أثار تسجيل مصر «نسبة 72 في المائة في معدل (الجراحات القيصرية)»، تساؤلات بشأن لماذا أصبحت مصر من أعلى دول العالم في إجراء هذه العمليات، في وقت تواصل الحكومة جهودها لخفض هذه النسبة إلى 50 في المائة بنهاية العام الجاري.
وسجّلت مصر أعلى معدل للولادة القيصرية على مستوى العالم، وفق وزارة الصحة، وتدخلت الوزارة أخيراً بإعلان حزمة من الإجراءات التنظيمية، تهدف إلى خفض هذه النسبة.
وحذرت نائبة وزير الصحة المصري، عبلة الألفي، في مقطع صوتي نشرته وزارة الصحة عبر صفحتها الرسمية على «فيسبوك»، مساء الخميس، من مخاطر «الولادة القيصرية»، وذلك رداً على تساؤل حول «مضاعفتها وتأثيرها على صحة الطفل»، ووصفتها بأنها «كارثة طبية قد تؤثر على صحة المولود، بخلاف أنها قد تكون أحد أسباب السمنة».
ويأتي التحذير بعد أن أصدرت «الصحة المصرية» في نهاية أغسطس (آب) الماضي «حزمة إجراءات تنظيمية ملزمة لجميع المنشآت الطبية الخاصة، بهدف تعزيز الولادة الطبيعية الآمنة، وخفض معدلات العمليات القيصرية غير المبررة طبياً».
وألزمت الوزارة المنشآت الطبية الخاصة بتقديم تقارير إحصائية شهرية مفصلة تتضمن «إجمالي عدد الولادات في كل منشأة، ونسبة الولادات القيصرية وتصنيفها، وتحليل أسباب إجراء العمليات القيصرية، والتحديات التي تواجه الفرق الطبية أثناء التنفيذ».

ووفق عضوة «لجنة الشؤون الصحية» بمجلس النواب المصري (البرلمان)، إيرين سعيد، فإنه «لم تكن خطط الحكومات السابقة تلتفت للأزمة إلى أن تصدرت مصر المعدلات العالمية، تزامن ذلك مع الترويج للولادة الطبيعية في الأعمال الدرامية بشكل سلبي، وتحولت لموروث في عقول الأجيال الجديدة مع غياب التوعية». وأضافت لـ«الشرق الأوسط» أن «قطاعاً كبيراً من الفتيات أصبح لديهن الاستعداد لتحمل أعراض (الولادة القيصرية) لتجنب آلام (الولادة الطبيعية) دون أن يتعرفن بشكل دقيق عن ماهية الأخطار»، موضحة: «هناك شق تنفيذي في الأزمة، يتمثل في الكثافة السكانية المرتفعة مقارنة بأعداد التمريض والأطباء مع تراجع مستوى المستشفيات الحكومية التي لا توفر الخصوصية للأم الحامل».
وتعاني مصر نقصاً في أعداد الأطباء، وانخفضت أعدادهم بنسبة 62 في المائة عام 2022، وفقاً لإحصاءات «الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء»، ويبلغ عدد المواليد سنوياً في مصر ما يقارب مليوني مولود، وبلغ في نهاية عام 2024 مليوناً و998 ألفاً. وبحسب «مسح صحي للأسرة المصرية» أجري في عام 2021، فإن معدل إجراء «الولادة القيصرية» في مستشفيات القطاع الخاص بلغ 80 في المائة، في حين بلغت في المستشفيات الحكومية نسبة 63 في المائة. وتوصي المعايير العالمية بألا تزيد معدلات «الولادة القيصرية» عن نسبة 15 في المائة.
مقرر «المجلس القومي للسكان» السابق، أستاذ أمراض النساء والتوليد بجامعة القاهرة، عمرو حسن، قال لـ«الشرق الأوسط» إن معدلات «الولادة القيصرية» زادت 5 أضعاف خلال 15 عاماً بدءاً من عام 2000، وأرجع ذلك لـ«أسباب تتعلق بسلوكيات الحوامل اللاتي يبتعدن عن الرياضة الخفيفة مثل المشي، إلى جانب أسباب مجتمعية تتعلق برفض الانتظار لساعات طويلة انتظاراً للولادة الطبيعية المفاجئة».
و«قد لا يشارك كثير من الأزواج زوجاتهم تجربة المخاض نفسياً أو جسدياً، وعندما تشعر الحامل بأنها (وحيدة)، فإنها تختار الطريق الأقل توتراً وهو (الولادة القيصرية)»، وفقاً لحسن، مشيراً إلى أن تأخر سن الزواج وتأخر الحمل في بعض الحالات يؤدي لضعف مرونة عضلات الرحم، مع زيادة الاعتماد على «الحقن المجهري» ما يُعقّد «الولادة الطبيعية».

وسجلت مصر في عام 2000 نسباً مُنخفضة للغاية في «الولادة القيصرية» وفقاً لإحصاءات حكومية، وأخذت في الزيادة التدريجية منذ عام 2008 بعد أن وصلت آنذاك إلى نسبة 28 في المائة.
وأكد استشاري أمراض النساء والتوليد المصري، محمد مراد يوسف، أن «السائد في السابق أن حصول الطبيب على ضعف أتعابه سبب في تشجيع الأطباء على (الولادة القيصرية)، لكن ارتفاع المعدلات في المستشفيات الحكومية بدد هذا السبب، وتبقى مخاوف الأطباء من المسؤولية الطبية مع الحاجة لمتابعة حالة الحامل قبل الولادة أحد أبرز الأسباب». وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أنه «مع تراجع معدلات الولادة الطبيعية، أضحى التدريب عليها أقل بكثير، وهو ما يتطلب إعادة تدريب الأطباء»، مطالباً بأن «تتضمن مبادرة وزارة الصحة أخذ رأي طبيب ثانٍ قبل الولادة، مع أهمية توفير الأدوية المسكنة للآلام في المستشفيات الحكومية، ومضاعفة أتعاب الطبيب في (الولادة الطبيعية) كونها الأكثر جهداً».
وفي تقرير سابق، تحدثت «الصحة المصرية» عن 3 مضاعفات لـ«الولادات القيصرية» غير المبررة طبياً؛ وتتضمن «تعرض الطفل والأم للتخدير ومضاعفاته، وتعرض الأم للنزيف بشكل أكبر، إلى جانب أخطار المشيمة المتوغلة والنزيف الحاد وقد تؤدي إلى الوفاة».




