الجزائر: تصعيد غير مسبوق واتهامات خطيرة لباريس

العلاقات الثنائية على حافة الانهيار ومؤشرات على طرد السفير الفرنسي

الرئيس تبون أثناء خطابه أمام أعضاء البرلمان (الرئاسة)
الرئيس تبون أثناء خطابه أمام أعضاء البرلمان (الرئاسة)
TT

الجزائر: تصعيد غير مسبوق واتهامات خطيرة لباريس

الرئيس تبون أثناء خطابه أمام أعضاء البرلمان (الرئاسة)
الرئيس تبون أثناء خطابه أمام أعضاء البرلمان (الرئاسة)

يوجد شبه إجماع في الجزائر، على أن العلاقات مع باريس تتجه بخطى متسارعة نحو قرار بطرد السفير الفرنسي، وحينها سيُفَكّ الارتباط نهائياً مع دولة المستعمر السابق، علماً أن سفير الجزائر لدى فرنسا غادر منصبه مند نهاية يوليو (تموز) الماضي، إثر إعلان الرئيس إيمانويل ماكرون دعمه خطة الحكم المغربية للصحراء.

حملَ خطاب غير مسبوق في حدّته، ألقاه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، الأحد، بالعاصمة أمام البرلمان، دلالات على تدهور كبير في العلاقات الجزائرية - الفرنسية، تجاوز التوترات والخلافات الظرفية التي كانت سمتها الغالبة منذ استقلال الجزائر عام 1962. وكانت صحف جزائرية أوحت، الأسبوع الماضي، بوجود إرادة من جانب الحكومة، لإبعاد السفير الفرنسي.

تصفيق البرلمانيين على هجوم الرئيس تبون ضد فرنسا (الرئاسة)

ففي موضوع نزاع الصحراء، قال تبون إن فرنسا «هي راعية خطة الحكم الذاتي المغربية»، التي تتضمن حكماً موسعاً في الإقليم محل نزاع، في إطار السيادة المغربية. مؤكداً أنها «فكرة مزوَّرة نشأت (عندما عرضتها الرباط في 2007) في عهد الرئيس (الراحل) جاك شيراك»، الذي حكم فرنسا من 1995 إلى 2007. مشيراً إلى أن الرؤساء الذين جاءوا من بعده «ساروا على النهج نفسه»، ذكر من بينهم نيكولا ساركوزي وفرنسوا هولاند، لكنه لم يذكر الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون.

وأضاف تبون: «نحن مع الحق... وكان لنا دائماً الموقف نفسه»، ويقصد بذلك، مطلب «تقرير مصير الصحراء عن طريق الاستفتاء»، الذي تطرحه «بوليساريو»، بدعم قوي من الجزائر، وهذا منذ انسحاب إسبانيا من هذه الأرض عام 1975.

وتابع مخاطباً، ضمناً، الفرنسيين والمغاربة: «هذه الأرض لا تخصكم ومسار تحديد مصيرها لم يكتمل بعد»، مشدداً على أن بلاده دخلت في صراع مع دول أوروبية، بسبب تأييدها المشروع المغربي، عادَّاً أنها «خرجت عن الشرعية الدولية»، في إشارة إلى التحول في موقفي إسبانيا وفرنسا بشأن النزاع، الذي تطور مع السنين، فأدى إلى قطع العلاقات بين الجزائر وجارها الغربي، عام 2021. ولم يصدر أي رد رسمي فوري من فرنسا، على اتهامات تبون.

الرئيسان الجزائري والفرنسي على هامش قمة «السبعة» الكبار بإيطاليا في 14 يونيو 2024 (الرئاسة الجزائرية)

على صعيد آخر، لأول مرة يأتي على لسان رئيس جزائري، أن بلاده مستغنية عن تعويضات محتملة، قد تسددها فرنسا للجزائر، عن فترة الاحتلال وما صاحبها من تقتيل ونهب للأملاك. كما هي مستغنية عن إعلان محتمل عن «توبتها»، وقال بهذا الخصوص: «لا نطلب تعويضاً مالياً عن الجرائم الاستعمارية، ولا اعتذاراً، بل نريد الاعتراف بالجرائم». وفُهم من كلامه أنه يخاطب ماكرون، خصوصاً حينما قال: «أنا لا أطلب منكم أن تعتذروا عما فعله أجدادكم في الجزائر، لكن على الأقل اعترفوا... نحن لا نريد تعويضاً مالياً، بل نطالب بتعويض معنوي».

وسبق للرئيس ماكرون أن تناول «قضية الاعتذار» و«التوبة» عن ماضي فرنسا الاستعماري بالجزائر، وكرر في مناسبات عدّة، أنه «ينتمي إلى جيل لا صلة له بالاستعمار»، بمعنى أنه في حلّ عن الاعتذار، المرفوض من قطاع واسع من الطيف السياسي في فرنسا، خصوصاً من اليمين التقليدي واليمين المتطرف.

وشجب تبون، بحدّة غير مسبوقة، جرائم الاستعمار، مؤكداً بأن «الفرنسيين قتلوا الجزائريين بالغاز بعد أن رموهم في كهوف». متسائلاً: «أليست هذه إبادة جماعية؟... فرنسا أبادت أجيالاً من الجزائريين خلال 132 سنة من الاستعمار، أنتم لم تجلبوا (إلى الجزائر) سوى الدمار»، داعياً فرنسا إلى «نزع مخلفات نفاياتها النووية في صحرائنا». وأضاف: «فرنسا أصبحت قوة نووية، وتركت أمراضاً في الجزائر... يجب أن تأتي وتنظف، لا أريد أموالك، ليس لدي شيء أفعله بأموالك».

الروائي المسجون بوعلام صنصال (متداولة)

ومما زاد من حدة خطاب تبون ضد فرنسا، حديثه عن الكاتب مزدوج الجنسية، المسجون بوعلام صنصال، الذي احتجت فرنسا بنخبتيها السياسية والمثقفة، على اعتقاله الشهر الماضي، ومتابعته بتهمة «المس بالوحدة الترابية للبلاد»، إثر تصريحات عُدَّت «مستفزة»، زعم فيها أن «أجزاء واسعة من الغرب الجزائري، تعود تاريخياً إلى المغرب»، ورأى أن الاستعمار الفرنسي «تسبب في فصل هذه الأجزاء عن المغرب».

وفي تقدير رئيس الجزائر، لم يكن موقف صاحب الرواية الشهيرة «قرية الألماني»، إلا وحياً من الفرنسيين. ووفق هذا المعنى، قال: «أرسلتم محتالاً لا يعرف هويته، ولا يعرف من هو والده، ويأتي ليقول إن نصف الجزائر ينتمي إلى دولة أخرى».


مقالات ذات صلة

الشرطة الفرنسية توقف ثلاثة جزائريين في حملة على المؤثرين

أوروبا عنصر من الشرطة الفرنسية (أ.ف.ب)

الشرطة الفرنسية توقف ثلاثة جزائريين في حملة على المؤثرين

قالت وكالة «أسوشييتد برس» الأميركية للأنباء إن الشرطة الفرنسية ألقت القبض على ثلاثة جزائريين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
رياضة عربية شباب قسنطينة الجزائري تصدر مجموعته بالكونفدرالية (نادي شباب قسنطينة)

«الكونفدرالية الأفريقية»: قسنطينة الجزائري ينتزع صدارة مجموعته برباعية

حقق فريق شباب قسنطينة الجزائري فوزاً عريضاً على ضيفه أونزي برافوش الأنجولي بنتيجة 4 - صفر في الجولة الرابعة بالمجموعة الأولى لكأس الكونفدرالية الأفريقية.

«الشرق الأوسط» (قسنطينة)
شمال افريقيا الحراك الجزائري في فبراير 2019 (الشرق الأوسط)

اعتقال جزائريين في فرنسا بتهمة «التحريض على العنف»

اعتقلت الشرطة الفرنسية «مؤثرين» جزائريين لتحريضهما على قتل مواطنين لهما يقيمون بفرنسا، بحجة أنهم «يبحثون عن زرع الاضطرابات في الجزائر»

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا شل نشاط 51 إرهابياً في الجزائر خلال عام 2024

شل نشاط 51 إرهابياً في الجزائر خلال عام 2024

أعلنت وزارة الدفاع الجزائرية، السبت، عبر حساباتها بالإعلام الاجتماعي، أن قوات الجيش شلت نشاط 51 إرهابياً واعتقلت 457 شخصاً بشبهة دعم المتطرفين المسلحين، في…

شمال افريقيا ممثل السياسة الخارجية في «الاتحاد الأوروبي» سابقاً جوزيب بوريل في لقاء سابق مع الرئيس تبون (الرئاسة الجزائرية)

الجزائر و«بروكسل» لبحث «أزمة اتفاق الشراكة»

يبحث وفد من الاتحاد الأوروبي مع مسؤولين جزائريين، مطلع العام الجديد، «أزمة اتفاق الشراكة»، بغرض حل «تعقيدات إدارية» تواجه صادرات دول الاتحاد إلى الجزائر.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

الجزائر تندد بموقف ماكرون في قضية الكاتب صنصال

الروائي المسجون بوعلام صنصال (متداولة)
الروائي المسجون بوعلام صنصال (متداولة)
TT

الجزائر تندد بموقف ماكرون في قضية الكاتب صنصال

الروائي المسجون بوعلام صنصال (متداولة)
الروائي المسجون بوعلام صنصال (متداولة)

ندّدت الجزائر، الثلاثاء، بـ«تدخل سافر وغير مقبول» من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في قضية الكاتب الموقوف بوعلام صنصال، الذي يحمل جنسية البلدين، غداة اعتباره أن الجزائر «تسيء لسمعتها» برفضها الإفراج عنه، بحسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية.

وقالت «الخارجية»، في بيان نشرته على حسابها الرسمي على منصة «إكس»: «لقد اطلعت الحكومة الجزائرية باستغراب شديد على التصريحات التي أدلى بها الرئيس الفرنسي بشأن الجزائر، التي تهين، في المقام الأول، من اعتقد أنه من المناسب الإدلاء بها بهذه الطريقة المتهاونة والمستهترة».

وشددت «الخارجية الجزائرية» على أن «هذه التصريحات لا يمكن إلا أن تكون موضع استنكار ورفض وإدانة، لما تمثّله من تدخل سافر وغير مقبول في شأن جزائري داخلي»، معتبرة أن «ما يقدمه الرئيس الفرنسي زوراً وبهتاناً كقضية متعلقة بحرية التعبير، ليس كذلك من منظور قانون دولة مستقلة وذات سيادة، بل يتعلّق الأمر بالمساس بالوحدة الترابية للبلاد، ويعد ذلك جريمة يعاقب عليها القانون الجزائري».

ويثير توقيف بوعلام صنصال توتراً منذ أسابيع بين الجزائر وفرنسا. وقال ماكرون، الاثنين، أمام سفراء فرنسا المجتمعين في قصر الإليزيه إن «الجزائر التي نحبها كثيراً، والتي نتشارك معها الكثير من الأبناء والكثير من القصص، تسيء إلى سمعتها، من خلال منع رجل مريض بشدة من الحصول على العلاج»، مضيفاً: «نحن الذين نحب الشعب الجزائري وتاريخه، أحث حكومته على إطلاق سراح بوعلام صنصال... هذا المناضل من أجل الحرية محتجز بطريقة تعسفية تماماً من قبل المسؤولين الجزائريين». أودع بوعلام صنصال (75 عاماً)، المعروف بانتقاده للسلطات الجزائرية، السجن منذ منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بتهم تتعلق بتهديد أمن الدولة، ونقل إلى وحدة علاج طبي منذ منتصف ديسمبر (كانون الأول) الماضي. وتحدث الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لأول مرة عن توقيفه في 29 من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، واصفاً إيّاه بـ«المحتال المبعوث من فرنسا».

وأوقف مؤلف كتاب «2084: نهاية العالم» في 16 نوفمبر في مطار الجزائر العاصمة، ووُجهت إليه تهم بموجب المادة 87 مكرر من قانون العقوبات، التي تعدّ «فعلاً إرهابياً أو تخريبياً (...) كل فعل يستهدف أمن الدولة والوحدة الوطنية والسلامة الترابية، واستقرار المؤسسات وسيرها العادي».

وبحسب صحيفة «لوموند» الفرنسية، فإن السلطات الجزائرية انزعجت من تصريحات أدلى بها صنصال لموقع «فرونتيير» الإعلامي الفرنسي، المعروف بمواقفه اليمينية المتطرفة، تبنى فيها موقفاً مغربياً يقول إن أراضي مغربية انتُزعت من المملكة في ظل الاستعمار الفرنسي لصالح الجزائر.