دعوات إلى «الحزم» مع مالي بعد اتهامها الجزائر بـ«دعم الإرهاب»

بن قرينة: مالي ليست مؤهلة سياسياً ولا أخلاقياً لإعطائنا الدروس

الرئيس الجزائري مستقبلاً وزير خارجية مالي في 16 يناير 2023 (الرئاسة الجزائرية)
الرئيس الجزائري مستقبلاً وزير خارجية مالي في 16 يناير 2023 (الرئاسة الجزائرية)
TT

دعوات إلى «الحزم» مع مالي بعد اتهامها الجزائر بـ«دعم الإرهاب»

الرئيس الجزائري مستقبلاً وزير خارجية مالي في 16 يناير 2023 (الرئاسة الجزائرية)
الرئيس الجزائري مستقبلاً وزير خارجية مالي في 16 يناير 2023 (الرئاسة الجزائرية)

بينما فضلت الحكومة الجزائرية الصمت حيال اتهامات في غاية الحدة، طالتها من مالي، أوحى رئيس حزب مؤيد للرئيس عبد المجيد تبون بأن رداً «قاسياً» سيناله الجار الجنوبي، إثر ما سماه «انحرافاته الخطيرة ضد الجزائر».

وحملت الخارجية المالية بشدة، في بيان، على الجزائر إثر تصريح لوزير خارجيتها أحمد عطاف، في مؤتمر صحافي، عقده في 30 من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تناول فيه المعارضة الطرقية المسلحة في شمال مالي، والتي تتعامل معها السلطة المركزية في باماكو، على أنها «تنظيمات إرهابية، تستفيد من دعم سياسي من الجزائر».

وزيرا خارجية الجزائر ومالي في لقاء سابق (صحافة باماكو)

وقالت «حركة البناء» المؤيدة لسياسات الرئيس تبون، في بيان السبت، وقّعه رئيسها عبد القادر بن قرينة، إن ما صدر عن مالي «تجاوز خطير للأعراف الدبلوماسية، وردة فعل غير مبررة، وادعاءات خطيرة للجزائر بدعم الإرهاب، ما يستوجب الرد المناسب». ويفهم من كلام بن قرينة أنه يدعو السلطات إلى الرد على اتهامات الخارجية المالية، كما قد يفهم منه أن الحكومة «ستتصدى بالرد الوافي» على هذه الاتهامات.

ووفق البيان ذاته، فإن «دولة مالي ليست مؤهلة سياسياً ولا أخلاقياً لإعطاء الدروس للجزائر، فيما يخص الإرهاب، الذي واجهته ودحرته، وسط غياب أي دعم من الـمجتمع الدولي»، في إشارة إلى إرهاب مدمر واجهته البلاد في تسعينات الماضي، وتقول سلطاته إنها «كافحته وسط تجاهل العالم بأسره». وخلّف الصراع مع الجماعات الإسلامية المسلحة مقتل 150 ألف شخص، حسب السلطات.

رئيس حركة «البناء» خلال حملة انتخابات الرئاسة مؤيداً لترشيح عبد المجيد تبون (الشرق الأوسط)

وأكد بن قرينة أن بلاده «تتفانى اليوم في مساندة أشقائها في جوارها الـمباشر، في حربهم ضد الإرهاب والتطرف العنيف، وأبدت دائماً حسن النيات والاستعداد والإرادة السياسية للإسهام فيما يخدم الأمن والسلام بالمنطقة. وعملت بشكل مستمر على تعزيز الروابط العميقة، التي تجمعها بدول وشعوب الجوار، مع المساهمة الفعالة في حل النزاعات المسلحة بشكل سلمي بما فيها الأزمة المالية».

وما أثار حفيظة مالي، هو دفاع عطاف عن «اتفاق السلم والمصالحة» (تم التوقيع عليه بالجزائر عام 2015)، الذي انسحبت منه باماكو مطلع 2024، بدعوى أنه «لم يعد مناسباً لها». كما قال عطاف إن الجزائر «لن تسمح ولن تقبل بأن تُحول حركات سياسية، كانت طرفاً موقعاً على اتفاق الجزائر للسلم في مالي، بين ليلة وضحاها، إلى عصابات إرهابية، وهذه الجماعات هي التي سيتم التفاوض معها مستقبلاً».

الحاكم العسكري في مالي مستقبلاً وفداً دبلوماسياً وأمنياً جزائرياً في أبريل 2023 (الخارجية الجزائرية)

وفي رد فعل شديد اللهجة على عطاف، عبرت الخارجية المالية عن «قلقها العميق إزاء استمرار بعض السلطات الجزائرية في التدخل في الشؤون الداخلية للجمهورية المالية، متمثلة في تصرفات تحمل طابع الأبوة والتعالي والازدراء». وازدادت بأن الجزائر «مطالبة بتركيز طاقتها على حل أزماتها الداخلية وتناقضاتها، بما في ذلك قضية القبائل».

وتعمدت الوزارة الإشارة إلى «قضية القبائل» التي تقع شرق العاصمة، على أساس أن التنظيم الذي يطالب بحكم ذاتي بها، مصنف جزائرياً «جماعة إرهابية». وسبق لمالي أن لمحت بأنها ستحتضن هذا التنظيم، المعروف اختصاراً بـ«ماك»، مثلما تفعل الجزائر مع الطوارق المعارضين، وفق تقديرها لهذه القضية.

لقاء الرئيس الجزائري بالشيخ ديكو الذي أثار حفيظة باماكو في 19 ديسمبر 2023 (الرئاسة الجزائرية)

ويعود الخلاف بين البلدين المشتركين في منطقة الساحل إلى نهاية 2023، حينما شن الجيش المالي حملة عسكرية، بمساعدة مجموعات «فاغنر» الروسية، على معاقل المعارضة المسلحة بشمال البلاد الحدودي مع الجزائر، ما سمح له بالسيطرة على أهم مدينة بين يديها. وعدت الجزائر هذا التطور اللافت في الصراع الداخلي «انتهاكاً لاتفاق السلم»، الذي تقود وساطته الدولية. وفي 19 ديسمبر 2023، استقبل الرئيس تبون ممثلين عن المعارضة، منهم شيخ الدين الشهير محمد ديكو. وعلى إثر ذلك، أعلن رئيس السلطة الانتقالية، العقيد عاصيمي غويتا، إلغاء العمل بوثيقة السلم، واتهم الجزائر بـ«التدخل في شؤون مالي الداخلية»، و«إسناد الإرهابيين».



مشاورات «اليوم التالي» في غزة... مساعٍ مصرية للتوافق بين «فتح» و«حماس»

فلسطينيون يحملون جريحاً في موقع غارة جوية إسرائيلية على مأوى للنازحين وسط قطاع غزة (رويترز)
فلسطينيون يحملون جريحاً في موقع غارة جوية إسرائيلية على مأوى للنازحين وسط قطاع غزة (رويترز)
TT

مشاورات «اليوم التالي» في غزة... مساعٍ مصرية للتوافق بين «فتح» و«حماس»

فلسطينيون يحملون جريحاً في موقع غارة جوية إسرائيلية على مأوى للنازحين وسط قطاع غزة (رويترز)
فلسطينيون يحملون جريحاً في موقع غارة جوية إسرائيلية على مأوى للنازحين وسط قطاع غزة (رويترز)

مشاورات «اليوم التالي» لحرب غزة عادت للقاهرة مجدداً، عقب تباين في وجهات النظر بين حركتي «حماس»، و«فتح» التي تتولى السلطة، بشأن تشكيل «لجنة إدارة القطاع» وذلك بعد رعاية مصرية لـ3 جولات من المحادثات خلال الأشهر الثلاثة الماضية.

تلك المساعي المصرية للتوافق بين الحركتين في ظل تسارع الجهود لإبرام هدنة قريبة بالقطاع، تعد بحسب تقديرات خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» محاولة لإنهاء أي خلافات حالية بخاصة مع حديث أميركي عن وجود خطة لليوم التالي، مؤكدين أن «مصر حريصة على تقريب وجهات النظر للخروج بتوافق قريب».

وأفاد مصدر فلسطيني مطلع لـ«الشرق الأوسط» بأن «المعلومات المتوفرة حتى الآن أن وفد (فتح) وصل قبل يومين للاجتماع مع (حماس) وهو لا يقبل المقترح القديم الذي قبلته الأخيرة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، بشأن تشكيل لجنة تكنوقراط لإدارة القطاع تحت اسم لجنة الإسناد المجتمعي».

ووفق المصدر ذاته، «سيقدم وفد (فتح) خلال اجتماع القاهرة مقترحاً جديداً يتضمن تشكيل لجنة الإسناد برئاسة وزير من الحكومة الفلسطينية وتتبعها»، موضحاً أن هذا «نوقش من قبل لكن الجديد أن وزيراً بالحكومة الفلسطينية يترأس اللجنة».

وكانت صحيفة «الأهرام» المصرية (حكومية)، أفادت الأربعاء، بأنه في «إطار المساعي المصرية الحثيثة، انطلقت، الثلاثاء، بالقاهرة المباحثات بين حركتي (فتح) و(حماس)، بشأن اللجنة التي ستتولى إدارة قطاع غزة بعد الحرب، بهدف التوصل لاتفاق حول آليات إدارة القطاع».

وكانت «حماس» تحدثت في بيان صحافي، في 3 يناير (كانون الثاني) الحالي، عن أنها «خلال الأشهر الأخيرة تعاملت بإيجابية مع مبادرة الأشقاء في مصر المدعومة عربياً وإسلامياً لتشكيل (لجنة الإسناد المجتمعي) لإدارة شؤون قطاع غزة بشكل مؤقت، وقطعت شوطاً مهما مع (فتح) وتواصلت مع عدد من القوى والفصائل لأسماء مقترحة وسلمتها للقاهرة»، معربة عن أملها في تجاوب «(فتح) والسلطة مع جهود تشكيل اللجنة».

وفي اليوم التالي تحفظ المتحدث باسم «فتح»، منذر الحايك، على بيان «حماس»، في تصريحات نقلها إعلام فلسطيني، متسائلاً: «لماذا لا تخرج (حماس) ببيان وتقول إن الحكومة الفلسطينية هي التي تمثل الكل الفلسطيني؟ ولماذا نشكل لجاناً لا تخدم الكل الفلسطيني؟ وتُفرق الضفة عن القطاع في وقت توجد حكومة فلسطينية معترف بها فلسطينياً وعربياً ودولياً؟».

إخلاء سكان مخيمي النصيرات والبريج للاجئين خلال العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة (إ.ب.أ)

هذا الاجتماع الجديد بالقاهرة، يراه المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، محاولة جديدة من القاهرة لاستكمال جهودها للإسراع نحو توافق بشأن تشكيل تلك «اللجنة» التي من المعروف مسبقاً أنها ستتبع السلطة، وصدورها سيكون بمرسوم رئاسي، مؤكداً أن «القاهرة تسعى لتجاوز لاءات إسرائيل بشأن رفض تسلم غزة من قبل السلطة أو من (حماس)، ومحاولة فتح آفاق جديدة لوقف الحرب».

وباعتقاد المحلل السياسي الفلسطيني، إبراهيم المدهون، فإن وفد حركة «فتح» سيعمل على «توضيح موقف السلطة بعد إدراكها حجم الانزعاج المصري من تحركاتها ضد اللجنة»، معتقداً أن «(حماس) قدمت كل ما يمكن لتسهيل جهود مصر في إنجاح لجنة الإسناد المجتمعي وأظهرت مرونة عالية، وطرحت أسماء مرشحة على أساس الكفاءة والوطنية والمهنية والقبول الدولي، مع استشارة الفصائل الفلسطينية في هذا الشأن».

ويتوقع المدهون أن يكون «هناك تفاهم ضمني بين (حماس) والقاهرة على أهمية إشراك حركة (فتح) في لجنة الإسناد بعدّها جزءاً فاعلاً ومسؤولاً»، موضحاً: «لكن غياب (فتح) أو رفضها المشاركة لن يُعيق المضي قدماً في تشكيل هذه اللجنة».

فيما يعتقد الرقب، أن المقترح سواء القديم أو الجديد سيخضع لمناقشات مكثفة وخاصة مع احتمال قرب الاتفاق على هدنة في قطاع غزة، وحديث دوائر عديدة، لا سيما أميركية، عن اليوم التالي للحرب.

رد فعل امرأة فلسطينية على مقتل أحد أقاربها في غارة إسرائيلية بدير البلح (رويترز)

ويرى الرقب أهمية أن يسارع الفلسطينيون لترتيب أوراقهم والاستجابة للمساعي المصرية للتوافق بشأن اليوم التالي للحرب وإدارة القطاع، مشدداً على أن القاهرة داعمة كبرى لفلسطين وتعد قضيتها قضية أمن قومي، ومن ثمّ يتوقع أن تبذل جهوداً كبيرة لإنهاء أي خلافات والذهاب لإعلان تشكيل اللجنة خلال تلك الجولة.

وفي تقدير المدهون فإن دور «لجنة الإسناد»، «يعد ذا أهمية قصوى في حال توقف العدوان على غزة، حيث يمكن أن تلعب دوراً محورياً في إعادة الإعمار وتنسيق الجهود العربية والدولية».

ومع ذلك، فإن «عدم إقرارها وعرقلتها من قبل السلطة الفلسطينية لن يُغلقا الباب أمام إيجاد بدائل مبتكرة».