روسيا تركّز على ليبيا لتحقيق طموحاتها بعد سقوط حليفها الأسد

طائرة عسكرية روسية تقترب من قاعدة حميميم الجوية على ساحل اللاذقية بسوريا في 14 ديسمبر 2024 (رويترز)
طائرة عسكرية روسية تقترب من قاعدة حميميم الجوية على ساحل اللاذقية بسوريا في 14 ديسمبر 2024 (رويترز)
TT

روسيا تركّز على ليبيا لتحقيق طموحاتها بعد سقوط حليفها الأسد

طائرة عسكرية روسية تقترب من قاعدة حميميم الجوية على ساحل اللاذقية بسوريا في 14 ديسمبر 2024 (رويترز)
طائرة عسكرية روسية تقترب من قاعدة حميميم الجوية على ساحل اللاذقية بسوريا في 14 ديسمبر 2024 (رويترز)

أدى سقوط بشار الأسد في سوريا إلى عرقلة مشاريع روسيا في أفريقيا، وأرغمها على البحث عن نقطة إسناد بديلة في حوض البحر المتوسط، متطلعة في هذا السياق إلى ليبيا، حسب تقرير لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

ولموسكو الحليفة للأسد ودمشق منذ أعوام طويلة، ميناء عسكري وقاعدة جوية على الساحل السوري، ما يسهّل عملياتها في المتوسط والشرق الأوسط ووسط أفريقيا وجنوب الصحراء الكبرى، غير أن إطاحة الأسد بعد ربع قرن في الحكم، عرّضت هذا الحضور للخطر.

وسعى القائد العام للإدارة الجديدة في سوريا أحمد الشرع إلى طمأنة روسيا، واصفاً إياها بأنّها دولة «مهمّة»، وقال: «لا نريد أن تخرج روسيا من سوريا بالشكل الذي يهواه البعض».

لكن في ظل عدم وضوح التشكيل السياسي في سوريا الجديدة، باتت موسكو مضطرة لبدء تراجع استراتيجي نحو ليبيا حيث يوجد مرتزقة روس.

ويقول جلال حرشاوي، الباحث في المعهد البريطاني «رويال يونايتد سرفيسز»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، إنّ ذلك يهدف «على وجه الخصوص للحفاظ على المهمات الروسية القائمة في أفريقيا»، مضيفاً أنّه «رد فعل لحفظ الذات» من جانب موسكو الحريصة على «التخفيف من تآكل موقعها في سوريا».

في مايو (أيار) 2024، كشف اتحاد التحقيقات السويسري «All Eyes On Wagner» (كل العيون على فاغنر) الوجود أو الأنشطة الروسية في نحو 10 مواقع ليبية، من بينها ميناء طبرق، حيث وصلت معدّات عسكرية في فبراير (شباط) وأبريل (نيسان).

وكان عديد القوات الروسية في فبراير 2024 يناهز 800 عنصر، وارتفع إلى 1800 في مايو من العام نفسه.

مقاتلون من مرتزقة «فاغنر» الروسية في مدينة روستوف أون دون بروسيا في 24 يونيو 2023 (رويترز)

رجال ومعدّات

في 18 ديسمبر (كانون الأول)، أفادت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، بأنّه تمّ نقل رادارات وأنظمة دفاع جوي روسية من بينها «إس - 300» و«إس-400» من سوريا إلى ليبيا، مستندةً في ذلك إلى مسؤولين ليبيين وأميركيين.

وفي هذا الإطار، يؤكد جلال حرشاوي أنّه منذ سقوط الأسد في الثامن من ديسمبر، «تم نقل كمية كبيرة من الموارد العسكرية الروسية إلى ليبيا من بيلاروسيا وروسيا»، مشيراً في الوقت نفسه إلى إرسال مقاتلين.

من جانبها، أفادت الاستخبارات الأوكرانية في الثالث من يناير (كانون الثاني) بأنّ موسكو تخطّط لـ«استخدام سفينتي الشحن (سبارتا) و(سبارتا 2) لنقل معدات عسكرية وأسلحة».

ويقول الخبير في المجلس الأطلسي في واشنطن عماد الدين بادي إنّ هذا التحوّل لا ينبع من تغيير قسري بسيط للحليف الإقليمي، بل من البحث عن «الاستمرارية»، مؤكداً أنّها خطوة «تؤكد أهمية ليبيا بوصفها... عنصراً في استراتيجية طويلة الأمد».

وأكد وزير الدفاع الإيطالي غويدو كروسيتو أنّ موسكو تنقل «موارد من قاعدتها السورية في طرطوس باتجاه ليبيا».

جندي روسي على مركبة قتالية للمشاة ضمن قافلة عسكرية روسية تتجه نحو قاعدة حميميم الجوية على الساحل السوري في اللاذقية بسوريا (رويترز - أرشيفية)

«الوجود الروسي أكثر وضوحاً»

لن يتمتّع الكرملين في ليبيا بالأريحية نفسها التي كانت متوافرة في سوريا في عهد الأسد. فبحسب أولف لايسينغ المسؤول عن برنامج الساحل في مؤسسة «كونراد أديناور»، فإنّ سوريا «كانت ملائمة على الصعيد العملي... كانت صندوقاً أسود من دون دبلوماسيين أو صحافيين أجانب. (الروس) فعلوا إجمالاً ما أرادوه».

ويضيف: «في ليبيا، سيكون الوضع أكثر تعقيداً بكثير. من الصعب الحفاظ على الأسرار هناك كما أنّ الوجود الروسي سيكون أكثر وضوحاً».

إضافة إلى ذلك، سيتعيّن على موسكو التعامل مع قوى أخرى، من بينها تركيا حليفة حكومة الوفاق الوطني، كما ستكون حريصة على عدم تعريض مستقبلها للخطر إذا ساءت الأمور بالنسبة إليها.

ويقول لايسينغ: «لذلك، هناك بلا شك حدود لما يمكن لروسيا أن تفعله في ليبيا».


مقالات ذات صلة

محمد بن سلمان وزيلينسكي يبحثان جهود حل الأزمة الأوكرانية - الروسية

الخليج الأمير محمد بن سلمان والرئيس فولوديمير زيلينسكي (الخارجية السعودية)

محمد بن سلمان وزيلينسكي يبحثان جهود حل الأزمة الأوكرانية - الروسية

بحث ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، جهود حل الأزمة الأوكرانية - الروسية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
أوروبا طائرة من طراز «بوينغ 737» تقلع في مطار بوينس آيرس بالأرجنتين في 26 ديسمبر 2024 (رويترز)

هبوط اضطراري لطائرة «بوينغ 737» تابعة لشركة «يوتير» في موسكو

ذكرت «وكالة الإعلام الروسية» أن طائرة «بوينغ» تابعة لشركة «يوتير» للطيران هبطت اضطرارياً في مطار فنوكوفو بموسكو، الثلاثاء.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا رجال إنقاذ في موقع مبنى سكني ضربته غارة جوية روسية على أوكرانيا بمنطقة سومي 4 يناير 2025 (رويترز)

روسيا: وجّهنا ضربات مكثفة للقوات الأوكرانية في منطقة كورسك

قالت وزارة الدفاع الروسية إن قواتها وجّهت ضربات مكثفة لوحدات أوكرانية في منطقة كورسك غرب روسيا، وأفاد الجيش الأوكراني بتصعيد القتال خلال اﻟ24 ساعة الماضية.

«الشرق الأوسط» (موسكو - كييف)
المشرق العربي عناصر من الفصائل الموالية لتركيا تواصل القتال مع «قسد» على محاور جنوب شرقي منبج (أ.ف.ب)

إردوغان: تركيا لم تتدخل في سوريا

تتواصل الاشتباكات بين الفصائل الموالية لتركيا و«قسد» على محاور جنوب شرقي منبج... وأكد الرئيس رجب طيب إردوغان أن بلاده ستواصل الحرب ضد الإرهاب في سوريا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أوروبا آثار الدمار الذي خلّفه قصف روسي على تشرنيهيف الروسية في 4 يناير (رويترز)

روسيا: أوكرانيا بدأت «هجوماً مضاداً» في منطقة كورسك

أعلنت موسكو، الأحد، أنّ كييف بدأت «هجوماً مضاداً» في منطقة كورسك بجنوب روسيا.

«الشرق الأوسط» (موسكو)

ليبيا: «الرئاسي» يصعّد ضد «النواب» بشأن «المصالحة الوطنية»

المجلس الرئاسي الليبي في لقاء سابق (المجلس الرئاسي)
المجلس الرئاسي الليبي في لقاء سابق (المجلس الرئاسي)
TT

ليبيا: «الرئاسي» يصعّد ضد «النواب» بشأن «المصالحة الوطنية»

المجلس الرئاسي الليبي في لقاء سابق (المجلس الرئاسي)
المجلس الرئاسي الليبي في لقاء سابق (المجلس الرئاسي)

صعّد المجلس الرئاسي الليبي في مواجهة مجلس النواب بشرق البلاد، منتقداً تجاهله لمشروع قانون «المصالحة الوطنية»، الذي سبق أن تقدم به العام الماضي. كما دعاه إلى تجنب «القرارات الأحادية»، التي قال إنها «تقوض الشراكة الوطنية، وتؤثر سلباً على أمن واستقرار البلاد».

وبدأت الأزمة عندما تقدم المجلس الرئاسي في فبراير (شباط) 2024 بمشروع قانون لـ«المصالحة الوطنية» إلى مجلس النواب، وانتظر مناقشته والموافقة عليه، لكن الأخير كان يعمل على مشروع مماثل، أقره الثلاثاء الماضي خلال انعقاده في مدينة بنغازي.

المجلس الرئاسي انتقد تجاهل مشروع النواب لمشروع قانون «المصالحة الوطنية» (المجلس)

وفي أول تعليق من المجلس الرئاسي على ما وصفه بـ«تجاهل مشروعه للمصالحة»، قال إنه «كان يأمل التعامل مع المشروع الذي تقدم به بروح المسؤولية الوطنية، بعيداً عن التسييس»، إلا أن الجلسة «خالفت هذه التطلعات، وزادت من تعقيد المسار».

وتقطّعت السبل بين الطرفين الداعيين للمصالحة، ودخلا من قبل في مشاحنات على خلفيات، تتعلق بالسلطة والصراع على «الصلاحيات القانونية»، وهما يتسابقان ويتنافسان حالياً على إدارة ملف المصالحة.

ودفاعاً عن مشروعه، قال المجلس الرئاسي في بيان مساء (الأربعاء) إنه تعامل في ملف المصالحة بـ«شفافية ومهنية ليبية خالصة، والمشروع حظي بإشادة دولية قبل إحالته إلى مجلس النواب منذ أكثر من عام، بعد إعداده وفق معايير مهنية، ومرجعيات وطنية لضمان حقوق الأطراف كافة، وتعزيز فرص المصالحة»، داعياً إلى الالتزام بالاتفاق السياسي «بوصفه أساساً شرعياً لتنظيم عمل المؤسسات السياسية، وتنسيق اختصاصاتها لتجنب النزاعات وفرض الأمر الواقع».

وشدّد المجلس الرئاسي على «أهمية تجنب القرارات الأحادية التي تقوض الشراكة الوطنية، وتؤثر سلباً على أمن واستقرار البلاد»، وتعهد بأنه «سيواصل حماية هذا المشروع الوطني، وضمان مساره الصحيح وفق صلاحياته».

وأشاد المجلس الرئاسي بجهود الجهات الوطنية التي أسهمت في هذا المشروع، وبالدور الإيجابي للاتحاد الأفريقي، وبعثة الأمم المتحدة للدعم لدى ليبيا، ودعا الكل إلى القيام بدوره بـ«حيادية»، معرباً عن تطلعه إلى «استمرار الجميع في دعم مشروع المصالحة للوصول إلى مصالحة شاملة».

وانتهى «الرئاسي» إلى أن إنجاح مشروع المصالحة «يتطلب تعاون الأطراف كافة لإرساء العدالة، والسلم الأهلي، بعيداً عن خطوات قد تعرقل المسار، وتبدد آمال الليبيين في مستقبل مستقر وموحد».

ومنذ رحيل نظام الرئيس معمر القذافي عام 2011، شهدت ليبيا اشتباكات وخلافات مناطقية، بعضها يرتبط بتصفية حسابات مع النظام السابق، والبعض الآخر كرّسه الانقسام السياسي، الذي عرفته البلاد منذ بداية 2014.

وعقب تسلّم «المجلس الرئاسي» السلطة، أطلق في يونيو (حزيران) 2022، ما يسمى «الرؤية الاستراتيجية لمشروع المصالحة الوطنية»، بقصد إنهاء الخلافات والعداوات المتراكمة منذ رحيل القذافي.

وخلال العامين الماضيين، احتضنت مدن ليبية كثيرة اجتماعات اللجنة التحضيرية لمؤتمر المصالحة، التي رعاها «المجلس الرئاسي». وظلت المساعي تُبذل على أمل عقد «مؤتمر وطني جامع للمصالحة» بمدينة سرت في 28 أبريل (نيسان) الماضي، لكنها تعثرت بعد تفاقم الخلافات.

وينظر إلى رد المجلس الرئاسي على البرلمان على أنه «تصعيد جديد قد يزيد من تعقيد العملية السياسية»، ويعمّق الانقسام والخلاف بين جبهتي شرق ليبيا وغربها، الأمر الذي يلقي بظلاله على أي حوار قد تقوده البعثة الأممية.

سيف الإسلام القذافي (الشرق الأوسط)

وكانت أطياف ليبية كثيرة قد شاركت في الاجتماعات التحضيرية لـ«المصالحة الوطنية»، من بينها الفريق الممثل لسيف الإسلام معمر القذافي، قبل أن تنسحب تباعاً لأسباب عدة، من بينها عدم الإفراج عن بعض رموز النظام السابق من السجن، والدفاع عن «نسبة مشاركتهم» في الاجتماعات التحضيرية للمؤتمر.

يأتي ذلك، فيما لا تزال حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، تدفع عن نفسها تهمة التطبيع مع إسرائيل، إثر كشف وزيرة خارجيتها المقالة نجلاء المنقوش تفاصيل لقائها بنظيرها الإسرائيلي إيلي كوهين.

وقال الطاهر الباعور، المكلف تسيير وزارة الخارجية بـ«الوحدة»، إنه «لا توجد أي روابط بين حكومته والكيان الصهيوني»، مضيفاً أن ليبيا «لا تعترف بهذا الكيان، ولا يوجد أي سبب ليكون للحكومة علاقات معه».

وزيرة الخارجية المقالة نجلاء المنقوش (أ.ب)

ونقلت وزارة الخارجية جانباً من تصريح الباعور، الذي تطرق فيه لموقف حكومته من القضية الفلسطينية، بوصفها «قضية مركزية» لكل الليبيين. وعبّر في معرض حديثه عن التطورات السورية، عن أمله بقرب فتح السفارة السورية في طرابلس، مشيراً إلى أن قائماً بأعمال، وطاقماً قنصلياً يمارسون أعمالهم بالفعل في السفارة الليبية في دمشق، وذلك في إطار دعم الحكومة الليبية للحكومة السورية الجديدة.

مديرو مراكز طبية ومستشفيات خلال لقائهم صالح في مكتبه بشرق ليبيا (مكتب صالح)

في شأن مختلف، قال رئيس مجلس النواب المستشار عقيلة صالح، لدى لقائه في مكتبه بالقبة عدداً من مديري المراكز الطبية والمستشفيات بمختلف المدن والمناطق، إنه اطلع على مستجدات العمل في المرافق الصحية في ربوع البلاد، كما استمع إلى المشاكل والعراقيل التي تواجه سير العمل.

ونقل مكتب صالح عنه تأكيده أن مجلسه سيعمل على حلحلة المشاكل كافة، عبر رئاسة الوزراء التي بدورها ستوفر الإمكانيات كافة لوزارة الصحة، بما يكفل تقديم أفضل الخدمات الصحية للمواطن.