تنظيمات مدنية سودانية تعد قصف المدنيين جريمة حرب

«الدعم السريع» يتهم الطيران الحربي «بقتل المئات» في الخرطوم

أعمدة الدخان تتصاعد خلال اشتباكات بين «الدعم السريع» والجيش في الخرطوم  (أرشيفية - رويترز)
أعمدة الدخان تتصاعد خلال اشتباكات بين «الدعم السريع» والجيش في الخرطوم (أرشيفية - رويترز)
TT

تنظيمات مدنية سودانية تعد قصف المدنيين جريمة حرب

أعمدة الدخان تتصاعد خلال اشتباكات بين «الدعم السريع» والجيش في الخرطوم  (أرشيفية - رويترز)
أعمدة الدخان تتصاعد خلال اشتباكات بين «الدعم السريع» والجيش في الخرطوم (أرشيفية - رويترز)

جدّدت منظمات سياسية ومدنية سودانية مطالبتها بحماية المدنيين، وفرض حظر طيران في كل أنحاء البلاد، بعد أن اتهمت قوات «الدعم السريع» في بيان الأحد، الطيران الحربي التابع للجيش السوداني، بقصف «شرق النيل» بمدينة الخرطوم بحري، و«سوق ليبيا» الشهيرة في غرب مدينة أم درمان، «ما أدى إلى سقوط المئات من القتلى والجرحى، معظمهم من النساء والأطفال وكبار السن»، فيما تناقلت وسائط التواصل الاجتماعي صوراً لجثامين نساء وأطفال محترقة بالكامل.

وقالت قوات «الدعم السريع»، إن الطيران الحربي «شن غارات مسعورة» على سوق ليبيا غرب مدينة أم صبيحة، يوم الأحد، وكان استهدف مساء السبت «سوق 13» بمنطقة الحاج بشرق النيل بمدينة الخرطوم بحري، ما أدى لسقوط 650 شخصاً بين قتيل وجريح.

أرشيفية لدورية لـ«الدعم السريع» في إحدى مناطق القتال بالسودان (رويترز)

ولم يصدر أي تعليق من الجيش السوداني على تلك الاتهامات، وهو عادة لا يعلق على عملياته العسكرية أو أعداد القتلى، ويكتفي موالون غير رسميين له، بالإشارة إلى «أن انتشار (الدعم السريع) بين المدنيين، وفي الأعيان المدنية، هو المسؤول عن موت المدنيين».

وعدّ البيان غارات الجيش على مناطق سيطرة «الدعم السريع»، امتداداً لما سماه «الاستهداف الممنهج لتجمعات المواطنين والأسواق في نيالا، والكومة، وسرف عمرة، والضعين، والجنينة، والجزيرة، وسنار، والخرطوم»، وهو ما أدى لقتل وإصابة الآلاف، وأحدث دماراً واسعاً في المنشآت الحيوية في البلاد.

وقالت غرفة «طوارئ شرق النيل»، التي تضم تنظيمات مجتمعية ظلت تعمل على إغاثة ومساعدة المواطنين أثناء الحرب، إن الغارة الجوية على المنطقة رسمت «مشهداً مأساوياً يدمي القلوب»، وإن «الغارة التي استهدف (سوق 13) أسفرت عن وقوع مئات الضحايا بين قتيل وجريح، غالبيتهم من النساء العاملات وأطفالهن، وإن ألسنة النيران المشتعلة حالت دون الحصول على إحصاءات دقيقة عن عدد الضحية، وإن كثيراً من الجثث لا يزال تحت الرماد».

جنديان من الجيش السوداني خلال تنفيذ دورية في الخرطوم (أ.ف.ب)

وأدانت ما سمته «العمل الإجرامي»، وعدته «انتهاكاً لكل القوانين الدولية والأعراف الإنسانية، واستهتاراً مطلقاً بحياة الأبرياء، وتحدياً لكل قيم العدالة والإنسانية»، وناشدت المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية «للضغط على الأطراف المسؤولة، لوقف الجرائم»، وطالبت «بفتح ممرات آمنة لإجلاء الجرحى، وتقديم الإغاثة العاجلة للمتضررين».

بدورها، وصفت «مبادرة دارفور للعدالة والسلام»، قصف منطقة شرق النيل من قبل طيران الجيش السوداني المختطف من الحركة الإسلامية، والمدعوم بطيران إحدى دول الجوار، وسقوط المئات من النساء العاملات وأطفالهن الذين قتلوا وأحرقتهم نيران المسيرات بـ«الجريمة النكراء» في حق الإنسانية.

وأعلنت المبادرة «التضامن الكامل مع ضحايا القصف»، وقالت: «نضم صوتنا لغرفة طوارئ شرق النيل في إدانة هذا العمل الإجرامي، الذي يمثل انتهاكاً صارخاً لكل القوانين الدولية والأعراف الإنسانية»، واستنكرت ما سمته «صمت العالم تجاه هذه الفظائع» ورأت فيه «تشجيعاً على استمرارها واتساع رقعتها»، وأضافت: «التاريخ لن يرحم من وقف متفرجاً على معاناة شعبنا الأعزل، وندعو جميع الأطراف لتحمل مسؤولياتهم الأخلاقية والتاريخية لحماية المدنيين في شرق النيل ومناطق السودان كافة».

ودأب الطيران الحربي التابع للجيش السوداني على قصف مناطق سيطرة «الدعم السريع»، مستخدماً البراميل المتفجرة والصواريخ والطيران المسير، ويقول إنه يستهدف تلك القوات، فيما ينشط موالون للجيش، من صحافيين ونشطاء في وسائط التواصل، للمطالبة باستهداف ما يسمونه «حواضن الدعم السريع»، أو المجموعات الإثنية التي يتحدر منها غالب قواته.

رئيس الوزراء السوداني السابق عبد الله حمدوك (غيتي)

وطالبت منظمات سياسية ومدنية بحماية المدنيين، وفرض حظر طيران في كل أنحاء البلاد، وقال رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، الذي يترأس التكتل السياسي «تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية» (تقدم)، المجتمع الدولي «باتخاذ تدابير لحماية المدنيين، بما في ذلك فرض حظر طيران على كل السودان، ونشر قوات حماية»، وذلك إبان مشاركته اجتماع «مؤسسة مو إبراهيم ومجلس أفريقيا وأوروبا» ببروكسل، بحضور رؤساء أفارقة وأوروبيين سابقين وقادة في الاتحاد الأوروبي.

وكشف تقرير نقلته «رويترز»، أن أكثر من 61 ألفاً قتلوا في ولاية الخرطوم وحدها خلال أول 14 شهراً من الحرب، وأن العدد الفعلي أعلى بكثير مما سجل من قبل.

وقالت الأمم المتحدة إن 11 مليوناً فروا من منازلهم إلى مناطق آمنة داخل البلاد، وإن نحو 2.5 مليون لجأوا لدول الجوار، وإن الحرب تسببت في أكبر أزمة جوع في العالم، وجعلت 25 مليون نسمة - نصف سكان السودان تقريباً - بحاجة للمساعدات الإنسانية.


مقالات ذات صلة

وزير الخارجية السوداني لــ«الشرق الأوسط»: حريصون على تحسين علاقتنا مع دول الجوار

خاص وزير الخارجية السوداني علي يوسف (متداولة)

وزير الخارجية السوداني لــ«الشرق الأوسط»: حريصون على تحسين علاقتنا مع دول الجوار

تترقب بورتسودان أول زيارة للمبعوث الأميركي، التي تستغرق يوماً واحداً، ويلتقي خلالها عدداً من المسؤولين في «المجلس السيادي» وحاكم دارفور، مني أركو مناوي.

وجدان طلحة (بورتسودان)
شمال افريقيا سيدة هربت من الحرب في السودان تغطي وجهها خلال الحديث عن انتهاكات جنسية (أ.ب)

مندوبة بريطانيا بالأمم المتحدة تدعو لوضع حد للعنف الجنسي في السودان

شددت السفيرة البريطانية لدى الأمم المتحدة، باربرا وودورد، على ضرورة وضع حد للعنف الجنسي في السودان، والتوصل إلى وقف لإطلاق النار.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شمال افريقيا  نساء وأطفال بمخيم زمزم للنازحين بالقرب من الفاشر شمال دارفور (رويترز)

لندن تعلن عن مساعدات إنسانية إضافية للسودان

وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي: «يجب عدم استخدام المجاعة كسلاح حرب»

«الشرق الأوسط» (لندن)
الخليج جاسم البديوي الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج خلال استقباله دفع الله الحاج علي سفير جمهورية السودان لدى السعودية (الشرق الأوسط)

«التعاون الخليجي» يؤكد أهمية الحفاظ على سيادة وأمن السودان ووحدة أراضيه

أكد جاسم البديوي أن دول المجلس تؤكد على أهمية الحفاظ على سيادة وأمن السودان واستقراره ووحدة أراضيه، ومساندته في مواجهة تطورات وتداعيات الأزمة الحالية.

شمال افريقيا الرئيس السوداني السابق عمر البشير (أرشيفية - رويترز)

السودان: انشقاق كبير يهز حزب البشير «المعزول»

ضرب انشقاق كبير حزب المؤتمر الوطني الحاكم في عهد الرئيس المعزول عمر البشير إثر انتخاب، أحمد هارون، المطلوب لدى «الجنائية» الدولية رئيساً له

محمد أمين ياسين (نيروبي)

مصر: تغيّرات مجتمعية مرتقبة مع تعديل «الإيجار القديم»

مساكن قديمة في منطقة الكوربة بمصر الجديدة شرق العاصمة القاهرة (الشرق الأوسط)
مساكن قديمة في منطقة الكوربة بمصر الجديدة شرق العاصمة القاهرة (الشرق الأوسط)
TT

مصر: تغيّرات مجتمعية مرتقبة مع تعديل «الإيجار القديم»

مساكن قديمة في منطقة الكوربة بمصر الجديدة شرق العاصمة القاهرة (الشرق الأوسط)
مساكن قديمة في منطقة الكوربة بمصر الجديدة شرق العاصمة القاهرة (الشرق الأوسط)

بقلق ينتظر الموظف المصري المتقاعد كمال درويش (67 عاماً)، ما ستؤول إليه تعديلات قانون «الإيجار القديم»، والذي يناقشه مجلس النواب المصري (البرلمان) حالياً، وسط ترقب لتأثير أي تعديلات مرتقبة على أوضاع اجتماعية واقتصادية دامت لعقود. وبينما وعد رئيس مجلس النواب حنفي جبالي، كلاً من المستأجرين والملاك بـ«تحقيق التوازن»؛ أعلن، الأحد، تشكيل لجنة برلمانية لتحليل حكم المحكمة الدستورية الذي أبطل مادتين في القانون الصادر عام 1981.

وقضت «الدستورية»، في 9 نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، ببطلان ما تضمنته المادتان من ثبات الأجرة السنوية، باعتباره «عدواناً على قيمة العدل وإهداراً لحق الملكية»، ومنحت البرلمان مهلة 8 شهور لتعديل القانون.

وخلال جلسة عامة، الأحد، أكد جبالي أن المجلس سيمنح الفرصة لـ«أطراف المصلحة الرئيسين - الملاك والمستأجرين - للتعبير عن آرائهم ومواقفهم»، بالإضافة إلى الاستماع لرأي أساتذة القانون وعلم الاجتماع وغيرهم من الخبراء لأخذ آرائهم؛ لـ«ضمان الحصول على رؤية متكاملة تجمع بين التحليل القانوني والمقاربة الاجتماعية».

كما قرر الاستعانة بالدراسات والبحوث التي أعدتها الجهات البحثية المعنية في هذا الملف، والحصول على جميع البيانات والإحصاءات.

القانون القديم

مجلس النواب المصري (الحكومة المصرية)

ويدفع درويش، بموجب القانون القديم، 62 جنيهاً فقط (الدولار يعادل 49.2 جنيه)، نظير شقته في ناحية شبرا الخيمة، والتي تزوج وأنجب فيها منذ عام 1987. ورغم إقراره بأن هذه القيمة «غير عادلة» لأصحاب العقارات في الوقت الحالي، فإنه يخشى أيضاً أن تقفز إلى ألفَي جنيه مثلاً، حال احتساب سعر السوق؛ ما يعني إنفاق أكثر من نصف معاشه البالغ 3900 جنيه، على بند واحد فقط.

وألفا جنيه هي القيمة الدُّنيا التي يطالب بها أصحاب العقارات نظير الشقق في المناطق الشعبية التي تخضع للقانون القديم، على أن ترتفع أضعاف ذلك في المناطق العالية، حسب رئيس ائتلاف أصحاب العقارات مصطفى عبد الرحمن.

ينتظر عبد الرحمن أن يتواصل معهم البرلمان رسمياً. ويقول لـ«الشرق الأوسط»، إنهم سبق أن وضعوا وثيقة تقترح هذه القيمة، مع تحديد مدة انتقالية 3 سنوات، بعدها تتحرر العلاقة بين المالك والمستأجر؛ بمعنى أنه «إذا أراد المستأجر البقاء في الشقة يحرر له المالك عقداً جديداً يُجدد كل فترة، ويحدد إيجاره وفق قيمة السوق، أو يخرج ويترك الشقة». لكن بيشوي شحاتة يعتبر مثل هذا المقترح «كارثياً» للمستأجرين، ويقول لـ«الشرق الأوسط»، وهو من سكان «شارع طلعت حرب» العريق وسط القاهرة، ويدفع 250 جنيهاً شهرياً: «كل يوم الأسعار تزيد، أنا موظف لا يعوض راتبي هذه الزيادات المستمرة في كل شيء، ليضاف إليها قيمة إيجار أكبر».

وترى أستاذة علم الاجتماع السياسي الدكتورة هدى زكريا، أن تعديل قانون الإيجار القديم هو محاولة لإعادة العدالة الاجتماعية لطبقة كان يُفترض نظرياً أنهم طبقة ملاك؛ أي متوسطو الدخل، لكنهم مع الوقت وتحرك الأسعار، هبطوا في السلم الاجتماعي بسبب ثبات قيمة الإيجار. وأضافت: «في السبعينات، من كان يحصل على 50 جنيهاً في الشهر من عمارته، كان هذا مبلغاً جيداً جداً له، يوفر معيشة جيدة، والآن هذا المبلغ لا يشتري كيلو فاكهة». وكان سعر الدولار يعادل 1.4 جنيه عام 1970.

إعادة ترتيب الأوضاع

تقاطع «شارع عبد الخالق ثروت» مع «شارع طلعت حرب» (الشرق الأوسط)

يملك رئيس ائتلاف مالكي العقارات، 28 شقة إرثاً من والده، في منطقة المعادي، والتي يبلغ متوسط أسعار الإيجارات فيها 10 آلاف جنيه للشقق الفارغة، وفق موقع «دوبيزل»، لكنه لا يحصل إلا على 7 جنيهات من كل شقة، و«لا يقبل المستأجرون حتى دفع قيمة صيانة العمارات».

وتوضح الدكتورة هدى زكريا قائلة إن «قاطني الشقق استفادوا لفترة طويلة بالفعل، والآن آن أوان أن يسترد الفريق الآخر حقوقه. وفي المقابل قد يحدث تأرجح لطبقة المستأجرين، لكنها (ليست عنيفة)»، متوقعةً أن يراعي مجلس النواب تطبيق التعديلات بشكل تدريجي، ويمنح فرصة للمستأجرين لإعادة ترتيب أوضاعهم.

ولا توجد إحصائية دقيقة عن أعداد المنازل التي تخضع لقانون «الإيجار القديم»؛ ففي الوقت الذي يقول فيه بعض مالكي منازل الإيجارات القديمة إن عددها يقدر بـ3 ملايين وحدة فقط، يشير عدد من المستأجرين إلى أن عددها يصل إلى 10 ملايين وحدة، وهو تضاربٌ في الأرقام دفع مجلس النواب المصري لمخاطبة الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لتقديم إحصائية حول عدد الوحدات التي تخضع لقانون «الإيجار القديم».

سلام مجتمعي

يتذكر طلعت عبد السلام القلش، وهو طبيب بشري لديه عمارتان في منطقة مصر الجديدة، كيف شيّد والده هذا الإرث: «باع أرضه في البلد، وعمل ليل نهار حتى يتمكن من بنائهما»، ومع الوقت لم يعد يجني سوى «ملاليم، فمات كمداً».

قبل 8 شهور، اشتبك الطبيب مع ساكن عنده، ووصل الأمر لاعتداء متبادل، في انعكاس لتوتر العلاقة بين شريحتَي الملّاك والمستأجرين. يقول المالك بغضب: «كل عام يغير بعضهم سياراتهم، ولديهم شاليهات في الساحل الشمالي، ويُدخلون أولادهم مدارس وجامعات أجنبية، ولا يدفعون سوى 13 جنيهاً للإيجار».

وتعتبر أستاذة علم الاجتماع هذه المشاحنات نتيجة طبيعية لعقود من «الظلم لمالكي العقارات» التي أدت إلى مشاكل وأزمات متكررة بين المالك والمستأجر، وترى أن «إعادة صياغة العلاقة بما يضمن التوازن والعدل للطرفين، سترسخ السلم المجتمعي». لكن على عكسها، يخشى كمال درويش أن تتعمق الأزمات بتعديل القانون إذا ذهبت التعديلات إلى فرض قيمة إيجار على مستأجري الشقق القدامى بسعر السوق الحالية. ويوضح: «في شبرا معظم البيوت إيجار قديم، ما عدا الأبراج المنشأة حديثاً، والناس محدودو الدخل، بل معدومو الدخل، ليسوا مثل سكان مصر الجديدة أو الزمالك».