ماذا وراء «عملية الدبيبة العسكرية» في الزاوية الليبية؟

تستمر لليوم الثالث مدعومة بـ «المسيّرات»

آليات وأرتال عسكرية في طريقها إلى مدينة الزاوية (الصفحة الرسمية للمنطقة العسكرية الساحل الغربي)
آليات وأرتال عسكرية في طريقها إلى مدينة الزاوية (الصفحة الرسمية للمنطقة العسكرية الساحل الغربي)
TT

ماذا وراء «عملية الدبيبة العسكرية» في الزاوية الليبية؟

آليات وأرتال عسكرية في طريقها إلى مدينة الزاوية (الصفحة الرسمية للمنطقة العسكرية الساحل الغربي)
آليات وأرتال عسكرية في طريقها إلى مدينة الزاوية (الصفحة الرسمية للمنطقة العسكرية الساحل الغربي)

أعادت العملية العسكرية التي شنتها حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، في مدينة الزاوية في غرب ليبيا، في يومها الثالث، مدعومة بالطائرات المسيّرة، طرح الأسئلة عن أسباب إطلاقها، وهل تستهدف بالفعل «أوكار المهربين للوقود والبشر»؟

تنوعت تقديرات محللين عسكريين لأهداف هذه العملية وسط مخاوف مواطنين، إذ أيد فريق الرواية الرسمية التي تقول إنها بقصد «التصدي لتشكيلات مسلحة وعصابات تمتهن تهريب الوقود والاتجار في المخدرات»، تهيمن على خريطة الساحل الغربي للعاصمة طرابلس... وفي المقابل ذهب فريق آخر إلى اعتبار العملية غطاء سياسياً لـ«إعادة رسم خريطة النفوذ» في ظل ما يعتقد أن مجموعات عسكرية في هذه المنطقة تدين بالولاء لـ«الجيش الوطني» في شرق ليبيا بقيادة المشير خليفة حفتر.

وفي خضم اهتمام إعلامي واسع بالعملية، التي أطلقت حكومة الدبيبة عليها تسمية «صيد الأفاعي»، كان لافتاً لمتابعين ظهور آمر منطقة الساحل الغربي العسكرية، التابعة لحكومة «الوحدة»، الفريق صلاح النمروش، يعطي الأوامر ببدء العمليات من الزاوية لضرب ما وصفها بـ«أوكار الإجرام»، في مشهد يعيد للأذهان عملية سابقة في مايو (أيار) 2023 بدأت باستخدام المسيرات، وانتهت إلى مصالحة بوساطة قبلية.

وسجلت العملية في الزاوية إزالة عدد من الأوكار دون تسجيل قتلى أو جرحى، وفق مصادر عسكرية، فيما يرى وزير الدفاع الليبي الأسبق محمد البرغثي أن «حكومة الدبيبة تخوض محاولة جديدة للحد من تهريب الوقود والاتجار بالبشر، والقبض على زعماء العصابات».

ويشير البرغثي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى «وجود أكبر مصفاة نفط ليبية داخل المدينة، وتنتشر فيها الميليشيات المسلحة على نحو واسع، علاوة على وقوعها قرب مدينة زوارة المشهورة بتجارة وتهريب البشر عبر البحر».

وسبق أن وصف تقرير أممي الزاوية (40 كيلومتراً غرب طرابلس) بأنها «مركز رئيس لعدد من الشبكات الإجرامية المنظمة المهيمنة على طول المنطقة الساحلية غرب العاصمة طرابلس، بما في ذلك زوارة وصبراتة وورشفانة».

وتتعدد التشكيلات المسلحة بالمدينة، التي رصدها التقرير الأممي الصادر في العام 2023، إذ أشار بالاسم إلى رئيس حرس المنشآت النفطية محمد الأمين كشلاف باعتباره «شخصية أساسية في شبكة تهريب الوقود بغرب ليبيا»، إلى جانب «محمد بحرون، المعروف باسم (الفار) الذي تحكمه علاقة وثيقة بالدبيبة».

عربة تقتحم محلاً يعتقد أنه وكر للاتجار بالمخدرات في الزاوية (الصفحة الرسمية للمنطقة العسكرية الساحل الغربي)

في المقابل، تبرز مجموعة «أبو زريبة» ونفوذ حلفائها، وفق التقرير الأممي، الذي أشار على نحو واضح إلى «علي أبو زريبة عضو مجلس النواب، وشقيقه حسن الذي يقود ميليشيا دعم الاستقرار في الزاوية، ويتنافس مع (الفار) في السيطرة على الطريق الساحلي». والأخير تقول تقارير إنه هرب من ليبيا على خلفية اتهامه بقتل عبد الرحمن ميلاد الشهير بـ«البيدجا» القيادي لأحد التشكيلات المسلحة.

ويرصد وزير الدفاع السابق مفارقة تتمثل في أن «الزاوية مصدر المتناقضات»، إذ إضافة إلى انتشار التشكيلات المسلحة فيها، فإنها أيضاً «بلد العسكريين القدامى في الجيش، ومعقل رئيس لضباطه، وكانت من أوائل المدن التي شقت عصا الطاعة على نظام القذافي عام 2011».

لكن الخبير في الشؤون الليبية في «المعهد الملكي للخدمات المتحدة»، جلال حرشاوي، يلحظ أن عملية الزاوية انطلقت «بعد إخطار مسبق للمجموعات المسلحة بتوقيتها الدقيق»، وهو ما عده «تقويضاً كبيراً لمصداقيتها»، بما يعني وفق تقديره «إعادة تمركزات لمناطق نفوذ الميليشيات».

ومع ذلك، لا يخفي محللون خشيتهم من انعكاسات هذه العملية على جهود التهدئة ومحاولات إيجاد حل وتوافق سياسي بين قادة البلاد، يقود لإجراء انتخابات عامة، خصوصاً وسط تكهنات باستهداف الدبيبة لحلفاء حفتر في الساحل الغربي.

وفي محاولة لتهدئة المخاوف، أطلق الفريق النمروش تطمينات «بعدم وجود أي أهداف سياسية وراء هذه العملية العسكرية»، ضمن لقاء مع أعيان وخبراء ونشطاء المجتمع المدني ونواب المنطقة الغربية (أعضاء بمجلسي النواب والدولة).

لكن المحلل العسكري الليبي محمد الترهوني عدّ الحديث عن استهداف تجار المخدرات «غطاء أمنياً لعملية سياسية»، واصفاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» ما يحدث بأنه «عملية لإخضاع من لا يدين بالولاء لحكومة (الوحدة) في المنطقة» محدداً على وجه الخصوص «الشقيقين علي وحسن أبو زريبة» اللذين يعتقد الدبيبة بولائهما للجيش الوطني في شرق البلاد. علماً بأنهما شقيقا عصام أبو زريبة وزير الداخلية بحكومة شرق ليبيا.

وإذ لا يستبعد الترهوني أن يكون هدف العملية «هو تصفية أو ربما تقليم أظافر خصوم حكومة الدبيبة لإقامة منطقة خضراء في الساحل الغربي»، يلفت إلى سابقة «تصفية البيدجا برصاص مسلحين مجهولين»، في سبتمبر (أيلول) الماضي غرب العاصمة طرابلس.

وما بين وجهتي النظر، تبقى تفسيرات عملية الزاوية من منظور البعض «استعراضاً للقوة لا يخلو من المكايدة» بين فريقي الدبيبة وحفتر، خصوصاً أنها جاءت في توقيت متقارب بعد سيطرة قوات تابعة لحفتر على مقرات تابعة لوزارة الدفاع التابعة للدبيبة في مدينة أوباري (جنوب البلاد). في إشارة إلى «معسكر التيندي»، وهو ما عدته حكومة الدبيبة «خرقاً لاتفاق وقف إطلاق النار الموقّع عام 2020».

إلى جانب ذلك، فإن تحركات الدبيبة جاءت بالتزامن مع تحركات قوات حفتر لتأمين القطاعات الدفاعية التابعة لمنطقة سبها العسكرية، وربط جميع القطاعات في الجنوب بغرفة عسكرية واحدة.

وتتنازع على السلطة في ليبيا حكومتان: الأولى وهي «الوحدة الوطنية» في طرابلس، والأخرى مكلَّفة من مجلس النواب، وتدير المنطقة الشرقية وأجزاء من الجنوب، ويقودها أسامة حمّاد.


مقالات ذات صلة

القاهرة تتمسك مجدداً بتفكيك الميليشيات وإخراج «المرتزقة» من ليبيا

شمال افريقيا وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي مستقبلاً ستيفاني خوري في لقاء سابق بالقاهرة (وزارة الخارجية)

القاهرة تتمسك مجدداً بتفكيك الميليشيات وإخراج «المرتزقة» من ليبيا

قال المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية السفير تميم خلاف إن بلاده تواصل دعم تشكيل «سلطة تنفيذية موحدة» في ليبيا تساعد في إجراء الانتخابات.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا خوري خلال اجتماعها مع عدد من الشخصيات السياسية في ليبيا (البعثة)

خوري تتحدث عن «ترتيبات» لتفعيل مبادرتها السياسية في ليبيا

قالت ستيفاني خوري، إنها تباحثت مع شخصيات ليبية حول «العملية السياسية» التي أطلقتها أمام مجلس الأمن؛ بما في ذلك معالجة الدوافع الأساسية للصراع.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا المجلس الرئاسي الليبي في لقاء سابق (المجلس الرئاسي)

ليبيا: «الرئاسي» يصعّد ضد «النواب» بشأن «المصالحة الوطنية»

طالب المجلس الرئاسي الليبي البرلمان بتجنب «القرارات الأحادية» التي قال إنها «تقوض الشراكة الوطنية وتؤثر سلباً على أمن واستقرار البلاد».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا اجتماع الدبيبة مع سفير تركيا وملحقها العسكري (حكومة الوحدة)

ليبيا: مطالب بالتحقيق مع الدبيبة والمنقوش بسبب «لقاء كوهين»

وصول آليات عسكرية مفاجئة إلى طرابلس وقوات «الوحدة» تعزز مواقعها في الزاوية

خالد محمود (القاهرة )
شمال افريقيا جل الليبيين عبّروا عن مخاوفهم من عودة الاقتتال إلى البلد (أ.ف.ب)

ليبيون يتخوفون من احتمال انهيار «اتفاق وقف النار» بين الحكومتين المتنازعتين

عوامل عديدة دفعت الليبيين خلال الأيام القليلة الماضية للقلق والخوف من احتمالية من عودة الاقتتال بين السلطتين المتنازعتين على السلطة في شرق البلاد وغربها.

جاكلين زاهر (القاهرة )

الصومال يرحب بالمشاركة المصرية في قوات حفظ السلام «الأفريقية»

وزير الدفاع المصري يلتقي نظيره الصومالي في القاهرة (المتحدث العسكري المصري)
وزير الدفاع المصري يلتقي نظيره الصومالي في القاهرة (المتحدث العسكري المصري)
TT

الصومال يرحب بالمشاركة المصرية في قوات حفظ السلام «الأفريقية»

وزير الدفاع المصري يلتقي نظيره الصومالي في القاهرة (المتحدث العسكري المصري)
وزير الدفاع المصري يلتقي نظيره الصومالي في القاهرة (المتحدث العسكري المصري)

رحب الصومال بالمشاركة المصرية ضمن بعثة الاتحاد الأفريقي الجديدة لدعم الأمن والاستقرار في الصومال، وذلك خلال لقاء القائد العام للقوات المسلحة المصرية وزير الدفاع والإنتاج الحربي، الفريق أول عبد المجيد صقر، وزير الدفاع الصومالي، عبد القادر محمد نور، والوفد المرافق له، في القاهرة، مساء الخميس.

ووقعت مصر والصومال، في أغسطس (آب) الماضي، بروتوكول تعاون عسكري، واتفق البلدان حينها على مشاركة مصر في البعثة الأفريقية لحفظ السلام خلال الفترة في 2025 - 2029، ودعمت القاهرة مقديشو بمعدات عسكرية.

ووفق إفادة للمتحدث العسكري المصري، فقد أشاد القائد العام للقوات المسلحة المصرية بعمق العلاقات التاريخية التي تجمع بين مصر والصومال واعتزازه بعلاقات الشراكة التي تربط القوات المسلحة لكلا البلدين.

وأضاف في بيان له، الخميس، أن لقاء صقر ومحمد نور تناول «مناقشة آخر التطورات والأحداث على الساحتين الإقليمية والدولية وانعكاساتها على الأمن والاستقرار داخل القارة الأفريقية».

ونقل البيان المصري عن وزير الدفاع الصومالي تقدير بلاده لجهود مصر في «إرساء دعائم الأمن والاستقرار لدول القارة الأفريقية كافة»، مرحباً بالمشاركة المصرية ضمن بعثة الاتحاد الأفريقي بدولة الصومال، مؤكداً على «أهمية التعاون المشترك بين القوات المسلحة المصرية والصومالية في مختلف المجالات». حضر اللقاء رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية، الفريق أحمد خليفة، وقادة الأفرع الرئيسة وعدد من قادة القوات المسلحة لكلا البلدين.

وعززت مصر تعاونها العسكري مع الصومال عقب أزمة بين الصومال وإثيوبيا، العام الماضي، بعدما عارضت القاهرة توقيع الحكومة الإثيوبية في يناير (كانون الثاني) 2024 اتفاقاً مبدئياً مع إقليم «أرض الصومال»، تحصل بموجبه أديس أبابا على مَنفذ بحري يتضمن ميناء تجارياً وقاعدة عسكرية في منطقة بربرة لمدة 50 عاماً، مقابل اعتراف إثيوبيا بـ«أرض الصومال» دولة مستقلة. وعدّت القاهرة حينها الاتفاق «مخالفاً للقانون الدولي، واعتداء على السيادة الصومالية».

جانب من محادثات وزير الدفاع المصري ونظيره الصومالي في القاهرة (المتحدث العسكري المصري)

وفي وقت سابق رحب سفير الصومال بالقاهرة ومندوبها الدائم لدى الجامعة العربية، السفير علي عبدي، بإعلان مصر المشاركة في قوات حفظ السلام بالصومال. وقال في إفادة له «ممتنون لتعهد مصر أن تكون من أوائل الدول التي تنشر قوات لدعم الجيش الصومالي بعد انسحاب قوات الاتحاد الأفريقي الحالية». واعتبر أن اتفاقية الدفاع المشترك التي تم توقيعها بين البلدين «ستمنع الفراغ الأمني في الصومال»، مشيراً إلى أن الاتفاقية «تتضمن التدريب ودعم المعدات والعمليات المشتركة بين قوات البلدين».

كما أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، خلال لقائه نظيره الصومالي، أحمد مُعلم فقي، في القاهرة، أغسطس الماضي «حرص مصر على المشاركة في بعثة حفظ السلام في الصومال بناء على رغبة الأشقاء الصوماليين»، مشيداً بـ«خطوة التوقيع على بروتوكول التعاون العسكري بين البلدين».

وفي سبتمبر (أيلول) الماضي، قال مسؤولون عسكريون واثنان من عمال المواني في الصومال إن «سفينة حربية مصرية سلَّمت شحنة كبيرة ثانية من الأسلحة إلى مقديشو، تضمَّنت مدافع مضادة للطائرات، وأسلحة مدفعية». وكانت القاهرة قد أرسلت طائرات عدة محملة بالأسلحة إلى مقديشو بعد أن وقّع البلدان اتفاقية أمنية مشتركة في أغسطس الماضي.

وقرر مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي، في يونيو (حزيران) الماضي، إرسال بعثة جديدة لحفظ السلم في الصومال باسم «بعثة الاتحاد الأفريقي لدعم الاستقرار في الصومال»، اعتباراً من يناير الجاري.