الجزائر تحتفي باستقلالها وسط ضغوط إقليمية وتداعيات إرث الاستعمار

العلاقات مع المستعمر السابق في أسوأ حالاتها بينما يواجه الداخل تحدّي الخروج من التبعية لقطاع المحروقات

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون يترحم على أرواح شهداء الثورة في الجزائر 5 يوليو (د.ب.أ)
الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون يترحم على أرواح شهداء الثورة في الجزائر 5 يوليو (د.ب.أ)
TT

الجزائر تحتفي باستقلالها وسط ضغوط إقليمية وتداعيات إرث الاستعمار

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون يترحم على أرواح شهداء الثورة في الجزائر 5 يوليو (د.ب.أ)
الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون يترحم على أرواح شهداء الثورة في الجزائر 5 يوليو (د.ب.أ)

في 5 يوليو (تموز) 2025 تحتفل الجزائر بمرور 63 سنة على استقلالها، وسط لحظة محورية في تاريخها الحديث. داخليًّا، تعوّل الحكومة على تعزيز التنويع الاقتصادي لقطع شوط أبعد من اقتصاد الريع النفطي والغازي. إقليميًّا، تُخيِّم التوترات الأمنية والسياسية على حدودها، متأثرة بتشابكات مع دول الجوار. وعلى الصعيد الدولي، تشدِّد الجزائر على مطلب الاعتراف الرسمي من فرنسا بجرائم الاستعمار والاعتذار عنها، بوصف أن ذلك أساسي لإعادة بناء علاقات دبلوماسية سليمة، خصوصاً بعد تبنِّي باريس لخطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء الغربية في صيف 2024.

صرَّح الرئيس عبد المجيد تبون، في معظم خطاباته وحواراته الصحافية، بأنّه اشتغل منذ تولِّيه الحكم نهاية 2019 على تحرير الاقتصاد من فخ الاعتماد على النفط والغاز، حيث شكَّل قطاع المحروقات أكثر من 90 في المائة من صادرات الجزائر و38 في المائة من إيرادات الدولة بين 2016 و2021، مما جعله عرضة لتقلّبات السوق العالمية. كما أكَّد أنّه أطلق «خطة تحوّل جذريّة نحو التنويع الاقتصادي» تهدف إلى رفع صادرات القطاع غير النفطي من نحو 5 مليارات دولار في 2023 إلى 7 مليارات في 2024، ثم 10 مليارات خلال 2025، وفي الأفق تصل إلى 29 - 30 ملياراً بحلول 2030.

وتفيد أرقام الحكومة بأنّ الصادرات غير النفطية تضاعفت ثلاث مرات منذ 2017، لتصل إلى نحو 5.1 مليار دولار في 2023. كما ارتفعت احتياطيات النقد الصرفية إلى نحو 70 مليار دولار بحلول منتصف 2024. ونما الاقتصاد بوتيرة قوية، مسجِّلاً معدل نمو يقارب 4 في المائة سنوياً.

صندوق النقد الدولي

من جانبه، أشار صندوق النقد الدولي، في ختام بعثة استشارية إلى الجزائر أُجريت بين 16 و30 يونيو (حزيران) 2025، إلى أنّ النمو الاقتصادي تباطأ إلى 3.6 في المائة في عام 2024 مقارنة بـ4.1 في المائة في العام السابق، نتيجة لتخفيضات إنتاج «أوبك بلس» التي أثّرت، حسب تقرير المؤسسة المالية العالمية، على قطاع المحروقات، بينما حافظ النشاط غير النفطي على قوته، محقِّقاً نموًّا بنسبة 4.2 في المائة.

كما أكّد أنّ الاقتصاد الجزائري، رغم تباطُئه في 2024، يتمتع باحتياطيات قوية، وانخفاض معدلات التضخم، إلّا أنّه يعاني من عجز مالي متزايد. وشجّع حكومة الجزائر على اتخاذ إجراءات فورية لتحسين الوضع المالي، ودعم تنويع الاقتصاد، وإطلاق إصلاحات مؤسساتية، لا سيما في القواعد المالية والنقدية، لضمان توازن واستقرار مستدامين.

الصعيد الإقليمي

على الصعيد الإقليمي، تحلّ ذكرى استقلال الجزائر في ظرف يتّسم بسوء العلاقة مع جيرانها في الجنوب، خصوصاً مالي والنيجر. وتعزو الجزائر ذلك إلى تدخل دول أجنبية في شؤون البلدين، ما فرض وضعاً جديداً، حسبها، تمثّل بشكل خاص في إعلان حكومة مالي فكّ ارتباطها بـ«اتفاق السلم والمصالحة» مع المعارضة المسلحة الذي تمّ التوقيع عليه بالجزائر عام 2015. كما طالبت من الحكومة الجزائرية، مطلع 2025، بوقف وساطتها بين الطرفين المتنازعين، الأمر الذي أحدث شبه قطيعة بين البلدين اللذين ربطتهما دوماً شبكة من التفاعلات الإنسانية، ونسيج اجتماعي متداخل بين قبائل الطوارق التي تعيش على التجارة والزراعة والرعي في المناطق الحدودية.

وانهارت جسور التواصل بين البلدين في أبريل (نيسان) 2025، عندما أسقط سلاح الجو الجزائري طائرة مسيّرة تابعة للجيش المالي على الحدود. وقد عبّرت باماكو عن سخطها، واعتبرت ذلك «إعلان حرب من جانب الجزائر ضدها». وسرعان ما انضمّت النيجر وبوركينا فاسو إلى الموقف المالي، معلنتين خصومة شديدة ضد ما كان يُعرف بـ«الشقيقة الكبرى» في الشمال.

وكان لهذا الخلاف أثر بالغ على التعاون في مجالات عدّة، أهمّها محاربة الإرهاب، وتجارة السلاح، وشبكات المخدرات، وتهريب البشر على الحدود بين هذه البلدان.

العلاقة مع المغرب وليبيا

أمّا علاقة الجزائر بالمغرب، فلا يزال التوتر سمتها الغالبة، وهو يتعاظم بشكل متواصل مع استمرار نزاع الصحراء. وقد أبدت الجزائر استياءً من انحياز كل من إسبانيا وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الأميركية إلى خطة الحكم الذاتي المغربية لحلّ هذه القضية التي عجزت الأمم المتحدة عن تفكيكها منذ اندلاعها قبل نصف قرن.

كما يظلّ الوضع هشاً على الحدود مع ليبيا، حيث تلاحظ الجزائر رهانات كبرى في حدودها الجنوبية الشرقية، تُحرّكها قوى عالمية. ومنذ انهيار نظام العقيد معمر القذافي عام 2011، تشتكي الجزائر من تحوّل هذه الحدود إلى ملاذ لمهرِّبي السلاح، ومسرحٍ لنشاط التنظيمات الجهادية.

التوتر مع فرنسا

وتحلّ ذكرى الاستقلال في ظرف دقيق بالنسبة للعلاقات مع دولة الاستعمار بالأمس: فرنسا، وما تمثّله من عمق إنساني (5 ملايين جزائري يعيشون بها)، ومصالح تجارية واقتصادية كبيرة، وتنسيق استخباراتي مهم في مجال الأمن بمناطق الساحل والمغرب العربي وحوض المتوسط.

عند أول امتحان جدي، تهاوت هذه العلاقات التي وُصفت يوماً بـ«الاستراتيجية»، حتى لامست القطيعة. فما إن تبنّى الإليزيه في صائفة 2024 أطروحة الرباط بشأن الصحراء، حتى تفجّر غضب الجزائر، وجرّ معه خلافات قديمة كانت مناسبةً رفعت من مستوى الانتماء الوطني وتجذيره في وجدان الجزائريين.

وبرهنت هذه الخلافات على أنّ ماضي فرنسا الاستعماري ما زال محفوراً في نفوسهم، كما أنّ قطاعاً من الطيف السياسي في فرنسا لا يزال يشدّه الحنين إلى «الجزائر الفرنسية».

وقد شمل خطاب مكتوب للرئيس تبون في ذكرى الاستقلال هذه المحاور، حيث أكّد أنّ «تاريخ الاستقلال واسترجاع السيادة الوطنية هو يوم انجلت فيه عن وطننا المفدى جحافل الاستعمار البغيض، وهي تجرّ أذيال الهزيمة، لأنّها جوبهت برجال أشداء سكن الوطن سويداء قلوبهم، وعقدوا العزائم أن تتحرر الجزائر».

وشدد على أنّ الجزائريين «يستحضرون تلك الملاحم الخالدة التي خاضها شعبنا ضد الاستعمار وقواه العاتية، وظلّ على درب التضحية، يقدّم القوافل تلو الأخرى من الشهداء البواسل حتى النصر المبين».

من جهته، وصف قائد الجيش، الفريق أول سعيد شنقريحة، في خطاب للأفراد العسكريين، أنّ الاستقلال في عامه الـ63 «هو من أعظم المحطات المجيدة في تاريخ وطننا العزيز، محطة ستبقى دائماً رمزاً لانتصار الجزائر والجزائريين على المستدمر الفرنسي الغاشم، الذي سلب وطننا حريته وسيادته بالنار والحديد، وأذاق شعبنا، لسنوات طويلة، كلّ أنواع القهر والظلم والحرمان». وبحسب شنقريحة: «رغم حجم الدمار الذي تسبّب فيه هذا المستعمر، لم يستسلم آباؤنا وأجدادنا يوماً للعدو، وتمسّكوا بهويتهم الجزائرية الأصيلة، وبذلوا النفس والنفيس من أجل الانعتاق».


مقالات ذات صلة

الجزائر: 3 سنوات حبساً غير نافذ لصحافي «أهان رموز ثورة التحرير»

شمال افريقيا الكاتب الصحافي سعد بوعقبة (حسابات حقوقيين)

الجزائر: 3 سنوات حبساً غير نافذ لصحافي «أهان رموز ثورة التحرير»

فرضت محكمة جزائرية، مساء الخميس، عقوبة 3 سنوات حبساً موقوفة النفاذ، وغرامة مالية قدرها مليون دينار جزائري، في حق الكاتب الصحافي المتهم الموقوف، سعد بوعقبة.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا مخدرات صادرها الجيش الجزائري بالحدود (وزارة الدفاع)

الجزائر: ارتفاع مقلق للوفيات نتيجة الجرعات الزائدة من المخدرات

أكدت بيانات معهد الأدلة الجنائية للدرك الوطني الجزائري حدوث تحول كبير في نمط تعاطي المخدرات، والمؤثرات العقلية في البلاد.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الصحافي الفرنسي كريستوف غليز (أ.ف.ب)

ماكرون يبدي «قلقاً بالغاً» لإدانة صحافي فرنسي في الجزائر

أعلن قصر الإليزيه، الخميس، أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون «تلقى بقلق بالغ نبأ الحكم بالسجن على الصحافي الفرنسي كريستوف غليز في الجزائر».

«الشرق الأوسط» (باربس)
شمال افريقيا الصحافي الفرنسي المسجون في الجزائر (حسابه بالإعلام الاجتماعي)

محاكمة صحافي تضع التقارب الجزائري - الفرنسي تحت «اختبار عسير»

شهد محيط محكمة مدينة تيزي وزو شرق العاصمة الجزائرية، الأربعاء، أجواء غير عادية بسبب محاكمة صحافي فرنسي تطالب بلاده بالإفراج عنه.

العالم العربي صورة مركبة بمناسبة تهنئة رئيس الحكومة الإسبانية الرئيس الجزائري بإعادة انتخابه في 2024 (الرئاسة الجزائرية)

حكومة إسبانيا تسعى لإعادة التوازن في علاقاتها بالجزائر

تحضّر إسبانيا لاستقبال الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، في ديسمبر (كانون الأول) الحالي، في أول زيارة له منذ توليه الحكم عام 2019.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

هولندا: الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية الحل الأكثر واقعية لنزاع الصحراء

وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة مع نظيره الهولندي خلال لقائهما الجمعة في لاهاي (ماب)
وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة مع نظيره الهولندي خلال لقائهما الجمعة في لاهاي (ماب)
TT

هولندا: الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية الحل الأكثر واقعية لنزاع الصحراء

وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة مع نظيره الهولندي خلال لقائهما الجمعة في لاهاي (ماب)
وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة مع نظيره الهولندي خلال لقائهما الجمعة في لاهاي (ماب)

في إطار الدينامية الدولية التي أطلقها العاهل المغربي، الملك محمد السادس، دعماً لسيادة المغرب على صحرائه ولمخطط الحكم الذاتي، أكدت هولندا أن «حكماً ذاتياً حقيقياً تحت السيادة المغربية هو الحل الأكثر واقعية لوضع حد نهائي لهذا النزاع الإقليمي».

جرى التعبير عن هذا الموقف في الإعلان المشترك الذي تم اعتماده، اليوم الجمعة في لاهاي، من جانب وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، ووزير الشؤون الخارجية وزير اللجوء والهجرة بالأراضي المنخفضة، ديفيد فان ويل، عقب لقاء بين الجانبين.

سجل الإعلان المشترك أيضاً أن هولندا «ترحب بمصادقة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على القرار رقم 2797، وتعرب عن دعمها الكامل لجهود الأمين العام ومبعوثه الشخصي»، الرامية إلى تسهيل وإجراء مفاوضات قائمة على مبادرة الحكم الذاتي المغربية، وذلك بهدف التوصل إلى حل عادل ودائم ومقبول من الأطراف، كما أوصت بذلك قرارات مجلس الأمن ذات الصلة.

وأعرب الوزيران عن ارتياحهما للعلاقات الممتازة والعريقة، التي تجمع بين المغرب وهولندا، وجددا التأكيد على الإرادة المشتركة لمواصلة تعزيز التعاون الثنائي، المبني على صداقة عميقة وتفاهم متبادل، ودعم متبادل للمصالح الاستراتيجية للبلدين.

كما رحّبا بالدينامية الإيجابية التي تطبع العلاقات الثنائية في جميع المجالات، واتفقا على العمل من أجل الارتقاء بها إلى مستوى شراكة استراتيجية.

وخلال اللقاء أشادت هولندا بالإصلاحات الطموحة التي جرى تنفيذها تحت قيادة الملك محمد السادس، وبالجهود المبذولة في مجال التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، خصوصاً عبر النموذج التنموي الجديد، وإصلاح مدوّنة الأسرة، ومواصلة تفعيل الجهوية المتقدمة.

كما أشادت هولندا بالجهود المتواصلة التي يبذلها المغرب من أجل الاستقرار والتنمية في منطقة الساحل.

وإدراكاً لأهمية التعاون الإقليمي لمواجهة التحديات الأمنية المشتركة، أكدت هولندا عزمها على تعزيز الحوار والتعاون مع المغرب في هذا المجال، موضحة أنه سيتم بحث المزيد من الفرص لتعزيز هذه الشراكة خلال الحوار الأمني الثنائي المقبل.

كما أشادت هولندا بالمبادرات الأطلسية، التي أطلقها الملك محمد السادس لفائدة القارة الأفريقية، ولا سيما مبادرة مسار الدول الأفريقية الأطلسية، والمبادرة الملكية الرامية إلى تسهيل ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي، ومشروع خط أنابيب الغاز الأطلسي نيجيريا - المغرب.


محادثات مصرية - روسية تتناول المستجدات في السودان وسوريا ولبنان وغزة

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الروسي فيلاديمير بوتين خلال تدشين تركيب وعاء ضغط المفاعل الأول بمحطة الضبعة النووية الشهر الماضي (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الروسي فيلاديمير بوتين خلال تدشين تركيب وعاء ضغط المفاعل الأول بمحطة الضبعة النووية الشهر الماضي (الرئاسة المصرية)
TT

محادثات مصرية - روسية تتناول المستجدات في السودان وسوريا ولبنان وغزة

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الروسي فيلاديمير بوتين خلال تدشين تركيب وعاء ضغط المفاعل الأول بمحطة الضبعة النووية الشهر الماضي (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الروسي فيلاديمير بوتين خلال تدشين تركيب وعاء ضغط المفاعل الأول بمحطة الضبعة النووية الشهر الماضي (الرئاسة المصرية)

تناولت محادثات مصرية - روسية، الجمعة، المستجدات في السودان وسوريا ولبنان وغزة. جاء ذلك خلال اتصال هاتفي بين وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، ونظيره الروسي سيرغي لافروف، وذلك في إطار التنسيق المستمر والتشاور بين البلدين حول العلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك.

ووفق إفادة لوزارة الخارجية المصرية، تناول الاتصال «العلاقات الوثيقة بين مصر وروسيا، وما تشهده من زخم متزايد في مختلف مسارات التعاون، ولا سيما المجالات الاقتصادية والتجارية». وأعرب عبد العاطي عن اعتزاز مصر بـ«الشراكة الاستراتيجية» التي تربط البلدين، التي تمثل إطاراً حاكماً للتعاون الثنائي في مختلف القطاعات. وأكّد أهمية مواصلة العمل المشترك لدفع مشروعات التعاون الجارية، وفي مقدمتها محطة «الضبعة النووية»، بما يسهم في تعزيز الاستثمارات الروسية في مصر وتوسيع التعاون بين الجانبين.

وشهد الرئيسان؛ المصري عبد الفتاح السيسي، والروسي فلاديمير بوتين، افتراضياً عبر تقنية الفيديو كونفرانس، الشهر الماضي، مراسم وضع «وعاء الضغط» لمفاعل الوحدة الأولى بمحطة «الضبعة النووية»، وتوقيع أمر شراء الوقود النووي اللازم للمحطة، ما عدّه خبراء «خطوة أولى لإنتاج الطاقة النووية».

ومحطة «الضبعة» النووية هي أول محطة للطاقة النووية في مصر، وتقع في مدينة الضبعة بمحافظة مرسى مطروح على ساحل البحر المتوسط. وكانت روسيا ومصر قد وقّعتا في نوفمبر (تشرين الثاني) 2015 اتفاقية للتعاون لإنشاء المحطة، ثم دخلت عقودها حيّز التنفيذ في ديسمبر (كانون الأول) 2017.

جانب من محطة «الضبعة النووية» الشهر الماضي (هيئة المحطات النووية)

وأكّد عبد العاطي، خلال الاتصال الهاتفي، الجمعة، على «أهمية تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2803 والمضي في تنفيذ المرحلة الثانية من خطة الرئيس الأميركي للسلام في غزة»، لافتاً إلى «ضرورة تمكين قوة الاستقرار الدولية من أداء مهامها لترسيخ وقف إطلاق النار».

وبحسب «الخارجية المصرية»، استعرض عبد العاطي «الجهود التي تبذلها مصر في إطار (الآلية الرباعية) لوقف النزاع والحفاظ على وحدة وسلامة الدولة السودانية»، كما استعرض «ثوابت الموقف المصري الداعم لوحدة وسيادة وأمن واستقرار لبنان». وجدد موقف مصر «الداعي إلى احترام وحدة وسيادة الأراضي السورية، ورفض أي تحركات أو تدخلات من شأنها تقويض استقرار البلاد»، داعياً إلى «تفعيل عملية سياسية شاملة تحقق تطلعات الشعب السوري».

وأعربت مصر، نهاية نوفمبر الماضي، عن أملها في «بدء عملية سياسية بالسودان (دون إقصاء)». وأكّدت «احترام السيادة السودانية».

وتعمل «الآلية الرباعية»، التي تضم المملكة العربية السعودية، ومصر، والإمارات، والولايات المتحدة، من أجل وقف إطلاق للنار في السودان، وسبق أن عقدت اجتماعاً على المستوى الوزاري بواشنطن، في سبتمبر (أيلول) الماضي، وأكّدت على «ضرورة بذل كل الجهود لتسوية النزاع المسلح في السودان». كما طرحت في أغسطس (آب) الماضي «خريطة طريق»، دعت فيها إلى «هدنة إنسانية لمدة 3 أشهر، تليها هدنة دائمة لبدء عملية سياسية وتشكيل حكومة مدنية مستقلة خلال 9 أشهر».

أطفال سودانيون فرّوا مع عائلاتهم جراء المعارك الدامية يجلسون في مخيم قرب الفاشر (رويترز)

وتطرق الاتصال الهاتفي، الجمعة، إلى تطورات الملف النووي الإيراني، حيث أكد عبد العاطي «أهمية مواصلة الجهود الرامية إلى خفض التصعيد، وبناء الثقة وتهيئة الظروف، بما يتيح فرصة حقيقية للحلول الدبلوماسية واستئناف الحوار بهدف التوصل إلى اتفاق شامل للملف النووي، يأخذ في الاعتبار مصالح جميع الأطراف، ويسهم في تحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي».

على صعيد آخر، تناول عبد العاطي ولافروف مستجدات الأزمة الأوكرانية، حيث جدّد وزير الخارجية المصري «التأكيد على موقف القاهرة الثابت الداعي إلى ضرورة مواصلة الجهود الرامية إلى التوصل لتسويات سلمية للأزمات، عبر الحوار والوسائل الدبلوماسية، بما يحفظ الأمن والاستقرار».


أزمة شرق الكونغو... «اتفاق سلام» في واشنطن «لا يخلو من عثرات»

الرئيس الأميركي يشارك في حفل توقيع «اتفاق السلام» مع رئيسي رواندا والكونغو الديمقراطية في واشنطن (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي يشارك في حفل توقيع «اتفاق السلام» مع رئيسي رواندا والكونغو الديمقراطية في واشنطن (أ.ف.ب)
TT

أزمة شرق الكونغو... «اتفاق سلام» في واشنطن «لا يخلو من عثرات»

الرئيس الأميركي يشارك في حفل توقيع «اتفاق السلام» مع رئيسي رواندا والكونغو الديمقراطية في واشنطن (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي يشارك في حفل توقيع «اتفاق السلام» مع رئيسي رواندا والكونغو الديمقراطية في واشنطن (أ.ف.ب)

خطوة جديدة نحو إنهاء أزمة شرق الكونغو التي تصاعدت منذ بداية العام، مع توقيع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ورئيسي رواندا بول كاغامي، والكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسكيدي، في واشنطن، الخميس، اتفاقاً يعزز فرص السلام والتعاون الاقتصادي بتلك المنطقة الأفريقية التي تخوض نزاعاً منذ عقود.

ذلك الاتفاق الذي أكد ترمب أنه «وضع حداً للنزاع»، يراه خبير في الشأن الأفريقي تحدث لـ«الشرق الأوسط» خطوة تحمل أملاً كبيراً لشرق الكونغو الديمقراطية، لكن «تحتاج لتطبيق فعلي على أرض الواقع، وآليات تنفيذ صارمة، وضمانات دولية حقيقية، في ظل تكرار المواجهات رغم التفاهمات التي جرت خلال الآونة الأخيرة».

ويشهد شرق الكونغو، الغني بالموارد الطبيعية والمجاور لرواندا، نزاعات مسلحة متواصلة منذ نحو 3 عقود. وتصاعدت حدة العنف بين يناير (كانون الثاني) وفبراير (شباط) الماضيين، بعدما سيطرت حركة «23 مارس»، بدعم من كيغالي، على مدينتَي غوما وبوكافو الرئيسيتين.

وقال كاغامي عقب توقيع الاتفاق: «ستكون هناك عثرات أمامنا، لا شك في ذلك»، بينما وصف تشيسكيدي الاتفاق بأنه «بداية مسار جديد، مسار يتطلب الكثير من العمل».

وهذه النبرة الأكثر حذراً من الرئيسين الأفريقيين تأتي في ظل تواصل المعارك في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، وفي بيانين متبادلين، الثلاثاء، اتهم جيش الكونغو، ومتمردو «23 مارس» بعضهما بـ«انتهاك اتفاقيات وقف إطلاق النار القائمة التي جرى تجديدها الشهر الماضي». وفي مؤتمر صحافي في واشنطن، الأربعاء، حمّل المسؤول الكونغولي، باتريك مويايا، الحركة «مسؤولية القتال الأخير»، قائلاً إنه «دليل على أن رواندا لا تريد السلام».

وتفاقمت الهجمات التي تهدد المسار السلمي في الأشهر الثلاثة الأخيرة؛ إذ برزت جماعة «القوات الديمقراطية المتحالفة»، الموالية لتنظيم «داعش» الإرهابي منذ عام 2019 تحت اسم «ولاية وسط أفريقيا»، وتواصلت هجمات الجماعة في مناطق شرق الكونغو مع تصاعد عمليات حركة «23 مارس»، وجماعة «مؤتمر الثورة الشعبية» المسلحة التي أسّسها توماس لوبانغا، وذلك خلال أشهر يوليو (تموز) وأغسطس (آب) وسبتمبر (أيلول) ونوفمبر (تشرين الثاني).

المحلل السياسي التشادي، الخبير في الشؤون الأفريقية، صالح إسحاق عيسى، يرى أن «اتفاق واشنطن» بين الكونغو الديمقراطية ورواندا، خطوة تحمل قدراً من الأمل، لكنه يبقى أملاً هشاً للغاية، موضحاً أنه رغم أن التوقيع الرسمي يمنح الانطباع بأن البلدين دخلا مرحلة جديدة من التهدئة، فإن الواقع في شرق الكونغو يكشف عن أن الطريق إلى السلام ما زال طويلاً وشائكاً.

ولفت إلى أنه رغم التوقيع، عادت الاشتباكات إلى الاشتعال في مناطق كيفو، وهو ما يدل على أن المشكلة أعمق بكثير من اتفاق يعلن من واشنطن، مشدداً على أن «السلام في شرق الكونغو يحتاج أكثر من توقيع، ويحتاج إلى آليات تنفيذ صارمة، وضمانات دولية حقيقية، وتعامل مباشر مع مطالب المجتمعات المحلية التي عاشت سنوات من الإهمال والصراع».

ترمب يحيي حفل توقيع «اتفاق السلام» مع بول كاغامي وفيليكس تشيسكيدي (أ.ف.ب)

والاتفاق بين رواندا والكونغو الديمقراطية، هو الأحدث ضمن سلسلة تفاهمات بإطار سلام في يونيو (حزيران) الماضي بواشنطن، بخلاف إطار عمل الدوحة لاتفاقية سلام شاملة، الذي وقعته كينشاسا وحركة «23 مارس» في 15 نوفمبر الماضي في قطر، استكمالاً لاتفاق في 19 يوليو الماضي.

ووسط ذلك التقدم، رحبت مصر في بيان لـ«الخارجية»، الجمعة، بتوقيع اتفاقات السلام والازدهار في واشنطن بين الكونغو الديمقراطية رواندا، مؤكدة أنه «يمثل خطوة بالغة الأهمية نحو إنهاء حالة التوتر وتعزيز الأمن والاستقرار في منطقة البحيرات العظمى، بما يسهم في دعم جهود إحلال السلام، وترسيخ أسس المصالحة وإفساح المجال للتنمية الشاملة في المنطقة».

وأمام هذا الواقع والتفاؤل المصري، يرى الخبير في الشؤون الأفريقية أنه يمكن الحفاظ على الاتفاق وتجاوز عثراته عبر خطوات عملية وواضحة، أهمها تنفيذ البنود الأمنية بشكل جدي، خصوصاً انسحاب القوات الرواندية ووقف أي دعم للجماعات المسلحة، وبناء ثقة مع سكان شرق الكونغو عبر تحسين الأمن، وإشراكهم في أي ترتيبات ميدانية، باعتبارهم الأكثر تأثراً، ودون رضاهم سيظل الاتفاق هشاً.

ويعتقد أن الأمل المصري بشأن اعتبار الاتفاق خطوة مهمة لإنهاء التوتر بين البلدين، يعود إلى «احتمال تجاوز حالة الانسداد السياسي التي سادت لسنوات»، مؤكداً أن «هذه الخطوة يُمكن أن تترجم إلى استقرار فعلي إذا بدأ الطرفان بتنفيذ البنود الأكثر حساسية، وهي الانسحاب التدريجي للقوات، ووقف دعم الجماعات المسلحة، والانتقال من منطق المواجهة إلى منطق التعاون».

وشدد على أنه يمكن أن يستمر اتفاق السلام إذا تحول إلى عملية تنفيذ ملزمة تشارك فيها الأطراف الإقليمية والدولية، لكن إن بقي الوضع الميداني على حاله، أو استُخدم الاتفاق غطاءً لإعادة تموضع قوات أو جماعات مسلحة، فسيظل مجرد هدنة مؤقتة معرضة للانهيار في أي وقت.