ليبيا: مطالب بالتحقيق في وقائع «تعذيب» بسجن خاضع لنفوذ حفتر

خلّفت غضباً شعبياً وانتقادات محلية ودولية

الدبيبة ووزيرة العدل في حكومته المؤقتة (وزارة العدل)
الدبيبة ووزيرة العدل في حكومته المؤقتة (وزارة العدل)
TT

ليبيا: مطالب بالتحقيق في وقائع «تعذيب» بسجن خاضع لنفوذ حفتر

الدبيبة ووزيرة العدل في حكومته المؤقتة (وزارة العدل)
الدبيبة ووزيرة العدل في حكومته المؤقتة (وزارة العدل)

دخلت حكومة «الوحدة الوطنية» الليبية المؤقتة على خط تسريبات «مزعومة»، تظهر تعذيب مواطنين وأجانب في سجن يوجد على ما يبدو بشرق البلاد، وطالبت بفتح تحقيق «شفاف» في هذه الممارسات البشعة لمحاسبة المسؤولين عنها.

وكان حقوقيون ونشطاء ليبيون تداولوا على نطاق واسع مقاطع فيديو، غير معلوم تاريخها، قالوا إنها من داخل سجن «قرنادة» بمدينة شحّات (شرق). وتظهر الاعتداءات على سجناء شبه مجردين من ملابسهم بالضرب العنيف المتواصل، وهم يتقافزون من شدة التعذيب والألم، فيما يتوسل بعضهم بلكنات غير ليبية.

وشحات الواقعة في شمال شرقي ليبيا تابعة لنفوذ القائد العام لـ«الجيش الوطني»، المشير خليفة حفتر، ولحكومة أسامة حمّاد، التي لم تعلق على وقائع التعذيب التي أثارت استنكاراً واسعاً بين الليبيين، وفتحت الباب للمطالبة بضرورة التحقيق فيها.

وزيرة العدل في حكومة «الوحدة» الليبية المؤقتة في زيارة لأحد السجون (وزارة العدل)

وأدانت حكومة «الوحدة» على لسان وزارة العدل التابعة لها، اليوم الثلاثاء، ما سمّته «استمرار ممارسات التعذيب والإخفاء القسري»، التي قالت إن «مشاهد مسربة في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي كشفت عنها»، ورأت أن «هذه الانتهاكات تمثل جريمة ضد الإنسانية، وخرقاً للمواثيق الدولية لحقوق الإنسان».

وأثارت هذه التسريبات، التي دفعت عدداً من الليبيين إلى استدعاء سيرة سجن «صيدنايا» السوري سيئ السمعة، ردود فعل غاضية، ومطالب بضرورة التحقيق فيها.

وكان الحقوقي الليبي، طارق لملوم، قال لـ«الشرق الأوسط» إنه «تم التعرف على بعض السجّانين الذي مارسوا عمليات التعذيب، فضلاً عن أن لهجتهم التي نفهمها جيداً دلّت على أنهم من سكان شحّات».

وعدّ حقوقيون وسياسيون دخول وزارة العدل بـ«الوحدة» على خط أزمة التسريب أنه يأتي في إطار «المناكفات السياسية»، مشيرين إلى أن أوضاع السجون في غرب ليبيا ليست أفضل حالاً من شرقها، بغض النظر عن أن التسريبات التي خرجت من قرنادة «قديمة».

غير أن الحديث عن سجن «قرنادة»، وما يشهده من أعمال «تعذيب» أعاد الحديث عن بقية السجون الليبية، وما يرتكب فيها من انتهاكات بحق الموقوفين، من بينها «معيتيقة»، و«الهضبة»، و«صرمان».

المشير خليفة حفتر القائد العام لـ«الجيش الوطني» (رويترز)

وزادت وزارة العدل مناكفتها لغريمتها في شرق ليبيا، بالدعوة إلى «الإفراج الفوري وغير المشروط» عن جميع المعتقلين والمختفين قسرياً، وفتح تحقيق «شفاف» في هذه «الممارسات البشعة» لمحاسبة المسؤولين عنها، كما شددت على ضرورة «وضع حد» لأشكال التعذيب، والمعاملة الإنسانية في السجون ومراكز الاحتجاز، وضمان احترام الكرامة الإنسانية وفقاً للمعايير الدولية.

والفيديوهات التي نقلت عمليات تعذيب كثيرة، لم تكشف متى وقعت هذه الاعتداءات، وهو ما أكده لملوم، الذي أرجعها للفترة التي كانت فيها سلطات شرق ليبيا على غير وفاق مع تركيا، وقال بهذا الخصوص: «في أحد الفيديوهات كان أحد السجّانين يعتدي على مواطن سوري، ويقول له: كم يدفع لكم إردوغان بالدولار؟ في إشارة إلى أنه مرتزقة».

وانتهت وزارة العدل بحكومة «الوحدة» بالتأكيد على «مواصلة الجهود لحماية حقوق الإنسان، ومكافحة أشكال الانتهاكات التي تستهدف كرامة الإنسان وحقه في الحياة بحرية وأمان».

النائب العام الصديق الصور (مكتب النائب العام)

وتصاعدت الانتقادات المحلية والدولية لوقائع التعذيب، التي قيل إنها وقعت في سجن قرنادة. ودعت «منظمة العفو الدولية» السلطات الليبية إلى إجراء تحقيقات «محايدة ومستقلة وسريعة» لمحاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات، وإبعاد المشتبه بهم من مناصبهم؛ لمنع تكرار الانتهاكات أو التأثير على التحقيقات.

وطالبت المنظمة في تصريح نقلته «قناة ليبيا الأحرار» بالسماح للمراقبين المستقلين بالوصول «دون قيود أو إعلان مُسبق إلى سجن قرنادة ومراكز الاحتجاز الأخرى التابعة لسلطات شرق البلاد».

وقالت المنظمة إنها سبق أن «وثقت وقوع حالات تعذيب وسوء معاملة في سجون تقع تحت سيطرة حفتر، بما في ذلك قرنادة، حيث تشمل أساليب التعذيب الضرب بأدوات مختلفة، والجلد والتعليق بوضعيات مؤذية».


مقالات ذات صلة

لماذا تنتهي الاحتجاجات ضد «الوحدة» الليبية إلى «لا شيء»؟

تحليل إخباري جانب من احتجاجات مواطنين في طرابلس ضد حكومة الدبيبة بعد تصريحات المنقوش (أ.ف.ب)

لماذا تنتهي الاحتجاجات ضد «الوحدة» الليبية إلى «لا شيء»؟

شهدت بعض مناطق بغرب ليبيا مظاهرات متكررة بعضها جاء الأسبوع الماضي على خلفية اتهام حكومة «الوحدة» المؤقتة بـ«التطبيع مع إسرائيل».

جاكلين زاهر (القاهرة)
شمال افريقيا  القائم بأعمال سفارة أميركا خلال لقائه مع مسؤول المنطقة الحرة بمصراتة (القائم بالأعمال)

البعثة الأممية تدعو لـ«تحقيق فوري» في تعذيب محتجزين شرق ليبيا

دعت بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا، اليوم الأربعاء، للتحقيق في «مقاطع فيديو متداولة، تُظهر تعذيب وسوء معاملة لعدد من المحتجزين في سجن قرنادة».

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا إردوغان مستقبلاً الدبيبة بالقصر الرئاسي في أنقرة (الرئاسة التركية)

إردوغان يبحث مستجدات الأزمة الليبية مع رئيس «الوحدة»

أجرى الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مباحثات مع رئيس الحكومة الليبية المؤقتة عبد الحميد الدبيبة، تناولت المستجدات في ليبيا، والعلاقات التركية - الليبية.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شمال افريقيا ليبيون يصطفون انتظاراً للإدلاء بأصواتهم في الجولة الأولى من الانتخابات البلدية نوفمبر الماضي (مفوضية الانتخابات)

ليبيا تترقب مرحلة ثانية من انتخابات محلية «أكثر تعقيداً»

يرجع متابعون أهمية خاصة لهذه الجولة الانتخابية كونها تستهدف «البلديات الأكبر وذات الأوزان السياسية المهمة وفي طليعتها طرابلس وبنغازي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا تدشين أولى رحلات الخطوط التركية بعد غياب دام سنوات (حكومة شرق ليبيا)

تركيا تواصل انفتاحها على شرق ليبيا بتدشين رحلات إلى بنغازي

دشنت وزارة الطيران المدني بحكومة شرق ليبيا وأعضاء بمجلس النواب وعدد من القيادات الأمنية والعسكرية مراسم عودة الرحلات الجوية بين تركيا وبنغازي بعد توقف دام سنوات

خالد محمود (القاهرة )

جزائريون يشنّون حملة بفرنسا ضد «تمجيد» أحد رموز الاستعمار

مظاهرة لجزائريين بمدينة ليون بفرنسا لإزالة اسم المارشال بيجو من شارع رئيسي (ناشطون جزائريون بفرنسا)
مظاهرة لجزائريين بمدينة ليون بفرنسا لإزالة اسم المارشال بيجو من شارع رئيسي (ناشطون جزائريون بفرنسا)
TT

جزائريون يشنّون حملة بفرنسا ضد «تمجيد» أحد رموز الاستعمار

مظاهرة لجزائريين بمدينة ليون بفرنسا لإزالة اسم المارشال بيجو من شارع رئيسي (ناشطون جزائريون بفرنسا)
مظاهرة لجزائريين بمدينة ليون بفرنسا لإزالة اسم المارشال بيجو من شارع رئيسي (ناشطون جزائريون بفرنسا)

في حين تغرق العلاقات بين الجزائر وباريس في دوامة من التوترات، جدّد جزائريون يعيشون بوسط فرنسا حملة سبق أن أطلقوها في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لنزع اسم حاكم عسكري بالجزائر خلال القرن الـ19، اشتهر بالبطش ضد قبائل قادت ثورات عسكرية، بهدف طرد الاستعمار الفرنسي من البلاد.

مبادرة الجالية الجزائرية في فرنسا تأتي في وقت تتفاقم فيه التوترات بين الرئيسين الجزائري والفرنسي (الرئاسة الجزائرية)

القصة بدأت قبل عدة أسابيع، عندما بدأت «جمعية فرنسيين من أصول جزائرية» تنشط بمدينة ليون، تضغط على عمدتها غريغوري دوسيه، من أجل استبدال اسم المارشال توماس بيجو (1784-1849) من شارع رئيسي بالدائرة السادسة بالمدينة، بحجة أن «الإبقاء عليه تمجيدٌ لمجرم حرب، وإهانة لنا، ولجميع الفرنسيين الذين يؤمنون بقيم الجمهورية والقيم الإنسانية لبلدنا فرنسا»، وفق ما كتبه ناشطو الجمعية في حساباتهم بالإعلام الاجتماعي.

ونظم مئات الأشخاص، عدد منهم يحمل جنسيتي البلدين، وآخرون هاجروا من الجزائر إلى فرنسا في بداية الألفينات، مظاهرة الأحد الماضي في الشارع، الذي يحمل اسم بيجو، لمطالبة رئيس البلدية دوسيه بإلغاء اسمه من المكان، على أساس أنه «عرف بمجازره التي ارتكبها في الجزائر في القرن التاسع عشر».

ووصف المتظاهرون أنفسهم بأنهم «أبناء مئات الآلاف من الرجال والنساء والأطفال، الذين تم خنقهم وحرقهم أحياء على يد مارشال فرنسا توماس بيجو»، الذي حكم الجزائر من 1830 إلى 1840.

اسم المارشال بيجو على اللوحة في باريس قبل نزعه (متداولة)

ويناضل المحتجون ليحمل الشارع، الذي يقع بالقرب من القنصلية الجزائرية، اسم «شارع 17 أكتوبر 1961»، تكريماً لـ297 جزائرياً نكّل بهم محافظ شرطة باريس، موريس بابون، عندما خرجوا في مظاهرات في ذلك التاريخ لدعم ثورة التحرير (1954-1962)، التي كانت على وشك الحسم مع الاستعمار.

ووفق الصحافة المحلية في ليون، فقد أعلن غريغوري دوسيه منذ فترة عن دعمه لفكرة تغيير تسمية شارع بيجو، وأكدت أنه «من المتوقع أن تطلق مدينة ليون في الأسابيع المقبلة لجنة من الخبراء لإجراء جرد للشارع والتماثيل، وكذا اللوحات والمواقع التي تُثير الجدل، وتقديم حلول لكل منها».

عمدة مدينة ليون غريغوري دوسيه (حسابه الخاص بالإعلام الاجتماعي)

من جهته، أعلن «الاتحاد الجزائري»، وهو جمعية للمهاجرين الجزائريين في فرنسا، عزمه رفع دعوى قضائية ضد دوسيه بتهمة «تمجيد جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية»، مقترحاً أن يصبح شارع بيجو «شارع كاميل بلان»، عمدة إيفيان-ليه-بان، الذي جرى اغتياله عام 1961 من قِبَل «منظمة الجيش السري»، في حين كان يناضل من أجل السلام في الجزائر.

وقتلت هذه المنظمة المئات من الأشخاص في الجزائر غداة الإعلان عن استقلالها عام 1962، رافضة فكرة خروج فرنسا منها.

عمدة باريس تشرف على إعادة تسمية الشارع بالدائرة 16 (بلدية باريس)

وفي حين يستمر الجدل في ليون، حسمت عمدة باريس، آن هيدالغو، القضية نفسها عندما نزعت في 14 من أكتوبر الماضي، اسم المارشال بيجو من طريق رئيسي بالدائرة رقم 16 «بسبب دوره السيئ في الجزائر؛ حيث ارتكب ما يمكن أن يعد اليوم جرائم حرب»، وفق بيان للعمدة التي تنتمي لليسار، والتي سمّت الطريق نفسه باسم هوبرت جيرمان، أحد رموز تحرير فرنسا من ألمانيا النازية خلال الحرب العالمية الثانية.

وتتزامن هذه التطورات مع اقتراب العلاقات بين البلدين من القطيعة، بعد أن اشتدت الأزمة بين البلدين في يوليو (تموز) الماضي، عندما أعلنت باريس دعمها خطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء، وهو ما أثار سخط الجزائر، التي سحبت سفيرها فوراً، وألغت ترتيبات زيارة كانت ستقود الرئيس عبد المجيد تبون إلى فرنسا في خريف العام الماضي.

جانب من المظاهرة بدعم من الحزب الشيوعي الفرنسي (متداولة)

ومع ذلك ظل هدير الأزمة صامتاً، على الرغم من الحملات التي شنّها اليمين الفرنسي المتطرف بهدف إلغاء «اتفاق الهجرة 1968»، الذي يؤطر مسائل الإقامة والدراسة والعمل والتجارة، و«لمّ الشمل العائلي»، بالنسبة للجزائريين في فرنسا.