الجزائر: تدابير حكومية لاحتواء السوق العقارية غير الرسمية

في إطار استراتيجية الحد من التدفق النقدي غير الشرعي

اجتماع وزير المالية مع الموثقين لبحث تدابير الحد من السيولة النقدية غير الرسمية في قطاع العقار (الوزارة)
اجتماع وزير المالية مع الموثقين لبحث تدابير الحد من السيولة النقدية غير الرسمية في قطاع العقار (الوزارة)
TT

الجزائر: تدابير حكومية لاحتواء السوق العقارية غير الرسمية

اجتماع وزير المالية مع الموثقين لبحث تدابير الحد من السيولة النقدية غير الرسمية في قطاع العقار (الوزارة)
اجتماع وزير المالية مع الموثقين لبحث تدابير الحد من السيولة النقدية غير الرسمية في قطاع العقار (الوزارة)

بحث وزير المالية الجزائري، لعزيز فايد، مع أكبر تنظيم للموثقين، الخميس، خطة اعتمدتها الحكومة في قانون الموازنة لسنة 2025، وهي تتعلق بتقييد الكتلة النقدية في قطاع العقارات، حيث يجري تداول سيولة ضخمة، محل شبهة استخدامها في غسل أموال، وتمويل أعمال إرهابية.

وأفادت وزارة المالية على حسابها بالإعلام الاجتماعي بأن فايد شدد خلال الاجتماع، الذي عُقد بالعاصمة، على «تحسين عمليات الإشهار العقاري، وتسهيل الخدمات المقدمة للمواطنين، وذلك في إطار تحسين التفاعل والتنسيق بين مهنة الموثقين وإدارة أملاك الوطنية، وكذا مصالح الخزينة العمومية والضرائب».

وزير المالية يشرح خطة الحكومة لاحتواء سوق العقار غير الرسمية (الوزارة)

وعرض أمين المال في البلاد في خطابه «مستجدات تحديث إدارة الأملاك الوطنية»، و«التقدم المحقَّق في رقمنة إدارة الأملاك الوطنية»، مشيداً بخدمة تقدمها «بوابة فضاء الجزائر» الإلكترونية، الخاصة بمجال العقارات، والتي تمنح، حسبه، حلولاً رقمية مبتكرة للمواطنين والمهنيين، كما تحدث عن «إطلاق دفتر عقاري إلكتروني سيُحْدث نقلة نوعية في أعمال تحسين القطاع».

وتناولت كلمة فايد تدابير جديدة تضمنها قانون المالية لسنة 2025، «خصوصاً وجوب إجراء كل المعاملات العقارية عبر وسائل الدفع البنكية، وهو ما يمثل خطوة مهمة في مكافحة السوق الموازية وتعزيز الشفافية».

ويقصد الوزير إجراءات تحمل صرامة كبيرة تتعلق بمحاربة السوق غير الرسمية، وتبييض الأموال والتهرب من دفع الضرائب، وهي آفات تثقل كاهل الاقتصاد الجزائري، وتؤدي إلى تشويه المنافسة بين الفاعلين الاقتصاديين، وتُعد مصدراً للثراء غير المشروع.

واستندت الحكومة في إقرار هذه التدابير إلى تقرير حديث للبنك المركزي يحذر من «اختلال خطير في مسارات الكتلة النقدية الموازية». ووفق التقرير نفسه، تصل المبالغ المتداوَلة خارج النظام المصرفي إلى 8.273 مليار دينار، وبسعر الصرف الحالي للدولار يمثل ذلك ما يقارب 62 مليار دولار، وهو مبلغ هائل يفلت من السيطرة.

وحاولت السلطات في السنوات الأخيرة إقناع الناشطين في السوق الموازية بضم أموالهم إلى بنوك ومصارف الدولة بغرض التحكم فيها، وتوظيفها في خطتها لإنعاش الاقتصاد، وفتحت للغرض أقساماً للصيرفة الإسلامية في المؤسسات البنكية، لكن نتائج هذه الخطوة جاءت أقل من التوقعات، علماً أن الرئيس عبد المجيد تبون سبق أن صرح في 2021 بأن قيمة الكتلة النقدية غير الرسمية المتداولة لا تقل عن 90 مليار دولار.

الرئيس تبون أكد أن قيمة الكتلة النقدية غير الرسمية المتداولة لا تقل عن 90 مليار دولار (د.ب.أ)

ومن الواضح أن الحكومة فضَّلت البدء بسوق العقار في تنفيذ استراتيجيتها، حيث يجري استعمال سيولة ضخمة في عمليات بيع وشراء المباني والأراضي، واهتدت إلى أن آلاف الموثقين عبر مناطق البلاد هم أحسن وأفضل جهة يمكن أن تساعدها على إنجاز هذه المهمة، وذلك عن طريق فرض التعامل بالصك البنكي على تجار العقار والمستثمرين في هذا القطاع الحيوي في البلاد.

وبهذا الخصوص، صرح فايد في الاجتماع أن وزارة المالية «ماضية في تعزيز التنسيق مع الغرفة الوطنية للموثقين، بوصفها شريكاً أساسياً لإدارة الأملاك الوطنية وإدارة الضرائب»، مشيراً إلى أن 2025 «ستكون سنة محورية في مسار رقمنة الإدارة وعصرنة الخدمات، حيث تؤدي الهيئة الوطنية للموثقين والغرف الجهوية (تتبع لها) دوراً محورياً في هذا المجال».

ووفق الإفادة الإخبارية التي قدمتها الوزارة عن الاجتماع، صرح رئيس الموثقين بأنهم بحاجة إلى تدريبات على سياسة الحكومة في مجال مكافحة غسل الأموال، وتمويل الإرهاب، وذلك بالتعاون، حسبه، مع «خلية معالجة الاستعلام المالي»، وهي جهاز حكومي لمراقبة المال العام، مشدداً على أن مثل هذه الجهود «ستعزز الشفافية في التعاملات العقارية».


مقالات ذات صلة

تبون ينفي «عزل» الجزائر دولياً

شمال افريقيا جانب من المقابلة الصحافية التي أجراها الرئيس تبون مساء الجمعة (الرئاسة)

تبون ينفي «عزل» الجزائر دولياً

أكد الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، أن بلاده لا تعاني من عزلة دولية، وذلك رداً على ما أورده بعض المراقبين ووسائل إعلام.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا ممثل السياسة الخارجية في «الاتحاد الأوروبي» سابقاً جوزيب بوريل في لقاء سابق مع الرئيس تبون (الرئاسة الجزائرية)

بوادر أزمة حادة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي بسبب «اتفاق الشراكة»

تلوح في أفق العلاقات بين الجزائر والاتحاد الأوروبي حالياً بوادر أزمة حادة بشأن اتفاق الشراكة، الجاري تنفيذه منذ عام 2005، والذي يتضمن أبعاداً سياسية وحقوقية.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا وزير العدل أثناء عرض مشروع تعديل قانون مكافحة المخدرات في المجلس الشعبي الوطني (البرلمان)

الجزائر: إغلاق سوق الشغل على متعاطي المخدرات والمؤثرات العقلية

في إطار جهود الدولة لمكافحة تعاطي المخدرات، أصبح لزاماً على كل مترشّح للتوظيف، سواء في القطاع العام أو الخاص، تقديم شهادة طبية تثبت «خلوَّه من تعاطي المخدرات».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الرئيس الجزائري مع مسؤول شركة «إكسون موبايل» الأميركية في 25 يونيو الماضي (الرئاسة الجزائرية)

الجزائر تعتمد «التفاوض في الكواليس» للرد على قرار ترمب

قال وزير جزائري سابق فضل عدم نشر اسمه إن بلاده «تسعى إلى تجاوز المأزق الأميركي الراهن بتوزيع جهودها بين دبلوماسية هادئة ومساعٍ لتنويع شراكاتها التجارية».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا وزير العدل الجزائري خلال عرض مشروع قانون الوقاية من غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب (البرلمان)

الجزائر في مرمى ضغوط دولية لتجفيف منابع «المال المشبوه»

عبَّر نواب جزائريون عن سخطهم مما وصفوه بـ«إملاءات خارجية» لدفع بلادهم لمراجعة تشريعاتها على نحو يتماشى مع الإجراءات الدولية الخاصة بتجفيف منابع غسل الأموال.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

حديث ترمب المتجدد عن «سد النهضة» يثير علامات استفهام

ترمب خلال استقباله للسيسي في واشنطن عام 2019 (الرئاسة المصرية)
ترمب خلال استقباله للسيسي في واشنطن عام 2019 (الرئاسة المصرية)
TT

حديث ترمب المتجدد عن «سد النهضة» يثير علامات استفهام

ترمب خلال استقباله للسيسي في واشنطن عام 2019 (الرئاسة المصرية)
ترمب خلال استقباله للسيسي في واشنطن عام 2019 (الرئاسة المصرية)

للمرة الثالثة في أقل من شهر كرر الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، انتقاده لما وصفه بـ«تمويل الولايات المتحدة» لـ«سد النهضة» الإثيوبي على نهر النيل، مؤكداً ضرره بمصر، وأن بلاده تسعى للحل، مما آثار تساؤلات حول غرض ترمب من ذلك، فيما قال مصدر مصري مسؤول لـ«الشرق الأوسط» إنه «حتى الآن لم تتوصل إدارة ترمب مع مصر بشأن أي مفاوضات بخصوص (السد)، رغم تصريحات الرئيس الأميركي المتكررة».

وقال ترمب، مساء الجمعة، في خطاب أمام أعضاء مجلس الشيوخ بواشنطن، في معرض رصده لما وصفه بجهود إدارته في حل الأزمات بالعالم: «لقد تم التعامل مع مصر وإثيوبيا، وكما تعلمون فقد كانتا تتقاتلان بسبب (السد)، إثيوبيا بنت (السد) بأموال الولايات المتحدة إلى حد كبير... إنه واحد من أكبر السدود في العالم»، مشيراً إلى أنه تابع بناء «السد» عبر صور الأقمار الاصطناعية، وأن إدارته تعاملت مع مسألة «السد» بشكل جيد، مشدداً على ضرره بمصر، وأنه «ما كان يجب أن يحدث ذلك، خصوصاً أنه ممول من الولايات المتحدة»، منوهاً إلى أن الأمر «سيحل على المدى الطويل».

تعليقاً على ذلك، قال عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، مصطفى بكري، لـ«الشرق الأوسط»: «تعودنا من ترمب إطلاق الكلام على عواهنه، والحديث الآن عن أن بلاده شاركت في تمويل بناء (السد الإثيوبي) هو إدانة للسياسة الأميركية بوقوفها مع رغبة إثيوبيا في منع المياه عن مصر»، وتدخل من قبل بدعوى الحل، وحينما ترفض إثيوبيا حلوله يصرح بأن «مصر من حقها ضرب السد، ولولا حكمة مصر لكانت حدثت كارثة في المنطقة».

وأشار بكري إلى أن «ترمب على ما يبدو يريد استخدام ورقة (السد) من أجل التلاعب في ملفات المنطقة، وهو لا يرغب في حل الأزمة من أجل مصلحة مصر كما يدعي، بل لتحقيق أهداف يريدها، وفي جميع الأحوال مصر تبحث عن الحلول السلمية؛ لكنها لن تفرط في أمنها المائي ولا أمنها القومي، ولن تقبل بتهجير الفلسطينيين إليها مهما كانت الإغراءات والضغوط».

صورة لـ«سد النهضة» وضعها آبي أحمد على صفحته الرسمية بـ«فيسبوك» في أغسطس الماضي

ومنتصف يونيو (حزيران) الماضي، خرج ترمب بتصريح مثير للجدل، قال فيه إن «الولايات المتحدة موّلت بشكل غبي (سد النهضة)، الذي بنته إثيوبيا على النيل الأزرق، وأثار أزمة دبلوماسية حادة مع مصر».

والاثنين الماضي، كرر الحديث نفسه في مؤتمر صحافي مشترك مع الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، مارك روته، في البيت الأبيض، قائلاً إن «الولايات المتحدة موّلت السد، وإنه سيكون هناك حل سريع للأزمة»، وهو ما دفع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للإشادة بتلك التصريحات من ترمب، ورغبته في حل الأزمة.

الخبير الاستراتيجي المصري، اللواء سمير فرج، يرى أن «ترمب بتصريحاته المتكررة والمفاجئة خلال هذه الفترة عن (سد النهضة) وضرره لمصر، إنما يريد من ورائها إثبات وجود الولايات المتحدة في منطقة القرن الأفريقي مرة أخرى، خصوصاً في ظل تمدد الصين بأفريقيا، ومن ثم يريد ترمب تحسين العلاقات مع أهم دولتين أفريقيتين هما مصر وإثيوبيا، وبقوله إن بلاده التي مولت (السد) يرسل رسالة للكل حتى لو كانت غير حقيقية، بأن الوجود الأميركي لم ينقطع عن المنطقة، ومن ثم يكون لتدخلاته حيثية وتأثير في الملفات الأفريقية».

فرج، مدير الشؤون المعنوية سابقاً للجيش المصري، أوضح لـ«الشرق الأوسط»، أن هناك مَن يقول إن هدف «ترمب من تلك التصريحات الضغط على مصر، أو مغازلتها لقبول تهجير أهل غزة إليها، مقابل حل أزمة (السد)، وهذا رأي له وجاهة، لكن الهدف الأساسي رغبته في العودة مرة أخرى للتدخل بقوة في ملفات المنطقة، في مواجهة التمدد الصيني، خصوصاً بعدما سحبت أميركا قواتها السابقة من الصومال، وأخلت الساحة للصين هناك، ومن ثم نتوقع منه تحركاً فعلياً في هذا الملف أياً كانت الأهداف».

لقاء بين الرئيس المصري ورئيس الوزراء الإثيوبي على هامش القمة الأفريقية الروسية في 2019 (الرئاسة المصرية)

واحتجت مصر والسودان على مشروع «السد»، باعتباره يهدد إمداداتهما من مياه النيل، وطالبا إثيوبيا مراراً بوقف عمليات الملء بانتظار التوصل إلى اتفاق ثلاثي حول أساليب التشغيل.

الخبير في الشؤون الأميركية المقيم في نيويورك، محمد السطوحي، لاحظ أن «حديث ترمب هذه الفترة عن سد (النهضة الإثيوبي) لم يكن رداً على سؤال من أحد الصحافيين، ولا تعليقاً على تفجر الأوضاع، لكنه جاء بمبادرة منه، ضمن رصده جهود إدارته لتحقيق السلام في أنحاء العالم، وهو يفعل ذلك كثيراً وبلغة تحمل الكثير من المبالغة، وكنموذج على ذلك تأكيده الشهر الماضي أن تدخله عام 2020 منع اندلاع الحرب بين إثيوبيا ومصر، رغم أن المفاوضات التي أجريت تحت رعايته فشلت في التوصل إلى اتفاق، بل ورأينا ترمب بعدها يُحرض مصر على تفجير (السد)، بعد أن رفضت إثيوبيا التوقيع على مسودة الاتفاق التي وقعت عليها مصر».

واستضافت واشنطن خلال ولاية ترمب الأولى جولة مفاوضات عام 2020، بمشاركة البنك الدولي، ورغم التقدم الذي شهدته المفاوضات بين الدول الثلاث (مصر وإثيوبيا والسودان)، لكنها لم تصل إلى اتفاق نهائي، بسبب رفض الجانب الإثيوبي التوقيع على مشروع الاتفاق، الذي جرى التوصل إليه وقتها، حيث اتهمت إثيوبيا أميركا بـ«الانحياز».

ترمب كرر للمرة الثالثة حديثه عن تمويل بلاده لـ«سد النهضة» (صورة من Getty Images)

وأضاف السطوحي لـ«الشرق الأوسط» أن «لغة ترمب هذه المرة أكثر هدوءاً تجاه إثيوبيا، بما يشير إلى مدخل جديد للتعاطي مع الأزمة، يعمد لإرضاء حكومة آبي أحمد. لكن يظل منطق الصفقات هو الذي يحكم ترمب تجاه كل القضايا، بما فيها القضايا ذات الأبعاد الاستراتيجية المهمة، حتى أن مفاوضات (السد) السابقة خضعت لإدارة وزارة المالية الأميركية، بينما تفرغ وزير الخارجية لتشجيع إثيوبيا على التمرد على الاتفاق. لذلك عندما يتحدث ترمب الآن عن إمكانية تسوية الأزمة سريعاً فهو شيء جيد، لكن ينبغي على مصر الحذر في اعتبار أن ذلك يعكس الواقع، فهو نفسه مَن تحدث كثيراً عن قدرته على وقف إطلاق النار في أوكرانيا خلال 24 ساعة؛ لكنه بعد 6 أشهر لا يزال يتأرجح بين توجيه اللوم لأوكرانيا ثم روسيا».

يضاف إلى ذلك، بحسب السطوحي، أن «ترمب وإدارته يفكران بمنطق الأولويات، ولا أرى خطورة حقيقية لاندلاع المواجهة العسكرية بين إثيوبيا ومصر الآن، رغم التصريحات القوية من الجانبين، فترمب يشغله الآن أمران أساسيان في سياسته الخارجية (غزة وأوكرانيا)، وهو لا بد أن يرى الآن الارتباط الواضح بين أمن مصر المائي جنوباً وأمنها الشرقي على الحدود مع إسرائيل وغزة، وعلى مصر الحذر من تعامله مع الأزمتين في إطار الصفقات، التي يبحث من خلالها عن حلمه القديم للفوز بجائزة (نوبل للسلام)، حتى لو كان في ذلك انكشاف لأمن مصر من الجانبين».