تونس تحيي الذكرى الـ14 لاندلاع «ثورة الياسمين»

رئيس الجمهورية أصدر أوامر بمنح 1570 محكوماً عليهم عفواً خاصاً

جانب من احتفالات التونسيين بثورة الياسمين (أ.ب)
جانب من احتفالات التونسيين بثورة الياسمين (أ.ب)
TT

تونس تحيي الذكرى الـ14 لاندلاع «ثورة الياسمين»

جانب من احتفالات التونسيين بثورة الياسمين (أ.ب)
جانب من احتفالات التونسيين بثورة الياسمين (أ.ب)

تحيي تونس، اليوم الثلاثاء، الذكرى الـ14 لاندلاع ثورة الحرية والكرامة، (ثورة الياسمين)، التي انطلقت شرارتها من ولاية سيدي بوزيد في 17 ديسمبر (كانون الأول) 2010، وانتهت بسقوط نظام الرئيس زين العابدين بن علي في 14 يناير (كانون الثاني) 2011.

وبدأت شرارة الثورة التونسية حين أقدم بائع متجوّل شاب على إحراق نفسه بمدينة سيدي بوزيد، لتنطلق بعدها سلسلة من الاحتجاجات، حاول نظام الرئيس الراحل وقفها بشتى الوسائل، لكنه لم يفلح لتنتهي بإطاحة رأس النظام، وفرار بن علي وعائلته عقب مظاهرة حاشدة في شارع الحبيب بورقيبة، وتحديداً أمام وزارة الداخلية، حيث رفعت شعارات «ارحل».

وقال نجيب كوكة، مدير «المهرجان الدولي لثورة 17 ديسمبر»، خلال كلمة ألقاها بهذه المناسبة، ونقلتها وسائل إعلام محلية، إن إحياء هذه الذكرى «يأتي للاعتراف بالجميل، والوقوف إجلالاً لشهداء الثورة التونسية في جميع مراحل تاريخ التونسيين المجيد، بداية من حرب التحرير، ومروراً بحقبة الاستبداد والعشرية السابقة والاغتيالات السياسية وضحايا الإرهاب».

مظاهرات ذكرى الثورة (إ.ب.أ)

وأضاف كوكة موضحاً أن سيدي بوزيد، ورغم مرور هذه السنوات، «ما زالت تعاني جملة من الإشكاليات؛ منها المتعلقة بارتفاع نسب البطالة، وعدم تسوية وضعيات أراضي الدولة، وعدم تفعيل مبدأ التمييز الإيجابي بين الجهات، وتجاهل عدد من المشاريع الحيوية، وعدم تسوية وضعيات عمال الحظائر، وتعقد وضعية المرأة العاملة بالقطاع الفلاحي. إضافة إلى معضلة النقل والتنقل داخل وخارج مناطق الجهة، في ظل ندرة وسائل النقل العمومي، وعدم إحداث شركة جهوية للنقل بالجهة»، مؤكداً ضرورة إيجاد «ثورة تشريعية لمساعدة مرحلة العبور والبناء والتشييد»، حسب تعبيره.

وتابع رئيس «المهرجان الدولي» لثورة 17 ديسمبر 2010، موضحاً أن الحكومات المتعاقبة «خيبت آمال أهالي الجهة، لتبقى تراوح مربع المعاينة والانتظار والمماطلة».

بدوره، أكد فيصل بالسعودي، والي سيدي بوزيد، في كلمته بالمناسبة، أن إحياء هذه الذكرى «مفخرة للشعب التونسي، الذي فرض احترام العالم له»، وقال إن رئيس الجمهورية «تدخل في الوقت المناسب لوضع حد للمزايدات، وإقراره 17 ديسمبر عيداً وطنياً».

وانطلقت الاحتفالات بالذكرى الـ14 لثورة الحرية والكرامة منذ أمس الاثنين، بعدد من العروض الفنية والموسيقية، التي احتضنها الشارع الرئيسي لمدينة سيدي بوزيد، بحضور والي المدينة، وعدد من أعضاء مجلس نواب الشعب والمجلس الجهوي عن ولاية سيدي بوزيد، وممثلي عدد من الإدارات الجهوية والمنظمات الوطنية والمجتمع المدني. كما شهد الشارع الرئيسي وساحة البوعزيزي وضع منصة للتنشيط والإعلان عن برنامج المهرجان، وتعليق معلقات تحمل العديد من المطالب الاجتماعية والتنموية.

الرئيس سعيد أصدر أوامر بتمتيع 1570 محكوماً عليهم بالعفو الخاص بمناسبة ذكرة «ثورة الياسمين» (أ.ف.ب)

وبهذه المناسبة، أعلنت رئاسة الجمهورية، في بلاغ لها مساء أمس الاثنين، أن رئيس الجمهورية أصدر أوامر بتمتيع 1570 محكوماً عليهم بالعفو الخاص، ما يُفضي إلى سراح 270 سجيناً منهم.

من جهته، تحدث والي سوسة، سفيان التنفوري، اليوم الثلاثاء، خلال إشرافه على موكب الاحتفال الجهوي بالذكرى الـ14 لعيد الثورة، عن الإجراءات والقرارات المتخذة من أجل إصلاح المنظومة الاقتصادية، وتحقيق انتعاشة ملحوظة في عدة قطاعات، وعن النتائج المحقّقة خلال السنة الحالية في العديد من المجالات، لا سيما في قطاعات السياحة والفلاحة والصناعة وقطاع التصدير، مشدّداً في السياق نفسه على ضرورة مواصلة وتكثيف المجهودات، من أجل تحقيق انتظارات المواطنين، وتجسيدها بفكر جديد يقطع مع الماضي عبر إرساء ثورة تشريعية في كل القطاعات والمجالات، واعتماد أنموذج اقتصادي ومنوال تنموي جديدين. وقال التنفوري إن إنجاح مسار الثورة، وكسب معركة التحرير الجديدة، والمحافظة على مكاسبها، «تستوجب من الجميع السعي إلى تدعيم أركان الوحدة الوطنية، والحفاظ على مناخ السلم الاجتماعي، وإعادة الاعتبار لقيمة العمل، ولقيم البذل والتفاني في خدمة الصالح العام».



تونس تسرّع وثيرة إقفال ملفات «الفساد والتآمر» على أمن البلاد

الرئيس التونسي عند استقباله وزيرة العدل لحثها على اختصار آجال البت في القضايا المحالة على المحاكم (الرئاسة)
الرئيس التونسي عند استقباله وزيرة العدل لحثها على اختصار آجال البت في القضايا المحالة على المحاكم (الرئاسة)
TT

تونس تسرّع وثيرة إقفال ملفات «الفساد والتآمر» على أمن البلاد

الرئيس التونسي عند استقباله وزيرة العدل لحثها على اختصار آجال البت في القضايا المحالة على المحاكم (الرئاسة)
الرئيس التونسي عند استقباله وزيرة العدل لحثها على اختصار آجال البت في القضايا المحالة على المحاكم (الرئاسة)

كثفت السلطات الأمنية والقضائية التونسية تحركاتها لإسدال الستار على الملفات المتراكمة المتعلقة بالأمن، وفي مقدمها «تفكيك مئات الألغام» الموروثة عن العقود والأعوام الماضية، والقضايا المرفوعة منذ مدة طويلة ضد عشرات المتهمين في قضايا ذات صبغة سياسية - أمنية، بينها «الضلوع في الإرهاب»، و«التآمر على أمن الدولة»، و«الفساد الإداري والمالي».

واجتمع الرئيس التونسي قيس سعيد مؤخراً مع رئيس الحكومة كمال المدوري، ووزيرة العدل ليلى جفال، ووزيري الدفاع والداخلية خالد السهيلي وخالد النوري، وطالب بتبسيط إجراءات التقاضي، وإقفال الملفات الأمنية والعدلية في «أقرب الآجال».

وحدة من قوات مكافحة الإرهاب التونسية (الشرق الأوسط)

كما أعلنت صفحات رئاسة الجمهورية والحكومة عن إصدار أوامر للحكومة «للتحرك بسرعة ونجاعة»، وتجنب «طول الإجراءات والتسويف»، وضمان «نجاعة المسؤولين». وشملت القرارات إدارات الأمن الداخلي والخارجي، وملفات محاربة الإرهاب والمخدرات، والتهريب والجريمة المنظمة.

تأجيل يليه تأجيل

حسب بلاغ نشرته صفحة رئاسة الجمهورية، فقد أمر الرئيس التونسي خلال جلسة عمل مع وزيرة العدل بـ«احترام الزمن القضائي في حسم القضايا المعروضة أمام المحاكم... حتى يأخذ كل ذي حق حقه، وفق القانون الذي يتساوى أمامه جميع المتقاضين»، منتقداً «التأجيل الذي يتلوه تأجيل في بعض القضايا المعروضة منذ أكثر من عشرة أعوام»، بما يوحي بقدر من «تمييع دور العدالة والقضاء».

عبير موسي المعتقلة بتهمة التآمر على أمن البلاد (موقع الحزب)

يُذكر أن دوائر الاتهام وقضاة التحقيق أنهوا مؤخراً الإجراءات التمهيدية لإقفال ملفات التحقيق في قضايا عشرات المتهمين بـ«التآمر على أمن الدولة»، و«الضلوع في الإرهاب»، و«الفساد»، بينهم رجال أعمال وسياسيون وبرلمانيون ووزراء، وأمنيون وعسكريون سابقون، وعدد من قادة الأحزاب السياسية، بينهم عبير موسي زعيمة الحزب «الدستوري»، وراشد الغنوشي وعلي العريض، ونور الدين البحيري والعجمي الوريمي، ومنذر الونيسي عن حزب «النهضة»، وعصام الشابي الأمين العام للحزب «الجمهوري»، وغازي الشواشي عن حزب «التيار الديمقراطي» اليساري، ورضا بالحاج وجوهر بن مبارك وشيماء عيسى ورياض الشعيبي عن جبهة «الخلاص» المعارضة، إضافة لرجلي الأعمال المثيرين للجدل والسياسيين المستقلين كمال اللطيف وخيام التركي. علماً بأن متهمين آخرين أحيلوا أمام محاكم أخرى، بعد أن وجهت إليهم اتهامات مختلفة، تصل عقوبتها للإعدام.

عسكريون ضحايا الإرهاب

في أعقاب جلسات عمل جديدة مع وزراء الدفاع والعدل والداخلية، أمر الرئيس التونسي بتسوية وضعيات عائلات ضحايا الإرهاب والعنف من الأمنيين والعسكريين والمدنيين، وتفعيل مؤسسة «فدا»، التي أحدثتها الدولة قبل نحو عامين لهذا الغرض.

راشد الغنوشي المعتقل بتهمة الإرهاب (د.ب.أ)

كما أمر الرئيس سعيد بتسوية ملفات مئات الجرحى، وعائلات شهداء انتفاضة 2010 -2011، خاصة من عرفوا بـ«شهداء الثورة وجرحاها»، وهم بضعة مئات ممن أصيبوا بالرصاص أثناء المواجهات مع قوات الأمن خلال الأسابيع الأخيرة من حكم الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي.

وكانت الحكومات والبرلمانات والمحاكم، ومنظمات المجتمع المدني، قد دخلت منذ عام 2011 في جدال سياسي قانوني حول العدد الحقيقي لمن يمكن وصفهم بـ«شهداء الثورة وجرحاها». كما ظلت عائلات عشرات الأمنيين الذين قتلوا، أو أصيبوا بجراح خطيرة خلال المواجهات مع المسلحين والعصابات الإرهابية منذ 2011 دون سند مالي واجتماعي، إلى أن أحدثت رئاسة الجمهورية قبل عامين مؤسسة «فدا»، وقررت التكفل بكل الحالات الإنسانية مالياً واجتماعياً.

تفكيك الألغام الموروثة

أعلن وزير الدفاع الوطني قبل أيام أمام البرلمان أن القوات المسلحة تابعت طوال عام 2014 تحركاتها لتفكيك الألغام القديمة والجديدة، من بينها «ألغام يدوية الصنع» موروثة عن مرحلة الصراع بين السلطات والمجموعات المسلحة الإرهابية في جبال المحافظات الغربية للبلاد، والتي تسببت مراراً في مقتل أمنيين وعسكريين وتفجير عرباتهم.

ورغم تنويه السلطات الأمنية بنجاحها خلال العشرية الماضية في القضاء على أكثر من 90 في المائة من نشطاء المجموعات المسلحة، التي تنتمي إلى «تنظيم داعش»، و«القاعدة» وغير ذلك، فقد ظلت ألغام تنفجر وتتسبب في سقوط قتلى وجرحى بين الرعاة والسكان والأمنيين خلال عبورهم تلك الجبال.

ولذلك نظمت حملة واسعة خلال الأشهر الماضية أسفرت عن تفجير حوالي 500 لغم، أغلبها يدوية الصنع.

عدد من المتهمين بالتآمر ضد أمن الدولة (الموقع الرسمي لغازي الشواشي)

وأعلنت مصادر أمنية أنه في سياق الجهود المتواصلة للتصدي للعناصر المتطرفة، تم في محافظة سوسة اعتقال تكفيرييْن، كانا في حالة فرار، بعد أن وجهت إليهما تهمة «الانتماء إلى تنظيم إرهابي»، دون الكشف عن اسم هذا التنظيم.

وأسفرت الحملات الأمنية خلال الأشهر الثلاثة الماضية عن إيقاف عشرات المتهمين في قضايا مماثلة تحال على دوائر مكافحة الإرهاب والفساد، وتبييض الأموال، وتهريب السلع والمهاجرين غير النظاميين. لكن طالبت عدة شخصيات حقوقية مستقلة، وقيادات سياسية، ومنظمات نقابية وحقوقية مواقف بالإفراج عن غالبية الموقوفين، وإحالتهم إن لزم الأمر على القضاء في حالة سراح.