ساركوزي أمام المحكمة لشبهات «تمويل ليبي» لحملته الانتخابية

يواجه احتمال سجنه 10 سنوات وحرمانه من الحقوق المدنية

القذافي مستقبلاً الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في قصره بطرابلس في 25 يوليو 2007 (أ.ب)
القذافي مستقبلاً الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في قصره بطرابلس في 25 يوليو 2007 (أ.ب)
TT

ساركوزي أمام المحكمة لشبهات «تمويل ليبي» لحملته الانتخابية

القذافي مستقبلاً الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في قصره بطرابلس في 25 يوليو 2007 (أ.ب)
القذافي مستقبلاً الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في قصره بطرابلس في 25 يوليو 2007 (أ.ب)

يعود الرئيس الفرنسي الأسبق، نيكولا ساركوزي، إلى المحكمة، بدءاً من الاثنين رفقة 3 وزراء سابقين، على خلفية شبهات تتعلّق بتلقّيه تمويلاً من الزعيم الليبي السابق معمر القذافي لحملته الانتخابية، التي أوصلته إلى السلطة في عام 2007. وفي هذه القضية المثيرة، يُشتبه في أنّ الرئيس الأسبق أبرم، عبر مقرّبين منه، «اتفاق فساد» مع القذافي، يموّل بموجبه الأخير حملته الانتخابية، مقابل تلميع صورته على الساحة الدولية. لكن ساركوزي ظل ينفي باستمرار تلقيه دعماً مالياً من ليبيا، وطعن بهذه الاتهامات مرات عدة. كما وصفها بـ«الكذبة»، بينما أكد محاميه أنّ الرئيس السابق «ينتظر بفارغ الصبر جلسات الاستماع، التي تستمرّ 4 أشهر»، مضيفاً أنّه «سيقاوم الإطار المفتعل الذي رسمه الادعاء، ولا يوجد أي تمويل ليبي لحملته»، بحسب تصريحاته لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

وبينما يخضع ساركوزي للمحاكمة حتى 10 أبريل (نيسان) المقبل، بتهمة الفساد واختلاس أموال عامة، وتمويل غير مشروع لحملته، والانتماء إلى عصابة إجرامية، يواجه عقوبة بالسجن 10 سنوات، وغرامة مقدارها 375 ألف يورو، فضلاً عن الحرمان من الحقوق المدنية، وبالتالي عدم الأهلية لمدّة 5 سنوات. وسيظهر ساركوزي أمام المحكمة بسجل جنائي، بعد 3 أسابيع من الحكم النهائي عليه بتهمة الفساد في قضية أخرى، بخضوعه للرقابة عبر سوار إلكتروني مدّة عام.

لقاء في طرابلس

بعد 10 سنوات من التحقيقات، قضى قاضيان في أغسطس (آب) 2023، بأنّ التهم كافية لتقديم 12 رجلاً أمام العدالة، بمن فيهم الوزراء السابقون، كلود غيان، وبريس هورتيفو، وإريك وورث. وستتعمّق المحكمة في ملف يعدّ متشعّباً ويرتبط بحقبة سابقة، عندما كانت ليبيا تحت حكم معمّر القذافي لمدّة 40 عاماً تقريباً.

الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي مرحباً بالقذافي في قصر الإليزيه في 10 ديسمبر 2007 (أ.ب)

القصة بدأت عبر لقاء في العاصمة الليبية طرابلس عام 2005، خُصّص رسمياً لموضوع الهجرة غير النظامية بين العقيد معمّر القذافي ونيكولا ساركوزي، الذي كان وزيراً للداخلية في ذلك الوقت، والذي كان يستعدّ للترشّح للانتخابات الرئاسية في عام 2007. وقتها، تمّ التوصل إلى «اتفاق»، بحسب الاتهام الذي استند إلى تصريحات 7 من كبار الشخصيات الليبية السابقين، بشأن رحلات سرية أجراها كلود غيان، مدير حملة ساركوزي الرئاسية، وبريس هورتيفو الذي كان مقرّباً من الرئيس الأسبق، وأيضاً إلى ملاحظات لوزير النفط الليبي الأسبق، شكري غانم، الذي عُثر على جثته في نهر الدانوب عام 2012.

وتمَظهر هذا الاتفاق في البداية على شكل «إعادة تأهيل» للقذافي على الساحة الدولية، إذ استقبله ساركوزي بعد انتخابه رئيساً بحفاوة بالغة، في إطار زيارة مثيرة للجدل لباريس، كانت الأولى له منذ 3 عقود.

عبد الله السنوسي مدير الاستخبارات الليبية سابقاً (الشرق الأوسط)

كما انعكس في عقود كبرى ومساعدة قضائية لعبد الله السنوسي، مدير الاستخبارات الليبية المحكوم عليه بالسجن مدى الحياة غيابياً في فرنسا، وذلك لدوره في الهجوم على طائرة فرنسية عام 1989، أودى بحياة 170 شخصاً بمن فيهم 54 فرنسياً. ويبلغ عدد الأطراف المدنية في المحاكمة نحو 20 فرداً.

تحويلات مشبوهة

ومن بين المتهمين رجلان يملكان خبرة في المفاوضات الدولية الموازية، هما رجل الأعمال الفرنسي - الجزائري ألكسندر جوهري، والفرنسي - اللبناني زياد تقي الدين، الذي فرّ إلى لبنان حيث لا يزال موجوداً. وفي أحد حسابات هذا الأخير، عُثر على 3 تحويلات مالية من السلطات الليبية، بقيمة إجمالية بلغت 6 ملايين يورو. كما تحدث عن «حقائب» أُعطيت إلى كلود غيان، كانت تحتوي على «فواتير كبيرة».

كما أظهرت التحقيقات أنّ أموالاً نقدية مجهولة المصدر كانت متداولة في مقر حملة ساركوزي الانتخابية. وقال إريك وورث، الذي كان وزيراً للمال في ذلك الوقت، إنّها كانت «تبرّعات مجهولة المصدر» بقيمة بضعة آلاف من اليوروهات فقط.

ومن جهته، قال فيليب بوشيز الغوزي، محامي غلود غيان، إنّ هذا الأخير «سيُظهر أنه بعد أكثر من 10 سنوات من التحقيق، لم يتم إثبات أي من الجرائم المتهم بها»، مندداً بـ«مجموعة من الادعاءات والفرضيات وغيرها من التقديرات».

أما نيكولا ساركوزي، فينفي كل شيء. وبالنسبة إليه، فإنّ الاتهامات ليست سوى «انتقام» من قبل الليبيين، بسبب دعمه الثورة في زمن الربيع العربي الذي أطاح القذافي، الذي قُتل في أكتوبر (تشرين الأول) 2011. وينفي محاموه التمويل غير الشرعي، ويؤكدون أنه لم يعثر على «أي أثر» له في حسابات حملته الانتخابية.



ليبيا: «الرئاسي» يصعّد ضد «النواب» بشأن «المصالحة الوطنية»

المجلس الرئاسي الليبي في لقاء سابق (المجلس الرئاسي)
المجلس الرئاسي الليبي في لقاء سابق (المجلس الرئاسي)
TT

ليبيا: «الرئاسي» يصعّد ضد «النواب» بشأن «المصالحة الوطنية»

المجلس الرئاسي الليبي في لقاء سابق (المجلس الرئاسي)
المجلس الرئاسي الليبي في لقاء سابق (المجلس الرئاسي)

صعّد المجلس الرئاسي الليبي في مواجهة مجلس النواب بشرق البلاد، منتقداً تجاهله لمشروع قانون «المصالحة الوطنية»، الذي سبق أن تقدم به العام الماضي. كما دعاه إلى تجنب «القرارات الأحادية»، التي قال إنها «تقوض الشراكة الوطنية، وتؤثر سلباً على أمن واستقرار البلاد».

وبدأت الأزمة عندما تقدم المجلس الرئاسي في فبراير (شباط) 2024 بمشروع قانون لـ«المصالحة الوطنية» إلى مجلس النواب، وانتظر مناقشته والموافقة عليه، لكن الأخير كان يعمل على مشروع مماثل، أقره الثلاثاء الماضي خلال انعقاده في مدينة بنغازي.

المجلس الرئاسي انتقد تجاهل مشروع النواب لمشروع قانون «المصالحة الوطنية» (المجلس)

وفي أول تعليق من المجلس الرئاسي على ما وصفه بـ«تجاهل مشروعه للمصالحة»، قال إنه «كان يأمل التعامل مع المشروع الذي تقدم به بروح المسؤولية الوطنية، بعيداً عن التسييس»، إلا أن الجلسة «خالفت هذه التطلعات، وزادت من تعقيد المسار».

وتقطّعت السبل بين الطرفين الداعيين للمصالحة، ودخلا من قبل في مشاحنات على خلفيات، تتعلق بالسلطة والصراع على «الصلاحيات القانونية»، وهما يتسابقان ويتنافسان حالياً على إدارة ملف المصالحة.

ودفاعاً عن مشروعه، قال المجلس الرئاسي في بيان مساء (الأربعاء) إنه تعامل في ملف المصالحة بـ«شفافية ومهنية ليبية خالصة، والمشروع حظي بإشادة دولية قبل إحالته إلى مجلس النواب منذ أكثر من عام، بعد إعداده وفق معايير مهنية، ومرجعيات وطنية لضمان حقوق الأطراف كافة، وتعزيز فرص المصالحة»، داعياً إلى الالتزام بالاتفاق السياسي «بوصفه أساساً شرعياً لتنظيم عمل المؤسسات السياسية، وتنسيق اختصاصاتها لتجنب النزاعات وفرض الأمر الواقع».

وشدّد المجلس الرئاسي على «أهمية تجنب القرارات الأحادية التي تقوض الشراكة الوطنية، وتؤثر سلباً على أمن واستقرار البلاد»، وتعهد بأنه «سيواصل حماية هذا المشروع الوطني، وضمان مساره الصحيح وفق صلاحياته».

وأشاد المجلس الرئاسي بجهود الجهات الوطنية التي أسهمت في هذا المشروع، وبالدور الإيجابي للاتحاد الأفريقي، وبعثة الأمم المتحدة للدعم لدى ليبيا، ودعا الكل إلى القيام بدوره بـ«حيادية»، معرباً عن تطلعه إلى «استمرار الجميع في دعم مشروع المصالحة للوصول إلى مصالحة شاملة».

وانتهى «الرئاسي» إلى أن إنجاح مشروع المصالحة «يتطلب تعاون الأطراف كافة لإرساء العدالة، والسلم الأهلي، بعيداً عن خطوات قد تعرقل المسار، وتبدد آمال الليبيين في مستقبل مستقر وموحد».

ومنذ رحيل نظام الرئيس معمر القذافي عام 2011، شهدت ليبيا اشتباكات وخلافات مناطقية، بعضها يرتبط بتصفية حسابات مع النظام السابق، والبعض الآخر كرّسه الانقسام السياسي، الذي عرفته البلاد منذ بداية 2014.

وعقب تسلّم «المجلس الرئاسي» السلطة، أطلق في يونيو (حزيران) 2022، ما يسمى «الرؤية الاستراتيجية لمشروع المصالحة الوطنية»، بقصد إنهاء الخلافات والعداوات المتراكمة منذ رحيل القذافي.

وخلال العامين الماضيين، احتضنت مدن ليبية كثيرة اجتماعات اللجنة التحضيرية لمؤتمر المصالحة، التي رعاها «المجلس الرئاسي». وظلت المساعي تُبذل على أمل عقد «مؤتمر وطني جامع للمصالحة» بمدينة سرت في 28 أبريل (نيسان) الماضي، لكنها تعثرت بعد تفاقم الخلافات.

وينظر إلى رد المجلس الرئاسي على البرلمان على أنه «تصعيد جديد قد يزيد من تعقيد العملية السياسية»، ويعمّق الانقسام والخلاف بين جبهتي شرق ليبيا وغربها، الأمر الذي يلقي بظلاله على أي حوار قد تقوده البعثة الأممية.

سيف الإسلام القذافي (الشرق الأوسط)

وكانت أطياف ليبية كثيرة قد شاركت في الاجتماعات التحضيرية لـ«المصالحة الوطنية»، من بينها الفريق الممثل لسيف الإسلام معمر القذافي، قبل أن تنسحب تباعاً لأسباب عدة، من بينها عدم الإفراج عن بعض رموز النظام السابق من السجن، والدفاع عن «نسبة مشاركتهم» في الاجتماعات التحضيرية للمؤتمر.

يأتي ذلك، فيما لا تزال حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، تدفع عن نفسها تهمة التطبيع مع إسرائيل، إثر كشف وزيرة خارجيتها المقالة نجلاء المنقوش تفاصيل لقائها بنظيرها الإسرائيلي إيلي كوهين.

وقال الطاهر الباعور، المكلف تسيير وزارة الخارجية بـ«الوحدة»، إنه «لا توجد أي روابط بين حكومته والكيان الصهيوني»، مضيفاً أن ليبيا «لا تعترف بهذا الكيان، ولا يوجد أي سبب ليكون للحكومة علاقات معه».

وزيرة الخارجية المقالة نجلاء المنقوش (أ.ب)

ونقلت وزارة الخارجية جانباً من تصريح الباعور، الذي تطرق فيه لموقف حكومته من القضية الفلسطينية، بوصفها «قضية مركزية» لكل الليبيين. وعبّر في معرض حديثه عن التطورات السورية، عن أمله بقرب فتح السفارة السورية في طرابلس، مشيراً إلى أن قائماً بأعمال، وطاقماً قنصلياً يمارسون أعمالهم بالفعل في السفارة الليبية في دمشق، وذلك في إطار دعم الحكومة الليبية للحكومة السورية الجديدة.

مديرو مراكز طبية ومستشفيات خلال لقائهم صالح في مكتبه بشرق ليبيا (مكتب صالح)

في شأن مختلف، قال رئيس مجلس النواب المستشار عقيلة صالح، لدى لقائه في مكتبه بالقبة عدداً من مديري المراكز الطبية والمستشفيات بمختلف المدن والمناطق، إنه اطلع على مستجدات العمل في المرافق الصحية في ربوع البلاد، كما استمع إلى المشاكل والعراقيل التي تواجه سير العمل.

ونقل مكتب صالح عنه تأكيده أن مجلسه سيعمل على حلحلة المشاكل كافة، عبر رئاسة الوزراء التي بدورها ستوفر الإمكانيات كافة لوزارة الصحة، بما يكفل تقديم أفضل الخدمات الصحية للمواطن.