يترقب ليبيون، في أجواء متكررة لا تخلو من قلق بالغ، وصول المبعوثة الأممية الجديدة هانا سيروا تيتيه، إلى بلدهم لتولي مهمتها رئيسةً لبعثة الأمم المتحدة للدعم في البلاد.
وتيتيه، التي تعد عاشر مبعوث أممي يتولى المهمة المعقدة في ليبيا منذ رحيل نظام الرئيس الراحل معمر القذافي عام 2011، ينتظرها عدد من «الملفات الثقيلة» من بينها الأزمة السياسية التي تراوح مكانها، ولم تثمر إلا انقساماً حكومياً بين شرق البلاد وغربها.
وينطلق الترقب الليبي لقدوم تيتيه من زاوية، كيفية معاملة المبعوثة الجديدة مع «الأطراف المتصارعة»، وهل ستُكمل ما بدأته ستيفاني خوري، المبعوثة الأممية بالإنابة، من جهود لحلحلة الأزمة السياسية منذ توليها منصبها نهاية أبريل (نسيان) 2024؟
وفي إطار تباين في الرؤى تجاه الدور الأممي عموماً في ليبيا، يرى محمد تامر عضو مجلس النواب، أن الأزمة السياسية في البلاد و«آلية إدارتها بين كل الأطراف» من بين المعوقات التي تنتظر تيتيه، وهنا يحذر: «إذا اتخذت نهج سابقيها الأمميين؛ فأعتقد أن مهمتها ستكون غير مجدية».
ولم تخلُ الأشهر الماضية من تحركات لمجلسي النواب و«الأعلى للدولة» لجهة تشكيل «حكومة موحدة جديدة»، وتعديل قانوني الانتخابات الرئاسية والنيابية، بموازاة تسارع أممي قادته خوري لإحياء العملية السياسية الميتة.
وقبل أن تصل تيتيه إلى طرابلس لتسلُّم مهامها الجديدة، تحدث تامر، النائب عن جنوب ليبيا إلى «الشرق الأوسط»، بأنه «يجب عليها الاعتماد على مجلسي النواب والدولة، كركيزة لأي حل للأزمة السياسية». كما نصحها بـ«عدم توسيع دائرة الحوار مع كل الأطراف، والاكتفاء بالرئيسية منها فقط المتصلة بالحل».
وتتمتع تيتيه، وفق البعثة الأممية في ليبيا بخبرة «تمتد عقوداً» على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية، بما في ذلك توليها منصب المبعوثة الخاصة للأمين العام، لمنطقة القرن الأفريقي بين عامي 2022 حتى عام 2024.
وكانت قد شغلت منصب الممثلة الخاصة للأمين العام لدى الاتحاد الأفريقي، ورئيسة مكتب الأمم المتحدة لدى الاتحاد الأفريقي بين عامي 2018 و2020، بعد أن تولت سابقاً منصب المدير العام لمكتب الأمم المتحدة في نيروبي.
وخلال السنوات الماضية، بات ملحوظاً ازدياد الليبيين الذين لم يعودوا يعوِّلون على دور البعثة الأممية في حل أزمة بلدهم، فيما يصعد البعض ويتهمها أحياناً بعرقلته. واتصالاً بذلك يعتقد رئيس عبد الرؤوف بيت المال، رئيس «حزب ليبيا النماء» سابقاً بأنه «لا يرى أي دور من البعثة لحل الأزمة؛ وإنما إدارتها».
ويوضح بيت المال أن بلده تحت الفصل السابع «ما يعني أن سلطة مجلس الأمن الدولي أكبر من مجرد التشاور والزيارات والقلق والدعوة والطلب»، متابعاً: «كان على البعثة التعامل مع المشكلة بموضوعية، وتنفيذ خطوات عملية لتغيير الواجهات السياسية، وإجراء انتخابات عامة بضمانات ومراقبة دولية».
وفي ظل انقسام سياسي وحكومي، انتهت جهود خوري خلال قرابة 8 أشهر مضت إلى الإعلان عن «عملية سياسية شاملة» تتضمن تشكيل لجنة فنية تتكون من خبراء ليبيين يناط بها معالجة القضايا الخلافية في القوانين الانتخابية، وطرح خيارات لكيفية الوصول إلى الانتخابات المؤجلة، منذ نهاية ديسمبر (كانون الأول) 2021.
غير أن بيت المال يحدثنا عن «الواقع الليبي» الذي تنعكس فيه «التجاذبات السياسية الإقليمية والدولية؛ والمصالح المتضاربة التي ترغب في استمرار الوضع الحالي على ما هو عليه؛ حتى يستفيق الشعب من غفوته ويُحْدث الله بعد ذلك امراً».
وسبق لرئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، أن صرح بأن «الأمور تسير بخطى ثابتة نحو حكومة جديدة بالتنسيق مع المجلس الأعلى للدولة»، وتَعَهَّدَ بأن تجري عملية «اختيار رئيس الحكومة الجديدة خلال جلسة برلمانية معلنة».
وكان ليبيون يأملون أن تتحلحل أزمة بلدهم خلال العام الحالي، بما يفضي إلى انتخابات وفق تحركات مجلسي النواب و«الأعلى للدولة»، أو أن تثمر «المبادرة» التي كانت تديرها خوري عن نتائج تحرك المياه الراكدة، لكن جاءت تيتيه وليبيا لا تزال تبحث عن حل يقيها الانزلاق.
بقي من «الملفات الثقيلة» التي تنتظر المبعوثة الأممية، وفق ما رصد عضو مجلس النواب محمد تامر، «الوضع الأمني، خصوصاً في المنطقة الغربية؛ وما تشهده بين الحين والآخر من صراع مسلَّح بين التشكيلات»، بالإضافة إلى ملف «المصالحة الوطنية»، الذي وصفه بأنه «ملف مهم جداً، ويعد أحد المعوقات للوصول إلى حل».
وتحدث تامر عن عائق آخر وصفه بـ«الرئيسي» قد يواجه المبعوثة الأممية، يتمثل في تشكيل «حكومة جديدة» تتولى الإشراف على الاستحقاق الانتخابي الرئاسي والبرلماني المنتظر، إلى جانب تحديات أخرى تتعلق «بتثبيت هدنة وقف إطلاق النار»، و«الميزانية الموحدة»، وانتهى قائلاً: «ننتظر كيف سيتم التعامل مع هذه الملفات ونرى ماذا ستفعل».
والتقت خوري غالبية الأطراف السياسية والاجتماعية في ليبيا للاستماع إلى آرائها بشأن العملية السياسية، وسبق أن أكدت أن العملية الأممية التي أطلقتها «تهدف إلى تحقيق الاستقرار، وتوحيد مؤسسات الدولة، وتعزيز الانتخابات الوطنية الشاملة». وبات على الليبيين أن ينتظروا ويترقبوا ماذا ستسفر عنه جهود المبعوثة الأممية الجديدة من حلول لأزمتهم المتكلسة.