الجيش يستعيد منطقة استراتيجية ويحكم الحصار على ود مدني

بعد معارك دامت أياماً تبادل الطرفان خلالها السيطرة على المنطقة


 البرهان يحيي مؤيديه في أم درمان غرب الخرطوم يوم 29 يونيو 2019 (أ.ب)
البرهان يحيي مؤيديه في أم درمان غرب الخرطوم يوم 29 يونيو 2019 (أ.ب)
TT

الجيش يستعيد منطقة استراتيجية ويحكم الحصار على ود مدني


 البرهان يحيي مؤيديه في أم درمان غرب الخرطوم يوم 29 يونيو 2019 (أ.ب)
البرهان يحيي مؤيديه في أم درمان غرب الخرطوم يوم 29 يونيو 2019 (أ.ب)

استعاد الجيش السوداني السيطرة على منطقة استراتيجية، في ولاية الجزيرة (وسط) على بُعد 40 كيلومتراً من عاصمة الولاية ود مدني، بعد معارك عنيفة استمرت لثلاث ليالٍ.

وقالت مصادر الجيش السوداني إن القوات المسلحة استعادت محلية «أم القرى» التابعة لولاية الجزيرة، التي كانت تحت سيطرة «قوات الدعم السريع»، وأحكمت الحصار على مدينة ود مدني حاضرة الولاية، وذلك ضمن محاولات الجيش السوداني استرداد المدينة التي تعد ثانية كبرى مدن السودان. وبثت منصات تابعة للجيش مقاطع فيديو لقواته وهي تنتشر في المنطقة، ولمواطنين فرحين بطرد «قوات الدعم السريع».

وتبعد «أم القرى» عن مدينة ود مدني بنحو 40 كيلومتراً شرقاً، وتعد من المحليات (تقسيم إداري) المهمة في ولاية الجزيرة لكثافتها السكانية، ووقوعها على «سهل البطانة» الخصيب، وتضم عدداً من القرى. ومدينة أم القرى هي حاضرة المحلية التي تحمل الاسم نفسه.

وعود باستعادة ود مدني

وظهر قائد «قوات درع السودان»، المتحالفة مع الجيش، تحت قيادة أبو عاقلة كيكل (منشق من الدعم السريع) منتشياً بما حققته قواته، خلال مقطع فيديو أمام رئاسة محلية «أم القرى» معلناً سيطرته على المنطقة، وقال إن قواته «دحرت ميليشيات الدعم السريع»، وتوعد بتحرير مدينة ود مدني قريباً، ومن ثم استعادة العاصمة القومية الخرطوم.

القائد المنشق أبوالعاقلة كيكل (الثالث من اليسار) مع زملائه من «قوات الدعم السريع» قبل انضمامه للجيش (أرشيفية - مواقع التواصل)

وانضم كيكل إلى «قوات الدعم السريع» إبان استيلائها على ولاية الجزيرة، في ديسمبر (كانون الأول) 2023، قبل أن ينشق عنها في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي وينضم للجيش وبرفقته مقاتلين أهليين تحت اسم «درع السودان».

ويشن الجيش منذ الثلاثاء الماضي، هجمات منسقة تستهدف استرداد مدينة ود مدني حاضرة ولاية الجزيرة من محاور عدة، فهناك قوات قادمة من «الفاو» ولاية القضارف شرق، عبر محوري «الخياري، وما يعرف بميجر 5»، وقوات أخرى قادمة من جهة ولاية سنار، وأخرى قادمة من جهة محلية «المناقل» التابعة لولاية الجزيرة.

وأمس (الخميس)، سيطر الجيش على منطقة «الشبارقة» إلى الشرق من ود مدني بنحو 30 كيلومتراً، وعدد من القرى والبلدات التابعة لها، أما في محور «المناقل»، وتبعد عن ود مدني بنحو 70 كيلومترا غرباً، فقد استرد الجيش عدداً من القرى والبلدات التابعة لها، أمّا جهة جنوب الجزيرة أو القوات القادمة من ولاية سنار فقد استعادت، الأربعاء الماضي، السيطرة على منطقة «الحاج عبد الله» نحو 60 كيلومتراً جنوب ود مدني.

ولا تعد سيطرة الجيش على أم القرى هي الأولى، فقد كان قد استرد المنطقة الاستراتيجية في ديسمبر الماضي، قبل أن تستعيدها «قوات الدعم السريع» مرة أخرى بهجوم عكسي.

صمت في الجيش

ولم يصدر تصريح رسمي عن الجيش بشأن الوضع الميداني، لكن منصات موالية لهم نشرت عدداً من مقاطع الفيديو من أم القرى لجنود تابعين للجيش والقوات الحليفة له، بمن فيهم «قوات درع السودان» وقوات الحركات المسلحة المشتركة، داخل المدينة.

عناصر من الجيش السوداني خلال عرض عسكري بشرق السودان العام الماضي (أ.ف.ب)

وفي ديسمبر 2023 وبمشاركة القوات التابعة لكيكل، استعادت «قوات الدعم السريع» معظم أنحاء ولاية الجزيرة، باستثناء «محلية المناقل»، في حين انسحبت قوات الجيش بالفرقة الأولى دون قتال يذكر. وقال الجيش وقتها إنه يحقق في الانسحاب، ولم تخرج نتائج التحقيق للعلن حتى الآن.

وواجهت «قوات الدعم السريع» اتهامات بارتكاب انتهاكات وفظائع واسعة في ولاية الجزيرة في ود مدني وعدد من القرى والبلدات في الولاية، ما اضطر مئات الآلاف من السكان للنزوح إلى مناطق آمنة داخل السودان واللجوء لبعض بلدان الجوار.

ووفقاً لمنظمة الهجرة الدولية، فإن أعداداً تراوحت بين 250 و300 ألف شخص فروا من ولاية الجزيرة، بعد استيلاء «قوات الدعم السريع» عليها منتصف ديسمبر 2023، ثم توالت عمليات النزوح في شرقي الجزيرة، بعد المعارك التي دارت هناك بعد انشقاق كيكل عن «الدعم السريع» وإعلان انضمامه للجيش.


مقالات ذات صلة

«الأمم المتحدة»: 3 ملايين طفل سوداني يواجهون خطر سوء تغذية حاد

شمال افريقيا صورة ملتقطة في يناير 2024، تظهر نساءً وأطفالاً في مخيم زمزم للنازحين، بالقرب من الفاشر في شمال دارفور، السودان (رويترز) play-circle 01:42

«الأمم المتحدة»: 3 ملايين طفل سوداني يواجهون خطر سوء تغذية حاد

قالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة، اليوم (الجمعة)، إن نحو 3.2 ملايين طفل دون الخامسة يواجهون خطر الإصابة بسوء التغذية الحاد في السودان الذي يشهد حرباً عنيفة.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا سودانيون فارُّون من المعارك في منطقة الجزيرة داخل مخيم للنازحين بمدينة القضارف (أ.ف.ب)

الجيش السوداني يستعيد السيطرة على بلدات في الجزيرة

شن الجيش السوداني، الأربعاء، هجوماً برياً كبيراً من عدة محاور على أطراف ولاية الجزيرة وسط البلاد، استعاد على أثرها، السيطرة على عدد من البلدات والقرى

محمد أمين ياسين (نيروبي)
الولايات المتحدة​ السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد (أ.ف.ب)

أميركا تتهم روسيا بتمويل طرفَي الحرب في السودان

اتهمت الولايات المتحدة، روسيا، بتمويل الطرفين المتحاربين في السودان.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا أطفال يحملون حزماً من المساعدات الإنسانية في مدرسة للنازحين بمدينة القضارف شرق السودان (أ.ف.ب)

أزمة بيع مواد الإغاثة تتفاقم في السودان... وتبرؤ حكومي

تفاقمت أزمة بيع المواد الإغاثية في أسواق سودانية، فيما تبرَّأت المفوضية الإنسانية التابعة للحكومة من المسؤولية عن تسريبها.

محمد أمين ياسين (نيروبي) وجدان طلحة (بورتسودان)
المشرق العربي الحرب في السودان والقيود المفروضة على توصيل المساعدات تسببتا في مجاعة في شمال دارفور (رويترز)

الأمم المتحدة: أكثر من 30 مليون شخص في السودان بحاجة إلى المساعدة

قالت الأمم المتحدة الاثنين إن أكثر من 30 مليون شخص، أكثر من نصفهم من الأطفال، يحتاجون إلى المساعدة في السودان بعد عشرين شهرا من الحرب المدمرة.

«الشرق الأوسط» (بورتسودان)

مصر تعزز علاقاتها الأفريقية باتصالات حول التحديات الأمنية

مقر تابع لوزارة الخارجية المصرية في القاهرة (تصوير عبد الفتاح فرج)
مقر تابع لوزارة الخارجية المصرية في القاهرة (تصوير عبد الفتاح فرج)
TT

مصر تعزز علاقاتها الأفريقية باتصالات حول التحديات الأمنية

مقر تابع لوزارة الخارجية المصرية في القاهرة (تصوير عبد الفتاح فرج)
مقر تابع لوزارة الخارجية المصرية في القاهرة (تصوير عبد الفتاح فرج)

تواصل مصر جهودها نحو تعزيز علاقاتها الأفريقية بمشاورات واتصالات تستهدف مواجهة التحديات الأمنية والتنموية لدول القارة. وفي هذا السياق، أجرى وزير الخارجية المصري، الدكتور بدر عبد العاطي، اتصالات هاتفية مع نظرائه في كينيا والكونغو برازافيل وغينيا بيساو، ناقشت المستجدات الإقليمية والدولية. ما عده خبراء «حلقة في سلسلة اتصالات تستهدف تعميق حضور مصر في القارة السمراء».

ووفق إفادة رسمية للمتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، السفير تميم خلاف، الجمعة، فإن عبد العاطي أجرى اتصالاً هاتفياً مع نظيره في غينيا بيساو، كارلوس بينتو بيريرا، «تناول خلاله سبل الارتقاء بالعلاقات الثنائية بين البلدين في شتى المجالات، واستشراف آفاق جديدة للتعاون المشترك في مجالات التنمية الاقتصادية والتجارة والاستثمار».

وقال خلاف إن الاتصال شهد «تبادل الرؤى بشأن عدد من القضايا الإقليمية، وسبل تعزيز العمل المشترك دعماً لمصالح القارة الأفريقية»، حيث أكد الوزيران «أهمية دعم جهود التنمية في أفريقيا، وتحقيق التكامل الاقتصادي بين دول القارة، وضرورة تكثيف التشاور والتنسيق لمواجهة التحديات الاقتصادية والتنموية والأمنية الراهنة، فضلاً عن تبادل التأييد في الترشيحات الإقليمية والدولية بين البلدين».

كما أجرى عبد العاطي اتصالاً هاتفياً مع وزير الشؤون الخارجية والتعاون في الكونغو برازافيل، جان كلود جاكوسو، «في إطار الجهود المستمرة لتعزيز التعاون الثنائي بين البلدين»، وفق إفادة رسمية لـ«الخارجية المصرية»، الجمعة.

وشدد عبد العاطي على «استعداد مصر لدعم الكونغو برازافيل من خلال تقديم الخبرات الفنية، والمساهمة في تدشين مشروعات التنمية المستدامة»، معرباً عن «حرص القاهرة على تعزيز العمل الأفريقي المشترك، ودفع عجلة التنمية في القارة».

وبحسب «الخارجية المصرية» فقد شهد الاتصال أيضاً «تبادل وجهات النظر حول المستجدات الإقليمية»، حيث أكد الوزيران «أهمية تنسيق الجهود لدعم الأمن والاستقرار في القارة الأفريقية، كما تم التوافق على تكثيف التنسيق بين الجانبين، والعمل على تعميق العلاقات الثنائية، وتحقيق المصالح المتبادلة، فضلاً عن تعزيز التعاون والتشاور في المحافل الإقليمية والدولية لمواجهة التحديات الإقليمية، وتحقيق مصالح دول القارة».

محادثات إدريس ديبي مع بدر عبد العاطي خلال زيارته إلى تشاد نهاية الشهر الماضي (الخارجية المصرية)

أيضاً أجرى الوزير المصري اتصالاً هاتفياً مع وزير الخارجية الكيني، موساليا مودافادي، وتناول الاتصال بحسب متحدث «الخارجية المصرية»، «سبل تعزيز العلاقات بين البلدين على المستويات كافة، إضافةً إلى القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، وسبل تعزيز الأمن والاستقرار في منطقة شرق أفريقيا».

وأكد عبد العاطي «التزام مصر بدعم كينيا في مساعيها لتحقيق الاستقرار والتنمية والازدهار»، مشيراً إلى «أهمية تطوير الشراكة الاقتصادية والاستثمارية بين البلدين، والعمل على زيادة حجم التجارة البينية، وتعزيز وترفيع مُستوى العلاقات الثنائية بما يتواءم مع أهمية الدولتين».

وتأتي الاتصالات المصرية - الأفريقية الأخيرة في إطار نشاط مكثف للقاهرة في القارة السمراء، وهو ما أكدته مديرة البرنامج الأفريقي بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» في مصر، الدكتورة أماني الطويل، مشيرةً إلى أن «هناك اتجاهاً معلناً من جانب الدبلوماسية المصرية لتعميق وتعزيز العلاقات مع دول القارة الأفريقية، تكشفت ملامحه من خلال الاتصالات والزيارات المتبادلة خلال الآونة الأخيرة».

وأوضحت لـ«الشرق الأوسط» أن «هذا الاتجاه نحو القارة الأفريقية يأتي في سياق التحديات المتزايدة التي تفرض على القاهرة التحرك في (ملفات عدة) سواء مع دول القرن الأفريقي أو حوض النيل»، مشيرةً إلى أن «هذه التحركات تأتي في إطار حماية الأمن القومي المصري، لا سيما فيما يتعلق بمواجهة توترات البحر الأحمر وتداعياتها على (قناة السويس)».

ومنذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) 2023 غيّرت شركات شحن عالمية مسارها، متجنبةً المرور في البحر الأحمر، إثر استهداف جماعة «الحوثي» اليمنية السفن المارة بالممر الملاحي، «رداً على استمرار الحرب الإسرائيلية ضد قطاع غزة»؛ ما أدّى إلى تراجعت إيرادات «قناة السويس»، وقال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أخيراً، إن «إيرادات القناة شهدت انخفاضاً تجاوز 60 في المائة مقارنة بعام 2023، ما يعني أن مصر خسرت ما يقرب من 7 مليارات دولار في عام 2024». (الدولار الأميركي يساوي 50.56 جنيه في البنوك المصرية).

جانب من زيارة بدر عبد العاطي إلى الغابون نهاية الشهر الماضي (الخارجية المصرية)

وعدَّ نائب رئيس «المجلس المصري للشؤون الأفريقية»، مساعد وزير الخارجية الأسبق، السفير صلاح حليمة، الاتصالات المصرية «حلقة في سلسلة مشاورات بين مصر ودول القارة الأفريقية، زادت خلال الفترة الأخيرة».

وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هذه الاتصالات تأتي في سياق تعميق العلاقات الثنائية بين مصر ودول القارة الأفريقية من جانب، والتشاور بشأن القضايا الساخنة سواء في منطقة القرن الأفريقي أو البحر الأحمر أو حتى وسط أفريقيا ومنطقة الساحل».

واتفق مع الرأي السابق عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية»، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير علي الحفني، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن علاقات مصر وأفريقيا باتت أوثق وأمتن في العقد الأخير، وهو ما يظهر من الاتصالات والزيارات المتبادلة، وجولات الرئيس عبد الفتاح السيسي في دول القارة الأفريقية.

ونهاية الشهر الماضي، زار وزير الخارجية المصري، الغابون وتشاد، في جولة «استهدفت التنسيق المشترك حول القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك»، وفق إفادة رسمية في حينه.

وأشار الحفني إلى أن «الاتصالات المصرية مع دول القارة تأتي في سياق تعزيز التعاون في مواجهة التحديات الأمنية، لا سيما أن الأمن ضرورة لتحقيق التنمية والاستقرار».

بينما أوضح حليمة أن «المشاورات المصرية مع دول القارة الأفريقية تتناول قضايا عدة على رأسها؛ مكافحة الإرهاب، وتسوية النزاعات القائمة، وتدعيم العلاقات الثنائية في مجالات البنية التحتية والطاقة والزراعة والأمن الغذائي والمائي... وغيرها من التحديات التي تواجه دول القارة».