فرنسا تهدّد الجزائر... والأخيرة تهاجم اليمين المتطرف

باريس قالت إن «من بين الأوراق التي يمكننا تفعيلها التأشيرات ومساعدات التنمية»

رفض الجزائر استقبال مؤثّر جزائري رحّلته فرنسا يفاقم حدة الخلافات بين البلدين (أ.ف.ب)
رفض الجزائر استقبال مؤثّر جزائري رحّلته فرنسا يفاقم حدة الخلافات بين البلدين (أ.ف.ب)
TT

فرنسا تهدّد الجزائر... والأخيرة تهاجم اليمين المتطرف

رفض الجزائر استقبال مؤثّر جزائري رحّلته فرنسا يفاقم حدة الخلافات بين البلدين (أ.ف.ب)
رفض الجزائر استقبال مؤثّر جزائري رحّلته فرنسا يفاقم حدة الخلافات بين البلدين (أ.ف.ب)

استنكرت وزارة الخارجية الجزائرية، اليوم السبت، في بيان «انخراط اليمين الفرنسي المتطرف، المعروف بخطاب الكراهية والنزعة الانتقامية، عبر أنصاره المُعلنين داخل الحكومة الفرنسية، في حملة تضليل وتشويه ضد الجزائر»، في إشارة إلى التوتر الحاد الذي تواجهه العلاقات مع فرنسا منذ أشهر، والذي تفاقم أكثر خلال الأيام الأخيرة.

وجاء هذا الرد بعد أن حذّر وزير الخارجية الفرنسي، مساء أمس الجمعة، من أن بلاده «لن يكون لديها خيار آخر سوى الرد»، إذا «واصل الجزائريون هذا الموقف التصعيدي»، بعد رفض الجزائر، الخميس، استقبال مؤثّر جزائري رحّلته فرنسا.

دوالمين الجزائري الذي رحلته فرنسا ورفضت سلطات بلاده تسلمه (متداولة)

وقال جان نويل بارو بلغة تهديدية واضحة إنه من بين «الأوراق التي يمكننا تفعيلها... التأشيرات... ومساعدات التنمية»، وحتى «عدد معين من مواضيع التعاون الأخرى»، مضيفاً عبر قناة «إل سي آي» الخاصة إنه «مندهش» لكون السلطات الجزائرية «رفضت استعادة أحد مواطنيها»، الذي أصبحت قضيته الآن «أمام القضاء» في فرنسا. وكانت فرنسا قد أوقفت مؤثراً جزائرياً لقبه «بوعلام»، الأحد، في مونبلييه في جنوب البلاد، وألغت تصريح إقامته ثم رحّلته بطائرة، الخميس، إلى الجزائر، وفق ما أفاد محاميه جان باتيست موسيه لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، وذلك بعد أن اتهمته السلطات بـ«الدعوة لتعذيب معارض للنظام الحالي في الجزائر». لكن في نهاية المطاف أعيد إلى فرنسا بعدما منعته السلطات الجزائرية من دخول البلاد.

محمد تاجديت ضحية تحريض بالقتل من مؤثر جزائري مقيم بفرنسا (حسابه الشخصي بالإعلام الاجتماعي)

كما دعا رئيس الوزراء الفرنسي السابق، غابريال أتال، أمس الجمعة، إلى وقف العمل بالاتفاقية الفرنسية - الجزائرية، الموقعة في عام 1968، والتي تمنح جزائريين امتيازات على صلة بالعمل والإقامة. يأتي ذلك في وقت تشهد فيه العلاقات المضطربة على مرّ التاريخ بين فرنسا والجزائر، خضّات جديدة بعد توقيف مؤثرين جزائريين على ذمة التحقيق في فرنسا بسبب رسائل كراهية نشروها، ومواجهة دبلوماسية جديدة حول توقيف الكاتب الجزائري - الفرنسي بوعلام صنصال في العاصمة الجزائرية. وأوقفت السلطات في باريس مؤخراً ثلاثة مؤثرين جزائريين، للاشتباه في تحريضهم على الإرهاب.

ورداً على هذه التصريحات الحادة، قال بيان الخارجية الجزائرية، إن اليمين المتطرف في فرنسا «اعتقد أنه قد وجد ذريعةً يشفي بها غليل استيائه وإحباطه ونقمته. لكن على عكس ما يدعيه هو، ووكلاؤه والناطقون باسمه، فإن الجزائر لم تنخرط بأي حال من الأحوال في منطق التصعيد أو المزايدة أو الإذلال». وتقصد الخارجية الجزائرية اتهام وزير الداخلية الفرنسي الجزائرَ بأنها «تبحث عن إذلال فرنسا»، إثر رفضها دخول «مؤثر» جزائري تم ترحيله من فرنسا بشبهة «التحريض على العنف».

المؤثرة الجزائرية صوفيا بن لمان التي دعت للتهجم على المعارضين الجزائريين (متداولة)

وأضاف البيان موضحاً أنه «على خلاف ذلك تماماً، فإنّ اليمين المتطرف ومُمثليه هم الذين يريدون أن يفرضوا على العلاقات الجزائرية - الفرنسية ضغائنهم، المليئة بالوعيد والتهديد... ضغائن يفصحون عنها علناً، ودون أدنى تحفظ أو قيد»، مشيراً إلى أن «الطرد التعسفي لمواطن جزائري من فرنسا نحو الجزائر، أتاح لهذه الفئة التي تحّن إلى ماضٍ ولّى دون رجعة، الفرصة لإطلاق العنان لغلِّها الدفين، ولحساباتها التاريخية مع الجزائر، السيّدة والمستقلة».

وتابع البيان مشدداً على أن «اختيار هذه الفرصة لم يكن صائباً البتة، على اعتبار أن المواطن الذي صدر في حقه قرار الطرد يعيش في فرنسا منذ 36 عاماً، ويحوز فيها بطاقة إقامة منذ 15 عاماً. كما أنه أب لطفلين وُلدا من زواجه من مواطنة فرنسية، فضلاً عن أنه مُندمج اجتماعياً، كونه يمارس عملاً مستقراً لمدة 15 عاماً».

ويدعى الشخص الذي رفضت الجزائر دخوله، الخميس الماضي، نعمان بوعلام، ويعرف بـ«دوالمين»، وقد نشر فيديو تهجم فيه على المعارضين الجزائريين المقيمين بفرنسا، وحرض على قتلهم.

ووفق بيان الخارجية، فإن كل هذه المعطيات «تمنحه بلا شك حقوقاً كان سيُحرم من المطالبة بها أمام المحاكم الفرنسية والأوروبية، بسبب قرار طرده المُتسرع والمثير للجدل. ونتيجة لذلك، لم تُتح لهذا المواطن فرصة الاستفادة من محاكمة قضائية سليمة، تحميه من التعسف في استخدام السلطة، خاصة أن تنفيذ قرار طرده كان سيحرمه من الدفاع عن حقوقه خلال المحاكمة، المقررة في 24 فبراير (شباط) من هذا العام».

البلوغر الجزائري عماد تانتان الذي يحاكم في فرنسا بتهمة التحريض والإرهاب (أ.ف.ب)

وأضاف البيان: «علاوة على ذلك، وفي انتهاك صريح للأحكام ذات الصلة من الاتفاقية القنصلية الجزائرية - الفرنسية، الموقعة في 25 مايو (أيار) 1974، لم يعتقد الطرف الفرنسي أنه من الضروري إبلاغ الطرف الجزائري، لا بتوقيف هذا المواطن، ولا اعتقاله ولا احتجازه، ولا حتى قرار طرده. كما أنّ الطرف الفرنسي لم يتجاوب مع الطلب الذي تقدّم به الطرف الجزائري؛ بغية ضمان الحماية القنصلية لفائدة المواطن المعني من خلال حق الزيارة».

الكاتب الجزائري - الفرنسي بوعلام صنصال المعتقل في الجزائر (أ.ف.ب)

وعدّت الخارجية الجزائرية طريقة السلطات الفرنسية في التعامل مع نعمان «تجاوزات وخروقات لحقوق مكتسبة من قبل المواطن الجزائري على الأراضي الفرنسية». وبررت قرار رفض دخوله بـ«الحرص على السماح لهذا المواطن بالردّ على الاتهامات الموجهة إليه، والمطالبة بحقوقه والدفاع عن نفسه، في إطار مسار قضائي عادل ومنصف، يأخذ مجراه على التراب الفرنسي».



ليبيا: كيف بدأ الخلاف بين «النواب» و«الرئاسي»... وإلى أين سينتهي؟

المجلس الرئاسي والدبيبة في لقاء سابق (المجلس الرئاسي)
المجلس الرئاسي والدبيبة في لقاء سابق (المجلس الرئاسي)
TT

ليبيا: كيف بدأ الخلاف بين «النواب» و«الرئاسي»... وإلى أين سينتهي؟

المجلس الرئاسي والدبيبة في لقاء سابق (المجلس الرئاسي)
المجلس الرئاسي والدبيبة في لقاء سابق (المجلس الرئاسي)

تجددت التوترات بين مجلسي «النواب» و«الرئاسي» في ليبيا، بعد اعتراض الأخير على إقرار الأول مشروع قانون «المصالحة الوطنية» خلال جلسته الأخيرة الأسبوع الماضي.

واندلعت الخلافات بين المجلسين قبل إقرار البرلمان مشروع «المصالحة» لأسباب عدة، من بينها الصراع على «الصلاحيات»، لكن ومع تعقد العملية السياسية بات السؤال: إلى أن سيتجه هذا الخلاف؟ وكيف سينتهي؟

* مواجهة سياسية

يرى رئيس الاتحاد الوطني للأحزاب الليبية، أسعد زهيو، أن البرلمان ماضٍ في تفعيل قراره، الذي صدر في أغسطس (آب) الماضي، بإنهاء ولاية «السلطة التنفيذية»، التي جاء بها «اتفاق جنيف»؛ وهي المجلس الرئاسي وحكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة برئاسة عبد الحميد الدبيبة.

وعدّ زهيو في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، مشروع قانون «المصالحة الوطنية»، الذي أقره البرلمان، «مجرد حلقة في سلسلة خلافات الطرفين»، لافتاً إلى أن المجلس الرئاسي، رغم أنه ظل بعيداً عن التجاذبات السياسية بين أفرقاء الأزمة، فإن «البرلمان اعتاد النظر إليه وعدّه طرفاً محسوباً على حكومة الدبيبة».

من جلسة سابقة لمجلس النواب (المجلس)

وانتقد المجلس الرئاسي، نهاية الأسبوع الماضي، إقرار البرلمان مشروع قانون «المصالحة الوطنية»، ما عدّه تجاهلاً للقانون، الذي سبق أن تقدم به قبل نحو عام.

وتفيد مخرجات «ملتقى الحوار السياسي» في جنيف، الذي رعته الأمم المتحدة قبل نحو 4 سنوات، بأن ملف المصالحة في مقدمة صلاحيات المجلس الرئاسي. وبينما يتمسك الطرفان بأحقية كل منهما بإدارة ملف «المصالحة الوطنية»، يرى سياسيون أن المواجهة بينهما أبعد من ذلك، وتتصل بمعارك أخرى خاضاها حول «الصلاحيات القانونية» لكل منهما داخل الساحة الليبية، سعياً لتعزيز مواقفهما وحلفائهما.

ويشير زهيو إلى أن مجلس النواب «سحب البساط من الرئاسي»، في خطوة أولى قبل 4 أشهر، عندما أعلن نهاية «السلطة التنفيذية»، وسحب صفة القائد الأعلى للجيش الليبي من المجلس الرئاسي، وأعادها لرئيس مجلس النواب، واليوم يتخذ الخطوة الثانية، عبر إقرار قانون المصالحة ليسترد بذلك الملف الرئيسي المعني به المجلس الرئاسي، وفقاً لمخرجات «ملتقى الحوار السياسي بجنيف».

عقيلة صالح رئيس مجلس النواب الليبي (رويترز)

وانتهى زهيو إلى أن المناكفات والخلافات بين أفرقاء الأزمة، وإن تصاعدت حدتها مع أزمة رئاسة المصرف المركزي؛ فإنها «قد لن تنتهي إلا مع وجود اتفاق سياسي جديد، قد ينتج عبر مسار البعثة الأممية».

ولفت مراقبون أيضاً إلى خلاف المجلسين حول قانون المحكمة الدستورية قبل شهرين، حيث اعترض المجلس الرئاسي في خطاب رسمي على إصدار البرلمان لهذا القانون، وطالب بإلغائه.

* أزمة المصرف المركزي

يعتقد البعض أن أزمة المصرف المركزي هي التي عمقت الصراع بين المجلسين، وهنا يشير عضو المجلس الأعلى للدولة، علي السويح، إلى هذه الأزمة التي بدأت في أغسطس الماضي، بتغيير المجلس الرئاسي إدارة المصرف المركزي، وتعيين محافظ جديد، ليتم الاتفاق بعد ذلك على تعيين محافظ جديد.

وقال السويح لـ«الشرق الأوسط»: «تلك كانت البداية؛ لكن لا نبرئ ساحة أحد من محاولة القفز على صلاحيات الآخرين، في ظل عدم الالتزام بالمسؤولية، وغياب التنسيق وتواصل الصراع على السلطة».

وأضاف السويح متسائلاً: «أفرقاء الأزمة يرفضون الجلوس على طاولة حوار، ويتبادلون الاتهامات بالمسؤولية عن تدهور الأوضاع، فكيف يمكن الوثوق بقدرة أي منهم على إنتاج قانون للمصالحة يحقق تطلعات الليبيين؟».

واجهة البنك المركزي بطرابلس (رويترز)

وانتقد السويح التعامل مع ملف المصالحة «بوصفه ورقة سياسية يتم التنازع عليها بين الأفرقاء، لتظل تراوح مكانها، وتتم مواصلة إهدار وقت الليبيين، خصوصاً المتضررين الذين ينتظرون الحصول على حقوقهم».

أما الناشط السياسي الليبي، أحمد التواتي، فيرى أن «هناك إشكالات جمة تحيط بملف المصالحة، الذي يتصارع عليه المجلسان منذ فترة، دون الالتفات إلى ضيق الليبيين، بسبب إنفاق كل واحد منهما الأموال على لجان ومؤتمرات ولقاءات، دون رصد نتائج على الأرض».

وأوضح التواتي لـ«الشرق الأوسط»، أنه من «الأجدى ترك المجلسين ملف المصالحة لحين إجراء الانتخابات لتجديد الشرعية في السلطات القائمة، وحتى تكون الدولة قد حققت قدراً من الاستقرار، يمكنها من معالجة مشكلات تصعب معالجتها ببيئة الصراع الراهنة».

وتتنازع على السلطة في ليبيا حكومتان: الأولى «الوحدة الوطنية» ويرأسها الدبيبة، وتتخذ من العاصمة طرابلس بالغرب الليبي مقراً لها، والثانية مدعومة من البرلمان و«الجيش الوطني»، بقيادة المشير خليفة حفتر، وتدير المنطقة الشرقية وبعض مناطق الجنوب.