رائحة الموت تنبعث من أحد أحياء الخرطوم على وقْع المعارك بين الجيش و«الدعم السريع»

فريق «الهلال الأحمر السوداني» يحمل بقايا الجثث التي استُخرجت من حفرة الصرف الصحي (أ.ف.ب)
فريق «الهلال الأحمر السوداني» يحمل بقايا الجثث التي استُخرجت من حفرة الصرف الصحي (أ.ف.ب)
TT
20

رائحة الموت تنبعث من أحد أحياء الخرطوم على وقْع المعارك بين الجيش و«الدعم السريع»

فريق «الهلال الأحمر السوداني» يحمل بقايا الجثث التي استُخرجت من حفرة الصرف الصحي (أ.ف.ب)
فريق «الهلال الأحمر السوداني» يحمل بقايا الجثث التي استُخرجت من حفرة الصرف الصحي (أ.ف.ب)

تنبعث رائحة كريهة من حفرة للصرف الصحي في حي دمّرته الحرب في الخرطوم، بينما ينهمك عناصر «الهلال الأحمر» في انتشال جثة منتفخة من تحت الأرض. ويقول المتطوعون إن 14 جثة أخرى لا تزال تحت الأرض.

وقال مدير الطب العدلي بولاية الخرطوم هشام زين العابدين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، في الموقع، إن بعض الجثث «عليها آثار إطلاق نار على رؤوسها وهي مهشّمة الجماجم».

وأضاف أن الضحايا إما أُطلق عليهم الرصاص أو ضُربوا حتى الموت قبل إلقائهم في الحفرة.

وخلفه كان صندوق شاحنة يمتلئ بالجثث المُنتشَلة من حفرة الصرف الصحي في منطقة شرق النيل، إحدى المناطق الشرقية للخرطوم، والتي باتت، الآن، أنقاضاً.

وألحقت الحرب المستمرة منذ أكثر من عامين بين الجيش وقوات «الدعم السريع»، أضراراً كبيرة بمساحات واسعة من الأراضي.

ومنذ اندلاع الحرب، فرَّ أكثر من 3.5 مليون شخص من سكان الخرطوم، التي كانت، ذات يوم، مدينة تنبض بالحياة، وفق الأمم المتحدة.

ويعيش ملايين آخرون ممن هم غير قادرين أو غير راغبين في المغادرة، بين مبان مهجورة وهياكل سيارات وما يطلق عليه الجيش مقابر جماعية مخفية.

مدينة مدمَّرة

تتواصل الحرب بين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، ونائبه السابق قائد قوات «الدعم السريع» محمد حمدان دقلو، منذ أبريل (نيسان) 2023.

وأسفرت المعارك عن مقتل عشرات الآلاف، وتهجير أكثر من 12 مليون شخص، وفق أرقام الأمم المتحدة، يعيش كثيرون منهم في مخيمات مؤقتة، بينما فرّ أكثر من 3.5 مليون شخص عبر الحدود.

واستولت قوات «الدعم السريع»، في البداية، على الخرطوم، لكن، في الأشهر الأخيرة، استعاد الجيش السيطرة على مناطق؛ من بينها بحري، المعروفة بالخرطوم شمال، ومنطقة شرق النيل الواقعة شرقاً.

وحالياً لا تفصل وحدات الجيش في وسط الخرطوم عن القصر الرئاسي الذي سيطرت عليه قوات «الدعم السريع» في بداية الحرب، سوى أقل من كيلومتر واحد.

ورغم تلك المكاسب، لا يزال دقلو على تحديه، إذ توعَّد بألا تنسحب قواته من العاصمة. وتعهّد، في كلمة عبر تطبيق «تلغرام»، بأن قواته «لن تخرج من القصر الجمهوري». وأضاف: «نحن قادمون إلى بورتسودان» الواقعة على البحر الأحمر، وحيث تتمركز الحكومة منذ سقوط الخرطوم.

وعَبَر فريق من «وكالة الصحافة الفرنسية»، بمواكبة عسكرية، من أم درمان، المدينة التوأم للخرطوم، والتي استعادها الجيش، العام الماضي، إلى بحري وضواحيها التي مزّقتها الحرب.

ومرّ الموكب في أحياء مهجورة ومُوحشة؛ بما فيها حي الحاج يوسف، حيث تمتد هياكل المتاجر المغلقة والأرصفة المتداعية على طول الشوارع.

وتنتشر الأنقاض والحطام والإطارات المتروكة في الشوارع.

وتجلس مجموعات صغيرة من الناس بين كل بضعة شوارع أمام مبانٍ ومتاجر فارغة منخورة بالرصاص.

وتوقفت المستشفيات والمدارس عن العمل. ويقول الجيش إنه عثر على عدد من المقابر الجماعية، إحداها في محكمة أم درمان.

وتبدو على المدنيين الذين ما زالوا في المدينة، صدمة الحرب.

وقالت صلحة شمس الدين، التي تسكن قرب الحفرة؛ حيث ألقت قوات «الدعم السريع» جثثاً: «سمعت أصوات الرصاص، ليلاً، عدة مرات كما شاهدتهم يُلقون جثثاً في البئر».

عملية انتشال الجثث من الحفرة قرب شرق النيل بالخرطوم (رويترز)
عملية انتشال الجثث من الحفرة قرب شرق النيل بالخرطوم (رويترز)

جوع

وبالنسبة لمن نجوا وشاهدوا استعادة الجيش للمنطقة، مطلع الشهر، لا تزال الحياة تطرح صعوبات مستمرة. فالكهرباء مقطوعة، والمياه النظيفة والطعام شحيحان.

في شارع هادئ في بحري، يجلس نحو 40 امرأة تحت خيمة مؤقتة يُحضّرن وجبات الإفطار في مطبخ مجتمعي، وهو واحد من عدد من المطابخ التي عانت في ظل سيطرة قوات «الدعم السريع».

وتقوم النسوة بتحضير العصيدة والعدس في أوان كبيرة على نار الحطب.

والغاز لم يعد متوافراً، وشاحنات المياه تأتي، الآن، من أم درمان، وهو تحسُّن ملحوظ، مقارنة بالفترة عندما كان السكان يخاطرون تحت نيران القناصة للوصول إلى نهر النيل، الذي بدوره يمثل مخاطر صحية في ظل غياب خدمات الصرف الصحي.

وأصبحت المطابخ المجتمعية خط الدفاع الأخير للمدنيين الذين يعانون الجوع، وفقاً للأمم المتحدة. لكنها عانت صعوبات طوال الحرب للصمود.

ومع قطع طرق وتدمير أسواق وسلب مقاتلي قوات «الدعم السريع» للمتطوعين تحت تهديد السلاح، أصبح إطعام المحتاجين شبه مستحيل.

وقال مؤيد الحاج، أحد المتطوعين في مطبخ مجتمعي بحي شمبات: «أيام سيطرة (الدعم السريع)، كانت لدينا مشكلة في التمويل لأنهم يصادرون الأموال التي يجري تحويلها عبر التطبيقات البنكية». وأضاف: «لكن، الآن، الوضع اختلف، شبكات الهواتف تعمل، كما أننا، كل أسبوعين، نذهب إلى أم درمان لجلب احتياجات المطبخ».

وما بدأ نزاعاً على السلطة بين البرهان ودقلو، تحوّل إلى أكبر أزمة نزوح وجوع في العالم.

وأدت الحرب إلى تدمير البنية التحتية للسودان، وانهيار اقتصاده الضعيف أصلاً، ودفعت بالملايين إلى حافة الجوع.

وأُعلنت المجاعة في ثلاثة مخيمات للنازحين، وفق التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي المدعوم من الأمم المتحدة.

وفي الخرطوم وحدها، يعاني ما لا يقل عن 100 ألف شخص ظروف مجاعة، وفقاً للتصنيف المرحلي المتكامل.


مقالات ذات صلة

مسؤول أممي: تقدم الجيش السوداني سيرغم «الدعم السريع» على الانسحاب لدارفور

شمال افريقيا جنود سودانيون داخل القصر الجمهوري في الخرطوم (أ.ف.ب) play-circle

مسؤول أممي: تقدم الجيش السوداني سيرغم «الدعم السريع» على الانسحاب لدارفور

صرح فولكر بيرتيس، المبعوث الأممي السابق إلى السودان، بأن النجاحات العسكرية التي حققها الجيش السوداني سوف ترغم «قوات الدعم السريع» على الانسحاب إلى معقلها.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
شمال افريقيا الجيش السوداني يستعيد السيطرة على القصر الرئاسي play-circle

الجيش السوداني يستعيد السيطرة على القصر الرئاسي

أعلن الجيش السوداني، صباح الجمعة، أنه سيطر بالكامل على القصر الرئاسي في وسط الخرطوم، ما يعد أحد المكاسب الكبيرة في الصراع المستمر منذ عامين في البلاد.

أحمد يونس (كمبالا) محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا جنود من الجيش السوداني شمال الخرطوم (رويترز)

الجيش السوداني يسيطر على المقر الرئيس للبنك المركزي

قال مصدران عسكريان لـ«رويترز» اليوم السبت إن الجيش السوداني سيطر على المقر الرئيس للبنك المركزي مع مواصلة تقدمه في العاصمة ضد «قوات الدعم السريع» شبه العسكرية.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا عناصر في الجيش السوداني يحتفلون بعد استعادتهم القصر الجمهوري في الخرطوم أمس (أ.ب)

الجيش السوداني يستعيد القصر بعد غياب عامين

أعلن الجيش السوداني، أمس أنه سيطر بالكامل على القصر الرئاسي في وسط الخرطوم، بعد عامين من غيابه عنه، بسبب سيطرة «قوات الدعم السريع» عليه في الأسابيع.

محمد أمين ياسين ( نيروبي) أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا جنود من الجيش السوداني أمام القصر الجمهوري في الخرطوم (أ.ب)

الخارجية السودانية: الجيش يسيطر على القصر الجمهوري ومباني الوزارت السيادية بالخرطوم

أعلنت وزارة الخارجية السودانية، اليوم الجمعة، سيطرة الجيش و«القوات المساندة» على القصر الجمهوري ومباني الوزارت السيادية ووسط العاصمة الخرطوم.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)

موائد إفطار قادة ليبيا تتحول إلى فرصة للتوظيف السياسي

قادة الجيش الوطني الليبي على مائدة إفطار القيادة العامة (الجيش الوطني)
قادة الجيش الوطني الليبي على مائدة إفطار القيادة العامة (الجيش الوطني)
TT
20

موائد إفطار قادة ليبيا تتحول إلى فرصة للتوظيف السياسي

قادة الجيش الوطني الليبي على مائدة إفطار القيادة العامة (الجيش الوطني)
قادة الجيش الوطني الليبي على مائدة إفطار القيادة العامة (الجيش الوطني)

خلال هذا الشهر الفضيل، حرص أغلب أفرقاء المشهد الليبي على تنظيم موائد إفطار رمضانية، لكنها لم تخلُ من توجيه عدد من الرسائل السياسية.

ووفقاً لمراقبين، فإن إقامة هذه الموائد، وإن كانت تقليداً سنوياً لبعض الشخصيات المتصدرة للمشهد السياسي؛ فإن وضعية الانقسام السياسي والحكومي بالساحة الليبية ألقت بظلالها على هذا النشاط عبر توظيفه سياسياً.

وخلال كلمته بمأدبة الإفطار التي أقامها بأحد فنادق العاصمة طرابلس، دعا رئيس المجلس الرئاسي الليبي، محمد المنفي، إلى إجراء «استفتاء تديره هيئة محايدة ذات مصداقية لحسم الخلاف على بعض القضايا بالقوانين الانتخابية».

وعَدّ العضو بالمجلس الأعلى للدولة، علي السويح، أن حفلات الإفطار توصف دائماً بأنها عرف اجتماعي ودبلوماسي لاستضافة بعض المسؤولين، خاصة من ضيوف البلاد، «وليست بأي حال مجالاً لممارسة العمل السياسي».

وقال السويح لـ«الشرق الأوسط» إن «بعض المروجين لمبادرتهم أو خططهم السياسية، عبر تلك الموائد، ربما يهدفون لاستقطاب شخصيات من خارج صفوف المؤيدين لهم من النخب السياسية والإعلامية البارزة، أو تصدير صورة انفتاحهم بالحوار على خصومهم، لوسائل الإعلام والرأي العام».

الدبيبة في حفل إفطار لأفراد الشرطة (حكومة الوحدة)
الدبيبة في حفل إفطار لأفراد الشرطة (حكومة الوحدة)

وأضاف السويح موضحاً: «بمجرد التقاط الصور التذكارية للفعالية وانتهائها، يعود الجميع لخندقه وقناعاته السياسية، وللأسف لا يزال التفكير غائباً بأن يتم استغلال أجواء الشهر الكريم للدعوة لموائد إفطار يكون عنوانها الرئيسي تحقيق المصالحة الوطنية».

وتتنازع حكومتان على السلطة في ليبيا: الأولى «الوحدة الوطنية» المؤقتة، وتتخذ من العاصمة بالغرب الليبي مقراً لها، والثانية مكلفة من البرلمان، وتحظى أيضاً بدعم قائد «الجيش الوطني»، المشير خليفة حفتر، وتدير المنطقة الشرقية وبعض مدن الجنوب.

ورغم إشادته بلقاء الدبيبة برجال المرور، ومشاركته لهم مائدة إفطار تقديراً لدورهم، وتفهمه أيضاً لمشاركته مؤخراً أهالي مصراتة مسقط رأسه إفطاراً آخر، فإن السويح قلل من «إمكانية أن تسهم أي مشاركة لأي مسؤول في تلك الفعاليات في تعزيز حضوره أو شعبيته».

وبفارق يوم واحد عن فعالية المنفي، شارك حفتر كعادته السنوية في مأدبة إفطار جماعي، أقيمت في مقر القيادة العامة للجيش بمنطقة الرجمة في مدينة بنغازي (شرق)، بحضور آمري الوحدات، ومديري الإدارات، وبعض الضباط، وأكد خلال كلمة له بها أهمية «الوحدة والتعاون بين مختلف الوحدات العسكرية من أجل تعزيز قدراتها لمواجهة التحديات».

الحداد في إفطار رمضاني (الوحدة)
الحداد في إفطار رمضاني (الوحدة)

إلا أن الناشط السياسي الليبي، حسام القماطي، عدَّ أن الأحاديث التي ترددت أخيراً عن توجه البرلمان لتنصيب حفتر رئيساً للبلاد طغت على ما طرح خلال تلك الموائد.

وكان مقربون من حفتر ومصادر بمجلس النواب الليبي قد نفوا لـ«الشرق الأوسط»، ما تردد عن عقد جلسة برلمانية لتنصيب حفتر رئيساً مؤقتاً للبلاد.

وفي تصريح لـ«الشرق الأوسط» سلَّط القماطي الضوء على ما عقدته قيادات عسكرية في الغرب الليبي من موائد إفطار، تنبئ بإعادة صياغة تحالفات السيطرة وفرض النفوذ هناك، وتحديداً بالعاصمة. وقال إن الصور التي أظهرت مشاركة رئيس أركان الجيش الليبي، التابع لحكومة «الوحدة الوطنية»، محمد الحداد، مأدبة إفطار رفقة وكيل وزارة الدفاع التابعة للحكومة، عبد السلام الزوبي، ومدير إدارة الاستخبارات العسكرية، محمود حمزة، «حظيت بكثير من الاهتمام».

ويرى القماطي أن الهدف من إقامتها هو «نفي أي توتر بين الحداد، الذي ينتمي للمؤسسة العسكرية النظامية، والزوبي وحمزة اللذين هما بالأساس قادة مجموعات مسلحة تم إدماج كياناتهم بوزارات وأجهزة الدولة، ورفع رتبهم العسكرية تدريجياً».

«وربما أيضاً قد تكون بمثابة إعلان عن تكتل جديد بمواجهة رئيس جهاز الردع، عبد الرؤوف كاره، والمتحالفين معه بهدف فرض سيطرتهم على العاصمة»، وفق القماطي.