فرنسا تعتقل مؤثراً جزائرياً جديداً في عز الأزمة بين البلدين

بتهمة الدعوة لـ«ارتكاب أعمال عنف» على الأراضي الفرنسية

التطورات المتسارعة تجعل البعض يتساءل إن كانت العلاقات الجزائرية الفرنسية وصلت إلى نقطة اللاعودة (الرئاسة الجزائرية)
التطورات المتسارعة تجعل البعض يتساءل إن كانت العلاقات الجزائرية الفرنسية وصلت إلى نقطة اللاعودة (الرئاسة الجزائرية)
TT

فرنسا تعتقل مؤثراً جزائرياً جديداً في عز الأزمة بين البلدين

التطورات المتسارعة تجعل البعض يتساءل إن كانت العلاقات الجزائرية الفرنسية وصلت إلى نقطة اللاعودة (الرئاسة الجزائرية)
التطورات المتسارعة تجعل البعض يتساءل إن كانت العلاقات الجزائرية الفرنسية وصلت إلى نقطة اللاعودة (الرئاسة الجزائرية)

أوقفت السلطات الفرنسية مؤثراً جزائرياً جديداً كان يدعو عبر تطبيق «تيك توك» إلى «ارتكاب أعمال عنف على الأراضي الفرنسية»، على ما أفاد وزير الداخلية الفرنسي، وجاء هذا الاعتقال الجديد في وقت تشهد فيه العلاقات بين باريس والجزائر توتراً دبلوماسياً كبيراً. ومنذ مطلع يناير (كانون الثاني) الحالي، بوشرت إجراءات قضائية في حق مؤثرين جزائريين عدة، ومواطنة فرنسية - جزائرية في فرنسا، على خلفية تصريحات تحض على الكراهية.

ولم يوضح وزير الداخلية الفرنسي، برونو ريتايو، مكان توقيف المؤثر رفيق. ك، صباح الأربعاء، بحسب ما أورده تقرير لـ«وكالة الصحافة الفرنسية». وأنهى الوزير رسالته عبر منصة «إكس» بعبارة: «لن نتساهل مع أي شيء»، تماماً كما فعل في 16 من يناير الحالي عند إعلان توقيف المؤثر الجزائري (مهدي. ب) الذي دين وسجن.

وزير الداخلية الفرنسي برونو ريتايو (رويترز)

وتشهد العلاقات بين فرنسا والجزائر توتراً شديداً حول ملفات حساسة، مثل قضية الصحراء، ومصير الكاتب الفرنسي - الجزائري بوعلام صنصال، الموقوف في الجزائر منذ منتصف نوفمبر (تشرين الثاني). لكن التوتر تفاقم أكثر مع توقيف المؤثر الجزائري بوعلام «دوالمن»، بعد بثِّه فيديو أثار جدلاً كبيراً عبر تطبيق «تيك توك»، فتم ترحيله في طائرة إلى الجزائر في التاسع من يناير الحالي، إلا أنه أُعيد إلى فرنسا في اليوم ذاته بعد رفض السلطات الجزائرية تسلمه، وقد مدد توقيفه في 12 من يناير الحالي لمدة 26 يوماً. ورأى وزير الداخلية الفرنسي في تصريح سابق أن الجزائر من خلال إعادة «دوالمن» إلى باريس «أرادت إهانة فرنسا». لكن الجزائر نفت أن تكون تسعى إلى التصعيد أو «إهانة» فرنسا.

الكاتب بوعلام صنصال المسجون على ذمة التحقيق بتهمة المسّ بالسلامة الترابية للبلاد (متداولة)

وجاءت تصريحات وزير الداخلية الفرنسي بعد ساعات قليلة من دعوة وزير الدفاع الفرنسي، سيباستيان ليكورنو، إلى «إعادة بناء» العلاقة المتوترة حالياً بين الجزائر وفرنسا، معبّراً عن شعوره بالأسف حيال سياسات الحكومة الجزائرية. كما أعرب ليكورنو في تصريح لراديو «فرانس إنتر» عن «تعاطف ودعم» فرنسا تجاه الكاتب صنصال المسجون في الجزائر بتهمة «تعريض أمن الدولة للخطر».

وقال الوزير الفرنسي: «إن ذلك يعبر عن الانحرافات الحالية للحكومة الجزائرية، وخاصة كيف يتم توظيف العلاقة مع فرنسا» لأغراض سياسية في الجزائر، معرباً عن أسفه؛ لأن «كره فرنسا أصبح موضوعاً للسياسة الداخلية» في الجزائر، قائلاً إنه «كان علينا أن ننجح في الخروج من هذا الوضع... نحن نضيع الوقت، بما في ذلك في الحرب ضد الإرهاب»، خاصة في دول الساحل. وأضاف الوزير الفرنسي موضحاً: «نحن في شلل، ونحتاج لإعادة بناء هذه العلاقة من دون ضعف وسذاجة».

وتدهورت العلاقات بين فرنسا والجزائر منذ الصيف الماضي، بعد إعلان باريس دعمها لخطة الحكم الذاتي المغربية في منطقة الصحراء المتنازع عليها، وهي مستعمرة إسبانية سابقة، شهدت صراعاً مستمراً منذ نصف قرن بين المغرب والانفصاليين الصحراويين التابعين لجبهة «البوليساريو» المدعومة من الجزائر. لكن العلاقات بين باريس والجزائر وشهدت مزيداً من التوتر في الأسابيع الأخيرة مع اعتقال الكاتب صنصال في الجزائر، مع عدد من الشخصيات الجزائرية المؤثرة في فرنسا بتهمة الدعوة إلى العنف. وبهذا الخصوص، قال وزير الخارجية الفرنسي، الأسبوع الماضي، إنه «مستعد للذهاب إلى الجزائر لبحث كافة القضايا، وليس فقط تلك التي وردت في الأخبار خلال الأسابيع الأخيرة»، مقدراً أن «فرنسا والجزائر ليس لديهما أي مصلحة في استمرار التوتر» بينهما.



حديث الحرب المتصاعد بين مصر وإسرائيل لا يجد أنصاراً بين السياسيين

جنود مصريون يرفعون العلم على الضفة الشرقية من قناة السويس خلال معارك حرب أكتوبر 1973 (أرشيفية - أ.ب)
جنود مصريون يرفعون العلم على الضفة الشرقية من قناة السويس خلال معارك حرب أكتوبر 1973 (أرشيفية - أ.ب)
TT

حديث الحرب المتصاعد بين مصر وإسرائيل لا يجد أنصاراً بين السياسيين

جنود مصريون يرفعون العلم على الضفة الشرقية من قناة السويس خلال معارك حرب أكتوبر 1973 (أرشيفية - أ.ب)
جنود مصريون يرفعون العلم على الضفة الشرقية من قناة السويس خلال معارك حرب أكتوبر 1973 (أرشيفية - أ.ب)

استبعدت مصادر مصرية مطلعة أن يؤدي التوتر المنعكس في وسائل الإعلام بين مصر وإسرائيل إلى أزمة عسكرية أو سياسية كبيرة بين البلدين، وقللت المصادر التي تحدثت لـ«الشرق الأوسط» من احتمال تفجر الأوضاع، رغم ارتفاع حدة التراشق في وسائل الإعلام، ووسائط التواصل الاجتماعي، على مدى الأيام القليلة الماضية.

ومنذ وقّع الطرفان اتفاقاً للسلام في سبعينات القرن الماضي، لم تشهد العلاقات بين مصر وإسرائيل توتراً متصاعداً كالذي حدث منذ اندلاع الحرب الحالية في غزة قبل 15 شهراً.

وبجانب التوتر النابع من الخلافات حول طريقة حل القضية الفلسطينية، فإن الخلافات زادت حدتها منذ مايو (أيار) الماضي، حينما استولت إسرائيل على محور «فيلادلفيا» الحدودي، وكذلك معبر رفح الحدودي مع مصر، واتهامها لمصر بأنها لم تقم بما يكفي لمنع وصول السلاح عبر الأنفاق لقطاع غزة، وهو ما نفته القاهرة واعتبرته خرقاً لبنود معاهدة السلام، وردت عليه بتكثيف قواتها العسكرية بالقرب من الحدود، بحسب ما رصدته صور وتقارير إعلامية.

وما لبثت أن هدأت وتيرة الخلافات بعض الشيء بعد توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حماس» بوساطة مصرية - قطرية - أميركية، إلا أن التوتر تصاعد مجدداً بعدما طرح الرئيس الأميركي دونالد ترمب مقترح تهجير الفلسطينيين من غزة إلى مصر والأردن، وأيدته في ذلك إسرائيل، وأعلن مسؤولون بها أنهم شرعوا في اتخاذ خطوات لتنفيذه، وهو ما أدانته القاهرة بشدة، وتوالت ردود الفعل الرسمية المصرية الرافضة، مع دعم عربي ودولي واسع لموقف القاهرة.

بالتوازي مع ذلك، زادت حدة التراشق بين وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي في مصر وإسرائيل، ما دفع البعض لإثارة تخوفات من احتمال تفجر الأوضاع وبلوغها الصدام العسكري بين الطرفين.

لكن وزير الخارجية المصري الأسبق، محمد العرابي، أكد لـ«الشرق الأوسط» أنه لن يحدث «صدام عسكري» بين مصر وإسرائيل، مشدداً على أن إسرائيل «منهكة»، وليست لديها القدرة العسكرية حالياً لدخول مواجهة مع دولة بحجم مصر.

وشدد على أن التوترات الحادثة حالياً في العلاقات، أو في وسائل الإعلام، طبيعية بسبب أحداث حرب غزة والخلافات حولها، وستستمر طوال استمرار هذه الحرب، لكن «لن تتصعد» أكثر من ذلك، «فكل منهما يعرف قدرة الآخر»، كما أن مصر حريصة على السلام في المنطقة.

واتفق معه الخبير العسكري المصري، سمير فرج، الذي قال لـ«الشرق الأوسط» إن كل ما يثار خاصة في الإعلام الإسرائيلي عن مواجهة عسكرية مع مصر «مجرد كلام» ليس له أساس من الصحة، ولا واقعية للتنفيذ.

وشدد على أن إسرائيل «لن تغامر» بدخول حرب نظامية مع مصر، في الوقت الذي تخوض فيه القوات الإسرائيلية نزاعاً منذ عام ونصف عام مع جماعات المقاومة المسلحة في فلسطين أو لبنان.

وشدد على أن عدوّ إسرائيل الأول في المنطقة هو إيران بسبب البرنامج النووي لطهران، ولن تغامر بمعاهدة السلام مع مصر.

وفي عام 1979، وقّعت مصر مع إسرائيل معاهدة السلام، وأكدت فيها الدولتان التزامهما «بإطار السلام في الشرق الأوسط المتفق عليه في كامب ديفيد».

وتمنع الاتفاقية التهديد باستخدام القوة أو استخدامها بين طرفيها، وتلزمهما بحل كافة المنازعات التي تنشأ «بالوسائل السلمية».

ونظمت الاتفاقية التاريخية كذلك شكل الوجود العسكري على الحدود بين البلدين، وشُكلت بموجبها لجنة تنسيق عسكرية مشتركة لمراقبة تنفيذ الاتفاقية والالتزام بها.

وكيل المخابرات المصرية السابق اللواء محمد رشاد، أكد أن «اتفاقية كامب ديفيد تتضمن بنوداً نصت على عدم اعتداء أي طرف على الآخر»، ولكن ما حدث أن إسرائيل احتلت محور فيلادلفيا بالمخالفة للاتفاقية، وهو ما يعدّ تهديداً للأمن القومي المصري، ومن ثم حشدت مصر قواتها في المنطقة (ب) والمنطقة (ج) قرب حدود إسرائيل، والتي كانت تنص الاتفاقية على وجود قوات محدودة فيهما.

رشاد الذي كان يشغل رئيس ملف الشؤون العسكرية الإسرائيلية بالمخابرات المصرية، قال لـ«الشرق الأوسط» إن «مصر حشدت قواتها هناك لصد أي تهديد لأمنها القومي كرد على ما فعلته إسرائيل باحتلال محور فيلادلفيا»، مشيراً إلى أن «إسرائيل حالياً تدعي أن مصر خالفت معاهدة السلام، ومصر ترد عليها بأن المخالفة جاءت من تل أبيب أولاً، فحينما تنسحب إسرائيل من فيلادلفيا، وقتها يمكن مطالبة مصر بسحب قواتها من قرب الحدود المصرية - الإسرائيلية».

ولكن في الوقت نفسه، يرى رشاد أنه «لن يصل الأمر إلى الصدام العسكري، فهناك لجنة عسكرية بين الطرفين تناقش هذه الأمور وتعمل على حلها، وهناك حرص من الدولتين على استمرار معاهدة السلام».

وبموجب ملحق معاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية، فإن محور فيلادلفيا هو منطقة عازلة كان يخضع لسيطرة وحراسة إسرائيل قبل أن تنسحب الأخيرة من قطاع غزة عام 2005، فيما عُرف بخطة «فك الارتباط».

وأعادت إسرائيل السيطرة على محور فيلادلفيا، الذي يعد منطقة عازلة ذات خصوصية أمنية، كما يمثل ممراً ثلاثي الاتجاهات بين مصر وإسرائيل وقطاع غزة يمتد على مسافة 14 كيلومتراً، وترفض الانسحاب منه.

جغرافياً يمتد هذا الشريط الحدودي بين مصر وقطاع غزة، من البحر المتوسط شمالاً وحتى معبر كرم أبو سالم جنوباً.

وتؤمن إسرائيل بأن هذا المحور الحدودي مع مصر هو بوابة «حماس» الرئيسية للحصول على الأسلحة المهربة عبر أنفاق تمُرّ تحته، لكن مصر ترى أن حدودها تحت السيطرة، ولا أنفاق ولا تهريب عبر أراضيها.

ورغم تصاعد التوترات الإعلامية بين البلدين بسبب احتلال إسرائيل هذا المحور، وكذلك نشر القوات المصرية قرب الحدود، فلم يصدر أي تهديد رسمي من القاهرة أو تل أبيب باحتمال الدخول في مواجهة عسكرية بين الطرفين.