تونس: السجن 95 عاماً لأشهر سياسي بتهمة «التآمر على أمن الدولة»

قضيته شملت رئيس حكومة أسبق ووزير داخلية سابقاً ومسؤولين في الأمن والمخابرات

رجل الأعمال والإعلام والسياسي المثير للجدل شفيق جراية الذي اعتقل منذ 2017 بتهمة التآمر على أمن الدولة (متداولة)
رجل الأعمال والإعلام والسياسي المثير للجدل شفيق جراية الذي اعتقل منذ 2017 بتهمة التآمر على أمن الدولة (متداولة)
TT

تونس: السجن 95 عاماً لأشهر سياسي بتهمة «التآمر على أمن الدولة»

رجل الأعمال والإعلام والسياسي المثير للجدل شفيق جراية الذي اعتقل منذ 2017 بتهمة التآمر على أمن الدولة (متداولة)
رجل الأعمال والإعلام والسياسي المثير للجدل شفيق جراية الذي اعتقل منذ 2017 بتهمة التآمر على أمن الدولة (متداولة)

أصدرت محكمة تونسية حكماً بالسجن لمدة 95 عاماً ضد رجل الأعمال والإعلام والسياسي المثير للجدل، شفيق جراية، الذي اعتقل قبل 7 أعوام في عهد رئيس الحكومة السابق يوسف الشاهد، بتهمة «التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي»، والضلوع في «قضايا فساد مالي وإداري»، و«ارتكاب جنايات خطيرة»، بعضها ذات صبغة مالية وإدارية.

رئيس الحكومة الأسبق يوسف الشاهد (الشرق الأوسط)

وإضافة إلى جراية، شملت التحقيقات في ملف «التآمر على أمن الدولة» أيضاً مسؤولين سابقين في الدولة، بينهم رئيس الحكومة الأسبق الحبيب الصيد، ووزير الداخلية ناجم الغرسلي، ومديرون سابقون في قطاعات الأمن والمخابرات ومكافحة الإرهاب، وتتبع تحركات الإرهابيين في تونس وليبيا، ومتهمين في تبييض الأموال، و«نسج علاقات مالية وأمنية مشبوهة» مع بعض كبار المسؤولين في عالمي المال والسياسة في ليبيا قبل 2011 وبعده.

رئيس الحكومة الأسبق الحبيب الصيد ووزير داخليته ناجم الغرسلي تم استنطاقهما ضمن ملفات الإرهاب التي فتحت ضد شفيق جراية (متداولة)

وحسب فريق الدفاع المكلف ملفات جراية، المستثمر البارز سابقاً في قطاعات العقارات والتجارة والإعلام، فقد جرت جلسات «صلح مالي» عديدة تهم مجموعة من القضايا المرفوعة ضده. لكن المتابعات القانونية ما زالت متواصلة ضده في قضايا مختلفة، بعضها له صبغة مدنية ومالية، بينها «غسيل الأموال»، و«مخالفة الإجراءات القانونية».

وحسب المصدر نفسه، فقد قضت الدائرة الجناحية المختصة بقضايا الفساد المالي في المحكمة الابتدائية بتونس بالسجن لمدة 5 أعوام مع النفاذ العاجل في حق جراية، عن كل قضية من أصل 19 قضية متابع فيها، وهو ما يعني أن مجموع العقوبة هو 95 عاماً، إلى جانب دفع غرامات مالية.

واستغرب محامون هذا الحكم لأن موكلهم مثل في هذه القضية «في حالة سراح». لكن المحكمة قررت رغم ذلك إدانته بالسجن في كل القضايا المتابع فيها، علماً بأنه يمكن للمحكمة أن تقرر، بموجب أحكام القضاء، «ضم الأحكام» عندما يكون المتهم متابعاً بقضايا كثيرة، أو تخفيفها. ورغم هذا الحكم الثقيل سيمثل جراية مجدداً أمام المحاكم في قضايا جنائية وجناحية أخرى.

عدد من المتهمين في ملف التآمر ضد أمن الدولة (الموقع الرسمي لغازي الشواشي)

وكان رئيس الحكومة الأسبق، يوسف الشاهد (2016-2020)، وعدد من أنصاره، ورجل الأعمال جراية وبعض المساندين له، قد دخلوا في صراعات إعلامية وسياسية وقضائية مفتوحة، جرى خلالها تبادل الاتهامات بالفساد والضلوع في الإرهاب، وربط علاقات مع إرهابيين تونسيين وليبيين وأجانب. وتسببت تلك الصراعات في إصدار أوامر باعتقال جراية ومقربين منه، بينهم عدد من كبار المسؤولين السابقين في الحكومة والأمن، سبق أن استقبلوا جراية في مكاتب وزارة الداخلية، ونسقوا معه حول ملفات تهم إرهابيين ومهربين فارين إلى ليبيا. وشملت الأبحاث وقتها وزير الداخلية آنذاك، القاضي ناجم الغرسلي، الذي أوضح أن التنسيق مع جراية وإرسال ضباط أمنيين تونسيين إلى ليبيا «كان بالاتفاق مع رئيس الحكومة آنذاك الحبيب الصيد، والمدير العام للأمن الوطني عبد الرحمن بالحاج علي، وعدد من كبار أطر الدولة». لكن الصيد نفى أمام المحكمة علمه بوجود تنسيق أمني تونسي - ليبي بمشاركة شفيق جراية وضباط الأمن المقربين منه، الذين تعرضوا إلى التوقيف، ووزير الداخلية وقتها ناجم الغرسلي.

بعد ذلك تطورت الأزمة إلى إقالة الغرسلي وتعيينه سفيراً لتونس في الرباط، ضمن أزمة اشتدت فيها الصراعات بين الأجنحة داخل السلطة، وخاصة بين الموالين لرئيس الحكومة يوسف الشاهد من جهة، وأنصار الرئيس الأسبق الباجي قائد السبسي، ونجله حافظ قائد السبسي المسؤول الأول وقتها عن حزب نداء تونس، الذي دخل في خلاف مفتوح مع الشاهد. وكان شفيق جراية وقتها أقرب إلى جناح قائد السبسي، ومعادياً بقوة لرئيس الحكومة وفريقه.

أحمد العماري القيادي في حركة «النهضة» (موقع الحزب)

من جهة أخرى، أكدت قيادة «جبهة الخلاص» المعارضة، التي تضم نحو 10 أحزاب بينها النهضة، إطلاق سراح المعارض والنقابي والبرلماني السابق عن حزب «حركة النهضة» أحمد العماري مجدداً، بعد أن تعرّض للتوقيف بعد 48 ساعة من قرار الإفراج عنه الصادر لفائدته عن محكمة تونس العاصمة في قضية «ذات صبغة سياسية».



هل وصلت العلاقات الجزائرية - الفرنسية لنقطة «اللاعودة»؟

الرئيس الجزائري في لقاء سابق مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف.ب)
الرئيس الجزائري في لقاء سابق مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف.ب)
TT

هل وصلت العلاقات الجزائرية - الفرنسية لنقطة «اللاعودة»؟

الرئيس الجزائري في لقاء سابق مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف.ب)
الرئيس الجزائري في لقاء سابق مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف.ب)

تشهد العلاقات المضطربة على مرّ التاريخ بين فرنسا والجزائر خضّات جديدة، إثر توقيف مؤثرين جزائريين على ذمة التحقيق في فرنسا، بسبب رسائل كراهية نشروها، ومواجهة دبلوماسية جديدة حول توقيف كاتب جزائري - فرنسي في العاصمة الجزائرية، وهو ما يجعل البعض يرى أن العلاقة بين البلدين وصلت فعلاً إلى «نقطة اللاعودة».

سلطات فرنسا شنت حملة توقيف مؤثرين جزائريين على ذمة التحقيق بسبب رسائل كراهية نشروها (أ.ب)

وأوقفت السلطات في باريس مؤخراً ثلاثة مؤثرين جزائريين للاشتباه في تحريضهم على الإرهاب، ووضع منشورات تحث على ارتكاب أعمال عنف في فرنسا ضد معارضين للنظام الجزائري. أحدهم أوقف الجمعة في ضواحي غرونوبل، بعد نشره مقطع فيديو، تم حذفه في وقت لاحق، يحث المتابعين على «الحرق والقتل والاغتصاب على الأراضي الفرنسية»، بحسب لقطة مصورة من شاشة لوزير الداخلية برونو ريتايو.

وزير الداخلية الفرنسية برونو ريتايو (أ.ب)

ونشر هذا الرجل: «أنا معك يا زازو»، مخاطباً مؤثراً جزائرياً آخر، يدعى يوسف أ، المعروف باسم «زازو يوسف»، كان قد أوقف قبل ساعات قليلة بشبهة الدعوة إلى شن هجمات في فرنسا ضد «معارضي النظام الحالي في الجزائر»، بحسب القضاء الفرنسي. ونشر الشخص الثالث، الذي تم اعتقاله على تطبيق «تيك توك»: «اقتلوه، دعوه يتعذب»، في إشارة إلى متظاهر جزائري معارض للنظام. وفتح القضاء أيضاً تحقيقات ضد اثنين آخرين من المؤثرين الفرنسيين الجزائريين، بسبب فيديوهات تنشر الكراهية. وقال المعارض الجزائري، شوقي بن زهرة لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إن «العشرات» من مستخدمي وسائط التواصل الجزائريين، أو مزدوجي الجنسية «نشروا محتوى معادياً على الإنترنت».

محمد تاجديت ضحية تحريض بالقتل من مؤثر جزائري مقيم بفرنسا (حسابه الشخصي بالإعلام الاجتماعي)

كان لدى يوسف أ. أكثر من 400 ألف متابع على تطبيق «تيك توك»، وقد حذفت المنصة حسابه منذ ذلك الحين.

* اتهام الجزائر بالتحريض

اتهم بن زهرة، وهو نفسه لاجئ سياسي في فرنسا، السلطات الجزائرية بالوقوف وراء هذه «الظاهرة»، والدليل بحسبه أن المسجد الكبير في باريس، الذي تموله الجزائر، «يستقبل أيضاً مؤثرين» جزائريين. وردت مؤسسة مسجد باريس على هذه التصريحات «التشهيرية»، التي أدلى بها «مدون مغمور»، واعتبرتها جزءاً من «حملة افتراء غير محتملة»، لكنها أكدت على «دورها البناء في العلاقات بين البلدين». وحسب العديد من المعارضين الجزائريين المقيمين في فرنسا، الذين التقتهم «وكالة الصحافة الفرنسية»، فإن هذه الرسائل العنيفة بشكل خاص ازدادت حدة بعد أن غيرت فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة، موقفها من قضية الصحراء، التي كانت مسرحاً لنصف قرن من الصراع بين المغرب وجبهة «البوليساريو»، المدعومة من الجزائر. ففي نهاية يوليو (تموز) الماضي انحاز الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى جانب إسبانيا والولايات المتحدة الأميركية، معتبراً أن مستقبل الصحراء يكمن «في إطار السيادة المغربية»، وساعد ذلك في التقارب مع الرباط، واندلاع أزمة جديدة مع الجزائر، التي لم تعد تقيم علاقات دبلوماسية مع جارتها منذ أغسطس (آب) 2021.

الجزائر اعتبرت موقف الرئيس ماكرون من الصحراء المغربية «خيانة» لها (أ.ف.ب)

في صيف 2022، بدأ الرئيس الفرنسي خطوة «للتقارب» مع الجزائر بشأن «قضايا الذاكرة»، ومسألة «الماضي الاستعماري»، المرتبطة بحرب الاستقلال التي خلفت مئات الآلاف من القتلى والجرحى، لكن موقفه من الصحراء اعتبرته الجزائر «خيانة»، كما لاحظ ريكاردو فابياني، المحلل في مجموعة الأزمات الدولية. سبب آخر من أسباب التوتر هو مصير الكاتب الفرنسي - الجزائري، بوعلام صنصال (75 عاماً)، الذي يقبع في السجن في الجزائر منذ منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بتهمة المساس بأمن الدولة، وهو في وحدة العناية الصحية منذ منتصف ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

* امتعاض جزائري

بحسب صحيفة «لوموند» الفرنسية، فإن السلطات الجزائرية انزعجت من تصريحات أدلى بها الكاتب صنصال لموقع «فرونتيير» الإعلامي الفرنسي، المعروف بمواقفه اليمينية المتطرفة، تبنى فيها موقفاً مغربياً يقول إن أراضي مغربية انتُزعت من المملكة، في ظل الاستعمار الفرنسي لصالح الجزائر. وكان الرئيس الفرنسي اعتبر الاثنين أن «الجزائر التي نحبها كثيراً، والتي نتشارك معها الكثير من الأبناء والكثير من القصص، تسيء إلى سمعتها، من خلال منع رجل مريض بشدة من الحصول على العلاج»، مطالباً بالإفراج عن الكاتب المحتجز «بطريقة تعسفية تماماً».

الروائي المسجون في الجزائر بوعلام صنصال (متداولة)

ومباشرة بعد ذلك، عبرت وزارة الخارجية الجزائرية عن استغرابها من «التصريحات التي أدلى بها الرئيس الفرنسي بشأن الجزائر، والتي تهين، في المقام الأول، من اعتقد أنه من المناسب الإدلاء بها بهذه الطريقة المتهاونة والمستهترة». ووصفتها بـ«التدخل السافر وغير المقبول في شأن جزائري داخلي». في هذا السياق، أشار مدير «مركز الدراسات العربية والمتوسطية» في جنيف، حسني عبيدي، في تصريح لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إلى أن العلاقة بين البلدين وصلت إلى «نقطة اللاعودة». وأعرب عن أسفه لأن «تصريحات ماكرون القاسية وغير المألوفة» من شأنها «تعزيز دعاة القطيعة التامة بين البلدين، وتكشف عن فشل الرئيس (الفرنسي) في سياسته حيال الجزائر». أما كريمة ديراش، الباحثة في «المركز الوطني الفرنسي» للبحث العلمي في باريس، فقد اعتبرت أننا «أمام رئيس دولة فرنسي لا يعرف كيف يتصرف»، و«يترك انفعالاته تتغلب عليه ولا يحترم القواعد»، وأمام سلطة جزائرية «حساسة جداً تجاه كل ما يصدر عن الدولة الفرنسية». وشدّدت على أنه رغم هذه «المناوشات» المتكررة بانتظام، تظل العلاقة الفرنسية - الجزائرية «متينة» من الناحيتين الاقتصادية والأمنية، مضيفة بسخرية أن فرنسا والجزائر «ثنائي يتنازع بانتظام».