«الأعلى للدولة» الليبي المنقسم... مصير غامض ينتظر «تغيرات سياسية»

وسط احتدام الصراع بين المشري وتكالة

المشري وتكالة في لقاء سابق قبل اندلاع الخلاف بينهما (المجلس الأعلى للدولة)
المشري وتكالة في لقاء سابق قبل اندلاع الخلاف بينهما (المجلس الأعلى للدولة)
TT

«الأعلى للدولة» الليبي المنقسم... مصير غامض ينتظر «تغيرات سياسية»

المشري وتكالة في لقاء سابق قبل اندلاع الخلاف بينهما (المجلس الأعلى للدولة)
المشري وتكالة في لقاء سابق قبل اندلاع الخلاف بينهما (المجلس الأعلى للدولة)

لا يزال الانقسام يخيم على أوضاع المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، منذ إجراء أولى جلسات انتخابات رئاسته قبل خمسة أشهر، في ظل صدور أحكام قضائية متضاربة لصالح المتنازعين على الرئاسة، خالد المشري ومحمد تكالة.

ومع احتدام الصراع بينهما، وإصرار كل طرف على عدم اختصاص المحكمة، التي لجأ لها كل واحد منهما للنظر في هذا النزاع، وبالتبعية عدم الإقرار بالأحكام، يتخوف عدد من أعضاء هذا المجلس الاستشاري من أن يرتهن مصيره للنزاعات القانونية. كما ترى أصوات سياسية أن النزاع الراهن بين المشري وتكالة قد ينتهي بـ«تغيرات سياسية»، قد تنشأ إذا ما نجحت المبادرة الجديدة للبعثة الأممية؛ أو بتمكّن أي من المتنازعين على استقطاب غالبية أعضاء المجلس لصالحه.

من جلسة سابقة لأعضاء المجلس الأعلى للدولة (المجلس)

عضو «الأعلى للدولة»، محمد معزب، انضم للطرح الأخير، وتوقع «التئام صفوف مجلسه، وانتهاء الانقسام الراهن خلال أقل من ثلاثة أشهر»، في ظل ما يعتقده بـ«ازدياد أعداد الأعضاء المؤيدين لصحة انتخاب تكالة رئيساً للمجلس».

وقال معزب لـ«الشرق الأوسط» إن أغلب الأحكام القضائية التي صدرت بشأن النزاع على رئاسة المجلس الأعلى «تفيد بعدم صحة جلسة انتخاب رئاسة المجلس الدورية، التي عقدت في أغسطس (آب) الماضي، باستثناء حكم واحد صدر من محكمة ابتدائية في مدينة الزاوية».

واندلعت أزمة الرئاسة في «الأعلى للدولة» بحصول المشري على 69 صوتاً، مقابل 68 لتكالة، قبل أن يتفجَّر جدل واسع حول قانونية تصويت أحد الأعضاء، بعد كتابته اسم الأخير في غير المكان المخصص، وتم على أثر ذلك اللجوء إلى القضاء لحسم هذا الخلاف.

عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة الوحدة المؤقتة (الوحدة)

واستناداً لأحكام قضائية صدرت لاحقاً بإلغاء فوز المشري برئاسة «الأعلى للدولة»، تمكَّن تكالة وأنصاره من إعادة انتخابات رئاسة «الأعلى للدولة» خلال جلسة عقدت في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، نتج عنها فوزه بها، وسط مقاطعة المشري وأنصاره لها، وتشكيكهم في صحة النصاب القانوني لعقد تلك الجلسة، وتقديمهم لطعن بإلغاء نتائجها أمام محكمة في مدينة الزاوية، تم قبوله فيما بعد.

ويؤكد معزب وجود 79 عضواً من أصل 142 من أعضاء المجلس يحضرون الجلسات، التي تعقد برئاسة تكالة بالوقت الراهن، أي أن الأخير تمكن بفضل تواصل صدور أحكام قضائية تعزز موقفه من استقطاب بعض الأعضاء، الذين كانوا في البداية مؤيدين لموقف المشري، وبات يتمتع بدعم قرابة ثلثي أعضاء المجلس.

والخميس الماضي، أصدرت الدائرة الإدارية بمحكمة استئناف جنوب طرابلس حكماً، يقضي بإلغاء نتائج جلسة انتخابات المجلس الأعلى للدولة في السادس من أغسطس الماضي، بسبب «مخالفات قانونية وإجرائية أثرت على شرعية الجلسة ونتائج الانتخابات، التي أُعلن بموجبها خالد المشري رئيساً للمجلس».

وفيما رحب تكالة بهذا الحكم الأخير، وعدّه دليلاً على صحة جلسة انتخابه رئيساً للمجلس، تمسك المشري بعدم اختصاص المحكمة الإدارية بالنظر في القضية لطبيعتها الدستورية، وأكد انتظاره إصدار حكم من المحكمة العليا للفصل في القضية، بناء على طعن تقدم به إليها.

واستبعد معزب أن يؤثر الانقسام الراهن على فرص إشراك «الأعلى للدولة» في العملية السياسية، التي طرحتها المبعوثة الأممية بالإنابة، ستيفاني خوري، وتنتظر التفعيل.

عقيلة صالح رئيس مجلس النواب الليبي (المجلس)

في المقابل يرى عضو «الأعلى للدولة»، عادل كرموس، أن الخلاف الرئيس الذي يقسم مجلسه منذ عدة أشهر «ليس قضائياً بقدر ما هو سياسي، وينحصر تحديداً في قضية تشكيل الحكومة المقبلة للبلاد»، مشيراً إلى أنه «إذا تم تفعيل مبادرة خوري، التي تذهب بالفعل لإيجاد سلطة تنفيذية موحدة للبلاد، فقد يحسم الأمر وينتهي النزاع خلال أسبوع».

وقال كرموس لـ«الشرق الأوسط»: «إذا حددت البعثة آلية لتشكيل الحكومة الموحدة واعتمدتها، فلن تكون هناك مصلحة لتكالة أو المشري، وسينتهي الخلاف سريعاً، خاصة أنه لا مشاكل حقيقية بين الأعضاء».

ويشير كثير من الأصوات السياسية لتقارب مواقف تكالة مع رئيس حكومة الوحدة «المؤقتة»، عبد الحميد الدبيبة، مما يثير تشكيكاً بموافقته على تشكيل حكومة جديدة للبلاد بديلة لحكومة الأخير، وبالمقابل يرصد ذلك أيضاً تقارباً بين كل من المشري ورئيس البرلمان عقيلة صالح على تشكيل «حكومة جديدة» تضطلع بمهمة إجراء الانتخابات.

وأقر كرموس بانتقال عدد محدود من أعضاء «الأعلى للدولة»، ممن شاركوا في البداية مع المشري لجبهة تكالة، إلا أنه شدّد على أن الأمر «لم يحسم بعد، وقد تعاد الأوضاع لنصابها إذا انتهى النزاع القانوني لمصلحة المشري».


مقالات ذات صلة

​المبعوثة الأممية الجديدة تتعهد العمل مع جميع أطراف الأزمة الليبية

شمال افريقيا غوتيريش خلال استقبال تيتيه (الأمم المتحدة)

​المبعوثة الأممية الجديدة تتعهد العمل مع جميع أطراف الأزمة الليبية

أعربت تيتيه عن امتنانها بثقة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بتعيينها ممثلاً خاصاً له ورئيساً للبعثة الأممية في ليبيا.

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا جثث عثر عليها في «مقابر جماعية» بالكفرة (مركز طب الطوارئ والدعم)

«حفر الموت» في ليبيا تلفظ المزيد من جثث المهاجرين السريين

على مدار الأسبوعين الماضيين، يستيقظ الليبيون على أنباء الكشف عن «حفر جديدة للموت»، تُستخرج منها جثث لعشرات المهاجرين «تمت تصفيتهم»، وفقاً للأجهزة الأمنية.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا احتفالات واسعة بذكرى إسقاط نظام القذافي (منصة حكومتنا)

كل ليبي يتمسك بـ«ثورته»... انقسام بين أنصار «الملكية» و«الفاتح» و«فبراير»

في ليبيا لم يطو الزمن المناسبات السياسية ولا ذكرى الأحداث الأليمة بعد؛ إذ إنه في البلد الأفريقي، يحتفل كل مواطن بثورته في مواعيدها.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا السلطات الأمنية بشرق ليبيا تستعرض المهاجرين «المحررين» قبل تسليمهم لجهاز مكافحة الهجرة غير المشروعة (جهاز البحث الجنائي)

«مقايضة» الفرد بـ10 آلاف دولار... تحقيقات ليبية في بيع وشراء «المهاجرين»

تبين لمحققين ليبيين مع عدد من «تجار البشر» وجود عمليات استغلال جنسي لمهاجرين وتجويع، لدرجة صهر أنابيب البلاستيك على ظهورهم بقصد إرغام أسرهم على الدفع.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا خوري في لقاء سابق بأعضاء من مجلسي النواب و«الأعلى للدولة» في ليبيا (البعثة الأممية)

تساؤلات عن أسباب الفشل في انتخاب رئيس لليبيا

تتوالى في ليبيا التساؤلات بشأن ما تحقق من أهداف «ثورة 17 فبراير»، وبالتالي البحث عن أسباب الفشل في إجراء انتخابات عامة حتى الآن.

جاكلين زاهر (القاهرة)

حديث الحرب المتصاعد بين مصر وإسرائيل لا يجد أنصاراً بين السياسيين

جنود مصريون يرفعون العلم على الضفة الشرقية من قناة السويس خلال معارك حرب أكتوبر 1973 (أرشيفية - أ.ب)
جنود مصريون يرفعون العلم على الضفة الشرقية من قناة السويس خلال معارك حرب أكتوبر 1973 (أرشيفية - أ.ب)
TT

حديث الحرب المتصاعد بين مصر وإسرائيل لا يجد أنصاراً بين السياسيين

جنود مصريون يرفعون العلم على الضفة الشرقية من قناة السويس خلال معارك حرب أكتوبر 1973 (أرشيفية - أ.ب)
جنود مصريون يرفعون العلم على الضفة الشرقية من قناة السويس خلال معارك حرب أكتوبر 1973 (أرشيفية - أ.ب)

استبعدت مصادر مصرية مطلعة أن يؤدي التوتر المنعكس في وسائل الإعلام بين مصر وإسرائيل إلى أزمة عسكرية أو سياسية كبيرة بين البلدين، وقللت المصادر التي تحدثت لـ«الشرق الأوسط» من احتمال تفجر الأوضاع، رغم ارتفاع حدة التراشق في وسائل الإعلام، ووسائط التواصل الاجتماعي، على مدى الأيام القليلة الماضية.

ومنذ وقّع الطرفان اتفاقاً للسلام في سبعينات القرن الماضي، لم تشهد العلاقات بين مصر وإسرائيل توتراً متصاعداً كالذي حدث منذ اندلاع الحرب الحالية في غزة قبل 15 شهراً.

وبجانب التوتر النابع من الخلافات حول طريقة حل القضية الفلسطينية، فإن الخلافات زادت حدتها منذ مايو (أيار) الماضي، حينما استولت إسرائيل على محور «فيلادلفيا» الحدودي، وكذلك معبر رفح الحدودي مع مصر، واتهامها لمصر بأنها لم تقم بما يكفي لمنع وصول السلاح عبر الأنفاق لقطاع غزة، وهو ما نفته القاهرة واعتبرته خرقاً لبنود معاهدة السلام، وردت عليه بتكثيف قواتها العسكرية بالقرب من الحدود، بحسب ما رصدته صور وتقارير إعلامية.

وما لبثت أن هدأت وتيرة الخلافات بعض الشيء بعد توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حماس» بوساطة مصرية - قطرية - أميركية، إلا أن التوتر تصاعد مجدداً بعدما طرح الرئيس الأميركي دونالد ترمب مقترح تهجير الفلسطينيين من غزة إلى مصر والأردن، وأيدته في ذلك إسرائيل، وأعلن مسؤولون بها أنهم شرعوا في اتخاذ خطوات لتنفيذه، وهو ما أدانته القاهرة بشدة، وتوالت ردود الفعل الرسمية المصرية الرافضة، مع دعم عربي ودولي واسع لموقف القاهرة.

بالتوازي مع ذلك، زادت حدة التراشق بين وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي في مصر وإسرائيل، ما دفع البعض لإثارة تخوفات من احتمال تفجر الأوضاع وبلوغها الصدام العسكري بين الطرفين.

لكن وزير الخارجية المصري الأسبق، محمد العرابي، أكد لـ«الشرق الأوسط» أنه لن يحدث «صدام عسكري» بين مصر وإسرائيل، مشدداً على أن إسرائيل «منهكة»، وليست لديها القدرة العسكرية حالياً لدخول مواجهة مع دولة بحجم مصر.

وشدد على أن التوترات الحادثة حالياً في العلاقات، أو في وسائل الإعلام، طبيعية بسبب أحداث حرب غزة والخلافات حولها، وستستمر طوال استمرار هذه الحرب، لكن «لن تتصعد» أكثر من ذلك، «فكل منهما يعرف قدرة الآخر»، كما أن مصر حريصة على السلام في المنطقة.

واتفق معه الخبير العسكري المصري، سمير فرج، الذي قال لـ«الشرق الأوسط» إن كل ما يثار خاصة في الإعلام الإسرائيلي عن مواجهة عسكرية مع مصر «مجرد كلام» ليس له أساس من الصحة، ولا واقعية للتنفيذ.

وشدد على أن إسرائيل «لن تغامر» بدخول حرب نظامية مع مصر، في الوقت الذي تخوض فيه القوات الإسرائيلية نزاعاً منذ عام ونصف عام مع جماعات المقاومة المسلحة في فلسطين أو لبنان.

وشدد على أن عدوّ إسرائيل الأول في المنطقة هو إيران بسبب البرنامج النووي لطهران، ولن تغامر بمعاهدة السلام مع مصر.

وفي عام 1979، وقّعت مصر مع إسرائيل معاهدة السلام، وأكدت فيها الدولتان التزامهما «بإطار السلام في الشرق الأوسط المتفق عليه في كامب ديفيد».

وتمنع الاتفاقية التهديد باستخدام القوة أو استخدامها بين طرفيها، وتلزمهما بحل كافة المنازعات التي تنشأ «بالوسائل السلمية».

ونظمت الاتفاقية التاريخية كذلك شكل الوجود العسكري على الحدود بين البلدين، وشُكلت بموجبها لجنة تنسيق عسكرية مشتركة لمراقبة تنفيذ الاتفاقية والالتزام بها.

وكيل المخابرات المصرية السابق اللواء محمد رشاد، أكد أن «اتفاقية كامب ديفيد تتضمن بنوداً نصت على عدم اعتداء أي طرف على الآخر»، ولكن ما حدث أن إسرائيل احتلت محور فيلادلفيا بالمخالفة للاتفاقية، وهو ما يعدّ تهديداً للأمن القومي المصري، ومن ثم حشدت مصر قواتها في المنطقة (ب) والمنطقة (ج) قرب حدود إسرائيل، والتي كانت تنص الاتفاقية على وجود قوات محدودة فيهما.

رشاد الذي كان يشغل رئيس ملف الشؤون العسكرية الإسرائيلية بالمخابرات المصرية، قال لـ«الشرق الأوسط» إن «مصر حشدت قواتها هناك لصد أي تهديد لأمنها القومي كرد على ما فعلته إسرائيل باحتلال محور فيلادلفيا»، مشيراً إلى أن «إسرائيل حالياً تدعي أن مصر خالفت معاهدة السلام، ومصر ترد عليها بأن المخالفة جاءت من تل أبيب أولاً، فحينما تنسحب إسرائيل من فيلادلفيا، وقتها يمكن مطالبة مصر بسحب قواتها من قرب الحدود المصرية - الإسرائيلية».

ولكن في الوقت نفسه، يرى رشاد أنه «لن يصل الأمر إلى الصدام العسكري، فهناك لجنة عسكرية بين الطرفين تناقش هذه الأمور وتعمل على حلها، وهناك حرص من الدولتين على استمرار معاهدة السلام».

وبموجب ملحق معاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية، فإن محور فيلادلفيا هو منطقة عازلة كان يخضع لسيطرة وحراسة إسرائيل قبل أن تنسحب الأخيرة من قطاع غزة عام 2005، فيما عُرف بخطة «فك الارتباط».

وأعادت إسرائيل السيطرة على محور فيلادلفيا، الذي يعد منطقة عازلة ذات خصوصية أمنية، كما يمثل ممراً ثلاثي الاتجاهات بين مصر وإسرائيل وقطاع غزة يمتد على مسافة 14 كيلومتراً، وترفض الانسحاب منه.

جغرافياً يمتد هذا الشريط الحدودي بين مصر وقطاع غزة، من البحر المتوسط شمالاً وحتى معبر كرم أبو سالم جنوباً.

وتؤمن إسرائيل بأن هذا المحور الحدودي مع مصر هو بوابة «حماس» الرئيسية للحصول على الأسلحة المهربة عبر أنفاق تمُرّ تحته، لكن مصر ترى أن حدودها تحت السيطرة، ولا أنفاق ولا تهريب عبر أراضيها.

ورغم تصاعد التوترات الإعلامية بين البلدين بسبب احتلال إسرائيل هذا المحور، وكذلك نشر القوات المصرية قرب الحدود، فلم يصدر أي تهديد رسمي من القاهرة أو تل أبيب باحتمال الدخول في مواجهة عسكرية بين الطرفين.