تعطل سد «جبل الأولياء» يغرق مناطق واسعة في السودان

انهيار آلاف المنازل بسبب الفيضان... وازدياد موجات النزوح

TT

تعطل سد «جبل الأولياء» يغرق مناطق واسعة في السودان

جسر خزان «جبل الأولياء»... (أرشيفية - وسائل إعلام سودانية محلية)
جسر خزان «جبل الأولياء»... (أرشيفية - وسائل إعلام سودانية محلية)

تسبب تعطل سد رئيسي يقع على بعد 40 كيلومتراً جنوب العاصمة السودانية الخرطوم عن العمل، جراء تداعيات الحرب الدائرة بين الجيش و«قوات الدعم السريع»، في فيضانات غمرت مناطق واسعة من ولاية النيل الأبيض، بالجزء الجنوبي من البلاد، ولا يزال نطاق الأضرار غير واضح بعد عزل كثير من البلدات والقرى بسبب تدفق المياه المستمر لليوم الخامس دون توقف.

وغمرت المياه بمستويات عالية تجاوزت المتر منطقة «الجزيرة أبا» وبلدات ريفية أخرى، وسط مخاوف من أن تتعرض مناطق الولاية كاملة للغرق، وكارثة إنسانية فادحة، وفقاً لتقارير حكومية رصدت تدفق المياه بكميات كبيرة من بحيرة فكتوريا في أوغندا، ومن منطقة أعالي النيل بدولة جنوب السودان، التي تصب مباشرة في النيل الأبيض؛ الفرع الثاني الذي يغذي نهر النيل.

وتعرض جسم السد خلال الأشهر الماضية لغارات جوية مكثفة من الطيران الحربي للجيش بهدف قطع الإمدادات العسكرية عن «قوات الدعم السريع» التي تسيطر على منطقة السد.

وكان وزير الشؤون والأوقاف الدينية السابق، نصر الدين مفرح، وهو أحد سكان «الجزيرة أبا»، وجه نداءً إلى قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان، وقائد «قوات الدعم السريع» محمد حمدان دقلو المعروف باسم «حميدتي»، لاتخاذ إجراءات عاجلة لفتح بوابات خزان «جبل الأولياء» لتخفيف ضغط المياه وإنقاذ أوراح السكان.

وقال مفرح لــ«الشرق الأوسط»: «لقد علمنا أن الموظفين غادروا المنطقة عقب الضربة التي تعرض لها جسر السد في سبتمبر (أيلول) الماضي، وأن المهندسين من أبناء الولاية سبق أن أرسلوا تنبيهاً إلى حكومة الأمر الواقع في بورتسودان بضرورة عودة الموظفين والفنيين لمراقبة السد، لكنها لم تحرك ساكناً إلى أن وقعت الكارثة».

وقالت مصادر إن البوابات الرئيسية للسد سليمة وإنه يمكن تشغيلها، لكن هناك نحو 40 بوابة أخرى، تستخدم في حالات الطوارئ، تحتاج إلى موظفين لتشغيلها لتصريف المياه، وفق القواعد المعمول بها، بشكل دوري وسنوي.

وأوضح مفرح أن الإحصاءات الأولية تشير إلى أن أكثر من 6 آلاف منزل دُمرت، فضلاً عن انقطاع الإمداد الكهربائي والمائي، واختلاط المياه بمخلفات الصرف الصحي التي تستخدم في تلك المناطق، مما نتج عنه تسجيل أكثر من 60 حالة إصابة بمرض الكوليرا، وسط مخاوف من انتشار كثير من الأمراض والأوبئة.

وأضاف أن الفيضان ضرب بنسب متفاوتة كثيراً من المنازل في الأحياء الغربية والشرقية في «الجزيرة أبا»، كما غمرت المياه الطريق الوحيدة التي تربط المدينة بالمناطق الأخرى، وهي مهددة بالانجراف حال ازدادت مستويات المياه، مما سيؤدي إلى عزل المنطقة بالكامل وصعوبة مغادرتها.

مخيم «أم صنقور» بالنيل الأبيض حيث يعيش عشرات الآلاف في ظروف حياتية قاسية (أطباء بلا حدود)

وأوضح مفرح أيضاً أن الفيضان غمر كل الأراضي الزراعية، في قمة الموسم الشتوي الذي يعتمد عليه كثير من المزارعين في توفير قوت معاشهم من حبوب القمح. وأشار الوزير السابق إلى أن «قوات الدعم السريع» حاولت فتح بوابات الخزان، لكن نسبة الأعطال وعدم الصيانة لفترات طويلة بجانب الأضرار التي خلفتها الغارات الجوية، حالت دون ذلك. وأضاف أن الحل الوحيد لتجاوز هذه الكارثة هو أن يجري تنسيق بين الطرفين المتحاربين بواسطة الصليب الأحمر لجلب الفنيين لفتح بوابات السد.

ويبلغ عدد سكان منطقة «الجزيرة أبا» نحو 90 ألف نسمة، واستقبلت خلال الأشهر الماضية أكثر من 20 ألف نازح. وأدى الفيضان إلى نزوح آلاف السكان بعد غرق المنازل وتشريد العائلات، وسط تحذيرات من خطر انهيار وشيك لخزان «جبل الأولياء»، مما قد يؤدي أيضاً إلى أضرار كبيرة في العاصمة الخرطوم.

من جانبها، قالت «قوات الدعم السريع» إنها تتابع «بقلق تطورات الفيضان جراء الأضرار الكبيرة التي لحقت ببنية السد بعد الاستهداف المتكرر بالقصف الجوي من الطيران الحربي» التابع للجيش السوداني، الذي «بلغ 70 غارة جوية» منذ أن سيطرت قواتها على المنطقة العسكرية في «جبل الأولياء».

وأوضحت في البيان أنها استعانت بخبراء فنيين «لمعالجة بعض المشكلات؛ مما ساعد في انسياب المياه، لكن المشكلة عادت بشكل أكبر خلال الموسم الحالي، على الرغم من جهود الفرق الفنية لتدارك الموقف».

كما اتهمت الجيش السوداني بـ«سحب كل المفاتيح وكابلات بوابات الخزان قبل انسحابه من منطقة جبل الأولياء، وشن ضربات جوية مراراً وتكراراً بهدف تعطيله عن العمل».


مقالات ذات صلة

نائب حمدوك يؤكد تمسكهم بتشكيل حكومة «موازية»

شمال افريقيا اجتماع سابق للهيئة القيادية لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية السودانية «تقدم» (فيسبوك)

نائب حمدوك يؤكد تمسكهم بتشكيل حكومة «موازية»

أعلن نائب رئيس تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية «تقدم»، الهادي إدريس، تمسكه بتشكيل «حكومة مدنية» في السودان.

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا مشاهد الدمار في أحد أحياء أم درمان بالسودان في أغسطس الماضي (د.ب.أ)

مقتل 10 جنود سودانيين في هجوم بالمسيّرات على قاعدة عسكرية

لقي 10 جنود من الجيش السوداني في هجوم بطائرات مسيّرة شنته قوات «الدعم السريع» على قاعدة عسكرية بمدينة شندي (شمال) في توسع بنطاق استخدام المسيّرات الانتحارية

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا امرأة نازحة سودانية تستريح داخل ملجأ في مخيم زمزم شمال دارفور 1 أغسطس 2024 (رويترز) play-circle 01:57

مرصد عالمي يؤكد تفشي المجاعة في مناطق جديدة بالسودان

قال مرصد عالمي للجوع، الثلاثاء، إن نطاق المجاعة في السودان اتسع إلى خمس مناطق جديدة، ومن المرجح أن يمتد إلى خمس مناطق أخرى، بحلول مايو (أيار) المقبل.

«الشرق الأوسط» (لندن) محمد أمين ياسين (نيروبي)
أفريقيا أم تحمل طفلها الذي يعاني من سوء التغذية الحاد في جناح الأطفال بمستشفى جنوب كردفان في السودان (رويترز) play-circle 01:57

تقرير: أزمة المجاعة في السودان «تتفاقم» بسبب الحرب

ذكر «المرصد العالمي للجوع»، الثلاثاء، أن نطاق المجاعة في السودان اتسع إلى 5 مناطق، ومن المرجح أن تمتد إلى 5 مناطق أخرى بحلول شهر مايو (أيار).

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
أفريقيا عبور أكثر من خمسة آلاف شخص الحدود من السودان إلى جنوب السودان حيث تستشري أعمال عنف مختلفة (أ.ب)

تحذيرات من وضع «صعب للغاية» عند حدود جنوب السودان مع تدفق اللاجئين

حذّرت منظمة أطباء بلا حدود الاثنين من أن الوضع عند حدود جنوب السودان «صعب للغاية»، مع فرار آلاف الأشخاص من السودان المجاور إثر اشتداد القتال.

«الشرق الأوسط» (نيروبي)

الانقسامات تطال ديوان المحاسبة الليبي

الدبيبة وشكشك في لقاء سابق (حكومة الوحدة)
الدبيبة وشكشك في لقاء سابق (حكومة الوحدة)
TT

الانقسامات تطال ديوان المحاسبة الليبي

الدبيبة وشكشك في لقاء سابق (حكومة الوحدة)
الدبيبة وشكشك في لقاء سابق (حكومة الوحدة)

دخل ديوان المحاسبة في ليبيا دائرة الصراع على قيادته بين رئيسه خالد شكشك، ووكيله الموقوف عطية الله السعيطي، وذلك إثر إصدار محكمة جنوب طرابلس الابتدائية أمراً ولائياً بإيقاف الأول؛ نظراً لـ«زوال صفته المبنية على قرار لمجلس النواب عام 2014».

وبهذا التصعيد، الذي استبقته دلائل خلال الأسبوع الماضي، يكون ديوان المحاسبة، الذي يعد أكبر جهاز رقابي في ليبيا، قد طاله الانقسام، وسط صمت رسمي من السلطة التنفيذية بالعاصمة طرابلس.

وكيل ديوان المحاسبة الليبي في اجتماع بالمقر الجديد للديوان (ديوان المحاسبة)

وسريعاً، أحال المجلس الأعلى للقضاء الحكم الصادر من محكمة طرابلس إلى 9 جهات بالدولة، للتشديد على وقف شكشك عن أداء مهامه بصفته رئيساً للديوان لـ«زوال الصفة عنه»، عملاً بالقرار السابق لمجلس النواب، كما طالبهم بوضع القرار موضع التنفيذ، وعدم الاعتداد بأي قرارات صادرة عنه.

والجهات المعنية هي: محافظ المصرف المركزي، ووكيل ديوان الحاسبة، بالإضافة إلى مديري الإدارات القانونية بوزارات: المالية والنفط والخارجية، ومؤسستي الاستثمار والنفط.

وفي ظل عدم تعقيب المجلس الرئاسي، وحكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، على هذا الانقسام، اتخذت الأمور بين شكشك والسعيطي، منحى تصاعدياً؛ إذ أكد الأول أنه رئيس الديوان، فيما طالب الثاني جميع الإدارات العامة والمكاتب الفنية، التابعة للجهاز، بعدم التعامل مع قرارات شكشك.

وحذر السعيطي، في بيان، تم تعميمه على الإدارات، اليوم الخميس، من أن التعامل مع شكشك «يشكل جريمة جنائية متكاملة الأركان»، بموجب قانون العقوبات الليبي، مشدداً على أنه راهناً هو رئيس الديوان بالإنابة، وفق مادة من القانون المنظم لعمل الديوان.

وكيل ديوان المحاسبة الليبي في اجتماع بالمقر الجديد للديوان (ديوان المحاسبة)

ويرى المحلل السياسي، أحمد أبو عرقوب، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أنه وفقاً للقوانين والتشريعات الليبية النافذة، فإن ولاية رئيس ديوان المحاسبة تمتد لثلاث سنوات تجدد لمرة واحدة، «وهذا يعني أن شكشك يمارس مهامه طوال السنوات الماضية بسلطة الأمر الواقع، دون أي غطاء قانوني».

وأرجع أبو عرقوب أسباب الأزمة الحالية في الديوان إلى ما أسماه بـ«تمسك جماعة الإخوان المسلمين، التي ينتمي لها شكشك، بمنصب رئيس الديوان؛ للمحافظة على ورقة الضغط التي تمتلكها الجماعة على الحكومات والمؤسسات والهيئات، وكذلك المجموعات المسلحة بهدف المحافظة على شبكة العلاقات والمصالح».

خالد المشري دخل على خط أزمة ديوان المحاسبة مسانداً شكشك ضد السعيطي (الشرق الأوسط)

ودخل خالد المشري، المتنازع على رئاسة المجلس الأعلى للدولة على خط أزمة ديوان المحاسبة، مسانداً شكشك ضد السعيطي، عبر خطاب منسوب له، طالبه فيه بالاستمرار في أداء مهامه بصفته رئيساً للديوان إلى حين التوافق مع مجلس النواب.

وفي منتصف الشهر الحالي، أطل الصراع على الديوان برأسه عقب أحاديث عن نقل أرشيف الديوان من مقره بمنطقة الظهرة إلى مبنى بمجمع قصور الضيافة في منطقة حي دمشق بالعاصمة طرابلس. ورغم نفي الديوان في حينه، عبر بيان رسمي، ما أثير بشأن نقل أرشيفه «عنوة في جنح الظلام» إلى المقر الجديد، فإن البعثة الأممية أعربت عن «قلقها البالغ إزاء تفاقم الوضع المتعلق بديوان المحاسبة»، وقالت إنه «يشكل تهديداً حرجاً لسلامة هذه المؤسسة السيادية»، كما انضمت إليها السفارة الأميركية، وعبّرت هي الأخرى عن «قلقها» على لسان القائم بالأعمال، جيريمي برنت، بشأن ما وصفتها بـ«الضغوط التي تُمارس ضد نزاهة واستقلال ديوان المحاسبة، والمؤسسات التكنوقراطية الليبية الحيوية الأخرى».

مجلس النواب سبق أن أقال شكشك بسبب «عدم اعترافه بشرعية البرلمان» (النواب)

وسبق لمجلس النواب الليبي أن أقال شكشك بسبب «عدم اعترافه بشرعية البرلمان»، وحينها فتح باب الترشح لمنصبي رئيس ونائب رئيس ديوان المحاسبة. وعيّن «المؤتمر الوطني العام» المنتهية ولايته شكشك رئيساً للديوان في نهاية يوليو (تموز) 2013. وظل مجلسه منذ ذلك التاريخ يصدر تقارير شبه سنوية، تكشف عن «فساد» متغول في مؤسسات الدولة.

وظهرت مخاوف في الأوساط الليبية لجهة تقسيم ديوان المحاسبة، الذي كان متماسكاً «نسبياً» خلال الأعوام السابقة، كما وجه الصادق الغرياني، مفتي ليبيا المعزول من البرلمان، انتقادات لاذعة للمشري، ولرئيس مجلس النواب عقيلة صالح.

وتعاني ليبيا راهناً حالة من العناد السياسي القائم على الانقسام الحكومي، لذا يرى البعض أن المشري الداعم لمواقف يتخذها مجلس النواب، بات يتبنى قرارات لا تحظى بقبول من حكومة «الوحدة».

كان المشري رفض الإجراءات التي تتخذها حكومة «الوحدة» ضد وزير النفط محمد عون، وقال إن مجلسه «يُلزم الحكومة بتنفيذ أحكام القضاء فوراً، ويُحذرها من تجاهل هذه الأحكام التي هي عنوان الحقيقة».

وسبق للدبيبة تكليف خليفة عبد الصادق بإدارة وزارة النفط خلفاً لعون، الذي جمد منصبه دون إقالته، مما اضطره للجوء إلى القضاء.

وعلى خلفية صراعه على رئاسة المجلس مع محمد تكالة، التقى المشري، مساء الأربعاء، بممثلين عن «المجلس الأعلى لثوار الزنتان» في العاصمة طرابلس. وقال مكتبه إن اللقاء ناقش الأوضاع الراهنة في البلاد، حيث «أبدى الحضور دعمهم لجهود المجلس في دفع العملية السياسية نحو إنجاز الاستحقاق الانتخابي»، مؤكدين أهمية تضافر جهود جميع المكونات الوطنية للخروج من الأزمة السياسية الراهنة.

كما التقى المشري ممثلين عن «التحالف الليبي لأحزاب التوافق الوطني»، من بينهم منسق عام التحالف منال أبو عميد، ونائب منسق عام التحالف مصطفى الشيباني. وحسب مكتب المشري، فقد ناقش الحضور عدداً من الملفات السياسية، مؤكدين دعمهم لجهود التوافق بين مجلسي الأعلى للدولة و«النواب»، الرامية للدفع بالعملية السياسية نحو إنجاز الاستحقاق الانتخابي، و«أهمية دور المجلس الأعلى للدولة في المرحلة الحالية، والحرص على تماسكه ووحدته».

في شأن مختلف، قالت حكومة أسامة حماد، المكلفة من مجلس النواب، إنها وافقت على مقترح لرفع الدعم عن الوقود، وإنها ستعد آلية لتنفيذ القرار.

أسامة حماد رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب (الحكومة الليبية)

ولم تعلن الحكومة، التي تسيطر على شرق ليبيا وبعض مناطق بجنوبه، أي تفاصيل عن المقترح. كما لم يتضح بعد ما إذا كانت حكومة حماد ستتمكن من تنفيذ المقترح في الدولة المنقسمة.

ويبلغ سعر لتر البنزين في ليبيا 0.150 دينار فقط (0.03 دولار)، وهو ثاني أرخص سعر للتر في العالم، وفقاً لموقع «غلوبال بترول برايسيز».

ونمت شبكات التهريب وسط الاضطرابات السياسية، والصراع المسلح الذي أعقب «ثورة» 2011 ضد الرئيس الراحل معمر القذافي. وانقسمت ليبيا في 2014 بين سلطتين متنازعتين؛ إحداهما في الشرق، والأخرى في الغرب.