جهود دبلوماسية تُفلح في إطلاق سراح فرنسي موقوف في تونس

كان يُجري بحثاً في الحركات الاجتماعية منذ اندلاع الثورة التونسية

تظاهرة نظمها حقوقيون تونسيون ضد التضييق على الحريات (أ.ب.إ)
تظاهرة نظمها حقوقيون تونسيون ضد التضييق على الحريات (أ.ب.إ)
TT

جهود دبلوماسية تُفلح في إطلاق سراح فرنسي موقوف في تونس

تظاهرة نظمها حقوقيون تونسيون ضد التضييق على الحريات (أ.ب.إ)
تظاهرة نظمها حقوقيون تونسيون ضد التضييق على الحريات (أ.ب.إ)

تمكن طالب فرنسي، كان محتجزاً في تونس، اليوم الجمعة، من العودة إلى باريس، بعد أسابيع من المناقشات الدبلوماسية رفيعة المستوى، حسب ما أورده تقرير لوكالة «أسوشييتد برس».

كان في استقبال فكتور دوبون، البالغ من العمر 27 عاماً، الذي حصل على درجة الدكتوراه في معهد البحوث والدراسات حول العالمين العربي والإسلامي بجامعة إيكس - مرسيليا، مجموعة من الأصدقاء والمؤيدين في مطار شارل ديغول بعد ظهر الجمعة، وذلك بعد 27 يوماً من اعتقاله في تونس. وكان دوبون، الذي يبحث في الحركات الاجتماعية والثورة التونسية منذ اندلاعها عام 2011، أحد ثلاثة مواطنين فرنسيين تم اعتقالهم في 19 من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وكانت السلطات قد أوقفت في السنوات الأخيرة صحافيين وناشطين وشخصيات معارضة، لكن توقيف دوبون أثار اهتماماً وإدانة دولية بسبب جنسيته الأجنبية، وأيضاً لأنه لم يكن معروفاً كمنتقد للحكومة.

كان مدير معهد الأبحاث والدراسات في جامعة «إيكس مرسيليا» حول العالمين العربي والإسلامي، فنسنت جيسر، قد أكد خبر اعتقال دوبون منذ 19 من أكتوبر في تونس، بقرار من القضاء العسكري. وقال بلهجة غاضبة: «إنه أمر غير مسبوق تماماً أن يتم تقديم باحث فرنسي شاب أمام القضاء العسكري التونسي».

وكان دوبون يجري بحثاً حول المسار الاجتماعي والمهني «للأشخاص الذين قد يكونون شاركوا في وقت ما بثورة 2011»، وهي أول انتفاضة شعبية في ما سُمي «الربيع العربي» أسقطت نظام حكم زين العابدين بن علي. وأوضح جيسر أنه «ليس موضوعاً سياسياً مرتبطاً بالمنشقين أو المعارضين، وليس موضوعاً أمنياً، إنه موضوع اجتماعي كلاسيكي»، داعياً السلطات التونسية إلى إطلاق سراحه.

ودوبون ملحق بمجلس البحوث الأوروبي (ERC)، الذي يمول برامج التميز العلمي. وكان قد وصل إلى تونس قبل نحو عشرة أيام من اعتقاله لإجراء مقابلات. وأضاف جيسر موضحاً: «لقد اعتقلته الشرطة التونسية يوم السبت 19 أكتوبر، وتم نقله إلى مركز للتحقيق، ووضعه في حجز الشرطة، وأحيل في اليوم نفسه على القضاء العسكري»، مؤكداً أن هذا القرار «اعتداء على الحرية الأكاديمية»، وأن «هناك تعبئة كاملة من قبل خدمات الدبلوماسية الفرنسية». كما تم اعتقال صديقة له فرنسية - تونسية، بعيد توقيفه، ووضعها قيد التوقيف من قبل القضاء العسكري.

من جهته، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية، كريستوف ليموين: «من الواضح أننا نرحب بهذه النتيجة بالنسبة له، والأهم من ذلك كله، أننا نرحب بأنه تمكن من لقاء أحبائه هنا في فرنسا». وأعلن المتحدث عن إطلاق سراحه في مؤتمر صحافي بالوزارة، الجمعة، قائلاً إنه «تم إطلاق سراح دوبون يوم الثلاثاء الماضي من السجن، وعاد الجمعة إلى فرنسا».

منظمات حقوقية اتهمت الرئيس سعيد بـ«تقييد الحريّات» (أ.ف.ب)

وتتهم منظمات حقوقية محلية الرئيس التونسي قيس سعيّد بـ«تقييد الحريّات»، علماً بأنه أعيد انتخابه بغالبية ساحقة بلغت 90.7 في المائة في 6 من أكتوبر الماضي، وازدادت حدة هذه الانتقادات قبل أيام عندما قضت محكمة تونسية بأحكام سجنية، تتراوح بين عام ونصف العام وأربعة أعوام ونصف العام في حق أربعة من صانعي المحتوى، وناشطين على منصتي «إنستغرام» و«تيك توك»، على ما أفادت وسائل إعلام محلية الأربعاء.

وتوبع الناشطون الأربعة، من بينهم صانعة المحتوى لايدي سامارا، بتهم تتعلق بـ«التجاهر بالفاحشة»، وفقاً للموقع الإخباري «بزنس نيوز». كما حُكم على ناشطة أخرى على منصتي «إنستغرام» و«تيك توك» بالسجن لمدة أربع سنوات ونصف السنة بتهمة «التجاهر عمداً بالفاحشة». وجاء القرار القضائي إثر بيان لوزارة العدل التونسية نُشر منذ نحو أسبوعين، جاء فيه أن «وزيرة العدل أذنت للنيابة العمومية باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة، وفتح أبحاث جزائية ضد كلّ من يتعمّد إنتاج أو عرض، أو نشر بيانات معلوماتية، أو بث صور أو مقاطع فيديو تحتوي على مضامين تمسّ بالقيم الأخلاقية».

وأثار هذا القرار ردود فعل واسعة وجدلاً في وسائل الإعلام المحلية، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي بين من دافع عنه وعدّه «خطوة صحيحة»، ومن رأى فيه «تقييداً للحريات».



«شرق السودان» على حافة الفوضى مع انتشار الحركات المسلحة

أعضاء جدد في القوات المسلحة السودانية يعرضون مهاراتهم خلال حفل تخرج في مدينة القضارف بشرق البلاد 5 نوفمبر (أ.ف.ب)
أعضاء جدد في القوات المسلحة السودانية يعرضون مهاراتهم خلال حفل تخرج في مدينة القضارف بشرق البلاد 5 نوفمبر (أ.ف.ب)
TT

«شرق السودان» على حافة الفوضى مع انتشار الحركات المسلحة

أعضاء جدد في القوات المسلحة السودانية يعرضون مهاراتهم خلال حفل تخرج في مدينة القضارف بشرق البلاد 5 نوفمبر (أ.ف.ب)
أعضاء جدد في القوات المسلحة السودانية يعرضون مهاراتهم خلال حفل تخرج في مدينة القضارف بشرق البلاد 5 نوفمبر (أ.ف.ب)

طالبت حركة شبابية، يتبع عناصرها قبيلة البجا العريقة في شرق السودان، بطرد الحركات المسلحة الحليفة للجيش من المنطقة، وتوعدت بإغلاق الإقليم الشرقي، الذي تتخذ الحكومة من عاصمته بورتسودان، مقراً إدارياً بديلاً عن العاصمة الخرطوم، والضغط من أجل إخراج المسلحين القادمين من أقاليم أخرى، واعتبرتها خطراً داهماً على أمن ونسيج الإقليم الاجتماعي.

وقالت الحركة، التي أطلقت على نفسها اسم «تيار الشباب البجاوي الحر»، في بيان، الجمعة، إن «وجود الحركات المسلحة القادمة من خارج الإقليم يُمثل خطراً داهماً، ليس على الأمن فقط، بل على نسيجنا الاجتماعي»، وإنها تتابع ما أسمته «الخطابات التي تثير النعرات القبلية التي تهدد وحدة الصف وتماسك المجتمع».

وتوعدت، بحسب البيان، بدء إجراءات «إغلاق كامل لحدود الإقليم» حتى خروج الحركات المسلحة منه، باعتباره خطوة ضرورية وواجبة بسبب تجاهل أهل الإقليم وسلامته. وأضافت: «نحن في تيار الشباب البجاوي الحر، لا ننكر الأدوار الوطنية الكبيرة التي قدمتها الحركات المسلحة... ولكننا نؤمن بأن وجود هذه القوات في إقليمنا، دون تنظيم أو تنسيق، قد يؤدي إلى اضطرابات نحن في غنى عنها».

عناصر من الجيش السوداني في القضارف (أ.ف.ب)

وعدّت مطالبتها حراكاً لحماية الإقليم من «أي توترات محتملة قد تُشعل الفتنة»، ودعت لما أسمته «إبعاد إقليمنا عن أي مواجهات أو صراعات، قد تجره إلى حالة من عدم الاستقرار».

نشاط مكثف للميليشيات

وتنشط في شرق السودان أكثر من 3 ميليشيات مسلحة دارفورية، على رأسها «حركة تحرير السودان» بقيادة مني أركو مناوي (حاكم إقليم دارفور)، وحركة العدل والمساواة السودانية بقيادة (وزير المالية) جبريل إبراهيم، وحركة تحرير السودان فصيل مصطفى طمبور، وهي حركات مسلحة وقّعت اتفاقية سلام السودان في جوبا، وانحازت للجيش في قتاله ضد «قوات الدعم السريع».

وأثار نشر ميليشيا أطلقت على نفسها اسم «الأورطة الشرقية» في شرق السودان، وهي قوات تدربت في إريتريا وتدعمها حكومة أسمرا، غضب جماعات بجاوية، على رأسها الزعيم القبلي محمد الأمين ترك، الذي حذّر من «عواقب وخيمة» قد تترتب على نشرها، وتعهد بالتصدي لها.

سودانيون فارُّون من منطقة الجزيرة السودانية يصلون إلى مخيم للنازحين في مدينة القضارف شرق البلاد 31 أكتوبر (أ.ف.ب)

إلى جانب حركات دارفور المسلحة و«الأورطة الشرقية»، تنتشر في الإقليم 8 حركات مسلحة من فسيفساء الإقليم، 4 منها تدربت تحت رعاية الجيش الإريتري وداخل معسكراته، وأشهرها: «مؤتمر البجا المسلح، بقيادة موسى محمد أحمد، وقوات مؤتمر البجا - الكفاح المسلح بقيادة الجنرال شيبة ضرار»، وغيرهما.

ملاسنات واتهامات بالعنصرية

ودارت الأربعاء ملاسنات كلامية بين قائد مؤتمر البجا - الكفاح المسلح، الجنرال شيبة ضرار، وقائد حركة تحرير السودان مني أركو مناوي، حيث طالب ضرار بإعادة الحركات المسلحة الدارفورية لتقاتل في دارفور وتوعد بمواجهتها، رداً على مطالبات مناوي بإيقاف الحملات «العنصرية» التي يشنها الرجل.

وتعد هذه الحركات حليفة للقوات المسلحة (الجيش)، وتقاتل إلى صفّها في حربها ضد «قوات الدعم السريع»، في شرق البلاد وشمالها وفي إقليم دارفور، تحت مسمى «القوات المشتركة»، لكن الآونة الأخيرة برزت تباينات داخل «الحلف»، على خلفية تناول «ملفات فساد» واتهامات لقادة ومسؤولين في تلك الحركات، نشرتها وسائط موالية للجيش.

حاكم إقليم دارفور رئيس حركة «جيش تحرير السودان» مني أركو مناوي (أ.ف.ب)

ونصّت اتفاقية جوبا لسلام السودان على دمج قوات هذه الحركات في الجيش، بيد أن الاتفاق لم ينفذ، ولكونها لا تملك قوات في وسط السودان، سمح لها الجيش بتجنيد آلاف المقاتلين الجدد، وفي معسكراته، ويغلب عليهم أنهم يتحدرون من أصول دارفورية، مقابل قتالها إلى جانبه.

ويخشى على نطاق واسع من مخاطر «تفكك» هذا الحلف، وتأثيراته الداخلية والإقليمية، في ظل «هشاشة» الأوضاع في شرق البلاد، ومن أطماع دول الجوار، فـ«إريتريا» درّبت في معسكراتها قوات مسلحة موالية للجيش، وأعلنت صراحة وقوفها مع الجيش السوداني، بينما تنظر «شذراً» لجارتها إثيوبيا، حيث كان الجيش قد اتهم إثيوبيا بمساندة «قوات الدعم السريع».