ليبيا لكسر «حاجز الانقسام» بخوض الانتخابات المحلية غداً

تُجرى في 106 بلديات من أصل 143... وتدخل اليوم مرحلة «الصمت الانتخابي»

بلدية مصراتة التي يتنافس على إدارتها عدد من الناخبين (أ.ف.ب)
بلدية مصراتة التي يتنافس على إدارتها عدد من الناخبين (أ.ف.ب)
TT

ليبيا لكسر «حاجز الانقسام» بخوض الانتخابات المحلية غداً

بلدية مصراتة التي يتنافس على إدارتها عدد من الناخبين (أ.ف.ب)
بلدية مصراتة التي يتنافس على إدارتها عدد من الناخبين (أ.ف.ب)

يتوجه الناخبون الليبيون في 58 بلدية ليبية للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات المحلية، التي ستجرى، غداً السبت، في محاولة لكسر «حاجز الانقسام السياسي» المسيطر على البلاد.

وتأتي هذه الخطوة وسط جمود في العملية السياسية، وسوابق تأجيلات لعمليات اقتراع حظيت بدفع دولي..

جانب من توعية الليبيين بالانتخابات المحلية التي تجرى السبت (المفوضية العليا للانتخابات)

والاستحقاق الانتخابي، الذي دخل مرحلة «الصمت الانتخابي»، اليوم الجمعة، هو الثاني في تاريخ البلاد؛ إذ سبقه أول انتخابات محلية أجريت بين عامي 2013 و2018، لكن مسارها تعثر بسبب الأوضاع الأمنية في عدد من البلديات.

وإلى جانب الإعلان عن اكتمال الاستعدادات الأمنية اللوجيستية والفنية للانتخابات المقررة غداً، كثفت «المفوضية العليا للانتخابات» نشر مقاطع مصورة ومنشورات تحفز المواطنين على التوجه لصناديق الاقتراع. كما عقد رئيس مجلس المفوضية عماد السايح ثلاثة اجتماعات مهمة هذا الأسبوع مع مانحين غربيين، وممثلين للأجهزة الأمنية بالمنطقة الغربية، إلى جانب نشطاء من المجتمع المدني.

رئيس مفوضية الانتخابات عماد السايح في لقاء مع قادة أمنيين ليبيين في المنطقة الغربية (مفوضية الانتخابات)

وتُجرى الانتخابات المقررة في المناطق الثلاث: الغربية، والشرقية، والجنوبية.

وفي حين لم تحظ الانتخابات بتغطية واسعة في وسائل الإعلام المحلي، فقد رصد متابعون لـ«الشرق الأوسط» زخماً لدعاية المرشحين ومؤتمراتهم الدعائية في مدينة مصراتة (غرب)، حيث يتنافس 45 مرشحاً فردياً، و11 قائمة لتمثيل المدينة.

ويبدو أن سوابق تأجيل الاستحقاقات الرئاسية والبرلمانية تقلص حجم التفاؤل لدى بعض السياسيين، ومن بينهم عضو الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور، صلاح بوخزام، الذي يرى أنه «لا مواعيد ثابتة في ليبيا».

ودافع عضو «تأسيسية الدستور» عن صحة تقديره في تصريح لـ«الشرق الأوسط» بسابقتي «تأجيل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، التي كانت مقررة في عام 2021، وكذلك الانتخابات المحلية التي تأجلت عن موعدها السابق في يناير (كانون الثاني) الماضي».

من حملة حث المواطنين على المشاركة بكثافة في الانتخابات البلدية

ويعتقد بوخزام أن «الانتخابات تحمل تهديداً لوجود الأجسام السياسية القائمة والمتعددة، سواء كانت تشريعية أم تنفيذية»، حسب تعبيره.

وتعيش ليبيا على وقع انقسام حكومي وأمني منذ عام 2011، وتتقاسم إدارة البلاد حكومتان: الأولى «الوحدة الوطنية» المؤقتة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، والثانية في شرق البلاد، التي يترأسها أسامة حماد، المدعومة من البرلمان.

وعلى عكس تيار التشاؤم ومخاوف الانقسام، يبدو عضو مجلس النواب علي أبوزربية متمسكاً بـ«التفاؤل» حيال هذه التجربة، وقال لـ«الشرق الأوسط» بهذا الخصوص: «الأمور تذهب إلى انعقاد الانتخابات البلدية... وستكون خطوة ممتازة لو نجحت، استناداً إلى رغبة المواطن في اختيار ممثليه بالمجالس البلدية».

متطوع يوزع منشورات تدعو المواطنين للمشاركة في الاقتراع الانتخابي غداً (أ.ف.ب)

وتوجد 143 بلدية في عموم ليبيا، وفق مسؤولي المفوضية الوطنية العليا، إلا أن الانتخابات لن تعقد إلا في 106 منها، مما انتهت مدة مجالسها الانتخابية.

وآخر المعطيات القائمة ترجح إجراء الانتخابات غداً السبت، وفق الزميل البارز في «برنامج الشرق الأوسط» التابع للمجلس الأطلسي، عماد الدين بادي.

وغابت مدينة البيضاء، ثاني أكبر بلدية في شرق البلاد، عن أجندة المرحلة الأولى لهذا الاستحقاق، وهو ما أرجعه الناطق الرسمي باسم «الحراك الوطني» للأحزاب الليبية، الدكتور عبد اللطيف سحيب، وأحد أبناء المدينة، إلى «استمرار عمليات إعادة الإعمار، بعد أكثر من عام من فيضانات عارمة، اجتاحت مدن شرق البلاد»، علماً بأن شق الطرق والجسور لا يزال مستمراً في المدينة».

ويبلغ عدد المسجلين في منظومة ناخبي المرحلة الأولى من انتخابات المجالس البلدية أكثر من 210 آلاف ناخب.

وبعيداً عن التفاصيل الفنية واللوجيستية، يلمح فريق من السياسيين الليبيين إلى وجود «حسابات خاصة لانعقاد الانتخابات من عدمه»، يحكمها «ميزان القوة المسلحة والنفوذ السياسي».

ودون تسمية أطراف بعينها، يرى المحلل السياسي الليبي عبد الحكيم فتوش، أن «أطرافاً ليبية فرضت نفسها في المنطقة الجغرافية، التي تنتمي إليها استناداً إلى قوة السلاح، أو دعم من السلطات السياسية»، وقال موضحاً: «قد تجرى انتخابات في بلديات، وقد تُمنع في أخرى، وذلك حسب رغبة السلطة السياسية أو المسلحة في تغيير الأفراد القائمين على إدارة هذه البلديات».

وتقول «المفوضية الوطنية العليا للانتخابات» في ليبيا إنها استكملت الاستعدادات للعملية للاقتراع البلدي، وسط دعم دولي، داعية في بيان، هذا الأسبوع، جموع المواطنين إلى «التخلي عن حالة الاستسلام للانقسام السياسي، والتفاعل مع الاستحقاقات المحلية» المرتقبة.

لكن فتوش يرفض اختزال قراءة المشهد في «توفير الإمكانيات للمفوضية العليا للانتخابات، وقدرتها على إنجازها».

في المقابل، هناك من لا يرى فرص نجاح للانتخابات (حتى وإن عُقدت)، أو أي اقتراع وطني في ظل «أجسام سياسية حاكمة منتهية الولاية، وفاقدة للشرعية ومتشبثة بالسلطة»، وفق رؤية رئيس «الحزب المدني الديمقراطي»، الدكتور محمد سعد امبارك، الذي يصفها بـ«عديمة الأهمية».

ووفق حديث امبارك لـ«الشرق الأوسط»، فإن انتخابات البلديات تمثل «تغطية على الفشل في الذهاب نحو الآلية الديمقراطية للتغيير»، و«جرعة أمل أخرى تُضخ لإكساب سلطات الأمر الواقع مزيداً من الوقت والتشبث بالسلطة»، حسب تعبيره.

ولا يرى رئيس «الحزب المدني الديمقراطي» خياراً سوى «استعادة الدولة الليبية، بما يشرع الأبواب أمام نظام حكم محلي شامل، ويستعيد شرعية مؤسسات الدولة لتنتهي حالة الفوضى وعدم الاستقرار».


مقالات ذات صلة

الاتحاد الأوروبي يدعو الأطراف الليبية لدعم الانتخابات البلدية

شمال افريقيا ليبيون من مصراته يتفحصون منشورات تحث على المشاركة بكثافة في الانتخابات (أ.ف.ب)

الاتحاد الأوروبي يدعو الأطراف الليبية لدعم الانتخابات البلدية

حث الاتحاد الأوروبي جميع المرشحين للانتخابات المحلية في ليبيا على «اغتنام الفرصة وخوض الاستحقاق بنزاهة وبما يتفق مع قواعد السلوك التي وضعتها المفوضية الوطنية».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا الدبيبة مستقبِلاً في لقاء سابق وزير الداخلية التونسي خالد النويري (الوحدة)

انزعاج ليبي من حديث تونسي عن «ترسيم الحدود»

«هذا الملف أُغلق بشكل كامل منذ عقد من الزمان»... هكذا ردت أطراف ليبية رسمية ونيابية على حديث وزير تونسي تطرق فيه للحدود المشتركة بين البلدين.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا القائم بأعمال السفارة الأميركية في ليبيا يتوسط عادل جمعة وزير الدولة لشؤون حكومة «الوحدة» (يمين) وإبراهيم الدبيبة مستشار رئيس الحكومة (السفارة)

سفارة أميركا تلتزم الصمت حيال اتهامها بـ«التدخل في الشأن الاقتصادي» الليبي

وجّه النائب الأول لرئيس مجلس النواب الليبي فوزي النويري، اتهامات للسفارة الأميركية بـ«استمرار تدخلاتها في الشأن الاقتصادي الليبي، وتقويض توحيد المصرف المركزي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا الدبيبة مجتمعاً بوفد من أعيان الصيعان والحرارات بغرب ليبيا (حكومة الوحدة)

ليبيا: معركة «توسيع النفوذ» تفاقم خلافات الدبيبة وقائد ميليشياوي

في إطار ما يوصف بـ«محاولاته لتوسيع نفوذه داخل الحكومة»، صعّّد عبد الغني الككلي، الشهير بـ«غنيوة»، آمر «جهاز دعم الاستقرار» من خلافه مع الدبيبة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا السايح خلال اجتماع مع أجهزة أمن المنطقة الغربية (مفوضية الانتخابات)

دعم غربي متزايد لإجراء الانتخابات البلدية الليبية

وسط دعم أميركي وأوروبي لإجراء المرحلة الأولى من الانتخابات البلدية في ليبيا، حثّت هولندا على نزاهة عملية الاقتراع.

خالد محمود (القاهرة )

الكوليرا قد تكون سبب الوفيات الغامضة في مدينة سودانية محاصرة

عائلات سودانية تفر من ولاية الجزيرة بعد تقدم «قوات الدعم السريع» 18 يوليو 2024 (رويترز)
عائلات سودانية تفر من ولاية الجزيرة بعد تقدم «قوات الدعم السريع» 18 يوليو 2024 (رويترز)
TT

الكوليرا قد تكون سبب الوفيات الغامضة في مدينة سودانية محاصرة

عائلات سودانية تفر من ولاية الجزيرة بعد تقدم «قوات الدعم السريع» 18 يوليو 2024 (رويترز)
عائلات سودانية تفر من ولاية الجزيرة بعد تقدم «قوات الدعم السريع» 18 يوليو 2024 (رويترز)

قال مصدر طبي، لوكالة «رويترز»، إن عشرات السكان الهاربين من مدينة الهلالية المحاصرة في ولاية الجزيرة السودانية ثبتت إصابتهم بالكوليرا، في تطور يوفر تفسيراً محتملاً للوفيات المبلغ عنها بالمئات هناك.

وفي حين يقول نشطاء محليون إن أكثر من 300 شخص لقوا حتفهم، قدمت مجموعة من سكان الهلالية في الشتات، لوكالة «رويترز»، قائمة بأكثر من 400 حالة وفاة، وهو رقم يقولون إنه يزداد كل ساعة.

وتحاصر «قوات الدعم السريع» المدينة، التي تُعد موطناً لعشرات الآلاف من السكان المحليين والنازحين، منذ 29 أكتوبر (تشرين الأول) ضمن حملة هجمات في شرق ولاية الجزيرة؛ ثأراً لانشقاق أحد كبار قادة القوة شبه العسكرية وانضمامه للجيش.

وقُتل ما لا يقل عن 15 شخصاً خلال هجوم «قوات الدعم السريع» الذي أدى لبدء الحصار، وفقاً لنشطاء.

ومع ورود تقارير عن وفيات جماعية، انتشرت شائعات حول سبب الوفيات وما إذا كان جنود قوات «الدعم السريع» سمموا الناس عمداً.

لكن المصدر الطبي قال إن عدداً متزايداً من الأشخاص الفارين من المدينة ثبتت إصابتهم بالكوليرا.

وذكر مسعفون آخرون من المدينة، لوكالة «رويترز»، أنه «بعد أن طرد الجنودُ الناس من منازلهم وسرقوا الأموال والسيارات والمواشي، لجأ معظم السكان إلى ساحات 3 مساجد».

واستولى الجنود أيضاً على الألواح الشمسية والأسلاك الكهربائية المستخدمة لاستخراج المياه الجوفية، مما أجبر بعض السكان على الاعتماد على بئر تقليدية ضحلة لم تُستخدم منذ عقود، وربما اختلطت مياهها بمياه الصرف الصحي، وفقاً لمسعفين وشاهد.

وطلب المسعفون والشهود عدم الكشف عن هوياتهم خشية التعرض للانتقام من أي من طرفي الصراع.

وقالت الأمم المتحدة في وقت سابق من هذا الأسبوع إن هناك تفشياً مشتبهاً به للكوليرا بين الفارين من شرق ولاية الجزيرة، وهو واحد من بين عدد من بؤر التفشي في أنحاء البلاد، لكنها لم تذكر مدينة الهلالية تحديداً.

وقالت غرفة طوارئ شرق النيل إن الأطباء في مستشفى أم ضوابان استقبلوا ما لا يقل عن 200 حالة كوليرا من المنطقة.

ووسط عدم وضوح السبب الدقيق، راح العشرات في الهلالية يصابون بآلام في المعدة وإسهال وقيء. وقال أحد الأطباء إن الجنود نهبوا مستشفيات المدينة وعياداتها وصيدلياتها؛ لذلك لم يتمكن سوى عدد قليل من الناس من الحصول على المضادات الحيوية والتعافي. وبدأ الباقون الذين لم يتمكنوا من الحصول على الدواء يموتون.

وقال شهود وصلوا إلى مدينة شندي، التي يسيطر عليها الجيش، إن أولئك الذين أرادوا المغادرة دفعوا لجنود «قوات الدعم السريع» مبالغ ضخمة لنقلهم خارج الولاية، وبقي الآلاف.

وقال رجل يبلغ من العمر 70 عاماً: «نجونا بأعجوبة من الموت لأن عدداً من حولنا مات بسبب المرض».

ودمرت الحرب التي اندلعت في أبريل (نيسان) 2023، بين الجيش و«قوات الدعم السريع»، البنية التحتية للسودان وأدت لانتشار الأمراض، مما أدى إلى أكبر أزمة جوع ونزوح في العالم.