حديث ويتكوف عن مصر يُثير امتعاضاً في القاهرة

أبراج وفنادق ومكاتب شركات على نهر النيل في العاصمة المصرية القاهرة (رويترز)
أبراج وفنادق ومكاتب شركات على نهر النيل في العاصمة المصرية القاهرة (رويترز)
TT
20

حديث ويتكوف عن مصر يُثير امتعاضاً في القاهرة

أبراج وفنادق ومكاتب شركات على نهر النيل في العاصمة المصرية القاهرة (رويترز)
أبراج وفنادق ومكاتب شركات على نهر النيل في العاصمة المصرية القاهرة (رويترز)

أثار حديث مبعوث الرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، بشأن الوضع في مصر امتعاضاً في القاهرة. وبينما عده البعض «رسالة تهديد وتحذير مبطنة» للبلاد، رأى آخرون أنه تضمن «تعبيرات حادة»، في محاولة للإشارة إلى أنه «لا يمكن السماح بخسارة مصر».

حديث ويتكوف عن مصر، جاء في معرض رده على سؤال بشأن تأثير الأوضاع في قطاع غزة على دول الجوار، وما إذا كان ذلك يثير نوعاً من القلق. وقال ويتكوف، في مقابلة مع الإعلامي الأميركي، تاكر كارلسون، نشرت على منصة «يوتيوب»: «مصر في الواجهة... وأعتقد أن كل الأمور الجيدة التي حصلت بعد الانتخابات بسبب القضاء على نصر الله والسنوار، يُمكن عكسها إذا خسرنا مصر».

وأوضح أن «البيانات في مصر تشير إلى معدل بطالة ضخم، نحو 45 في المائة. لا يُمكن أن تستمر دولة هكذا. وهم (المصريون) مفلسون بصورة كبيرة وبحاجة إلى الكثير من المساعدة». وأضاف: «إذا ما حصل شيء سيئ في مصر، فقد يدفعنا ذلك إلى الوراء... ولهذا علينا حل موضوع غزة».

وتداول إعلاميون ونشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي تصريحات ويتكوف، منتقدين حديثه عن مصر، ومطالبين برد رسمي على ما تضمنه من معلومات «مغلوطة» أو رسائل «تهديد وتحذير مبطنة».

فلسطينيون يحملون جثةً انتُشلت من بين أنقاض منزل دمرته غارات إسرائيلية في حي الشجاعية شرق غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يحملون جثةً انتُشلت من بين أنقاض منزل دمرته غارات إسرائيلية في حي الشجاعية شرق غزة (أ.ف.ب)

وأبدى الإعلامي المصري، نشأت الديهي، امتعاضاً من حديث ويتكوف، ووصفه في منشور عبر حسابه على منصة «إكس»، بأنه «مطور عقاري لم يقرأ التاريخ، ولم يعرف خطوط الجغرافيا، ولا يفهم طبيعة وتعقيدات المنطقة، ولم يعرف الدور المصري في الإقليم». وقال: «مصر ليست دولة مفلسة. ولتذهب معونتكم إلى الجحيم». وأكد الديهي أن «نسبة البطالة في مصر لا تزيد على 6 في المائة، وأن نظام الحكم مستقر وراسخ».

ووصف عضو مجلس النواب المصري السابق (البرلمان)، محمد أبو حامد، في منشور عبر حسابه على «إكس»، تصريحات ويتكوف بأنها «محبطة»، مشيراً إلى أن حديثه «يوحي بأن الدولة المصرية هشة، وأن استقرارها مرتبط بغزة أو غيرها».

وأكد الإعلامي المصري، أحمد موسى، عبر حسابه على «إكس»، أن ويتكوف «ذكر أرقاماً خاطئة تماماً، ومعلومات مضللة وليست دقيقة في معظمها عن مصر»، مشيراً إلى أنه «طبقاً لبيانات المسح التتبعي لسوق العمل في مصر، سواء تقرير (منتدى البحوث الاقتصادية) و(الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء) فإن معدلات البطالة 6 في المائة، وبالنسبة للشباب من 15 حتى 24 عاماً بلغت البطالة 14.7 في المائة عام 2023».

وقال إن «شعب مصر يتحمل الظروف وكل الضغوط مهما كانت، ولن يسمح بتمرير مخطط التهجير للحفاظ على أمننا القومي، والكلام عن إفلاس مصر مجرد أمنيات».

وشاركت الإعلامية داليا أبو عمر جزءاً من تصريحات ويتكوف عبر حسابها على منصة «إكس»، مصحوباً بتعليق «مصر باقية بقاء الدهر».

وعدّ مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير حسين هريدي، حديث ويتكوف، «تهديداً مبطناً لمصر». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التصريحات تضمنت نوعاً من الابتزاز والترهيب لمصر، بهدف الضغط عليها لتقبل التهجير القسري للفلسطينيين، ولا تقف في مواجهة محاولات تصفية القضية الفلسطينية».

وأضاف: «تضمنت التصريحات رسائل مبطنة، مفادها أن الولايات المتحدة قد تتخذ إجراءات ضد مصر تزيد من قساوة الوضع الاقتصادي في البلاد»، مشيراً إلى أنه «ليس من قبيل المصادفة أن تأتي تصريحات ويتكوف بعد يوم من مزاعم إعلامية عن استقبال مصر نصف مليون فلسطيني من غزة في سيناء». وتابع: «كل هذا يصب في محاولة الضغط على مصر لقبول مخطط التهجير».

ونفت مصر بشكل قاطع أخيراً «مزاعم» روّج لها إعلام إسرائيلي بشأن نقل نصف مليون فلسطيني من قطاع غزة إلى محافظة شمال سيناء شرق البلاد المتاخمة للحدود مع غزة، مؤكدة تمسكها بـ«خطة إعمار القطاع».

ولا يعدّ عضو مجلس الشيوخ المصري (الغرفة الثانية في البرلمان)، الدكتور عبد المنعم سعيد، تصريحات ويتكوف عن مصر «تحذيراً أو تهديداً مبطناً»، وإن كان يرى أنه «استخدم تعبيرات حادة عند حديثه عن مصر لم يستخدمها عند الحديث عن دول أخرى في المنطقة».

وقال سعيد لـ«الشرق الأوسط»: «ويتكوف كان يتحدث عن ضرورة إيقاف الحرب في غزة، لأن تأثيرها يمتد للمنطقة ككل، لكنه استخدم تعبيرات حادة عند الحديث عن الوضع في مصر وتضمنت تصريحاته معلومات غير دقيقة». وأوضح أن «حديث ويتكوف يُمكن فهمه في سياق ما كان يتردد في الدوائر الغربية منذ أحداث عام 2011، وهو أن مصر كبيرة جداً لتفشل»، بمعنى «أن دولة بحجم مصر لو سقطت لأي سبب فستكون العواقب وخيمة على العالم أجمع».

وأشار إلى أنه «بدا من حديث ويتكوف أنه لا يعلم شيئاً عن الوضع الحالي في مصر، حيث قدم معلومات غير صحيحة عن نسب البطالة ووضع الاقتصاد». وحمَّل سعيد الإعلام مسؤولية «عدم إيصال صورة حقيقية عن الأوضاع في مصر».

عائلات فلسطينية تغادر الجانب الشرقي من قطاع غزة على الحدود مع إسرائيل عقب غارات جوية (أ.ف.ب)
عائلات فلسطينية تغادر الجانب الشرقي من قطاع غزة على الحدود مع إسرائيل عقب غارات جوية (أ.ف.ب)

ولفت عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية»، السفير محمد حجازي، إلى أن «ويتكوف محق في تقدير مخاطر ممارسات إسرائيل في غزة على دول المنطقة، وكذلك محق في تقدير أهمية مصر ومكانتها، وأنه لا يمكن أن يتحقق الاستقرار في المنطقة دونها».

لكن حجازي أشار في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «ويتكوف خالفه الصواب في تقديره لمناعة مصر وقدرتها على الصمود ومواجهة التحديات»، متسائلاً: «من أين جاء ويتكوف بأرقامه غير الدقيقة عن معدلات البطالة في مصر»، موضحاً أنه «على المبعوث الأميركي أن يستمع أكثر عن مصر ليدرك طبيعة الأمور وحقيقة الأوضاع».

وسبق أن لوَّحَ الرئيس الأميركي دونالد ترمب بإمكانية وقف المساعدات لمصر، إذا لم تقبل استقبال اللاجئين الفلسطينيين. وقال للصحافيين الشهر الماضي: «ربما أوقف المساعدات للأردن ومصر إذا لم يستقبلا اللاجئين». وذلك عقب طرحه مقترحاً لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة وتحويله إلى «ريفييرا الشرق الأوسط». وهو المقترح الذي واجه رفضاً دولياً وعربياً واسعاً، تم على أثره اعتماد خطة عربية لإعادة إعمار قطاع غزة في قمة طارئة عقدت بالقاهرة مطلع الشهر الحالي.


مقالات ذات صلة

8 صحافيين مصريين يتنافسون على منصب نقيب الصحافة

شمال افريقيا صحافيون مصريون يسجلون حضورهم بالجمعية العمومية للنقابة في 21 مارس الماضي (نقابة الصحفيين المصرية)

8 صحافيين مصريين يتنافسون على منصب نقيب الصحافة

دعت اللجنة المشرفة على الانتخابات أعضاء النقابة للتصويت، الجمعة، بعد تأجيل الانتخابات 4 مرات، نتيجة عدم اكتمال النصاب القانوني.

أحمد إمبابي (القاهرة )
شمال افريقيا دار القضاء العالي في وسط القاهرة (رويترز)

الحكم في قضية «طفل دمنهور» يثير تفاعلاً متصاعداً بمصر

أثار الحكم في القضية المعروفة إعلامياً في مصر بـ«طفل دمنهور» تفاعلاً متصاعداً، الخميس، عقب الحكم بالسجن المؤبد (25 عاماً) ضد المتهم.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
شمال افريقيا لقي 7 أشخاص حتفهم وأصيب 9 آخرون في حادث تصادم سيارتين بمصر (أرشيفية)

7 قتلى و9 جرحى في حادث تصادم بشمال مصر

لقي 7 أشخاص حتفهم وأصيب 9 آخرون في حادث تصادم سيارة نقل ثقيل وأخرى نقل خفيف بطريق العلمين - وادي النطرون في مصر.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا مباني مصر القديمة والحديثة ستخضع لرقم قومي موحد (الشرق الأوسط)

مصر إلى تمييز مبانيها بـ«رقم قومي»

أقر مجلس النواب المصري (البرلمان) الثلاثاء الماضي قانوناً جديداً ينص على إصدار «رقم قومي موحد» للعقارات.

رحاب عليوة (القاهرة)
يوميات الشرق شكاوى من منظومة التطوير الجديدة في منطقة الأهرامات (الشرق الأوسط) play-circle

أشهر 10 خرافات وأسرار عن الأهرامات المصرية

يقدّم موقع «إم إس إن» أشهر 10 خرافات عن الأهرامات المصرية، ويكشف عما تقوله الأدلة والبحوث الحديثة بشأنها.

«الشرق الأوسط» (لندن)

الحكم في قضية «طفل دمنهور» يثير تفاعلاً متصاعداً بمصر

دار القضاء العالي في وسط القاهرة (رويترز)
دار القضاء العالي في وسط القاهرة (رويترز)
TT
20

الحكم في قضية «طفل دمنهور» يثير تفاعلاً متصاعداً بمصر

دار القضاء العالي في وسط القاهرة (رويترز)
دار القضاء العالي في وسط القاهرة (رويترز)

أثار الحكم في القضية المعروفة إعلامياً في مصر بـ«طفل دمنهور» تفاعلاً متصاعداً، الخميس، عقب الحكم بالسجن المؤبد (25 عاماً) ضد المتهم بالاعتداء على الطفل في مدرسة شمال البلاد، إذ انقسم المصريون بين مرحِّب بالحكم الأولي بوصفه رادعاً، ومتسائل بقلق عن فرص تأكيده بشكل نهائي في المحطات القضائية المقبلة، وسط توقعات من البعض بتخفيفه.

ذلك التفاعل مع الحكم السريع الذي تلاه قرار وزارة التعليم المصرية، باعتزام إقالة مديرة المدرسة محل واقعة الطفل، تراه خبيرة في الرأي العام والإعلام، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، «نتاج قضية كانت محل اهتمام كبير من الرأي العام»، داعية لعدم البلبلة، واحترام الحكم الصادر، خصوصاً وهو قابل للطعن من جانب محامي المتهم.

وقائع القضية، التي كانت محل اهتمام الرأي العام الأيام الماضية، تعود حسب التحقيقات التي اطلعت عليها «الشرق الأوسط» إلى أوائل 2024، حين اتهم والد طفل (6 سنوات)، المشرف المالي بمدرسة خاصة بمحافظة البحيرة (78 عاماً)، بـ«هتك عرض نجله أكثر من مرة داخل المدرسة».

وبعد نحو عام، قضت محكمة دمنهور شمال مصر، الأربعاء، بالسجن المؤبد على المتهم؛ إذ أُدين بـ«هتك عرض طفل بالقوة»، وتم نقله عبر سيارة الترحيلات للسجن انتظاراً لما تسفر عن المعركة القانونية المنتظرة للطعون، سواء بتأكيد الإدانة، أو تخفيف الحكم، أو البراءة.

ولا يبدي وكيل الضحية المحامي عصام مهنا أي قلق من الاستئناف، قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «نتمنى أن تؤيد محكمة الاستئناف الحكم نفسه»، تقرير الطب الشرعي أشار إلى «حدوث اعتداء على الطفل أكثر من مرة».

وأرجع مهنا سرعة صدور الحكم من أول جلسة لكون «أوراق القضية مستوفاة أمام القاضي»، مشيراً إلى أنه «اعتمد على تقرير الطب الشرعي الذي أثبت حدوث اعتداء على الطفل، بالإضافة إلى شاهدة إثبات وهي ولية أمر في المدرسة».

رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي خلال لقاء سابق مع وزير التعليم محمد عبد اللطيف (مجلس الوزراء المصري)
رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي خلال لقاء سابق مع وزير التعليم محمد عبد اللطيف (مجلس الوزراء المصري)

وعقب الحكم، قال الإعلامي المصري، أحمد موسى، في منشور عبر «إكس» إن «الحكم رادع»، ورأى رجل الأعمال المصري، نجيب ساويرس، أن إعمال القانون والعدل فقط هما أساس الملك.

بينما تساءلت حسابات بمنصات التواصل عن «سبب سرعة الحكم، وشككت فيه»، وهو ما رد عليه الصحافي المتخصص في الشأن القضائي بمصر، محمد بصل، عبر صفحته بـ«فيسبوك»، لافتاً إلى أن «هناك قضايا كبيرة وصغيرة حدث فيها الحكم من أول جلسة»، موضحاً أنه «ليس بالضرورة أن تؤدي هذه السرعة لإلغاء أو تخفيف العقوبات، خصوصاً أنه كان هناك في السنوات الأخيرة تأييد من محكمة النقض والجنايات المستأنفة لتلك الأحكام السريعة التي صدرت بعقوبات مشددة سواء في قضايا رأي عام أو عادية».

ودعا بصل إلى التحلي بأعلى درجات الصبر والتأني وتحرّي سلامة كل الإجراءات، وسد كل الذرائع، مستنكراً المنشورات «الطائفية التي طفحت أو حاولت تتطفل على الموضوع لصالح المتهم أو الضحية».

ومع تساؤله بشأن صدور الحكم في الجلسة الأولى، بينما كان يمكن تأجيله أكثر من مرة للتثبت بكل الوسائل المتاحة، طالب الخبير التعليمي البارز بمصر، كمال مغيث، عبر صفحته بـ«فيسبوك» بـ«تقديم من سهَّل، ومن شارك، ومن تَسَتَّرَ وتواطأ، ومن لم يقم بواجبه للمحاكمة، وأن يخرس الطائفيون (في إشارة لكون المدان مسيحياً)، ومشعلو الحرائق في الوطن».

ودعا إلى «وضع المدرسة تحت الإشراف المالي والإداري لوزارة التربية والتعليم، وضمان انتظام الدراسة بها، مع الحفاظ على الوضع القانوني للمدرسة، فلا ينبغي أن يضار مالكوها، كما لا ينبغي أن يضار مئات من تلاميذها وأولياء أمورهم».

وبالفعل، أكدت وزارة التربية والتعليم المصرية، في بيان صحافي، الأربعاء، أنه «فور صدور حكم محكمة الجنايات، تم التوجيه بانعقاد لجنة التعليم الخاص بالوزارة ومديرية التربية والتعليم بالبحيرة لاتخاذ الإجراءات اللازمة نحو إقالة مديرة مدرسة (الكرمة للغات الخاصة) بدمنهور، وتشكيل لجنة لمراجعة جميع أعمال المدرسة، وعرض تقرير عاجل بذلك الشأن».

وبرأي الخبيرة في الرأي العام والإعلام، عميد كلية الإعلام سابقاً بجامعة القاهرة، الدكتورة ليلى عبد المجيد، فإنه ما دام حكم القضاء قد صدر، فهو الفصل ولا داعي للبلبة، خصوصاً أنه لا تزال هناك مراحل تالية في التقاضي، ويمكن لمحامي المتهم أن يقدم طعناً، وشددت على أهمية استمرار التوعية في مختلف وسائل الإعلام دون الوقوع في الترويج للطائفية أو الكشف عن أسماء الطفل وأسرته كحق أصيل لهم لحفظهم اجتماعياً ونفسياً، لا سيما أن القضية قضية رأي عام ومحل اهتمام كبير، مشددة على أن القانون في مصر حازم في مواجهة أي انفلات وعدم مسؤولية سواء بالترويج لجرائم الطائفية، أو المساس بالقضاء.