الجزائر تعوّل على نمو الإنتاج العسكري لتطوير قطاعها الصناعي

تفسّر زيادة الإنفاق الدفاعي بـ«التهديدات والمخاطر بالجوار»

الرئيس تبون مع مسؤولين عن الصناعة العسكرية (الرئاسة)
الرئيس تبون مع مسؤولين عن الصناعة العسكرية (الرئاسة)
TT

الجزائر تعوّل على نمو الإنتاج العسكري لتطوير قطاعها الصناعي

الرئيس تبون مع مسؤولين عن الصناعة العسكرية (الرئاسة)
الرئيس تبون مع مسؤولين عن الصناعة العسكرية (الرئاسة)

تعوّل الحكومة الجزائرية على تحسّن معدلات الصناعة العسكرية، بغرض رفع نسبة النمو في قطاع الصناعة وإنعاش الاقتصاد التابع تبعية مطلقة لإيرادات النفط والغاز.

وبرزت أهمية التصنيع الحربي في «معرض الإنتاج الوطني» السنوي الذي انطلق الخميس الماضي. ففي الجناح المخصص لوزارة الدفاع في المعرض الذي يقام بالضاحية الشرقية للعاصمة، يتم تقديم مختلف المنتجات الخاصة بالقوات المسلحة، والترويج لها على أساس أنها «قاطرة الصناعة في البلاد».

تصنيع عربات عسكرية بالشراكة مع شركة «مرسيدس» الألمانية (وزارة الدفاع)

وأبرز الرئيس عبد المجيد تبون، خلال افتتاح التظاهرة الاقتصادية والتجارية، «أهمية الصناعة العسكرية كنموذج يجب اتباعه وكرافعة للصناعة الوطنية». وأكد أن الجيش «حقق مستويات في الصناعة، أتمنى أن تصل إليها الشركات الأخرى»، وهنّأ القائمين على جناح وزارة الدفاع بالمعرض، لـ«معدل التكامل العالي الذي أنجزته الصناعة العسكرية»، من دون أن يقدم أي رقم فيما يخص التصنيع الحربي.

ولفت تبون إلى أن «السياسة التي تبنتها الدولة في السنوات الأخيرة، الهادفة إلى تشجيع الإنتاج المحلي، ساهمت في تقليص فاتورة الواردات بنسبة 40 في المائة»، داعياً إلى «عدم التفريق بين الشركات التي تتبع للجيش، وبين الشركات الحكومية والخاصة؛ إذ تساهم جميعها في رفع شأن الإنتاج الجزائري».

وتشارك في «معرض الإنتاج الوطني 2024» مئات المؤسسات الحكومية والخاصة. وغالباً ما تستعرض الحكومة «عضلاتها» من خلال هذا الحدث الاقتصادي، للتأكيد على «قدرة المنتوج الجزائري على المنافسة في الأسواق الدولية»، علماً أن الجزائر حققت الاكتفاء الذاتي في قطاع من المنتجات الزراعية، في حين تستورد كل حاجاتها من المواد المصنّعة ونصف المصنّعة.

الرئيس تبون يستمع إلى خطة عمل مؤسسات خاصة (الرئاسة)

ويقول مصدر حكومي، رفض نشر اسمه، لـ«الشرق الأوسط»، إن الصناعة العسكرية في الجزائر «أصبحت اليوم نموذجاً يحتذى به في التنظيم والحوكمة، وكذلك في الجودة والأداء. إنه قطاع تمكن بفضل صرامته من التكيّف مع متطلبات ومعايير الإنتاج في عدة مجالات، بدءاً من صناعة الأسلحة ووصولاً إلى وسائل النقل واللوجستيات والملابس».

وأوضح المصدر ذاته، أن قطاع التصنيع العسكري «يواجه اليوم تحديات جديدة، تتمثل في التحكم في مجالات ذات قيمة تكنولوجية عالية، مثل صناعة المسيّرات ومعدات الاتصالات. ويتمثل التحدي الآخر في تحسين نسب الاندماج، من خلال الاعتماد على الإنتاج والمناولة المحلية، بهدف رفع مستويات الاندماج إلى أكثر من 60 في المائة في السنوات المقبلة».

ووفق المصدر ذاته، فإنه «يجب الإشادة بجهود والتزامات المؤسسة العسكرية في تحديث وتطوير هذه الصناعة الحربية التي تم تصنيفها كأولوية استراتيجية؛ نظراً لتأثيرها في تعزيز القوة العسكرية؛ كونها ركيزة أساسية للسيادة الوطنية». واللافت أنه لا تتوفر بيانات محددة حول نسبة مساهمة الصناعة العسكرية في نمو الصناعة الجزائرية بشكل عام.

رئيس البلاد مع مسؤولين من وزارة الدفاع في جناح الإنتاج الحربي في معرض الإنتاج الوطني (الرئاسة)

ويشار إلى أن موازنة الجيش لعام 2025 محددة بـ22 مليار دولار (الموازنة العامة مقدرة بـ126 مليار دولار)، وهي في زيادة مستمرة منذ 5 سنوات. وتبرر الحكومة حجم الإنفاق العسكري العالي بـ«التهديدات والمخاطر المحيطة بالجزائر»، وتقصد، ضمناً، الاضطرابات في مالي والنيجر، وفي ليبيا أيضاً، وتعاظم تجارة السلاح والمخدرات ونشاط المهربين في جنوب الجزائر الفسيح.

وكان تبون صرّح بنهاية 2023 بأن نسبة الاندماج في مجال الصناعات الميكانيكية العسكرية تجاوزت 40 في المائة؛ ما يدل على تقدم ملحوظ في هذا القطاع في تقدير السلطات. بالإضافة إلى ذلك، نجحت المؤسسات الصناعية التابعة للجيش الوطني الشعبي في أن تكون داعماً مهماً للنسيج الصناعي الجزائري، بعد أن وسعت دائرة اهتماماتها لتشمل مختلف المجالات الصناعية.

وعلى الرغم من هذه التطورات، لا تزال الصناعات العسكرية الجزائرية ناشئة، وفق خبراء مستقلين. فهي بحاجة إلى المزيد من الوقت لتطوير قدراتها الإنتاجية والتكنولوجية، خاصة في مجالات الأسلحة المتطورة.


مقالات ذات صلة

المعارضة الجزائرية تطالب بـ«إصلاحات جادة للحفاظ على الاستقرار»

شمال افريقيا الرئيس تبون وعد بـ«حوار شامل مع جميع الفاعلين السياسيين والاقتصاديين» لكن دون تحديد موعد له (أ.ف.ب)

المعارضة الجزائرية تطالب بـ«إصلاحات جادة للحفاظ على الاستقرار»

طالب قادة 3 أحزاب من المعارضة الجزائرية السلطة بـ«تكريس انفتاح سياسي حقيقي»، و«إطلاق تعددية حقيقية»، و«احترام الحريات العامة»، و«إطلاق مشروع للسيادة والصمود».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا مع اندلاع حرب أوكرانيا باتت الجزائر «لاعباً أساسياً» ضمن كبار مصدري الطاقة إلى أوروبا (سوناطراك)

الطاقة تعزز مكانة الجزائر في أوروبا

كشفت بيانات حديثة نشرتها وكالة الإحصاءات الأوروبية «يوروستات» عن أن الجزائر تفوّقت على روسيا في أكتوبر الماضي في مجال تصدير الطاقة إلى أوروبا.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا زلزال بقوة 4.9 درجة يضرب الجزائر 

زلزال بقوة 4.9 درجة يضرب الجزائر 

ضرب زلزال بلغت قوته 4.9 درجة على مقياس ريختر ولاية الشلف غرب العاصمة الجزائرية في ساعة مبكرة من صباح اليوم.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
الخليج جانب من اجتماع أعضاء لجنة الاتصال الوزارية العربية بشأن سوريا في مدينة العقبة السبت (واس)

تأكيد خليجي على دعم الجهود الرامية لوحدة وسيادة وأمن سوريا

شدّد جاسم البديوي الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي الأحد على دعم دول المجلس للجهود الرامية لوحدة وسيادة وأمن واستقرار سوريا والوقوف مع الشعب السوري

«الشرق الأوسط» (الرياض)
شمال افريقيا عنوان صحيفة «المجاهد» حول احتجاج الجزائر على الاستفزازات الفرنسية (الشرق الأوسط)

الجزائر تتهم المخابرات الفرنسية بـ«زعزعة استقرارها»

الكشف عن معلومات خطيرة تتعلق بتورط جهاز الأمن الخارجي الفرنسي في حملة لتجنيد إرهابيين سابقين في الجزائر بهدف زعزعة استقرار البلاد.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

ليبيا تحتفل بالذكرى 73 لاستقلالها... وتخوف من «الاحتلال»

من شرفة قصر «المنار» ببنغازي زفّ السنوسي لشعبه عام 1951 بشارة الاستقلال وقال: «نتيجة جهاد أمتنا قد تحقق بعون الله استقلال بلادنا العزيزة»
من شرفة قصر «المنار» ببنغازي زفّ السنوسي لشعبه عام 1951 بشارة الاستقلال وقال: «نتيجة جهاد أمتنا قد تحقق بعون الله استقلال بلادنا العزيزة»
TT

ليبيا تحتفل بالذكرى 73 لاستقلالها... وتخوف من «الاحتلال»

من شرفة قصر «المنار» ببنغازي زفّ السنوسي لشعبه عام 1951 بشارة الاستقلال وقال: «نتيجة جهاد أمتنا قد تحقق بعون الله استقلال بلادنا العزيزة»
من شرفة قصر «المنار» ببنغازي زفّ السنوسي لشعبه عام 1951 بشارة الاستقلال وقال: «نتيجة جهاد أمتنا قد تحقق بعون الله استقلال بلادنا العزيزة»

تحتفل ليبيا هذه الأيام بالذكرى 73 لاستقلالها، بينما ينتاب جُل مواطنيها شعور بأن بلدهم «لم يتخلص بعد من الاحتلال» المتمثل في «القواعد العسكرية»، والقوات الأجنبية في غرب البلاد وشرقها.

وقبل 73 عاماً من الآن، أعلن الملك الليبي الراحل إدريس السنوسي، استقلال بلاده بعد عقود من الاحتلال الإيطالي، الذي بدأ عام 1911، وتمت مقاومته بمعارك دامت لأكثر من عقدين خاضها «شيخ المجاهدين» عمر المختار مع رفاقه.

المناضل عمر المختار (صفحات ليبية على مواقع التواصل)

ومن شرفة قصر «المنار» ببنغازي، زفّ السنوسي لشعبه عام 1951، بشارة الاستقلال، وقال: «نتيجة جهاد أمتنا وتنفيذاً لقرار الأمم المتحدة الصادر في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) 1949، تحقق بعون الله، استقلال بلادنا العزيزة».

ومن دون اتفاق أعلنت الحكومتان المتنازعتان على السلطة في ليبيا، أن الثلاثاء عطلة رسمية في المؤسسات والهيئات العامة كافة بمناسبة عيد الاستقلال، فيما تلقى رئيس «المجلس الرئاسي» محمد المنفي، برقيات التهنئة من بعض رؤساء دول.

وعن الوضع الراهن، يتحدث السفير الليبي محمد أحمد العمري، عن أن «الليبيين يتبارون في شرق البلاد وغربها بمنح القواعد والتسهيلات والموانئ للأجانب، ويتقوون بالأجنبي، ما قد يمهّد لأن تصبح بلادنا ساحة لتصفية الحسابات بين الدول الكبرى».

وتذكّر العمري، سيرة الرئيس الراحل معمر القذافي، وقال: «كلمة حق لا بد أن نقولها بغض النظر، إذا كنا نحب القذافي أو نكرهه»، وأوضح أنه خلال عمله في سفارة ليبيا بموسكو عام 1981 اطّلع على محاضر اجتماع القذافي والرئيس الروسي ليونيد بريجنيف.

وأشار العمري إلى أن القذافي «رفض طلباً روسياً لاستقبال القطع البحرية الروسية بأحد موانئ المنطقة الشرقية»، وقال لبريجنيف: «الشعب الليبي يحتفل خمس مرات بجلاء الأجانب، ولا أعتقد أن مواطناً ليبياً سيوافق على طلبك».

وذهب العمري إلى أن «القذافي رفض احتمال أن تصبح بلاده ساحة لتصفية الحسابات بين الدول الكبرى»، وقال السفير متسائلاً: «هل سيعي أولو الأمر في غرب ليبيا وشرقها، المخاطر، وينأون ببلادهم بعيداً عن الصراعات الدولية؟».

وتستعين جبهتا شرق ليبيا وغربها بآلاف من عناصر «المرتزقة السوريين» المواليين لتركيا، وآخرين مدعومين من روسيا، وذلك منذ وقف الحرب على العاصمة طرابلس في يونيو (حزيران) 2020، إلى جانب 10 قواعد عسكرية أجنبية، بحسب «معهد الولايات المتحدة للسلام».

ويرى عضو مجلس النواب سالم قنان، أن ليبيا «أصبحت الآن تحت الوصاية، ويتدخل فيها الأميركيون والإنجليز والفرنسيون»، وقال أمام مجلسه الاثنين، إن بلده لم يحافظ على الاستقلال؛ «ولكي نتمكن من صرف أموالنا، يجب أن تكون تحت مراقبة هذه الدول».

والمختار، الذي يعد أيقونة لليبيين، حارب الإيطاليين لأكثر من عشرين عاماً، وجرى إعدامه في 16 سبتمبر (أيلول) عام 1931، ومنذ ذلك التاريخ يستحضر الليبيون سيرته مع كل احتفال بهذه المناسبة.

وعلى وقع هذا الانقسام الحكومي والسياسي، تشهد العلاقة بين روما بصفتها «المحتل القديم» والسلطات في شرق ليبيا وغربها «تحسناً كبيراً» في ظل شراكات اقتصادية متنوعة.

رئيسة وزراء إيطاليا في زيارة سابقة إلى طرابلس ولقائها عبد الحميد الدبيبة (أ.ف.ب)

وفي كل احتفال سنوي بالاستقلال، يحرص الأمير محمد الحسن الرضا السنوسي، على بث رسائل المحبة والدعوة للتوافق بين عموم الليبيين، ويذكر أن «مخزون ليبيا التاريخي كفيل بإعادة الوحدة والتوافق المفقودين في ظل الصراعات والتجاذبات».

والأمير محمد الحسن، هو نجل الحسن الرضا السنوسي الذي كان ولي عهد الملك إدريس السنوسي، آخر ملوك ليبيا، وعمل مؤخراً على تكثيف لقاءاته في الخارج بشخصيات ليبية مختلفة، وذلك بهدف «إنجاح المساعي نحو حوار وطني شامل، تحت مظلة الشرعية الملكية الدستورية».

رئيسة وزراء إيطاليا في لقاء سابق مع المشير خليفة حفتر (القيادة العامة)

وفي نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، زارت رئيسة حكومة إيطاليا، جورجيا ميلوني، ليبيا للمرة الرابعة خلال عام ونصف العام، للمشاركة في افتتاح أعمال الدورة الـ30 لمنتدى الأعمال الليبي - الإيطالي في طرابلس، وقالت إن «العلاقات مع ليبيا أولوية».

وقبلها كانت ميلوني قد زارت بنغازي، والتقت المشير خليفة حفتر القائد العام لـ«الجيش الوطني»، وأكدت «أهمية تعزيز الشراكة بين الجانبين في المجالات التجارية والاقتصادية والثقافية، واستمرار التعاون في ملف مكافحة الهجرة غير الشرعية».

والمخاوف من «الاحتلال» عكستها الاحتجاجات التي تشهدها مدينة بني وليد (شمال غربي ليبيا) خلال اليومين الماضيين بعد منع الأجهزة الأمنية فعالية سياسية كانت تدعو لطرد «المرتزقة» والقوات والقواعد الأجنبية من البلاد.