تكرر تأخر الرواتب... كابوس «ينغّص حياة» الليبيين

سياسيون أرجعوا الأزمة للتضخم الوظيفي واعتماد البلاد على النفط

محافظ مصرف ليبيا المركزي ناجي عيسى يلتقي بمكتبه عبد الحميد الدبيبة (المصرف)
محافظ مصرف ليبيا المركزي ناجي عيسى يلتقي بمكتبه عبد الحميد الدبيبة (المصرف)
TT

تكرر تأخر الرواتب... كابوس «ينغّص حياة» الليبيين

محافظ مصرف ليبيا المركزي ناجي عيسى يلتقي بمكتبه عبد الحميد الدبيبة (المصرف)
محافظ مصرف ليبيا المركزي ناجي عيسى يلتقي بمكتبه عبد الحميد الدبيبة (المصرف)

بعد أن تجددت أزمة تأخّر صرف الرواتب في ليبيا، وعد عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة «الوحدة الوطنية»، بحل الأزمة المتعلقة بصرف راتب شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، قبل نهاية الأسبوع.

ويرى سياسيون ليبيون أن هذه الأزمة تتكرر باستمرار في البلاد، وفي هذا السياق أوضح عضو مجلس النواب الليبي، عبد السلام نصية، أنها «مشكلة باتت مزمنة، خصوصاً في السنوات الماضية»، وأرجع في تصريح لـ«الشرق الأوسط» مسؤولية ظهور هذه الأزمة لعدة عوامل، أبرزها «ارتفاع أعداد العاملين بالدولة؛ مما رفع بند الرواتب التي أصبحت تشكل أكثر من 65 في المائة من دخل البلاد».

الدبيبة وعد بحل الأزمة المتعلقة بصرف راتب شهر أكتوبر الماضي (الشرق الأوسط)

وفي تقريرها لعام 2023، قدرت هيئة الرقابة الإدارية أعداد العاملين بالجهات الممولة من خزانة الدولة بمليونين و99 ألفاً و200 موظف. وحذر التقرير من تضخم عدد العاملين بالجهاز الإداري للدولة، لما له من تأثير مباشر على التنمية والإنتاج، إذ بلغ إجمالي رواتبهم خلال الفترة الممتدة من سنة 2012 إلى 2023 نحو 372 ملياراً و759 مليوناً و500 ألف دينار. (الدولار يساوي 4.86 دينار في السوق الرسمية).

مرتبات عشوائية

أوضح عبد السلام نصية أن «التوسع في التعيينات بالقطاع العام، وأيضاً قرارات زيادة الرواتب العشوائية، لم يقابلهما زيادة في الدخل العام، كما أنهما تمّا في إطار التنافس بين الحكومات والأفراد بهدف كسب الولاءات».

وتتنافس على السلطة في ليبيا حكومتان: الأولى هي «الوحدة الوطنية» التي يرأسها الدبيبة، وتتخذ من العاصمة طرابلس غرب البلاد مقراً لها، والثانية مكلفة من البرلمان، وتدير المنطقة الشرقية وبعض مناطق الجنوب.

ويرى نصية أن اعتماد البلاد على النفط بوصفه مورداً رئيسياً للدخل يعد «سبباً إضافياً للأزمة»، وقال موضحاً: «بات أي تذبذب في أسعار النفط وكميته المستخرجة ينعكس سلباً على الدخل العام، وبالتبعية تتأثر رواتب العاملين من حيث القيمة، وأيضاً توقيت صرفها».

بات جل الليبيين يجدون صعوبة في شراء مستلزمات حياتهم بسبب تأخر الرواتب (أ.ف.ب)

وأضاف نصية سبباً آخر، يتمثل في «ظهور سياسات غريبة للمالية العامة»، من أهمها ما يسمى بـ«الإفراجات» التي يشوبها الكثير من الفساد، فضلاً عن انهيار ما يعرف بـ«الدورة المستندية» للدخل، من خلال قيام المؤسسة الوطنية للنفط بحجب الإيرادات والتصرف فيها قبل توريدها.

وانتهى نصية إلى أن كل الأسباب السابقة، مع زيادة سعر الصرف نتيجة التوسع في الإنفاق الناتج عن الانقسام المؤسساتي «سيظل من الأسباب التي تؤدي إلى استمرار وتفاقم أزمة الرواتب».

أزمة قديمة

من جانبه، عبر عبد العزيز الحاج (اسم مستعار) عن استيائه من تأخر صرف الرواتب طوال السنوات الماضية، ورأى أن المسؤولين «لا يشعرون بتزايد الأعباء المعيشية» عليه، وعلى زملائه من العاملين بالقطاع الحكومي.

يقول الحاج، وهو من قاطني الجنوب الليبي لـ«الشرق الأوسط»، إن «الأزمة ليست جديدة، لكنها تضغط على كثير من الأسر، وخصوصاً مَن لا يملكون دخلاً إضافياً».

بدورها، حمَّلت الأكاديمية الليبية، فيروز النعاس، أزمة الرواتب «للصراع والانقسام السياسي والحكومي والمؤسسي الراهن في البلاد». وقالت لـ«الشرق الأوسط» إنه «في ظل أجواء الخصومة ما بين حكومة الدبيبة والبرلمان، فإن هذا الأخير يعتمد الميزانية للحكومة المكلفة من قِبَله برئاسة أسامة حماد، ثم لا يتعامل المصرف المركزي المسؤول عن السياسة النقدية مع تلك الحكومة؛ بسبب عدم حصولها على الشرعية الأممية».

وتساءلت فيروز النعاس عن غياب اللجان والدراسات المتخصصة لتحديد الأولويات التي تحتاج إليها البلاد، معربة عن قناعتها بأن كل «المشاريع التي ينفذها المسؤولون، شرقاً وغرباً، تأتي في إطار المنافسة بينهم في حصد إنجازات تنسب لهم، رغم تمويلها من الخزينة العامة».

واجهة البنك المركزي في طرابلس (رويترز)

ولم يبتعد الناشط السياسي الليبي، حسام القماطي، عن الآراء السابقة، حيث أوضح أن ليبيا هي «الدولة الوحيدة التي يعد فيها صرف الراتب إنجازاً تتباهى الحكومات بتحقيقه». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «رغم معايشة الليبيين لأزمات اقتصادية كثيرة خلال السنوات الأخيرة، فإنهم يشعرون بالاستياء تجاه عجز دولتهم النفطية عن الوفاء بالتزاماتها تجاههم فيما يتعلق بأبسط حقوقهم، أي الراتب يكون مضاعفاً».

وتحدث القماطي عن «سوء التنظيم بين المؤسسات المالية بالبلاد، وسوء الإدارة وكثرة تغيير السياسات، جراء تعاقب الحكومات بعد (ثورة فبراير)، ومعوقات البيروقراطية». وتساءل في هذا السياق عن «عدم انتباه المسؤولين لعدم وجود أموال في حسابات المؤسسة الوطنية للنفط تكفي لتغطية الرواتب، وهذا هو سبب الأزمة الشهر الحالي».

كما تساءل القماطي مستنكراً: «كيف يتم حرمان أغلب الموظفين البسطاء من رواتبهم، التي ربما لا ترتفع عن ألفي دينار، فيما سجلت تقارير المصرف المركزي إنفاق أكثر من ملياري دينار منذ بداية العام الحالي على وزارة الخارجية، التي يذهب أغلبها بوصفه رواتب تصرف بالعملة الأجنبية لموظفي البعثات والسفارات الليبية بالخارج».

أما الناشط السياسي الليبي، بشير الشيخ، فيؤكد من جانبه، أن أزمة تأخر الرواتب عرفها المجتمع الليبي خلال نظام الرئيس الراحل معمر القذافي، لكنها لم تتكرر كثيراً، مقارنة بالسنوات الأخيرة، وتحديداً مع حدوث الانقسام السياسي والحكومي. وأوضح الشيخ لـ«الشرق الأوسط» أن الكثير من الموظفين يلجأ للاستدانة للتغلب على معضلة تأخر الرواتب، فيما يضطر بعضهم للعمل في وظيفة إضافية بالقطاع الخاص».


مقالات ذات صلة

دعم غربي متزايد لإجراء الانتخابات البلدية الليبية

شمال افريقيا السايح خلال اجتماع مع أجهزة أمن المنطقة الغربية (مفوضية الانتخابات)

دعم غربي متزايد لإجراء الانتخابات البلدية الليبية

وسط دعم أميركي وأوروبي لإجراء المرحلة الأولى من الانتخابات البلدية في ليبيا، حثّت هولندا على نزاهة عملية الاقتراع.

خالد محمود (القاهرة )
شمال افريقيا من عملية ضبط مهاجرين في صبراتة قبل تهريبهم إلى أوروبا (مديرية أمن صبراتة)

السلطات الليبية تعتقل 90 مهاجراً قبل تهريبهم إلى أوروبا

عثرت السلطات الأمنية في مدينة صبراتة الليبية على «وكر» يضم 90 مهاجراً غير نظامي، تديره إحدى عصابات الاتجار بالبشر.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا صورة أرشيفية للقاء تكالة مع القائمة بالبعثة الأممية (البعثة)

تصاعد أزمة «الدولة» الليبي بعد إعلان تكالة فوزه

تصاعدت أزمة النزاع على رئاسة المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، اليوم الثلاثاء، بعد إعلان رئيسه السابق محمد تكالة فوزه مجدداً برئاسته، وسط اعتراض خالد المشري.

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا احتجاج سابق لمرضي ضمور العضلات أمام مقر الحكومة بطرابلس (رابطة مرضى ضمور العضلات في ليبيا)

ليبيا: ضحايا «ضمور العضلات» يشكون التجاهل وبطء العلاج

يطالب مرضى ضمور العضلات في ليبيا بإنشاء مستشفى متخصص لخدمتهم، ووحدات رعاية بالمستشفيات الكبرى في البلاد.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا ضجة «إلزامية الحجاب» في ليبيا... تعارض دستوري وصمت حكومي

ضجة «إلزامية الحجاب» في ليبيا... تعارض دستوري وصمت حكومي

يرصد محللون ليبيون عقبات دستورية وقانونية وسياسية محتملة تعترض تفعيل ما ذهب إليه الطرابلسي، بخصوص فرض الحجاب على طالبات المدارس.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

مصر والأردن والعراق لتوسيع الشراكة في «النقل البحري»

محادثات وزراء النقل في مصر والأردن والعراق بالإسكندرية (النقل المصرية)
محادثات وزراء النقل في مصر والأردن والعراق بالإسكندرية (النقل المصرية)
TT

مصر والأردن والعراق لتوسيع الشراكة في «النقل البحري»

محادثات وزراء النقل في مصر والأردن والعراق بالإسكندرية (النقل المصرية)
محادثات وزراء النقل في مصر والأردن والعراق بالإسكندرية (النقل المصرية)

تعزز مصر والأردن والعراق شراكتها في مجال النقل البحري، من خلال التوسع في الخطوط الملاحية وأعمال شركة «الجسر العربي» للملاحة (شركة مشتركة بين الدول الثلاث)، خصوصاً في منطقة البحر الأحمر.

وأكد وزراء النقل في مصر والأردن والعراق، خلال اجتماع وزاري بالإسكندرية، الأربعاء، «دعم تطوير وتحديث نشاط شركة (الجسر العربي)، ما يعزز دورها في حركة التجارة بين قارات آسيا وأفريقيا وأوروبا».

وتأسست شركة «الجسر العربي» للملاحة، إثر اتفاق بين حكومات مصر والأردن والعراق عام 1985، واستهدفت استثمار الموقع الاستراتيجي للدول الثلاث، بإقامة خط بحري بين ميناءي العقبة في الأردن، ونويبع في مصر لنقل الأفراد والبضائع، ويقع مقرها في الأردن، ويسمى أعضاء الإدارة التنفيذية للشركة من الدول الثلاثة.

ووفق وزارة النقل المصرية، الأربعاء، فإن وزير النقل المصري، كامل الوزير، ونظيريه، الأردني، وسام التهتموني، والعراقي، رزاق السعداوي، ناقشوا «نتائج أعمال الشركة خلال الفترة الماضية»، وقالت «النقل» إن «الشركة قامت بنقل أكثر من 200 ألف مسافر، ونحو 70 ألف شاحنة، عبر الخط البحري (العقبة-نويبع)، خلال العام الحالي».

وأثرت التوترات التي تشهدها المنطقة على حركة التجارة والملاحة عبر البحر الأحمر وقناة السويس، ودفعت هجمات جماعة «الحوثيين» اليمنية، على السفن المارة في مضيق باب المندب جنوب البحر الأحمر، منذ نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي، شركات الشحن العالمية، لإيقاف عملياتها في الممر المائي، واتجهت لتحويل السفن إلى طرق بديلة، منها مجرى رأس الرجاء الصالح.

وأشاد وزير النقل المصري خلال الاجتماع الوزاري بـ«تحقيق نتائج إيجابية في حركة التجارة عبر الجسر العربي، رغم الأوضاع الإقليمية الصعبة»، وطالب «بزيادة حجم التعاون الثلاثي في مجال النقل، ما يعزز التجارة البينية، وحركة الصادرات والواردات بين الدول العربية».

ودعا وزراء النقل الثلاثة إلى «فتح خطوط ملاحية جديدة للشركة في منطقة البحر الأحمر، ما يعزز مكانتها في صناعة النقل البحري»، وأكد وزيرا النقل في الأردن والعراق «مواصلة الدعم لـ(الجسر العربي) لتسهيل أعمالها، ومواصلة نشاطها التجاري، في الوقت الذي تعاني معظم شركات النقل، بسبب الأوضاع الإقليمية»، حسب بيان «النقل» المصرية.

مستشار النقل البحري المصري، الخبير أحمد الشامي، يرى أن «توسيع شركة (الجسر العربي) لنشاطها الملاحي والتجاري بالبحر الأحمر، خطوة مهمة في تنشيط حركة التجارة»، وقال إن هذا التحرك «سوف يسهم بشكل قليل في تخفيف خسائر تراجع إيرادات قناة السويس».

وفي وقت سابق، تحدث الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، عن تراجع إيرادات قناة السويس، بسبب التوترات الجيوسياسية، وقال في سبتمبر (أيلول) الماضي، إن حجم الخسائر بلغ نحو 6 مليارات دولار. (الدولار يساوي 49.32 جنيه في البنوك المصرية).

كما أشار رئيس «هيئة قناة السويس» المصرية، الفريق أسامة ربيع، إلى أن حجم الانخفاض في موارد القناة وصل لنحو 62 في المائة، موضحاً في تصريحات خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أن «أعداد السفن تراجعت من 25887 سفينة خلال العام الماضي إلى 20148 خلال العام الحالي».

من جهته قال الشامي لـ«الشرق الأوسط» إن «مصر والأردن والعراق تسعى لتوسيع النشاط التجاري لـ(الجسر العربي)»، مشيراً إلى أن «الدول الثلاث تستهدف إقامة محور تجاري بالمنطقة لجذب شركات الشحن العالمية».

في سياق ذلك، تحدث مدير «الجسر العربي»، عدنان العبادلة، خلال الاجتماع الوزاري، الأربعاء، عن إجراءات جديدة لتنويع وزيادة أعمال الشركة تتضمن «تطوير وتحدث أسطولها البحري عبر شراء قاربين سياحيين وباخرة شحن حديثة ليصل إجمالي وحدات الأسطول إلى 10 وحدات بحرية متنوعة»، إلى جانب «التوسع في سياسة التأجير، وتنمية حركة التبادل التجاري عبر الخط البحري (العقبة-نويبع)».

وأشارت وزارة النقل المصرية في يناير (كانون الثاني) الماضي، إلى أن «شركة (الجسر العربي) تحقق مكاسب سنوية تتراوح بين 60 و70 مليون دولار تقريباً».