شهد محيط القصر الرئاسي بوسط العاصمة السودانية، الخرطوم، معارك طاحنة بين الجيش و«قوات الدعم السريع»، طوال ليل الأربعاء، واستمرت حتى صباح الخميس، حقّق خلالها الجيش تقدماً لافتاً، وألحق خسائر فادحة بـ«قوات الدعم»، المتحصنة بالقصر والمؤسسات الحكومية والبنايات المحيطة، فيما أكدت «قوات الدعم» أنها سيطرت على منطقة «المالحة» الاستراتيجية قرب الحدود السودانية - الليبية.
ومنذ الشهر الماضي، استعاد الجيش العديد من المناطق في العاصمة الخرطوم، وتبقت مناطق محدودة تحت سيطرة «قوات الدعم السريع»، بينها القصر الرئاسي، وكل الوزارات وبنك السودان المركزي والمؤسسات الحكومية المهمة. وتحاول قوات الجيش، المدعومة بالمستنفرين وكتائب الإسلاميين، استرداد القصر باعتباره رمزاً للسيادة والسيطرة.

وكان قائد «قوات الدعم السريع» محمد حمدان دقلو (حميدتي) قد قال، يوم السبت الماضي، إن الحرب ضد الجيش السوداني باتت الآن داخل الخرطوم، مشدداً على أن قواته لن تخرج منها أو من القصر الجمهوري. وتسيطر «قوات الدعم السريع» على معظم غرب السودان وأجزاء من العاصمة، بعد ما يقرب من عامين من اندلاع الحرب، لكنها تتكبد خسائر في وسط البلاد أمام الجيش.
وواصل الجيش الأسبوع الماضي تقدمه على حساب «الدعم السريع»، واستطاع إعادة وصل وربط منطقة سلاح المدرعات بالقيادة العامة، بعد أن ظلتا جزيرتين معزولتين منذ الأيام الأولى للحرب، وأعلن «التحام» جنود المدرعات بالقوات المرابضة في القيادة العامة وسط الخرطوم.
وذكر الشهود أن معارك وسط الخرطوم قد استخدمت فيها أنواع الأسلحة كافة، وعلى رأسها المدفعية الموجهة والطيران الحربي والطائرات المسيرة، ما ألحق خسائر فادحة بالمباني والمنشآت، بما فيها القصر الرئاسي، ونقلت منصات موالية للجيش مقاطع فيديو لمبانٍ تشتعل فيها النيران إلى الجنوب من القصر.

ولم تصدر تصريحات رسمية من طرفي القتال بشأن المعارك الضارية التي شهدتها منطقة وسط الخرطوم، لكن منصات موالية للجيش ذكرت أن الطيران المسير لعب دوراً مهماً في القتال، ودمر عشرات المركبات القتالية التابعة للجيش.
وقالت المنصات إن المسيرة التركية من طراز «بيرقدار» التي حصل عليها الجيش السوداني أخيراً، مكّنته من إحكام الحصار على «الدعم السريع»، وحالت دون محاولات انسحاب مجموعات من جنوده.
وذكرت المنصات أن الجيش دمر معظم القوات الموجودة في منطقة السوق العربي وشارع النيل، وقضى على قوات حاولت الانسحاب بالقوارب النهرية إلى منطقة أم درمان، ودمر شاحنات ذخائر وأمداد وعربات قتالية، وأخرى مزودة بأجهزة تشويش متطورة.
وقال موالون للجيش إن «الدعم السريع» حاول إدخال قوات إسناد «فزع» آتية من الجنوب، لنجدة قواته المحاصرة وسط الخرطوم، لكن الجيش قطع الطريق عليها مستخدماً المسيرات والمدفعية الموجهة، وألحق بها خسائر فادحة، ما اضطرها للتراجع جنوباً.

وبثّت منصة «إعلام الدروع» التابعة لسلاح المدرعات، مقطع فيديو يظهر حرائق كبيرة في مناطق جنوب القصر الرئاسي، قالت إنها عملية دمرت خلالها قوات تابعة لـ«الدعم السريع» حاولت الانسحاب جنوباً، بجانب نشر مقاطع فيديو لأعداد من القتلى زعمت أنهم جنود من «قوات الدعم السريع».
وأظهر إعلام «قوات الدعم السريع» مقطع فيديو لجنوده، وهم على أعلى جسر «المنشية» الذي كان الجيش قد سيطر على ضفته الشرقية، وقال إن قواته تتجه إلى ضاحية «شرق النيل» وتحكم الحصار على القيادة العامة، فيما أكدت المنصات الموالية له إفشال هجوم القصر، وبثّت مقاطع فيديو، قالت إنها من «داخل» القصر.
وفي شمال دارفور، قالت «قوات الدعم السريع» في نشرة وزّعها الإعلام التابع لها، إنها استولت على منطقة «المالحة» بولاية شمال دارفور، وتسلمت معسكر القوات المشتركة الموالية للجيش، واستولت على كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر والعربات القتالية.

و«المالحة» من المناطق التي يسيطر عليها الجيش والقوات المشتركة الحليفة له، في شمال دارفور، لكنها تخضع لحصار من «قوات الدعم السريع» وتقع في قلب الصحراء بالقرب من الحدود مع ليبيا، وتعد نقطة وصل بين مدينة «الدبة» في الولاية الشمالية، ومدينة «حمرة الشيخ» في ولاية شمال كردفان.
وأرسل الجيش السوداني تعزيزات عسكرية إلى «المالحة» منذ فبراير (شباط) الماضي، محاولاً فكّ الحصار عنها، ومن ثم فكّ الحصار الذي يفرضه «الدعم السريع» على مدينة الفاشر منذ مايو (آيار) 2024.
يذكر أنه في 2021، نفّذ الطرفان العسكريان انقلاباً أدى إلى تعطيل عملية الانتقال للحكم المدني، واندلعت الحرب في أبريل (نيسان) 2023 بعد أن أدّت خطط تسليم جديدة للحكم إلى نشوب صراع عنيف. وأدّت الحرب إلى ما وصفتها الأمم المتحدة بأنها أكبر أزمة إنسانية في العالم، مع اتهام كل من «قوات الدعم السريع» والجيش بارتكاب انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان.