السودان: المعارضة المدنية تحول مقترح تكوين «حكومة منفى» لآلية سياسية

حمدوك يدعو الدول الصديقة لممارسة الضغوط على طرفي القتال من أجل وقف النار

حمدوك خلال جلسات تنسيقية «تقدم» في عنتيبي بأوغندا (موقع «تقدم» / فيسبوك)
حمدوك خلال جلسات تنسيقية «تقدم» في عنتيبي بأوغندا (موقع «تقدم» / فيسبوك)
TT

السودان: المعارضة المدنية تحول مقترح تكوين «حكومة منفى» لآلية سياسية

حمدوك خلال جلسات تنسيقية «تقدم» في عنتيبي بأوغندا (موقع «تقدم» / فيسبوك)
حمدوك خلال جلسات تنسيقية «تقدم» في عنتيبي بأوغندا (موقع «تقدم» / فيسبوك)

أحال تحالف المعارضة المدنية السودانية «تقدم» قضايا تتعلق بالعملية السياسية، ونزع الشرعية من الحكومة السودانية، التي تتخذ من مدينة بورتسودان عاصمة لها، بتكوين حكومة منفى، إلى «آلية سياسية» جديدة، لبحث مزيد من الدراسة حولها، إثر اختلافات بين مكونات «تقدم» التي اجتمعت في «عنتيبي» بأوغندا، ما بين الثالث والسادس من ديسمبر (كانون الأول) الحالي.

وقال رئيس تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية، المعروفة اختصاراً باسم «تقدم»، رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، في كلمة في ختام اجتماع الهيئة القيادية للتحالف المدني، إن الاجتماعات بحثت العديد من القضايا، وعلى رأسها ملف «حماية المدنيين» في مواجهة الكارثة الإنسانية التي تعيشها البلاد، وتحدي إيصال المساعدات الإنسانية للمحتاجين، ومعالجة مشكلات النازحين واللاجئين، إضافة إلى الملفات السياسية.

تباين في وجهات النظر

وبرزت في أثناء اجتماعات التحالف وجهات نظر متباينة، حول عدد من القضايا السياسية، أبرزها المطالبة بتشكيل «حكومة منفى»، تعمل على نزع الشرعية من «سلطة الأمر الواقع»، التي تتخذ من مدينة بورتسودان على ساحل البحر الأحمر عاصمة بديلة، وتكوين جبهة مدنية عريضة. وقال حمدوك في هذا الصدد إن الاجتماع ناقش هذه التباينات بـ«شفافية ومسؤولية عالية، عبرت عن روح التحالف وقيمه، بما يضمن توجيه بوصلته تجاه الوجهة التي حددها بوقف الحرب، وإنهاء الحروب في البلاد إلى الأبد، وإقامة نظام مدني ديمقراطي». وأكد حمدوك، أن الإجتماع أحال نقاش قضايا الجبهة المدنية والعملية السياسية، ونزع الشرعية عن انقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021 إلى «آلية سياسية» لمزيد من الدراسة التفصيلية بين مكونات «تقدم». وقال بهذا الخصوص: «نجدد الدعوة لرفاقنا في معسكر السلام ومناهضة الحرب، الوحدة، من أجل تحقيق أهداف شعبنا في الحرية والسلام والعدالة».

حافلة تُقلُّ عناصر من الجيش السوداني في أحد شوارع مدينة القضارف «شرق» (أ.ف.ب)

وناشد حمدوك الدول الصديقة والشقيقة في المحيطين الإقليمي الدولي، لممارسة الضغوط اللازمة على طرفي القتال، من أجل إعلان وقف لإطلاق النار، وتسريع فتح الممرات الإنسانية، استناداً إلى مقررات منبر جدة الإنساني، كما طالبهم برفع حجم الإسناد الإنساني للمحتاجين، بما يتناسب مع حجم الكارثة التي تعاني منها البلاد، بعدّها أكبر كارثة إنسانية من بين الكوارث المشتعلة الآن.

وأكد البيان الختامي للاجتماعات على معالجة الكارثة الإنسانية، ووضع التدابير اللازمة لحماية المدنيين، وعدّها أولوية قصوى. وأدان «الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها قوات الدعم السريع والقوات المسلحة، والقوات المتحالفة معهما ضد المدنيين». داعياً إلى تفعيل آليات العدالة والحماية الدولية لضمان وقف الجرائم، وإنصاف الضحايا ومحاسبة المجرمين، وفتح المسارات الإنسانية، وتوصيل المساعدات. وقرر تشكيل «آلية خاصة لمتابعة قضايا اللاجئين والنازحين».

تأكيد على «غياب الشرعية»

في سياق ذلك، دعا المجتمعون لاتخاذ تدابير أكثر فاعلية لحماية المدنيين، بما في ذلك تطوير مقترح «المناطق الآمنة»، وخروج القوات المتقاتلة من الأعيان المدنية، وتقليص الوجود العسكري في المناطق المأهولة، ووقف القصف المدفعي وقصف الطيران. كما طالب الاجتماع المجتمع الدولي بتوسيع ولاية المحكمة الجنائية الدولية لتحقق في كل الجرائم، التي ارتكبت في حق المدنيين، وتمديد حظر الأسلحة في دارفور، ليشمل كل السودان، بما يساهم في تقصير أمد الحرب.

وقطع الاجتماع باستحالة أي حل عسكري لأزمات السودان، بقوله: «حرب 15 أبريل (نيسان) حرب معقدة، ذات أبعاد عديدة وعميقة يجب معالجتها بشكل حقيقي وجذري، حتى تكون آخر حروب السودان»، ودعا لتصميم عملية سياسية تخاطب أبعاد هذه الحرب، وتوصل لسلام مستدام، واستكمال مسار ثورة ديسمبر.

مشاهد الدمار في أحد أحياء أم درمان بالسودان نتيجة الصراع في البلاد 27 أغسطس 2024 (د.ب.أ)

كما دعا المجتمعون طرفي القتال للكف عن استهداف المدنيين، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية والعودة للتفاوض دون شروط، وتغليب صوت العقل لإنهاء معاناة الملايين الذين تضرروا من الحرب. وتوافقوا على ما سموه «إنهاء اختطاف الدولة، واستعادة شرعية ثورة ديسمبر»، وقالوا وفقاً للبيان الختامي، إن الشرعية «غابت عن السودان إثر إجهاض مسار الانتقال المدني الديمقراطي بانقلاب 25 أكتوبر 2021، ومنذ ذلك الوقت غابت الشرعية تماماً عن السودان، ولم تنشأ أي سلطة ذات مشروعية، والمجتمع الإقليمي والدولي علق عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي، ولم يعترف بالسلطة الانقلابية».

كما نددوا بما أسموه استخدام «سلطة بورتسودان» للشرعية، لتطيل أمد الحرب وتعطل فرص الوصول لسلام، واستخدام الحرب وسيلة لتحقيق ما فشل فيه الانقلاب، إضافة إلى استخدام الشرعية الزائفة لتقسيم البلاد، وهو ما تجلى حسبهم «في إجراءات تغيير العملة، وإعاقة وصول المساعدات الإنسانية، وحرمان المواطنين من حقوقهم الدستورية في الوثائق الثبوتية والعملية التعليمية، وإقرار تشريعات تمييزية مثل قانون الوجوه الغريبة».

تحول الصراع إلى «حرب انتقامية»

وفي مؤتمر صحافي قال الناطق الرسمي لـ«تقدم»، جعفر حسن، للصحافيين، إن الوضع الإنساني بلغ ذروته، حيث استشرى الجوع ليطول نصف عدد السكان، وانعدمت الخدمات الصحية، بقوله إن بعض المصابين بالرصاص تعفنت جراحهم، بسبب «عدم وجود دواء وتطبيب»، وحذر طرفي الحرب من استخدام المساعدات الإنسانية كأدوات للحرب.

من جهته، أوضح المتحدث باسم التحالف، بكري الجاك، أن طبيعة الحرب تغيرت وأصبحت «حرباً انتقامية»، بقوله: «حين يتم تبادل مناطق السيطرة من أحد الأطراف، تكون هناك ردة فعل باتهام مواطنين بأنهم متعاونون مع الطرف الذي فقد السيطرة، وهذا حدث في أي منطقة تم فيها تبادل السيطرة بين الطرفين، وهذا مخيف وجديد في طبيعة الحرب».

وحذر الجاك من تحول الحرب إلى «حروب صغيرة»، ومواجهات بين المواطنين، على أسس عرقية وجهوية وجغرافية، بعيداً عن الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع، وقال بهذا الخصوص: «لا توجد حرب تستمر كما هي لمدة طويلة، وأي نزاع يخلق شروطاً داخلية تغير ديناميكيات الصراع، قد لا يُمكّن من أشعلوا الحرب من إيقافها».


مقالات ذات صلة

الجيش يستعيد منطقة استراتيجية ويحكم الحصار على ود مدني

شمال افريقيا 
 البرهان يحيي مؤيديه في أم درمان غرب الخرطوم يوم 29 يونيو 2019 (أ.ب)

الجيش يستعيد منطقة استراتيجية ويحكم الحصار على ود مدني

استعاد الجيش السوداني السيطرة على منطقة استراتيجية، في ولاية الجزيرة (وسط) على بُعد 40 كيلومتراً من عاصمة الولاية ود مدني، بعد معارك عنيفة استمرت لثلاث ليالٍ.

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا صورة ملتقطة في يناير 2024، تظهر نساءً وأطفالاً في مخيم زمزم للنازحين، بالقرب من الفاشر في شمال دارفور، السودان (رويترز) play-circle 01:42

«الأمم المتحدة»: 3 ملايين طفل سوداني يواجهون خطر سوء تغذية حاد

قالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة، اليوم (الجمعة)، إن نحو 3.2 ملايين طفل دون الخامسة يواجهون خطر الإصابة بسوء التغذية الحاد في السودان الذي يشهد حرباً عنيفة.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا عناصر من الجيش السوداني خلال عرض عسكري (أرشيفية - أ.ف.ب)

الجيش السوداني يتقدم على جبهات القتال في ولاية الجزيرة

لم يصدر أي تصريح رسمي من «الدعم السريع» بخصوص المعارك في ولاية الجزيرة التي جاءت بعد أشهر من التخطيط من قبل الجيش

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا قائد قوات «الدعم السريع» محمد حمدان دقلو (حميدتي) (رويترز)

السودان يرحب بالعقوبات ضد حميدتي ويطالب بموقف دولي موحد

رحبت الحكومة السودانية بقرار الإدارة الأميركي فرض عقوبات على قائد «قوات الدعم السريع» محمد حمدان دقلو «حميدتي» وطالبت المجتمع الدولي بموقف موحد.

شمال افريقيا سودانيون فارُّون من المعارك في منطقة الجزيرة داخل مخيم للنازحين بمدينة القضارف (أ.ف.ب)

الجيش السوداني يستعيد السيطرة على بلدات في الجزيرة

شن الجيش السوداني، الأربعاء، هجوماً برياً كبيراً من عدة محاور على أطراف ولاية الجزيرة وسط البلاد، استعاد على أثرها، السيطرة على عدد من البلدات والقرى

محمد أمين ياسين (نيروبي)

السيسي يطمئن المصريين بشأن القدرة على تجاوز «الظروف الصعبة»

السيسي خلال تفقده الأكاديمية العسكرية المصرية (الرئاسة المصرية)
السيسي خلال تفقده الأكاديمية العسكرية المصرية (الرئاسة المصرية)
TT

السيسي يطمئن المصريين بشأن القدرة على تجاوز «الظروف الصعبة»

السيسي خلال تفقده الأكاديمية العسكرية المصرية (الرئاسة المصرية)
السيسي خلال تفقده الأكاديمية العسكرية المصرية (الرئاسة المصرية)

للمرة الثانية خلال أقل من أسبوع، يعمد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى طمأنة المصريين بشأن قدرة بلاده على تجاوز «الظروف الصعبة»، مؤكداً خلال تفقده الأكاديمية العسكرية، الجمعة، على «أهمية الوعي بالأحداث الإقليمية والدولية».

ووفق إفادة رسمية للمتحدث باسم الرئاسة المصرية، السفير محمد الشناوي، فإن «السيسي تفقد، الجمعة، الأكاديمية العسكرية المصرية، وتابع طابور اللياقة الصباحي، كما ألقى كلمة للطلبة حثهم خلالها على التفاني في التدريب وتحصيل العلم، وأن يكونوا على وعي بما يدور من أحداث محلية وإقليمية ودولية».

وفي كلمته أمام طلاب الأكاديمية العسكرية، قال السيسي: «اطمئنوا، الأمور تسير بخير، الحمد لله؛ فنحن نواجه ظروفاً قاسية منذ 4 سنوات، اعتباراً من أزمة (كورونا)، والحرب الروسية وحرب غزة والظروف الصعبة التي تمر بحدودنا المختلفة»، مؤكداً قدرة بلاده على تجاوز تلك الظروف بـ«الجهد والصبر والعمل»، حسب وكالة «أنباء الشرق الأوسط» الرسمية في مصر.

الرئيس المصري أكد قدرة بلاده على تجاوز التحديات (الرئاسة المصرية)

وشدد السيسي، في كلمته، على «أهمية الوصول إلى أعلى درجات الفهم والوعي والاستعداد إزاء ما يحدث في المنطقة؛ سواء أحداث الحرب في غزة أو التطورات الموجودة على الحدود المصرية المختلفة»؛ وهو «أمر في منتهى الأهمية ولن يتم اكتسابه إلا بالعمل الشاق الحقيقي».

وكان السيسي قد وجّه رسائل طمأنة خلال مشاركته في احتفال الأقباط بـ«عيد الميلاد»، مساء الاثنين الماضي، وقال إنه «يتابع كل الأمور... القلق ربما يكون مبرراً»، لكنه أشار إلى قلق مشابه في الأعوام الماضية قبل أن «تمر الأمور بسلام».

وتتكرر رسائل السيسي لطمأنة المصريين بين الحين والآخر، لا سيما في ظل الأوضاع الاقتصادية أو التحديات الإقليمية. والعام الماضي، خلال احتفال الكنيسة المصرية بـ«عيد الميلاد» أيضاً، قال الرئيس المصري إن بلاده «ستجتاز أي أزمة أو مشاكل أو ظروف صعبة، ما دام بقي المصريون على قلب رجل واحد، في حالة من الوحدة».

وأكد السيسي، في كلمته أمام الطابور الصباحي لطلاب الأكاديمية العسكرية، الجمعة، أن «البرامج التي يجرى تصميمها في الأكاديمية، تتم بناء على دراسات في كليات الاجتماع وعلم النفس، لإخراج ضابط ناجح؛ يمتلك شخصية متوازنة ومتعلمة وقادرة على أداء المهارات المختلفة». وقال مخاطباً الطلاب الجدد: «ما سترونه سيكون مختلفاً عما اعتدتم عليه، لكن تأكدوا أن هذا جرى تصميمه وإعداده لمساعدتكم في مهمتكم الجديدة».

السيسي حث طلبة الأكاديمية العسكرية على التفاني في التدريب (الرئاسة المصرية)

وجدد السيسي تأكيده أن «أشرف مهمة لأي إنسان هي حماية وطنه وبلده، وحماية عرضه وناسه»، وقال، في حديثه لطلاب الأكاديمية العسكرية، إنها «تلك المهمة التي كُلفنا بها، والتحقنا من أجلها بالقوات المسلحة؛ فهي أشرف دور يمكن لأي إنسان أن يتولاه».

وأضاف الرئيس المصري: «نتحدث عن بلد يسكنه تقريباً 120 مليوناً ما بين عدد سكانه، والضيوف الموجودين فيه»، مشيداً، في الوقت ذاته، بما «تقوم به القوات المسلحة الساهرة على تحقيق أمن وسلامة 120 مليوناً».

ولفت السيسي إلى ضرورة أن تتجرد الشخصية المتوازنة من أي شكل من أشكال «الاستعلاء، لا سيما الاستعلاء بالدين». وربط بين «الشخصية المتوازنة المتسامحة والمعتدلة، والمقدرة». وقال: «كلما زادت قدرتك، زاد معها توازنك... وكلما زادت معرفتك، زاد تواضعك».

ويتجاوز عدد سكان مصر 107 ملايين نسمة، وفقاً للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء. وتطلق مصر لفظ «ضيوف» على اللاجئين والمقيمين والمهاجرين الأجانب في البلاد، ووفق تقديرات حكومية، فإن أعدادهم على الأراضي المصرية تتعدى 9 ملايين أجنبي، من نحو 133 دولة. وقدّرت الحكومة المصرية التكلفة المباشرة لاستضافتهم في أبريل (نيسان) الماضي، بأكثر من 10 مليارات دولار سنوياً. (الدولار الأميركي يساوي 50.56 في البنوك المصرية).