ليبيون يسخرون من تقرير أممي عدّهم «أسعد» شعوب المغرب العربي

شككوا في معايير الانتقاء في ظل أزمات كثيرة يعاني منها المجتمع

جل الليبيين باتوا يشتكون من غلاء الأسعار وعدم قدرتهم على تأمين الضروريات (أ.ف.ب)
جل الليبيين باتوا يشتكون من غلاء الأسعار وعدم قدرتهم على تأمين الضروريات (أ.ف.ب)
TT
20

ليبيون يسخرون من تقرير أممي عدّهم «أسعد» شعوب المغرب العربي

جل الليبيين باتوا يشتكون من غلاء الأسعار وعدم قدرتهم على تأمين الضروريات (أ.ف.ب)
جل الليبيين باتوا يشتكون من غلاء الأسعار وعدم قدرتهم على تأمين الضروريات (أ.ف.ب)

«أين هي تلك السعادة التي يتحدثون عنها؟»... بهذا التساؤل الذي امتزج بنبرة ساخرة، علقت الليبية أروى محمد على خبر طريف، مفاده أن ليبيا تحتل المرتبة الأولى مغاربياً، والسادسة عربياً والـ79 عالمياً في مؤشر السعادة العالمي لعام 2025، الذي يصدر تحت إشراف الأمم المتحدة.

وتساءلت أروى التي فقدت زوجها في السيول المدمرة، التي اجتاحت مدينة درنة بالشرق الليبي قبل عام ونصف العام، عن المعايير التي اعتمد عليها هذا التقرير، في ظل معاناتها المستمرة كغيرها من العاملين بالدولة «من تأخر صرف راتبها كل شهر واضطرارها للاستدانة».

تشكيك في معايير الاختيار

أصوات ليبية عديدة شاركت الطرح السابق في الجدل والتشكيك في المعايير والتقييمات، التي اعتمدت في النسخة الـ13 من مؤشر السعادة العالمي، الذي يستند إلى بيانات استطلاع «غالوب» العالمي من أشخاص في أكثر من 140 دولة، مؤكدين أنه «يتناقض بدرجة كبيرة» مع التحديات التي تواجه بلادهم، ومن بينها الانقسام السياسي والحكومي، وتداعياته من ارتفاع مستوى الفساد.

وانتقدت عضو «ملتقى الحوار السياسي» الليبي آمال بوقعيقيص قياس مستوى السعادة لمجرد توافر دخل ثابت للمواطنين يكفي لشرائهم الطعام، أو امتلاك قطاع كبير منهم لسيارات، دون الإشارة للمشاكل والأزمات المتعددة التي يعاني منها المجتمع الليبي.

وقالت بوقعيقيص لـ«الشرق الأوسط» إن هذا المقياس «يتغافل أن دخل المواطن لا يتلاءم على الإطلاق مع ثروة البلاد؛ وأن التوسع بشراء السيارات يعود لافتقاد شبكات وسائل النقل العام». ورأت أن التقرير يتحدث عن «معيار متوسط العمر المتوقع؛ لكنهم لم يرصدوا ضعف القطاع الصحي بالبلاد، واضطرار كثير من الليبيين، وتحديداً مرضى الأورام، للسفر إلى الخارج للعلاج»، موضحة أنه «تم استطلاع رأي سكان مدن صغيرة ومناطق حدودية تعاني من أبسط الخدمات كتوافر المياه».

واعتبرت بوقعيقيص أن مؤشر السعادة «يبدو متناقضاً مع مؤشر الفساد الصادر عن جهة أممية أيضاً؛ وهي منظمة الشفافية الدولية، الذي يضع ليبيا ضمن أكثر 10 دول فساداً، وكيف يهدد ذلك بتبديد ثروات البلاد».

ويعتمد المؤشر في تصنيفه لسعادة الشعوب على متوسط تقييمات الأفراد لحياتهم خلال 3 أعوام ماضية، ويأخذ في الاعتبار 6 متغيّرات رئيسية، تسهم في تفسير هذه التقييمات، يتقدمها «نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، والدعم الاجتماعي، ومتوسّط العمر المتوقّع الصحي، والحرية، والكرم، ومدى إدراك الفساد».

بدورها، أبدت رئيسة مفوضية المجتمع المدني، مبروكة بالتمر، استغرابها مما ذهب إليه المؤشر الأممي، خاصة في ظل استمرار الانقسام السياسي والحكومي. وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «نحمد الله لتوقف الصراع المسلح منذ أكثر من 4 سنوات؛ لكن مع الأسف لم تتحقق المصالحة الوطنية بعد، ولا يزال الانقسام ينعكس سلباً على قطاعات مهمة، منها تنظيم العمل المدني».

وتتنازع على السلطة في ليبيا حكومتان: الأولى «الوحدة الوطنية» المؤقتة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، التي تتخذ من طرابلس بالغرب الليبي مقراً لها، والثانية مكلفة من البرلمان وتدير المنطقة الشرقية وبعض مدن الجنوب برئاسة أسامة حماد.

تصنيف بعيد عن الواقع

على منصات التواصل الاجتماعي، قلّل كثير من الليبيين من التقرير، وتحدثوا في المقابل عن معاناتهم من تغول نفوذ المجموعات المسلحة خاصة بالغرب الليبي، وانتشار السلاح، فضلاً عن عدم ضبط الحدود، واستمرار تدفق المهاجرين غير الشرعيين لأراضيهم.

ووصف عميد بلدية طرابلس المركز سابقاً، عبد الرؤوف بيت المال، التقرير بأنه «بعيد عن واقع أغلبية الليبيين». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «من الناحية الاقتصادية بات لدينا أغلبية تتمتع بدخل متوسط أو أقل، أو دخل محدود، ونخبة تمتلك الملايين»، مشيراً إلى أن «العملية السياسية تراوح مكانها من الجمود والانسداد؛ رغم ما يطرح من مبادرات أممية وإقليمية لحلحلتها، تمهيداً لإجراء الانتخابات المؤجلة. فكيف نكون سعداء؟».

من جهته، تطرق رئيس مؤسسة «الرقيب لحماية المستهلك»، وائل سليمان الصغير، لعدد من العوامل التي تنتقص من سعادة الليبيين حتى في ظل الأعياد، من بينها «تراجع القدرة الشرائية واستمرار ارتفاع الأسعار، وتراجع قيمة العملة المحلية مقابل الدولار، واستمرار أزمة السيولة، وإن كانت بمعدل أقل عن العام الماضي».

ورغم إقراره باستقرار شبكة الكهرباء خلال العامين الأخيرين، فقد انتقد الصغير في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، استمرار معاناة الليبيين من «تدهور شبكات البنية التحتية خاصة الصرف والمياه»، لافتاً إلى أن «سقوط الأمطار مؤخراً أدى إلى غرق شوارع وميادين رئيسية، وتعطل الحركة المرورية بها؛ ومن قبلها تجمع المياه الجوفية بمنازل العديد من أهالي مدينة زليتن، واضطرار هؤلاء للنزوح».

بالمقابل، اعتبر أستاذ الاقتصاد بجامعة بنغازي، أيوب محمد الفارسي، أن الوضع الاقتصادي الذي يشكو منه كثير من الليبيين، ورغم ما يعانيه حالياً من تحديات، «هو بالفعل أفضل من الوضع بكثير من دول الجوار الأفريقي».

وقال الفارسي لـ«الشرق الأوسط»: «جزء من سخرية الليبيين من التقرير يعود لتطلعهم إلى العيش في مستوى السعادة والرفاهية الذي تتمتع به دول نفطية بالمنطقة العربية، احتلت بالفعل مواقع متقدمة بهذا المؤشر الأممي»، مضيفاً: «هذا تطلع مشروع؛ لكنه مع الأسف غير متحقق نظراً لكثير من الظروف والأوضاع السياسية التي مرت بالبلاد بعد ثورة فبراير (شباط)».

ويرى الفارسي أن ما يضاعف نسب الفقر في المجتمع هو «التمسك بثقافة الدولة الريعية، المتمثل في الحصول على وظيفة وراتب من الدولة كحق مكتسب، دون الانخراط في سوق العمل بقوة»، مشيراً إلى أن معايير فرعية عدة قد يكون قد اعتمد عليها في ترتيب مؤشر السعادة، ومنها التعليم المجاني، والسياحة إلى دول الجوار، والحصول على الوقود بسعر رخيص.


مقالات ذات صلة

الكوني: ليبيا دولة محتلة... وسلطة «الرئاسي» شكليّة فقط

شمال افريقيا اجتماع الكوني مع الدبيبة والمنفي بطرابلس (أرشيفية)

الكوني: ليبيا دولة محتلة... وسلطة «الرئاسي» شكليّة فقط

وصف عضو المجلس الرئاسي الليبي، موسى الكوني، بلاده بأنها «دولة محتلة»، واعتبر أن سلطة المجلس الرئاسي «شكليّة فقط».

خالد محمود (القاهرة )
تحليل إخباري من عملية توزيع السلال الغذائية على السودانيين في الكفرة الليبية (أرشيفية - بلدية الكفرة)

تحليل إخباري هل تدفع انتصارات الجيش السودانيين الفارين إلى ليبيا للعودة إلى بلادهم؟

فرضت أوضاع السودانيين الموجودين في ليبيا نفسها على الساحة، في ظل ما يُمثله ذلك من ضغوط على بلدية الكفرة التي تستضيف الآلاف منهم.

جاكلين زاهر (القاهرة)
شمال افريقيا عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة الوحدة الليبية (الوحدة)

محللون: تعليق منظمات غير حكومية في ليبيا صرف الانتباه عن المشاكل الفعلية

يعكس تعليق أنشطة 10 منظمات غير حكومية أجنبية في ليبيا تشدد الموقف تجاه آلاف المهاجرين الأفارقة، لكنه يسمح للسلطات في غرب البلاد بصرف الانتباه عن مشاكلها.

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي يتوسط نائبَيه عبد الله اللافي وموسى الكوني في وقت سابق (المجلس الرئاسي)

«الرئاسي» الليبي يحذر من تحرك مفاجئ لميليشيا مصراتة

تصاعد التوتر في غرب ليبيا على وقع تحركات مسلحة نفذتها إحدى ميليشيات مدينة مصراتة باتجاه العاصمة طرابلس، الجمعة، تبعتها اشتباكات بين تشكيلين مسلحين في صبراتة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
شمال افريقيا رجل إطفاء خلال عمليات احتواء حريق في الأصابعة الليبية (أرشيفية-هيئة السلامة الوطنية)

«الوحدة» الليبية تدافع عن قرار إغلاق مقرات منظمات دولية غير حكومية

عادت إلى الواجهة أزمة «الحرائق الغامضة» في مدينة الأصابعة الليبية، عقب اشتعال النيران بأربعة منازل، الأربعاء.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

مصر تجدد رفضها لـ«التهجير» ومحاولات تقويض وحدة الأراضي الفلسطينية

TT
20

مصر تجدد رفضها لـ«التهجير» ومحاولات تقويض وحدة الأراضي الفلسطينية

أكدت مصر «التأكيد على موقفها الرافض لتهجير الفلسطينيين من أرضهم»، وحذرت من عواقب استمرار الصمت الدولي المخزي تجاه ما يجري في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وقال وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، إن «أوهام القوة لن تساعد إسرائيل في تحقيق الأمن لها كما تتصور، بل ستؤدى الفظائع التي ترتكبها إلى تكريس شعور الكراهية والانتقام ضدها في المنطقة، ووضع المزيد من الحواجز أمام سبل التعايش السلمي بين شعوب المنطقة، بما ينعكس بصورة شديدة السلبية على أمنها واستقرارها وفرص تحقيق السلام المستدام بالمنطقة».

جاءت التأكيدات المصرية خلال لقاء عبد العاطي وفداً من حركة «فتح» الفلسطينية في القاهرة، السبت، برئاسة أمين سر اللجنة المركزية للحركة، الفريق جبريل الرجوب، وعضوية: رئيس المجلس الوطني، روحي فتوح، وعضو اللجنة المركزية للحركة ورئيس الوزراء الفلسطيني السابق، الدكتور محمد أشتية.

وبحسب إفادة للمتحدث الرسمي باسم الخارجية المصرية، السفير تميم خلاف، فإن اللقاء شهد تبادل الرؤى والتقديرات حول التطورات الراهنة في قطاع غزة والضفة الغربية، في ظل ما تشهده الأراضي الفلسطينية المحتلة من تصعيد إسرائيلي خطير، حيث استعرض الوزير عبد العاطي مستجدات الجهود المصرية الهادفة لاستعادة وقف إطلاق النار في قطاع غزة، واستئناف نفاذ المساعدات الإنسانية بأسرع وقت ممكن، مشدداً على موقف مصر الداعم للسلطة الفلسطينية، مؤكداً رفض المحاولات الإسرائيلية لتقويض وحدة الأراضي الفلسطينية، وفصل قطاع غزة عن الضفة الغربية.

بدر عبد العاطي تناول خلال لقاء وفد «فتح» في القاهرة «الخطة العربية الإسلامية» (الخارجية المصرية)
بدر عبد العاطي تناول خلال لقاء وفد «فتح» في القاهرة «الخطة العربية الإسلامية» (الخارجية المصرية)

وشدد عبد العاطي، خلال اللقاء، على رفض مصر الكامل للعدوان الإسرائيلي المستمر في قطاع غزة والضفة الغربية، والسياسة العدوانية الإسرائيلية في الإقليم واستخدامها القوة العسكرية الغاشمة دون أدنى اعتبار لمحددات القانون الدولي الإنساني، واستمرار ممارسات الاحتلال الإسرائيلي المتطرفة ضد المدنيين، والتعامل باعتبارها دولة فوق القانون.

وتناول عبد العاطي خلال اللقاء كذلك، «الخطة العربية الإسلامية» لإعادة إعمار قطاع غزة، مشدداً على أهمية تعزيز وحدة الصف الفلسطيني ودور السلطة الوطنية، بما يضمن تحقيق تطلعات وآمال الشعب الفلسطيني، والتوصل لحل دائم وعادل للقضية الفلسطينية من خلال إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على خطوط 4 يونيو (حزيران) 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

نازحون من غزة تجمعوا بمنطقة النصيرات في وقت سابق للعودة إلى منازلهم في الجزء الشمالي من القطاع (أ.ف.ب)
نازحون من غزة تجمعوا بمنطقة النصيرات في وقت سابق للعودة إلى منازلهم في الجزء الشمالي من القطاع (أ.ف.ب)

في غضون ذلك، بحث وزير الخارجية المصري خلال اتصال هاتفي مع نظيره التركي، هـاكـان فيـدان، مساء السبت، الجهود الرامية إلى العودة لاتفاق وقف إطلاق النار، وضمان تنفيذ مراحله الثلاث، بما يضمن إطلاق سراح الرهائن والأسرى ودخول المساعدات الإنسانية والطبية والإيوائية إلى غزة، رغم التصعيد الإسرائيلي الخطير في قطاع غزة والضفة الغربية، وإصرار إسرائيل على استخدام القوة العسكرية الغاشمة ضد المدنيين، ومنع دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة.

ويُذكر أن المرحلة الأولى من الاتفاق المؤلّف من 3 مراحل، والتي بدأت في 19 يناير (كانون الثاني) الماضي، شهدت إطلاق سراح 33 أسيراً إسرائيلياً، من بينهم 8 جثث، مقابل نحو ألفَي أسير فلسطيني.

وأشار البيان الختامي لـ«قمة فلسطين» العربية الطارئة، في القاهرة، الشهر الماضي، إلى «التنسيق في إطار اللجنة الوزارية العربية - الإسلامية المشتركة لإجراء الاتصالات والقيام بالزيارات اللازمة للعواصم الدولية؛ من أجل شرح الخطة العربية لإعادة إعمار قطاع غزة، والتعبير عن الموقف المتمسك بحق الشعب الفلسطيني بالبقاء على أرضه وحقه في تقرير مصيره».

ووفق «الخارجية المصرية»، شهد اتصال عبد العاطي وفيدان تبادلاً للرؤى بالنسبة للتطورات في السودان والجهود الهادفة لدعم السودان، حيث شدد الوزير عبد العاطي على دعم مصر للمؤسسات الوطنية السودانية وجهودها لاستعادة الاستقرار والسلم، معرباً عن «موقف مصر الداعي لاحترام سيادة ووحدة وسلامة أراضي السودان». وتناول الجانبان خلال الاتصال الهاتفي المستجدات التي تشهدها منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر، وسبل تحقيق الأمن والاستقرار في الصومال والحفاظ على وحدة وسلامة أراضيه.

وأكد وزير الخارجية المصري مواصلة دعم بلاده للجهود الصومالية في مكافحة الإرهاب، وتعزيز قدرات الجيش الوطني الصومالي في هذا المجال، مجدداً رفض بلاده مشاركة أي دولة غير مشاطئة للبحر الأحمر في ترتيباته الأمنية وحوكمته.