تتابع الثلاثينية فايزة طه، وهي أم لطفلين، أحاديث رسمية متكررة عن انخفاض أسعار السلع في مصر، وعندما تذهب إلى السوق حيث تقطن في منطقة حدائق الأهرام (جنوب العاصمة)، لا تلاحظ هذا الانخفاض. وتشير إلى استمرار «أعباء الإنفاق التي تزداد عادةً في موسم المدارس».
ويبدأ الموسم الدراسي في مصر بشكل محدود، الأحد، ببعض المدارس، بينما ينطلق بشكل رسمي في 20 سبتمبر (أيلول) الحالي.
ويضع هذا الموسم أعباء إضافية على الأسر، مع زيادة بنود إنفاقها بين أقساط للمدارس ومواصلات ووجبات مدرسية و«سبالايز» ودروس... ويقام كثير من السرادقات الحكومية في المحافظات لتقديم منتجات بأسعار مخفضة مقارنةً بسعر السوق فيما تُعرف بمعارض «أهلاً مدارس».
وأعلنت الحكومة المصرية في 29 يوليو (تموز) الماضي، تجاوز البلاد أزمتها الاقتصادية، وقال رئيس الوزراء، مصطفى مدبولي آنذاك إن «مؤشرات أداء الاقتصاد المصري كلها جيدة، لكن أسعار السلع لا تتناسب أبداً مع هذا التحسن الإيجابي، لذا يتعين أن نوفر الأسباب التي تدفع نحو مسار نزولي للأسعار»، مشدداً على أن «المطلوب حالياً، هو أن يشهد المواطن انخفاضاً في أسعار السلع».
وتكرر الحديث حول انخفاض الأسعار في مؤتمرات حكومية لاحقة، خصوصاً بعدما أعلنت وزارة التموين المصرية مبادرة لخفضها. وأشار مدبولي إلى أن «تراجع الأسعار يحدث بالتدريج» وذلك في مؤتمر 13 أغسطس (آب) الماضي، وبعد 5 أيام استعرض خلال اجتماع آخر تقرير من اتحاد الغرف حول «انخفاض الأسعار»، أشار إلى «تبكير موعد الأوكازيون الصيفي، الذي بدأ منذ 4 أغسطس بمشاركة 2134 محلاً تجارياً، بزيادة نسبتها 33 في المائة، لتقديم خصومات تتراوح ما بين 10 و50 في المائة، على أن يستمر خلال فترة موسم العودة للمدارس».

فايزة التي تعمل إدارية في إحدى الجامعات، ليست الوحيدة التي شككت تجربتها العملية في الشعور بتراجع الأسعار، إذ نال إنفوغراف عن «تخفيضات كبيرة ضمن مبادرة خفض الأسعار»، انتقادات واسعة من مواطنين، عقب نشره على الصفحة الرسمية لرئاسة مجلس الوزراء، قبل يومين.
وتساءل أحد المتفاعلين: «أين هذه التخفيضات؟»، فيما قال آخر إن «التخفيضات حدثت في بعض السلع المعمرة بسبب الركود وليس المبادرات».
ولاحظت الثلاثينية أمنية أحمد، وهي أم لطفلين، أحدهما سيلتحق بالمدرسة هذا العام، تراجعاً في أسعار الحقائب المدرسية مقارنةً بالعام الماضي، خصوصاً مع متابعتها لهذه السوق بحكم عملها مدرسة بالحصة في إحدى المدارس، بضاحية أكتوبر في محافظة الجيزة.
لكن في المقابل تشكو من ارتفاع الأسعار، حيث تقطن في مساكن دهشور بأكتوبر، عكس الوضع لدى والدتها التي تقطن في منطقة القناطر الخيرية بمحافظة القليوبية، قائلةً لـ«الشرق الأوسط» إن «التراجع لا يحدث في كل الأماكن، فالمدن الجديدة تعاني من الارتفاعات مع تحكم التجار في السوق».
الباحث الاقتصادي المتخصص في أسواق المال، محمود جمال، يرجع الفجوة بين المؤشرات الاقتصادية الكلية وتجربة المستهلك اليومية، إلى عامل التوقيت، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «استقرار سعر صرف الدولار مقابل الجنيه خطوة أولى ضرورية، لكن تأثيره على سلاسل التوريد وإعادة ضبط الأسعار يحتاج إلى فترة ليظهر، إذ إن المنتجات التي جرى استيرادها بأسعار مرتفعة سابقاً لا تزال موجودة في المخازن». (الدولار يساوي 48.5 في البنوك المصرية).

وأضاف جمال أن «سلوكيات القطاع التجاري تلعب دوراً محورياً في ذلك؛ فبعض التجار قد يماطلون في خفض الأسعار لتعظيم أرباحهم أو لتعويض خسائر سابقة، في غياب آليات رقابية فعالة تضمن تمرير انخفاض التكلفة على الفور إلى المستهلك النهائي، تضاف إلى ذلك تعقيدات هيكل السوق المحلية؛ فبعض القطاعات تعاني من احتكارات أو شبه احتكارات، مما يحد من المنافسة، حتى مع انخفاض تكاليف الاستيراد، ليبقى المستهلك خاضعاً لهذه الديناميكيات».
عضو «شعبة المواد الغذائية» في غرفة القاهرة التجارية، حازم المنوفي، أكد أن الانخفاضات التي حدثت في الأسعار بالسوق «طفيفة» وتختلف من منطقة لأخرى، لذا لا يشعر بها المواطن بشكل كبير، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «التجار ليسوا السبب في ارتفاع الأسعار، فهامش ربح التاجر ضئيل، ويكفي بالكاد مصاريف التشغيل، لكن المشكلة أن الأسعار لم تشهد انخفاضات كبيرة من المصنّعين ومراكز التوريد، سوى في المنافذ الحكومية أو منافذ وزارة التموين».

فيما أشار الباحث الاقتصادي المتخصص في أسواق المال إلى جانب آخر في الأزمة يتمثل في «العوامل النفسية والتراكمية»، موضحاً أن «ثقة المستهلك التي تآكلت على مدار سنوات من الغلاء لا تُستعاد بين ليلة وضحاها، فالناس يصدقون ما يرونه بالأسواق وليس في البيانات الإعلامية فقط، مما يطيل من الشعور بعدم التحسن». وأضاف أن «استقرار سعر الدولار وحده ليس حلاً سحرياً لكل مشكلات الاقتصاد، فهناك ضغوط تضخمية أخرى نابعة من سياسات محلية، مثل زيادة أسعار الطاقة والخدمات العامة، التي تستمر في دفع تكاليف الإنتاج والنقل إلى الأعلى».
وحسب رأي عضو «اللجنة الاقتصادية» بمجلس النواب المصري (البرلمان)، محمود الصعيدي، فإن «الأسواق شهدت انخفاضاً في كثير من السلع سواء في اللحوم أو الدواجن والبيض والمواد الغذائية وصولاً إلى السيارات»، مشيراً إلى أن السلع التي لا تنخفض تشهد استقراراً، وهو تطور في حد ذاته، مقابل فترة كانت تحدث فيها زيادات مستمرة في الأسعار. وأثنى على الأداء الحكومي في ملف الاقتصاد، متوقعاً أن يؤتي مزيداً من الثمار «حال لم تفاجئنا أزمة خارجية جديدة تقلب الأوضاع».
ويرى الباحث الاقتصادي المتخصص في أسواق المال أنه «رغم جهود الحكومة وإيجابيتها، فإنها تحتاج إلى حزم سياسات أكثر قوة ووضوحاً، تشمل دعم الصناعة المحلية وزيادة الرقابة على الأسواق وتشجيع المنافسة، لخلق بيئة اقتصادية يستفيد منها المواطن بشكل مباشر».


