ بها واحترامها، لن يكون بوسع عمال الإغاثة إيصال الغذاء والمياه النظيفة والرعاية الطبية وخدمات الحماية بأمان، ويستمر الأطفال في دفع الثمن الأكبر».


«الدعم السريع» تعلن سيطرتها على منطقة استراتيجية في جنوب كردفان

عناصر من «الدعم السريع» (أرشيفية - أ.ف.ب)
عناصر من «الدعم السريع» (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

«الدعم السريع» تعلن سيطرتها على منطقة استراتيجية في جنوب كردفان

عناصر من «الدعم السريع» (أرشيفية - أ.ف.ب)
عناصر من «الدعم السريع» (أرشيفية - أ.ف.ب)

أعلنت «قوات الدعم السريع»، الثلاثاء، سيطرتها على منطقة «التقاطع» الاستراتيجية في ولاية جنوب كردفان، ونشر عناصر تابعون لها مقاطع مصورة تُظهر انتشارها هناك.

ولم يصدر أي تعليق من الجيش السوداني بهذا الخصوص، مع استمرار تمدد «الدعم السريع» وحليفتها «الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة عبد العزيز آدم الحلو، في مناطق واسعة من الإقليم.

وقالت «الدعم السريع»، في بيان نشر على منصة «تلغرام»، إن «قوات تأسيس» المتحالفة معها بسطت سيطرتها بالكامل على المنطقة الواقعة بين مدينتي كادوقلي والدلنج، وإن هذه الخطوة تأتي «ضمن عمليات الانفتاح العسكري وتأمين الخطوط المتقدمة»، كما أنها تمكنت من «تسلم عدد من المركبات العسكرية والأسلحة والذخائر».

وأوضح البيان أن «هذا الانتصار يمثل خطوة أساسية نحو تحقيق أهداف استراتيجية في الولاية».

وتخضع مدن ولاية جنوب كردفان، خصوصاً العاصمة كادوقلي ومدينة الدلنج، لحصار خانق تفاقمت حدته عقب استيلاء «الدعم السريع» على مدينة بابنوسة، وبلدة هجليج النفطية، بولاية غرب كردفان، وانسحاب قوات الجيش التي كانت في تلك البلدات إلى دولة جنوب السودان.

من جهة ثانية، أفادت مصادر بأن الجيش السوداني شن هجمات بالطائرات المسيّرة الانتحارية والقتالية، على مواقع عدة لتمركزات «قوات الدعم السريع» حول مدينتي كادوقلي والدلنج، في محاولة لإيقاف تقدمها بالولاية.

نازحون يصطفون للحصول على مساعدات غذائية في مخيم بشمال كردفان (أ.ف.ب)

وتجدد القتال بضراوة في مناطق واسعة من ولاية جنوب كردفان خلال الأشهر الماضية بعد انضمام «الحركة الشعبية» إلى «قوات الدعم السريع»، وفصائل عسكرية أخرى، ضمن «تحالف السودان التأسيسي (تأسيس)».

بدورها، قالت «الحركة الشعبية»، في بيان الثلاثاء، إنها سيطرت على حامية عسكرية تابعة للجيش السوداني في منطقة تقاطع البلف، على طريق الدلنج - كادوقلي. وأضافت أن قواتها تواصل التقدم الميداني في إطار عمليات تهدف للوصول إلى العاصمة كادوقلي.

والأسبوع الماضي سيطرت «قوات تأسيس» على بلدة برنو، التي تبعد نحو 30 كيلومتراً من مدينة كادوقلي، وبدأت تتوغل في المناطق الجبلية المحيطة بها.

وكانت منصات «الدعم السريع» قد تحدثت في الأيام الماضية عن تحشيد كبير لقواتها في مناطق بالقرب من كادوقلي بهدف تكثيف الضغط على الجيش والقوات المتحالِفة معه، وتعزيز مواقعها في مناطق استراتيجية بهدف تمهيد الطريق لمهاجمة المدينة.

وفي وقت سابق سيطرت «الحركة الشعبية» على منطقتي الكرقل والدشول، الواقعتين على الطريق الرئيسية المؤدية إلى الدلنج؛ ثانية كبرى مدن الولاية، واتهمت الجيش السوداني والقوات المتحالفة بـ«عدم السماح للمدنيين بالمغادرة واستخدامهم دروعاً بشرية».

ومنذ أشهر تفرض «قوات تأسيس» طوقاً محكماً على كل المناطق حول مدن جنوب كردفان، وتقطع طرق وخطوط الإمداد لقوات الجيش السوداني المحاصَرة داخل كادوقلي.


«رواتب العسكريين» تصطدم بالخلاف السياسي بين أفرقاء ليبيا

صورة وزعتها مفوضية الانتخابات للقاء رئيسها السايح مع البرعصي
صورة وزعتها مفوضية الانتخابات للقاء رئيسها السايح مع البرعصي
TT

«رواتب العسكريين» تصطدم بالخلاف السياسي بين أفرقاء ليبيا

صورة وزعتها مفوضية الانتخابات للقاء رئيسها السايح مع البرعصي
صورة وزعتها مفوضية الانتخابات للقاء رئيسها السايح مع البرعصي

دخل المشهد السياسي الليبي مرحلة جديدة من التصعيد والتجاذب بين المؤسسات عقب جلسة مجلس النواب، الاثنين، التي استُكملت الثلاثاء، ولا سيما بعد الجدل الذي أثاره إقرار البرلمان زيادة مرتبات العسكريين بنسبة 150 في المائة، وهي خطوة قوبلت بمعارضة من المجلس الأعلى للدولة في غرب البلاد، في ظل انقسام سياسي وعسكري مزمن تعيشه ليبيا منذ أعوام.

وتزامن ذلك مع اتساع دائرة الخلاف لتشمل مجلسي النواب والدولة، والسلطة القضائية، إضافة إلى المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، في وقت تتواصل فيه الاحتجاجات الشعبية في العاصمة طرابلس ضد حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة في غرب البلاد.

عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة الوحدة الليبية (رويترز)

وبعد ساعات من إقرار مجلس النواب زيادة مرتبات العسكريين، نشرت وسائل إعلام محلية جدولاً جديداً لمرتبات منتسبي «الجيش الوطني»، أظهر زيادات تصل إلى 150 في المائة، إذ قفز أعلى راتب إلى 12 ألفاً و850 ديناراً لرتبة المشير، في حين بلغ أقل راتب 800 دينار للطلاب العسكريين بمراكز التدريب، وفق ما أوردته تلك الوسائل. (الدولار = 5.40 دينار في السوق الرسمية و8.78 دينار في السوق الموازية).

غير أن المجلس الأعلى للدولة سارع إلى رفض قرار زيادة الرواتب العسكرية، عاداً إياه «إرهاقاً للميزانية العامة في ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة»، مؤكّداً في المقابل تمسكه بجدول رواتب موحد، يحقق العدالة بين المدنيين والعسكريين دون تمييز. وحذّر المجلس، في بيان له، من أن مثل هذه الخطوات الأحادية من شأنها تقويض التوافق السياسي، وتعميق الانقسام، وإرباك المسار السياسي، داعياً إلى الالتزام بالاتفاقات، والعمل المشترك من أجل بناء دولة المؤسسات والقانون.

وأثار تصويت مجلس النواب على زيادة مرتبات العسكريين تبايناً في مواقف المراقبين، بين من أبدى حماسه للقرار، وآخرين عبّروا عن رفضهم له. ومن بين المؤيدين للقرار عبد الله عثامنة، مستشار مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، الذي عدّ هذا النهج ضمن «تحولات استراتيجية نوعية وطنية، وغير مسبوقة في تاريخ المؤسسة العسكرية».

في المقابل، تساءل أستاذ الاقتصاد بجامعة مصراتة، عبد الحميد الفضيل، قائلاً: «أليس المتقاعدون وأصحاب المعاشات الأساسية هم الأحق بإنصافٍ يقي مآسيهم، والذين لا يملكون سوى صبرهم على شظف العيش؟»، وذلك في منشور عبر صفحته الرسمية على موقع «فيسبوك».

وفي سياق قريب، وفيما بدا أنه انحياز نسبي واصطفاف مؤسسي مع مجلس النواب برئاسة عقيلة صالح، دافعت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات عن شرعية الإجراءات المتخذة، والاكتفاء بملء المقاعد الشاغرة في مجلس المفوضية، دون حله بشكل كامل.

من اجتماع سابق للمجلس الأعلى للدولة (المجلس)

وفسّرت المفوضية، في بيان صدر الثلاثاء، موقفها بالقول إن «شغل المقاعد الشاغرة تم وفقاً للمادة (10) من قانون إنشائها لسنة 2013، ولا علاقة له بالاتفاق السياسي، الذي تحاول أطراف إقحامه لأغراض تخدم أجنداتها، وتُبعد الاستحقاقات الانتخابية عن مطالب الشعب الليبي».

وحرص مجلس المفوضية في بيانه على التأكيد أنه «أثبت قدرته على إدارة العملية الانتخابية بنجاح»، لا سيما من خلال تنفيذ انتخابات المجالس البلدية في مختلف مناطق البلاد، وتجاوز التحديات والعراقيل، ورفض الخضوع لما وصفه بضغوط صادرة عن «أطراف متنفذة فقدت مصالحها».

وسبق أن رفض المجلس الأعلى للدولة أيضاً تصويت مجلس النواب على استكمال تعيينات المفوضية الوطنية العليا للانتخابات.

من جلسة سابقة لأعضاء مجلس النواب الليبي (المجلس)

وفي تأكيد على استمرار هذا التصعيد المؤسسي المتداخل، أعرب قضاة ليبيون عن بالغ قلقهم إزاء «تصاعد الخطاب والممارسات، التي تمس هيبة القضاء ومكانته الدستورية»، محذّرين في بيان أعقب اجتماعاً طارئاً للجمعية الليبية لأعضاء الهيئات القضائية، من أن «استمرار هذا المسار قد يقود إلى انقسام السلطة القضائية»، التي ظلت «موحّدة ومتماسكة ومحايدة رغم سنوات الصراع سواء السياسي أو العسكري».

وفي رد ضمني على دعوة رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، إلى إقالة رئيس محكمة النقض، عبد الله أبو رزيزة، وعدّه «خصماً سياسياً غير محايد»، شددت الجمعية على أن وحدة القضاء واستقلاله «خط أحمر»، داعية إلى «احترام مبدأ الفصل بين السلطات، وعدم التدخل في شؤون القضاء، أو التعرض له قولاً أو فعلاً».

كما أعلنت الجمعية أنها في حالة انعقاد دائم، وأنها أجرت سلسلة من الاتصالات والمشاورات مع جهات قضائية عدة، مشيرة إلى قرب الإعلان عن «المبادرة الوطنية لوحدة السلطة القضائية»، الهادفة إلى صون استقلال القضاء، وتجنيبه أي مظاهر انقسام أو تجاذب سياسي.

عقيلة صالح رئيس مجلس النواب الليبي (المجلس)

ويعكس هذا التصعيد توتراً غير مسبوق بين السلطتين التشريعية والقضائية، في وقت تتواصل فيه الجهود الأممية والدولية لإعادة إطلاق العملية السياسية، وسط مخاوف كبيرة من أن يؤدي هذا التوتر إلى مزيد من الانسداد وعدم الاستقرار، وتقويض فرص التوافق والانتقال نحو انتخابات طال انتظارها.

ويتزامن هذا التصعيد المؤسسي مع استمرار الجهود الأممية لإنهاء الجمود السياسي القائم منذ عام 2021، عبر توحيد المؤسسات وإجراء الانتخابات، إلى جانب تحركات احتجاجية في الشارع، حيث شهدت العاصمة طرابلس، الاثنين، ولليوم الرابع على التوالي، مظاهرات احتجاجاً على «الفساد»، واستمرار حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة برئاسة عبد الحميد الدبيبة.

وأشعل المتظاهرون مجدداً النيران وأغلقوا الطريق أسفل كوبري المدار بوسط المدينة، فيما رصدت وسائل إعلام محلية اشتعال سيارة عسكرية، تتبع اللواء 444 قتال، التابع للحكومة، وسط غياب أي توضيح رسمي من الجهات المختصة.