يلتقي مطلع الشهر المقبل مسؤولون من الحكومة الجزائرية مع أطر من مفوضية الاتحاد الأوروبي لبحث مراجعة «اتفاق الشراكة»، الذي يؤطر قضايا التجارة والاستثمارات بينهما منذ قرابة 20 سنة، والذي بات «متعارضاً مع واقع اقتصادي جديد»، وفق الطرح الجزائري للقضية المثيرة للجدل.
وأعلن سفير الاتحاد بالجزائر، دييغو ميلادو، عن المشاورات المنتظرة، خلال لقاء مع وسائل إعلام محلية، نشرت الخميس تقريراً عنه، أهم ما جاء فيه أن التبادل بين الخبراء من الجهتين «سيكون ذا طابع فني، وسيتناول مجمل النزاعات التجارية بين الطرفين». وسيقود التفاوض عن الجهة الأوروبية وفد من مديرية التجارة تابع للمفوضية، يقابله وفد من وزارة التجارة الخارجية الجزائرية.
وستتناول المشاورات، حسب الدبلوماسي الأوروبي نفسه «القضايا التقنية؛ مثل قواعد المنشأ، والمعايير الصحية والصحية النباتية، والإجراءات الجمركية». مشدداً على «أهمية إحداث جو هادئ بين الطرفين... فمع الجزائر، نريد النظر إلى العلاقة بشكل شامل». مبرزاً أن العلاقة بين الطرفين «إيجابية بالنظر إلى أهمية التبادلات التجارية».
وقال السفير إن أوروبا هي الزبون الأول للجزائر في مجال الغاز، وأكبر مستثمر برصيد 23 مليار يورو، وتبادلات تجارية بقيمة 50 مليار يورو. وأضاف بهذا الخصوص: «نحن على دراية بأن هناك إرادة في الجزائر لتنويع الاقتصاد، ونحن في أوروبا نراهن على التصنيع في القارة. يجب أن تكون الجزائر شريكاً في هذا المسار التصنيعي لأوروبا».
ووفق ميلادو، «يتعلق الأمر أساساً بتقييم التبادلات بشكل أكثر وضوحاً، من خلال مراجعة اتفاق الشراكة بشكل شامل... ولا توجد لدينا دراسة نقطة بنقطة». لكن كلام السفير الأوروبي حمل في طياته ما يتعارض مع مطلب طرحه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في 2021، يخص «مراجعة الاتفاق بنداً ببند، مع الأخذ في الاعتبار سيادة الجزائر، وبناء على مبدأ تقاسم المنفعة»، وكان يقصد ضمناً أن الاتفاق درّ ربحاً على دول الاتحاد، دون بلاده، خصوصاً ما ارتبط بتفكيك التعريفة الجمركية عن السلع الأوروبية، وهو ما حرم خزينة الدولة من أموال كبيرة، حسب الجزائريين. وفي مقابل هذه الرؤية، يقول خبراء مستقلون إن أصل المشكلة هو أن المنتجات الجزائرية عجزت عن أن تجد لها مكاناً في الأسواق الأوروبية، وهو ما فوّت على الدولة مداخيل مهمة.
وفي تقدير السفير ميلادو فإن اجتماع يناير (كانون الثاني) المقبل «مهم جداً في هذا السياق العالمي الجديد. وضمن هذا السياق، يجب الأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الجيوسياسية»، من دون توضيح ما يقصد.
كما خاض السفير في «التحديات المناخية والانتقال الطاقوي»، مؤكداً أن «الطاقة أمر حاسم مع الجزائر، ونحن نريد شريكاً قوياً في هذا المجال للانتقال نحو الطاقة المستدامة». مشيراً في هذا السياق إلى «إعادة النظر في سياسة الجوار الأوروبية». وقال موضحاً: «نريد إيجاد عناصر مشتركة لإعادة تعريف ميثاق للبحر الأبيض المتوسط، إنها حقاً إرادة سياسية، ولا يتعلق الأمر فقط بالعلاقات التجارية». كما أوضح أيضاً أن ميثاقاً للبحر المتوسط «سيكون بعنوان رئيسي: تعزيز الروابط... ونحن نريد سياسة مشتركة، وهذا ما نرغب تطويره في الميثاق الجديد، خاصة مع الجزائر، سواء في مجالات الاستثمار والاستقرار الاقتصادي، وإيجاد فرص للعمل، أو في مجال الطاقة».
ومطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، صرح الرئيس تبون في مقابلة بثها التلفزيون العمومي بأنه «بات لزاماً علينا أن نطلب مراجعة اتفاق الشراكة مع الأوروبيين، فعندما وقعناه (عام 2002 ودخل التنفيذ في 2005)، لم تكن الجزائر آنذاك تمتلك قدرات تصدير. لكن أوضاعنا تغيرت؛ إذ أصبحنا ننتج ونصدر حالياً مجموعة كبيرة من المواد المصنعة، والأجهزة الكهربائية وغيرها. وكنا نستورد حاجياتنا الزراعية، بعكس وضعنا حالياً». مبرزاً أن «جوهر الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي يقوم على التجارة الحرة، ونحن نريد إعادة النظر فيه على أساس هذا الجوهر، دون الدخول في صراع».